لهيب جادو، فنانة عراقية في الشتات

5 فبراير، 2023

 

تعيش لهيب جادو في لوبوك - تكساس. استمتعت بمسيرة مهنية عابرة للحدود وواسعة المدى. منذ أوائل تسعينيات القرن العشرين، عُرضت أعمالها الفنية في معارض فردية وجماعية، بما في ذلك ثمانية عروض مفتوحة ومحلَّفة في العام 2022 فحسب، في أماكن تبدأ من كاليفورنيا إلى عمان - الأردن، وأماكن متعددة بينهما. نالت أعمال جادو دعمًا واهتمامًا في ولاية تكساس التي تعدها ديارها، وهي محفوظة ضمن العديد من المجموعات الفنية في تكساس، وضمن مجموعات خاصة وعامة في جميع أنحاء أمريكا الشمالية وخارجها. تعطي أساطير وروايات جادو المصورة أساسًا وغاية للأجزاء المتحركة التي لا تُعد ولا تُحصى من الحياة التي تتجاوز الحدود. توحي مشاهدة فنها بمفهوم يد الأم غير المرئية التي تنسق الزهور على الطريقة اليابانية القديمة (إيكيبانا). يبدو أن أعمال جادو الفنية تصور ترتيبًا وإعادة ترتيب مستمرين للثقافات والأعراق والقصص، وربما استرداد شجرة عائلة بدائية أيضًا.

بداية من دراسة العمارة في الجامعة الأمريكية في بيروت (AUB)، تزيد جادو انضباطها في معهد رينسيلار للفنون التطبيقية - نيويورك، وجامعة تكساس للتكنولوجيا - لوبوك. مضيفة إلى مخزونها درجة الماجستير الثانية في الفنون الجميلة من جامعة تكساس للتكنولوجيا، عملت جادو أستاذة ثم عميدة لكلية الهندسة المعمارية في جامعتها في تكساس، حيث لا تزال تدرِّس حتى اليوم. كفنانة مطلوبة، تُعرض أعمالها في المعارض الوطنية والدولية، تدور حول مواضيع مثل الحرية والهجرة وحقوق الإنسان والمرأة والمناخ والعدالة الاجتماعية.

عندما يتعلق الأمر بالعراق، تتذكر جادو عائلة ازدهرت في السنوات التي سبقت استيلاء حزب البعث على السلطة. كان والداها حجر الزاوية في مجتمعهم التركماني، وساهما في تأسيس العراق الحديث. ولكن في العام 1965، اقتُلعت عائلة جدو، ومنذ ذلك الحين، كانت لها علاقة متقطعة مع العراق.

عشية الذكرى العشرين للغزو الأمريكي للعراق في مارس 2003 ، تحدث TMR مع جادو عن خلفيتها التركمانية وتجاربها في العراق وحياتها اليوم.

المجموعة العرقية التركمانية هي واحدة من أكبر المجموعات العرقية في العراق، ويُعتقد أن لها أصول تعود إلى القرن السابع في آسيا الوسطى. يعيش الشعب التركماني المنتشر جغرافيًا - على الأقل جزئيًا تحت تأثير الإمبراطورية العثمانية - في المقام الأول على رقعة  من أرض العراق، تمتد تقريبًا من الزاوية الشمالية الغربية للبلد حتى حدودها الجنوبية الشرقية الوسطى. ولأنهم يتحدثون بالعامية التركية، فقد حُرم الشعب التركماني في ظل نظام صدام حسين من الحقوق اللغوية والثقافية والسياسية.

 

"وردة"، ورده سگيتها من دمع العيون (وسائط مختلطة، 16×20") هو عنوان أغنية من عراق طفولتي. إنه يشير إلى زهرة تُسقى بالدموع. "وردة" هي جزء من مجموعة من الكولاج الذي صنعته أثناء الاستماع إلى "وردة" وغيرها من الأغاني العراقية القديمة التي لم أسمعها منذ العام 1965. كل عراقي يعرف أغنية "وردة" لأنها كثيرًا ما كانت تُبث في الإذاعة والتلفزيون العراقي، خاصة بين العامين 1955 و1965 عندما كنت هناك. بطريقة ما، أغنية "وردة" محفورة في تاريخنا.


جيراكوليس
: كيف كانت الحياة المبكرة في العراق بالنسبة إلى عائلتك؟

جادو: بدأ والدي يعمل كمهندس ري حوالي العام 1945، انصب عمله على بناء منشآت للسيطرة على فيضان نهر دجلة. كما شمل عمله بناء الطرق والمطارات وأنظمة المرافق في بغداد. كان مثقفًا وذا تفكير تقدمي، وأراد الزواج من امرأة تركمانية متعلمة. كان لدى والدتي تطلعات مماثلة، كسرت التقاليد وقررت عدم الزواج من ابن عمها. من خلال الشبكة التركمانية العراقية، وجد والداي بعضهما البعض وتزوجا في العام 1954. كانت والدتي معلمة مدرسة، ثم مديرة مدرسة في وقت لاحق. بعدما خصصت عدة سنوات لتربية أطفالها الخمسة غيرت مهنتها. في منتصف الثمانينيات، سافرت إلى اليابان لتعلم فن تنسيق الزهور الياباني القديم Ikebana . عندما عادت إلى العراق، صارت تدرِّس مواضيع تتعلق بالنباتات والزهور وفن التنسيق.

 

جيراكوليس: متى غادرت أنت وعائلتك العراق لأول مرة؟ 

جادو: المرة الأولى التي غادرنا فيها كانت في العام 1965، مع وصول حزب البعث وأوامرهم بشنق والدي. بعد إقامة لمدة 10 سنوات في بيروت، حيث ذهبت إلى المدرسة الثانوية وإلى الجامعة الأميركية في بيروت لمدة عام واحد من دراسة الهندسة المعمارية، اندلعت الحرب الأهلية في لبنان. في العام 1975، مُنحنا العفو وعادت عائلتنا إلى العراق. بعد ذلك بوقت قصير، انتقلت إلى نيويورك لمواصلة تعليمي. وباعتباري الأكبر بين خمسة أطفال، كنت أول من غادر، وتفرق بقيتنا تدريجيًا.

أختي بارين، صانعة أفلام الآن، غادرت في العام 1976 إلى جامعة ولاية أوهايو. عاد أخي فلاح مع والدي إلى العراق، وأكمل دراسته الثانوية، وخدم في الجيش، ثم هرب في العام 1980 من الحرب العراقية الإيرانية ليكمل دراسته في جامعة جورج تاون في واشنطن العاصمة. بدأت أختي، ينار، التي تدير منظمة لحرية المرأة في العراق، دراسة الهندسة المعمارية في بغداد قبل الذهاب إلى تورنتو للحصول على شهادة في دراسات المرأة في العام 2010. وأخي إبراهيم الأصغر المولود في العام 1962 غادر العراق في العام 1980 وحصل على شهادته في برمجة الكمبيوتر في بوفالو - نيويورك.

في وقت لاحق، غيرت عاصفة الصحراء كل شيء حقًا. بعد أن هاجم العراق الكويت في العام 1990 ، دافعت الولايات المتحدة عن الكويت، وهي مورد رئيسي للنفط بالنسبة إلى الولايات المتحدة، وأصبح العراق مكانًا صعبًا للعيش فيه، لذلك غادر والداي إلى كندا.

يوگ (16×20"، 2021) من الكلمة التركمانية التي تعني "الوزن"، لكن المعنى الحقيقي يأتي مما كانت تقوله جدتي التركمانية، يكم چوخ آغردى، بمعنى: "أنا مثقل".

 

جيراكوليس: ما الذي دفعك للانتقال إلى تكساس؟

جادو: كان الانتقال إلى تكساس لدراسة الهندسة المعمارية والفنون الجميلة في جامعة تكساس للتكنولوجيا. أصبح غرب تكساس في النهاية منزلي. إنه المكان الذي تزوجت فيه وربيت أطفالي، وحيث يوجد الاستوديو الخاص بي.

جيراكوليس: كيف تصفين عملك كفنانة؟

جادو: يدور عملي حول الأساطير، والروايات الخيالية التي تربطني بقوة بعالم الطبيعة والروح. أقوم بإنشاء روايات بصرية لمساعدتي على الشعور بالاتصال والتركيز في هذا العالم. على مر السنين، حظي عملي بالاهتمام، وما زلت أعرض عملي محليًا وإقليميًا وعلى مستوى الولايات المتحدة وعالميًا.

 

 

 

جيراكوليس: هل يمكنك أن تحكي المزيد عن تراثك التركماني؟

جادو:جدي لأبي، الحاج محمد جادو، من تلعفر، وهي بلدة صغيرة في شمال غرب العراق. وهو من قبيلة تركمانية استقرت في المنطقة خلال عهد الأسرة العباسية (750 م إلى 1258 م). لقد أجريت بعض الأبحاث واكتشفت أن القبيلة وضعت في تلك المنطقة في شريط قطري، يمتد عبر العراق من المنطقة الشمالية الغربية وصولًا إلى الجنوب الشرقي ، لفصل العرب عن الأكراد أو الفرس أو أي عرق آخر كان موجودًا في ذلك الوقت في شمال شرق العراق. كشف بحث آخر أن قبيلة جدي لأبي كانوا مقاتلين وفرسان (على الأغلب مقابل المال) يعملون لحساب العباسيين!

في حوالي العام 1910، أجبر الحاج محمد جادو على الزواج الأول من قريبة أكبر سنًا. في وقت لاحق، في إحدى رحلاته عبر شمال غرب سوريا، أثناء زيارته لعدة مجموعات عشائرية تُدعى شمر لمقايضة القمح بالماشية، توقف عند بئر ماء ليروي عطشه. هناك التقى مريم، التي تبين أنها ابنة قبيلة شمر بالتبني. كانت مريم أرمينية، فقدت جميع أفراد عائلتها خلال الإبادة الجماعية للأرمن. كما تقول القصة، اشتراها جدي ببعض العملات الذهبية، وأصبحت زوجته الثانية المحبوبة حوالي العام 1920.

 جيراكوليس: تمر هذا العام الذكرى العشرين لحرب الخليج الثانية، التي تسمى أيضًا "حرب العراق"، التي بدأت عندما غزت الولايات المتحدة العراق في 20 مارس 2003. هل تعتقدين أن العراق يخرج أخيرًا من تحت سحابة الحرب والاحتلال، ويبدأ في الاعتماد على سلطته الخاصة؟

جادو: أنا بعيدة عن العراق. تستند استنتاجاتي إلى ما أسمعه وأراه من الأشخاص الذين أعرفهم والذين يعيشون هناك، أو يرتبطون بطريقة ما بالعراق من خلال عملهم.

ضاع البلد. أجزاء منه في حالة من الفوضى الكاملة بسبب الدمار الذي سببه داعش. سمعت أن مسقط رأس والدي، تلعفر، لا تزال تتألم، وكذلك العديد من البلدات الإيزيدية في تلك المنطقة. لقد خفت حدة القوانين الوطنية، وسُمح الآن بتعدد الزوجات للرجال، الأمر الذي يعيث فسادًا في المجتمعات وربما يؤدي إلى اضطرابات أكثر مما أعرفه. هل كل هذا بسبب حرب الخليج؟ أنا أعرف فقط أن حرب الخليج حدثت خلال الفترة من 1990 إلى 1991 أزالت كل شعور بالنظام كان قائمًا، واستُبدلت السيطرة الدينية بالعديد من المنظمات العلمانية.

جيراكوليس: ما علاقتك بالعراق الآن، ومتى كانت آخر زيارة؟

جادو: تم تقوية علاقتي بالعراق مؤخرًا من خلال الفيسبوك. في العام 2022، تواصلت معي مجموعة تركمانية على فيسبوك مقرها العراق، وهي الآن تروج لي كأحد أفراد شعبها في الشتات. لكن آخر زيارة للعراق كانت منذ 10 سنوات، في العام 2012، مع ابنتي المخرجة نادية شهاب، للمساعدة في تصوير فيلمها حديقة أمل (2012). يدور الفيلم حول عمتي وعمي التركمانيين اللذين رفضا مغادرة منزلهما في كركوك، التي كانت أيضا مسقط رأس والدتي.

[الفيلم الوثائقي الطويل لنادية شهاب جادولاند (2018) ، هو استكشاف مؤثر للمناظر الطبيعية الداخلية والخارجية الخاصة بلهيب جادو؛ الأم والمرأة والفنانة العزيزة. ينقل جادولاند الاستكشاف والشوق العاطفي الذي يمكن القول إنه ينبع من المخرجة بقدر ما ينبع من موضوعها. يتواصل في الفيلم أيضا الابتكار والمرونة والشعور بالتجديد المتأصل في عمليات الخلق والهجرة.]

 

لهيب جادو، "أربع ناديات"، 42×64"، 2005. "أربع ناديات" هو جزء من سلسلة الرثاء "الخشخاش لكركوك"، وموضوعها تدمير قلعة كركوك على يد صدام حسين في العام 1998.

 

جيراكوليس: هل تعتقدين أن الفنانين قادرون الآن على الازدهار في العراق؟ 

جادو: لست متأكدة من كيفية الإجابة عن هذا السؤال، لأنني لم أعرض عملي في العراق منذ العام 2005.

جيراكوليس: هل لديك أي أمل في مستقبل العراق؟

جادو: الأمل، في رأيي، يكمن في التعليم. بعد حرب الخليج تم فرض حظر على العراق، ما خلق العديد من المشاكل التي أدت إلى نقص التعليم بالنسبة للأجيال الشابة. كان لدى العراق نظام تعليمي قوي جدًا قبل ذلك. لماذا لا يكون التعليم الجيد ممكنًا في العراق، بالنظر إلى مقدار ما يدخل البلد من مبيعات النفط؟ أين يذهب كل هذا الدخل؟ إذا تمكن العراق من تحسين تعليم الأجيال الشابة، فهناك أمل.

 

* تتضمن لوحة "خشخاش لكركوك" قصيدة كركوكية نصها:

إيكين اكتيم أولمادي
بلبل غول كونمادي
Kalaya olan zulüm
Hıç kımseye olmadı

الترجمة: 

لقد زرعت الحقول
لم ينمُ شيء
لم يكن لدى الطيور ورود لتجثم عليها
هذا العذاب الذي حل بقلعتنا
لم ير أحد مثله من قبل

 

يتم تحديث قائمة معارض جادو المقبلة على صفحاتها على إنستغرام وفيسبوك .

ميشا جيراكوليس صحفية ومحررة تعمل كمحررة مساهمة في مجلة المركز، وفي هيئة تحرير "الصحافة الخاضعة للرقابة". يهتم عملها بمحو الأمية الإعلامية، والمعلوماتية النقدية، وتعليم حقوق الإنسان، والديمقراطية والأخلاق. تشمل موضوعات بحثها الإبادة الجماعية الأرمنية والشتات، والحقيقة في التقارير الصحفية، والحريات الصحفية والأكاديمية، والهوية والثقافة، والحالة الإنسانية متعددة الأوجه. نُشرت أعمال ميشا في Middle East Eye, openDemocracy, Truthout, The Guardian, LA Review of Books, Colorlines, Gomidas Institute, and National Catholic Reporter, وغيرها. تغرد من خلال @MGeracoulis

حرب الخليج حرب العراقالفنان العراقيكركوكصدام حسينالتراث التركماني

3 تعليقات

  1. لهيب ، شكرا لك على إدراجي في توزيعك. لقد استمتعت بقراءة المقابلة ورؤية العمل الفني ، والحصول على إحساس أفضل بتاريخك وتاريخ عائلتك وجغرافية ذلك التاريخ. أحب بشكل خاص "أربع ناديات" و "خشخاش لكركوك" التي جاءت من قلبك.

    1. شكرا جيم ، أربعة مناظر لمدينة نادياس صورتها في قلعة كركوك المدمرة في عام 2004 عندما تمكنت أخيرا من العودة إلى المدينة. كان الدمار موجعا للقلب. تصبح الذاكرة حية مع كيفية تذكر المرء لمكان كان مزدهرا بالحياة. أربعة ناديا يجلسون مثل الأشباح من حقبة ذهبت إلى الأبد.

اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *