يأس محمد المخزنجي من قسوة الإنسان على الحيوان

26 ديسمبر، 2022

 

حيوانات أيامنا، قصص قصيرة لمحمد المخزنجي
ترجمها عن العربية تشيب روسيتي
Syracuse University Press 2022
الترقيم الدولي 9780815611486

 

صليحة حداد

 

في القصص التي جُمعت في حيوانات أيامنا، تعد الحيوانات ومعاناتها، التي تحملتها بشكل خاص بسبب البشر أو على أيديهم، بمثابة تعليق سياسي. سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، وهو وضع لا يقارن بتورطها في حروب وصراعات بشرية. في "أرانب مسحورة"، على سبيل المثال، تصبح الأرانب تحت رحمة الناس على الرغم من تحررها الأولي بسبب الغضب الناجم عن الاحتجاجات، حيث يمسك بها المتظاهرون وأفراد الأسر الفقيرة الذين يريدون أكلها، بالإضافة إلى إساءة معاملتها من قبل الجنود المكلفين بحفظ النظام، الذين يريدون استخدامها كدليل ضد المتظاهرين.

حيوانات أيامنا من إصدارات Syracuse.

في ثمانينيات القرن العشرين، شهد المخزنجي آثار كارثة تشيرنوبل النووية عن قرب أثناء إقامته في كييف - أوكرانيا، ثم انتقل من ممارسة الطب إلى الكتابة. لم تدفعه تشيرنوبل إلى تغيير مساراته المهنية فحسب، بل ألهمت أيضًا كتاباته المستقبلية، بدءًا من مذكراته الرائعة والمؤلمة، Memories of a Meltdown (بالعربية: لحظات غرق جزيرة الحوت)، التي نُشرت (بالإنجليزية) في العام 2006، والتي جمع فيها ذكريات الأشخاص الذين عاشوا الكارثة بعد عشر سنوات من وقوعها.

ولد المخزنجي في مصر العام 1950، ونشر العديد من القصص القصيرة والمقالات العلمية حيث تمتزج مهاراته الأدبية ومعرفته العلمية معًا. حيوانات أيامنا  لا تختلف عن ما يكتب عادة. كتبت القصص القصيرة في المجموعة بأشكال مختلفة، تتراوح بين كتابات الرحلات والمذكرات إلى التقارير الصحفية وأحلام الهذيان. يكتب باعتدال، ويختار بعناية الكلمات التي تستكشف موضوعات المكائد السياسية والإساءة البشرية للحيوانات من خلال الحرب والصراع والتعذيب. خذ على سبيل المثال هذا المقطع من "اكتئاب الخيول"، وهو سرد للتأثير الجسدي والنفسي للاحتلال الإسرائيلي لجزيرة تيران المصرية بين عامي 1967 و 1982 على شعبها وحيواناتها، وخاصة الخيول:

"خيول مثل الصبايا الجميلات، يزيد حسنهن التنعم والتدليل، وتشوههن القسوة والشقوة، خيول مهرت في عبور المسارب الدقيقة بين اللغم واللغم، مثلما هي ماهرة في البخترة بين النغمة والربع نغمة".

سواء في قصصه القصيرة أو كتاباته غير الروائية، لا يتردد المخزنجي في توجيه النقد للتلاعبات السياسية والإخفاقات في مصر وكذلك في الدول الأخرى. في لحظات غرق جزيرة الحوت، على سبيل المثال، يتنقل بمهارة بين جمال موسم الربيع وأهوال حادث تشيرنوبل، ويكشف عن القمع السياسي لخطر الحادث كما يكشف عن عدم كفاءة الدولة، خاصة بالنسبة إلى السكان المقيمين في المنطقة. في واحدة من أحدث مقالاته لمجلة ساينتفك أمريكان في نسختها العربية ، "القنابل القذرة. خيال يفضح الواقع والاحتمال"، ينتقد الادعاءات التي تستخدمها الدول للعب على مخاوف شعوبها، مستغلة الخوف كذريعة لشن حرب ضد دول أخرى، سواء في الماضي كما هو الحال مع الحرب العالمية الأولى، أو في الوقت الحاضر، كما هو الحال مع الحرب الروسية الأوكرانية المستمرة.

وبالمثل، في كتابه حيوانات أيامنا، المليء بتجاربه الواقعية وملاحظاته الدقيقة لعالم الحيوان، ينتقد المخزنجي الألعاب السياسية والقرارات والإجراءات من خلال وضع الحيوانات المختلفة في قلب القصص، التي تعمل كبديل ومقارنة وتوازٍ مع الناس، وخاصة الأشخاص المحاصرين في مسرح السياسة الخطير في كثير من الأحيان.

في القصة الأولى، "غزلان ومهر وجراء"، أصبح هذا الفخ للحيوانات وعدم قدرتها على مواجهة القوى السياسية التي تحاصرها واضحًا بالفعل. الحيوانات التي يتم العثور عليها في قصر نظام استبدادي بعد أن احتلته مشاة البحرية التابعة للجيش الغازي إما ستقتل أو ستحبس في قفص، وهو مصير مشابه لمصير الأشخاص الضعفاء غير القادرين على الهروب من الاستبداد أو أهوال الحرب. في "أرانب مسحورة"، واحدة من أروع القصص في المجموعة، يقارن الكاتب الغموض الشعري لـ"الأرانب البيضاء الزاهية المبهرة"، التي تستمر في الظهور والاختفاء، بالاحتجاجات العنيفة في مصر. قصة الحيوانات تستحضر المتظاهرين والأحداث نفسها. يتم تحرير الأرانب، المحبوسة كممتلكات خاضعة للحاكم، أثناء الاحتجاجات وتهرب مثل الأشخاص الذين تعرضوا للقمع في ظل السلطة الحاكمة وثاروا أخيرًا لتحرير أنفسهم منها. تعزز هذه المقارنة من خلال تناقض الكاتب مع جمال لحظات الراوي مع الأرانب والظهور الوحشي للجنود:

كانت لحظة ابتسامتها، ووثارة الفراء الأبيض الناعم الدفئ في حضني لحظة مسحورة من لحظات العمر الجميل، ثم بدأت أتبين اقتراب العساكر وهم يمدون أياديهم لأخذ الأرنب.

لا يتوقف تعليق المخزنجي السياسي عند التصريحات المباشرة أو الدقيقة حول انتهاكات السلطة الأكثر وضوحًا مثل الاستبداد والحرب، بل يمتد إلى أنظمة السلطة السياسية التي تؤثر على المهمشين. في قصة "دببة بيضاء.. دببة سوداء"، حيث تشعر المرأة بالارتباط بالدببة التي يتم صيدها من أجل العروض السياحية في راجستان في الهند، يفسر الكاتب معاناة النساء من خلال تشبيهها بمعاناة الحيوانات اليائسة، حيث يستخدم المجتمع النساء بشكل منهجي لاصطياد الدببة، ويستخدم الدببة لجذب اهتمام السياح، وبالتالي أموالهم.

على الرغم من أن المخزنجي يميل إلى التركيز على الحاضر، إلا أنه يعود أيضًا بالزمن إلى ما يصفه بـ"تجواله السياسي" في قصة "سمكات أرجوانية صغيرة"، للتفكير في الاستعمار والإمبريالية. هنا يحاول الراوي رؤية السمكة أثناء رحلة إلى الصين وإلى أماكن ذات أهمية تاريخية فيما يتعلق بمعتقداته السياسية. تذكِّر الذاكرة الاستثنائية للسمكة الأرجوانية الصغيرة بمهارة أهمية عدم نسيان الماضي أبدًا.

تظهر قصة "بغال" معاناة تلك الحيوانات؛ ضعيفة لكنها مرنة، تستخدم البغال للاتجار بين حدود بلدين في صراع. ومع ذلك، فإن وضعها ينحرف إلى شيء أسوأ من الاستغلال، حيث يتعين عليها مواجهة خطر القتل بيد حرس الحدود. قصتا "اكتئاب الخيول" و"على ظهر فيل" هما أيضًا قصتان عن هذا الاستغلال، حيث تتعرض الحيوانات للأذى جسديًا وعقليًا. تستكشف قصة "الأتن" أيضًا معاناة الحيوانات بسبب الحرب والصراع. تأخذ القصة الراوي إلى رحلة سريالية إلى الوراء في الزمان والمكان، إلى حريق روما العظيم في عهد نيرون.

إن موضوع تجاهل الإنسان للحيوانات، وفي بعض الأحيان وحشيته المباشرة، في قلب بعض هذه القصص: في "جنادب نحاسية"، يتم وضع الجنادب في صناديق وبيعها. في "كان يطارد فراشة في البحر"، يلاحق الراوي سمكة-فراشة في البحر ليمسك بها. تأتي التكنولوجيا لتعطل حياة الحيوانات في "جواميس"، وتعرض رحلات الاكتشاف في ناميبيا في قصة "الأفيال ترتوي" الحيوانات للاستغراب في موائلها الطبيعية البرية.

تقدم هذه الترجمة الإنجليزية الرائعة من العربية التي قامت بها تشيب روسيتي الفروق الدقيقة في الموضوع وشاعرية محمد المخزنجي. وهكذا يؤكد حيوانات أيامنا مكانته كعمل نقدي وفني فريد يضع الحيوانات في مركزه، وينتمي إلى مجموعة من الكتب تشمل مزرعة الحيوانات لجورج أورويل وأيضًا جذور السماء لرومان جاري.

 

ولد محمد المخزنجي في مصر ويعيش في القاهرة. مارس مهنة الطب لمدة اثني عشر عامًا قبل أن يتحول إلى الصحافة والكتابة العلمية، حيث عمل في الكويت في مجلة العربي. نشر عدة مجموعات من القصص القصيرة، وظهرت ترجمات لأعماله بخمس لغات. في العام 1992، فاز بجائزة أفضل مجموعة قصصية في مصر.

صالحة حداد هي مساعدة محرر جزائرية في دار نشر بوتسوتسو التي تتخذ من جنوب إفريقيا مقرًا لها، ومحررة أدبية في المجلة الأدبية Hotazel Review. عملت كمحاورة أدبية في Africa in Dialogue ونُشرت مراجعاتها للكتب في The Other Side of Hope, The New Arab, and The Transnational Literary Journal. نُشرت أعمالها الإبداعية أو ستصدر قريبًا في Agbowo و Isele Magazine و Newlines Magazine. في العام 2021 تم إدراجها في القائمة القصيرة لجوائز الكتاب الأفارقة وحصلت على المركز الأول في مسابقة ANTOA الأدبية الأولى.

القسوة على الحيواناتتشيرنوبيلأدباء مصريون خيال خياليأورويلرومان غاريالحرب

اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *