الكاتبان المسرحيان العراقيان في الشتات، حسن عبد الرزاق وياسمين نزيهة جونز: استخدموا غضبكم وقودًا

هذه هي الحلقة الأولى من سلسلة جديدة، حيث يناقش الممارسون الثقافيون في الشرق الأوسط الفنَ والتعبيرَ.هذه الحوارات خاصة بـ TMR وتشرف عليها مالو هالسا.

كما تقول نزيهة جونز في حديثها مع عبد الرزاق: "الخط الفاصل بين الكوميديا والمأساة رقيق للغاية". تعتمد مسرحيتها "بغدادي" على العديد من الأزمنة من التجربة الشخصية، عندما تترك الحرب والمنفى والصدمات ندوبًا على حياةٍ شابةٍ حساسة. جونز عازمة بقوة على تقديم التجارب العراقية إلى جمهور أوسع.

 

حسن عبد الرزاق وياسمين نزيهة جونز

 

عبد الرزاق: استغرق الأمر مني بعض الوقت للتعافي بعد مشاهدة مسرحيتك الرائعة بغدادي. بالنسبة لعراقي، كان هناك الكثير لاستيعابه، لأن المسرحية أعادت النظر إلى الماضي العراقي. بالنسبة للأشخاص الذين ربما يقرؤون هذا ولم يشاهدوا المسرحية، هل يمكن أن تعطينا لمحة موجزة عن موضوعها؟

جونز: تُعد بغدادي استكشافًا لذكريات طفولتي عن حرب الخليج والاحتلال اللاحق للعراق. توفق المسرحية بين ذكريات طفولتي وفهم الكبار لما تحمَّله والدي أثناء مشاهدته الرعب يتكشف بينما كان مستقرًا في أمان منزلنا في المملكة المتحدة. تأخذ المسرحية ذكرياتي وذكرياته، وتستكشفها بطريقة تعبيرية، بمساعدة ثلاثة أرواح تعمل كجوقة.

عبد الرزاق: سنتحدث عن ذلك، لكن أولًا أريد أن أسأل ما الذي دفعك لكتابة المسرحية؟ لقد عملت كممثلة لمدة طويلة. ما الذي دفعك لاستلهام ذكرياتك والكتابة عن العراق بهذه الطريقة؟

جونز: لقد كتبت أعمالًا مسرحية منذ أن تركت مدرسة الدراما، ولكن في الغالب لأؤديها بنفسي. هذه هي أول سيرة ذاتية مسرحية أكتبها. كانت النتيجة المباشرة لمشاهدة مسرحية تاريخٌ للمياه في الشرق الأوسط لسابرينا محفوظ في المسرح الملكي، إنها دليل على مدى أهمية مشاهدة مدى تنوع القصص على مسارحنا. أعتقد أنها تدفع المزيد من الناس لرواية قصصهم، ولرؤية أنفسهم. لذلك شاهدت تاريخ المياه في الشرق الأوسط، قبل ساعة من بدء العرض، شاركت ورشة عمل معك أيضًا. لقد قدمت بعض النصائح الحكيمة للغاية في ورشة العمل تلك، التي تدع المرء إلى أن يستخدم غضبه كوقود. ما قلته كان منطقيًا حقًا بالنسبة إليَّ بعد أن شاهدت مسرحية صابرينا. شعرت بالغضب حقًا. شعرت بالحماس لما رأيته. عدت إلى المنزل، وكتبت الصفحات العشر الأولى مما ستصبح لاحقًا بغدادي.

عبد الرزاق: لقد قلتِ في مقابلات سابقة، وهو موضوع تتعاملين معه في المسرحية، إنه من الشائع جدًا أن يعالج الجيل الثاني من المهاجرين سرًا حزن كبار السن منَّا. لقد بقي كلامك عالقًا في ذهني، بما أني من العراق، لقد شغل تفكيري. هل يمكنك التحدث أكثر قليلًا بخصوص هذه الفكرة؟

جونز: كيف نتعامل مع حزن كبار السن منّا؟ أعتقد أن السبب في ذلك هو أنك عندما تعيش في كل من الأوضاع المضطهدة والمتميزة، فأنت لست بالضرورة مقبولًا بالكامل في أحدهما أو الآخر، أو ربما تكون محميًا من واقع واحد. بالتأكيد، في منزلي، لم يدُر الحديث عن الأشياء بشكل مكثف أو بالتفصيل مع الأطفال. كان هناك عنصر معين لحمايتنا، لكن بالطبع ترى والديك يختبران هذه الأشياء وتستوعبها. مع تقدمك في السن، تبدأ في طرح أسئلة على نفسك لفهم الأمر. أحاول أن أتخيل ما يجب أن يكون والدي قد مر به؛ شعور فظيع للغاية بالنسبة له وأيضًا فظيع بالنسبة إليَّ. لطالما شعرت بعلاقة قوية بالعراق. لديَّ الكثير من أفراد العائلة الممتدة هناك. ولكن مثل العديد من أفراد الجيل الثاني الآخرين، لم يكن لديَّ أي مكان أحزن فيه. لم أكن أعرف كيف أعبر عن حزني. لذلك جاءت هذه المسرحية تعبيرًا عن حزني، وكذلك محاولة لفهم والدي.

بغدادي ، قصة بلوغ سن الرشد المدمرة بشكل هزلي، تروى من خلال التهريج والذاكرة لاستكشاف تعقيدات الهوية الثقافية وصدمة الأجيال والعلاقة بين الأب وابنته وسط الصراع العالمي. متوفر من بلومزبري.

علمتني المسرحية أننا نعالج سرًا حزن كبار السن منّا. أنت تريدهم أن يتحدثوا عن ذلك ويقولون إن الواحد منهم لا بد أنه شعر بهذا أو بذلك. ولكن، بدلًا من ذلك، تمر بنفسك بالحركات المتعلقة بذلك. لا أستطيع أن أتخيل ما يعنيه أن يتم انتزاعها من كل شخص أعرفه وأحبه.

عبد الرزاق: هناك الكثير من الأشياء الجميلة في مسرحيتك. هناك مشهد واحد صامت، مشهد قصير، حيث يراقب الأب حرب الخليج، ويخرج من غرفة النوم. يمشي أمام التلفزيون عدة مرات، حسب ما أتذكر، بملابسه الداخلية. إنه مشهد منزلي للغاية. هناك لحظة حين يكاد يتثاءب، ثم يصرخ ويعود إلى غرفة نومه.

أتذكر عندما كنت أشاهد هذا على خشبة المسرح، كان للمشهد صدى حقيقي بالنسبة لي لأن والدتي، التي عاصرت حرب الخليج، كانت حزينة للغاية. لكنها كانت أيضًا تخفي حزنها حتى لا نشعر نحن الأطفال بالذعر. كانت تذهب إلى غرفة نومها وتغلق الباب. نشرت قناة CNN. صور هذه الحرب، حدث هذا كل ليلة. ما التقطته بشكل جميل حقًا في المسرحية هو تأثير ذلك على العراقيين الذين يعيشون بعيدًا عن وطنهم. لم يكن الأمر خاليًا من الألم، حتى إن كانوا يعيشون في أمان.

لقد تحدثنا كثيرًا عن الحزن والألم، لكنني أريد أن أوضح للقراء أن بغدادي عمل مضحك للغاية. في مسرحيتي، عرس بغداد التي تدور حول العراق، والتي صدرت قبل 15 سنة، استخدمت الكوميديا أيضًا كوسيلة لسرد قصة العراق. إنها تُعد قصة الحب مع بعض الكوميديا في الفصل الأول، وبعد ذلك تصبح الأمور أكثر جدية. لقد لاحظت أنكِ تستخدمين هذه الاستراتيجية. لذلك أردت أن أسألك عن دور الكوميديا. لماذا تستخدمين الكوميديا لرواية قصة عن العراق؟

جونز: أعتقد أن الخط الفاصل بين الكوميديا والمأساة رفيع للغاية. كنت مدركة لعدم رغبتي في أن أكون عدوانية مع غضبي أو ألمي. لذلك وجدت أنه من المفيد حقًا توظيف الكوميديا كأداة للتحدث عن هذه الأشياء. يمكنك كسب الثقة، ولكن يمكنك أيضا التحدث عن أشياء مأساوية حقًا. بالإضافة إلى ذلك، استخدمت الكوميديا لزعزعة استقرار الجمهور. لذا فالمسرحية تتأرجح بين المأساة المذهلة والكوميديا الساحرة. بالنسبة لي، كان هذا هو حصان طروادة للوصول بسلاسة إلى الرسالة الأساسية؛ هل من الممكن بالنسبة لك في الجمهور، في نافذة هاتين الساعتين في هذا المسرح، أن تشعر بهذا الألم أيضًا؟ شعرت أن الكوميديا هي أفضل وسيلة لتحقيق ذلك.

عبد الرزاق: أيضًا، أشعر أنه شيء ثقافي، أليس كذلك، بالنسبة إلى العراقيين بشكل عام – ربما بسبب المأساة التي حدثت للبلاد – أن يكون لديهم هذا النوع من الكوميديا السوداء، ويلجأون إليها. شاهدت مؤخرًا فيلم ميسون الباجه جي نهرنا... سمائنا. هناك مشهد في ذلك الفيلم حيث يمزح ركاب حافلة في بغداد بخصوص نقاط التفتيش أمامهم. ثم، فجأة، تُطلق النار على الحافلة ويحاول الجميع الهروب وتفادي الرصاص. عندما يتوقف إطلاق النار، يطلقون المزيد من النكات بخصوص ما حدث. تكتب الشخصية الرئيسية في الفيلم - وهي نفسها من الكاتبة المشاركة لميسون إرادة الجبوري - مشيرة إلى هذا: "لقد حدث هذا بالفعل. استطعت الإمساك بهذا الجزء الرفيع من الحياة في العراق". إحدى طريق التعامل مع الصدمة هي اللجوء إلى الفكاهة. لذا، بخلاف دارلي، الذي لعبته أنتِ على خشبة المسرح، والأب الذي انهار - الذي لعبه فيليب أرديتي بشكل رائع - كان هناك أيضًا ثلاث شخصيات خارقة للطبيعة. هل يمكنك إخبارنا بالمزيد عنها، ولماذا اخترت وجودها في المسرحية، وماذا أضافت؟

جونز: عندما عدت إلى المنزل بعد مشاهدة مسرحية صابرينا وبدأت في كتابة بغدادي، جاءتني تلك الشخصيات كثلاثة أصوات تتحدث عن تجربتي - على ما أعتقد - بصوت الراوي. مع تطور المسرحية والبحث، أصبحت أرواحًا ذوات أجندات مختلفة. وظيفتها في المسرحية هي أنها مظهر من مظاهر الجدل الداخلي الذي أواجهه مع ذاتي السابقة، الأصغر سنا، الأكبر سنا والأكثر حكمة، وأيضًا الذات المدمرة.

يمكن أن تكون تلك الأصوات مهدِّدة، يمكن أن تكون خيِّرة. في بعض الأحيان لا يمكن الاعتماد عليها. لكنها أيضًا بمثابة الخيط المقنع الذي يربط أجزاء هذه المسرحية معًا لأننا نتقلب داخل وخارج الذكريات، ونتقلب داخل وخارج العقود. لذلك ساعدت حقًا في وضعنا في الزمان والمكان. إنها تفترض أدوار شخصية مختلفة، وتلعب الكثير من الشخصيات المختلفة أيضًا. أنها توجه دارلي خلال ثمانينيات وتسعينيات القرن العشرين، وأيضًا خلال السنوات الأولى من القرن الحالي. كانت مفيدة بشكل لا يصدق، إنها بمثابة جوقة.

كان من المهم أن يكون لديَّ هذه الجوقة لجعل الأمور واضحة للجمهور. إنه ليس عملًا بارعًا، لكنه كذلك عن قصد. لأنني شعرت أن وقتي في هذه المرحلة كان محدودًا، كنت بحاجة إلى أن أكون واضحة وجريئة حقًا فيما كنت أقوله. ساعدتني الجوقة لأصل إلى هذا الوضوح.

عبد الرزاق: أعتقد أنها تساعد أيضًا في التعامل مع الزمن، لأنك غطيتِ جميع الحروب الكبرى التي مر بها العراق. لقد غطيتِ الحرب العراقية الإيرانية، وحرب الخليج، ثم حرب العراق الأخيرة. كانت هذه الطريقة رائعة حقًا من حيث تمكينك من التنقل بين المواقف والسيناريوهات. لقد وضعتِ الكثير في المسرحية.

 

عامر العبيدي (عراقي، مواليد ١٩٤٣)، "الاحتفال بتدجين الخيول"، زيت على قماش، ١٢٠ × ١٤٠ سم، ٢٠٠٤ (بإذن من Michael Jeha/Christies).

 

جونز: إنها حكاية عن بلوغ سن الرشد، تمتد لعقود. بدلًا من استخدام مجموعات مركبة وإضاءة، لدينا الجوقة، بالإضافة إلى عناصر مسرحية أخرى. لكن في الغالب سرد القصص بواسطة الجوقة هو الذي يصور الزمان والمكان بشكل أوضح من بين جميع العناصر التي نستخدمها.

عبد الرزاق: تتناول المسرحية، جزئيًا، مسألة هوية شخص عراقي، لكن دارلي، الشخصية التي تلعبين دورها، الفتاة الصغيرة في قلب العلاقة بوالدها، ممزقة بين عالمين، وكذلك الأب نفسه، إنهما بينَ بين. وأنا أعلم من المقابلات التي أجريتها أنك لا تحبين السؤال: "هل زرتِ العراق؟" إذا أتى من عراقي، فقد وصفت هذا السؤال بأنه: "مقياس للأصالة"، لقد أحببتُ هذا التعبير. لذا، هل يمكنك التحدث عن سؤال الهوية هذا، وكيف تتعاملين معه؟

جونز: هذا السؤال: "هل زرتِ العراق؟" طُرح أثناء حوار دار بعد عرض المسرحية. لقد وجدت الأمر مثيرًا للسخرية لأن المسرحية تغطي موضوعيًا هذه الأسئلة التي تطرح على الشخصية الرئيسية دارلي: "هل كنت هناك؟"، "هل لديك عائلة هناك؟"، "هل يمكنك التحدث باللهجة العراقية؟"، تُستخدم هذه الأسئلة في المسرحية للسحق والتقليل من شأن هوية دارلي.

ما كنت أفعله هو استكشاف موضوع شائع جدًا يعاني منه العديد من الأشخاص ذوي الأعراق المختلطة؛ يبدو أن هناك رغبة من قبل الآخرين في تحديد مدى أصالتك. الشخص الذي يطرح هذا السؤال عليه أن يقرر بناء على هذه القائمة التعسفية من الأسئلة: "ما مدى أصالتك؟"، "هل تتكلم اللغة؟"، "هل كنت هناك؟"، "هل لديك أقارب يعيشون هناك؟".

ما يفعله هذا - بشكل مؤلم للغاية - هو تقويض مشاعر تجربتك الحياتية، التجربة التي كنت أحاول إظهارها في المسرحية. لذا عندما طُرح هذا السؤال، بعد أن جلس الجمهور لمدة ساعتين يشاهد مسرحية كانت تستكشف هذه الموضوعات، شعرتُ بالحزن الشديد. رفضت الإجابة عن السؤال لأنه ليس مهمًا. أنا متأكدة من أن هذا الشخص لم يقصد الإساءة. لكنه سؤال طُرح عليَّ كثيرًا طوال حياتي. أنا لن أهتم بأشخاص آخرين يقررون ذلك بالنسبة لي بعد الآن.

عبد الرزاق: إنه أمر مختلف عندما يأتي من عراقيين؛ هناك نوع من الحدة. أنتِ أيضًا تتعاملين مع ذلك بشكل جيد في المسرحية عندما يأتي السؤال من غير العراقيين، عندما يأتي من الإنجليز على سبيل المثال. هذا السؤال: "من أين أتيت؟"، وهذا النوع من التعاطف المزيف أحيانًا: "أوه ، يجب أن يكون ذلك فظيعًا حقًا"، من أشخاص غير منخرطين مع ما يحدث بالفعل.

تثير المسرحية أيضًا السؤال الذي اعتدت الإجابة عنه بصدق، عندما سُئلت: "ما رأيك في صدام؟"، يتم تناول هذا بشكل مضحك في بداية المسرحية، ثم بطريقة جادة، في النصف الثاني. تقومين بالتمهيد له بالكوميديا في النصف الأول ثم تقلبين الأمر في النصف الثاني، وتتحدين الجمهور من خلال استخدام عنوان مباشر، ما يغير من أسلوب المسرحية. ذلك المونولوج الذي يتناول قضية صدام حسين هذه، كيف كتبتيه؟ هل كان ذلك تطورًا طبيعيًا أثناء الكتابة؟ أم أنه شيء تطور بينما كنت تضعين التعديلات الأخيرة على المسرحية؟

جونز: يمضي دارلي في رحلة تفهم. وهذه هي الأسئلة التي طُرحت عليها في طفولتها. "ما رأيك في صدام؟"، إنها ليست أسئلة يمكن أن تفهمها في هذا العمر. إنها أسئلة تستوعبها. لهذا، هناك خطبة في نهاية المسرحية حين تكون دارلي في مقابلة جامعية، وتُسأل: "ما رأيك في صدام؟".

ولأول مرة، قلبت السؤال على الناس الذين طرحوه عليها، وسألتهم: "ما رأيي في صدام؟ حسنًا، انتظر دقيقة! من الواضح أنه وحش. لكن ما رأيك في العقوبات المفروضة على العراق؟"، وتتحدث المسرحية عن دور الغرب في تدمير العراق.

ما أحاول القيام به هو أن أطلب من الجمهور أن يفكروا في دور الغرب في ذلك بالإضافة إلى دور صدام. كان من المهم حقًا بالنسبة إليَّ أن أتحدث عن العقوبات لأن العقوبات هي العذاب الخفي للعراق. بحلول الوقت الذي حدث فيه الغزو، كان البلد يعيش بالفعل في ظروف العصور الوسطى. كانت الرواية التي نسجتها وسائل الإعلام الغربية هي أن صدام سبَّب كل ذلك لشعب العراق. حسنًا، نعم، لقد فعل الكثير من الأشياء الفظيعة. لكن الغرب كان له دور كبير في إعداد البلد للهزيمة بسهولة تامة أثناء هذا الغزو. أردت فقط أن يعلم الجمهور عن العذاب الخفي للعقوبات، وأن ينظر إلى جانبي القصة. حقًا، هناك مثل هذه التفاصيل المروِّعة، وما غطيته في المسرحية لم يكن سوى مقدارًا صغيرًا.

أردت أن تكون المسرحية كاشفة وأيضًا مسلية. شعرت أن هذه كانت فرصتي الوحيدة لمنح شعبي صوتًا.

عبد الرزاق: العقوبات حلقة منسية من التاريخ. أتذكر أنني ذهبت إلى عرض في المركز العربي البريطاني قدَّمه مؤرخ إنجليزي كتب كتابًا عن العراق - لن أذكر تفاصيل عن هوية هذا الشخص - لكنه قدم هذا العرض الكامل للكتاب ولم يذكر شيئًا عن 13 عامًا من العقوبات. سألته: "ماذا حدث بعد ذلك؟"، أجاب معطيًا الانطباع بأنه يعتقد أن هذه كانت تفصيلة صغيرة. لكن كل ما حدث بعد ذلك للعراق، من حيث انهيار البلاد، هو حصاد كل ما زُرع في سنوات العقوبات. لقد تطرقت إلى ذلك في عرس بغداد. هناك مشهد عندما يعود شخص ما إلى العراق، ويخبره آخر عن الكتب التي بيعت لتغطية النفقات. كانت هذه واحدة من الصور اللافتة للنظر في ذلك الوقت في العراق: أن العديد من الأكاديميين، على سبيل المثال، اضطروا إلى بيع كتبهم للبقاء على قيد الحياة، الأمر الذي كان مفجعًا بالنسبة لهم.

جونز: وكما تعلم، لم تُبع الكتب فحسب. أعني أن الناس كانوا يبيعون حرفيًا الطوب المقتلع من الجدران في منازلهم، وكذلك الأبواب والسجاد. أنا فقط لا أعتقد أن الناس يدركون مقدار اتساع ما حدث. سمعت لأول مرة عن ذلك في التسعينيات. اعتدت أن أرافق والدي. قبل الإنترنت، اعتاد أن يذهب ويلقي الخطب ويخبر الناس مباشرة: "انظروا، هذا ما تفعله العقوبات". أنا هناك؛ طفلة صغيرة أحمل كل هذه المعلومات، أخبر أصدقائي في ساحة اللعب. ما أحاول توصيله بهذه المسرحية هو أن تلك الطفلة تعلقت بكل هذا، تعرف كل هذا ولا تعرف ماذا تفعل به. كل ذلك يخرج في الخطاب في النهاية. تم حساب التدمير المنهجي على هذا النحو. أعني، يا إلهي، إنها بمثابة إبادة جماعية، إن انتبهت إلى عدد الأشخاص الذين ماتوا.

عبد الرزاق: عندما بدأت حرب العراق في العام 2003، ظهر عدد كبير من المسرحيات التي كتبها بشكل رئيسي كتاب غربيون، وكذلك الأفلام الأمريكية، في كثير من الأحيان محكية من وجهة نظر الجنود، أو من وجهة نظر عائلة من الطبقة الوسطى تناقش حربًا بعيدة كل البعد عنهم. بالنسبة إليَّ، كان ذلك جزءًا من الدافع لكتابة عرس بغداد. كنت قد شاهدت مسرحية ديفيد هير العام 2006 Stuff Happen ، التي كانت تدور حول السياسيين والمجال السياسي. ما أزعجني حقًا هو أنه انتهى باقتباس حرفي على ما يبدو من عراقي، قال: "حسنًا، إذا لم نقم بتسوية الفوضى الخاصة بنا، فهذا ما سيحدث لنا".

تشبه تلك اللحظة تقريبًا لحظتك مع مسرحية صابرينا محفوظ، التي دفعتك لكتابة مسرحيتك. كانت تلك هي لحظتي، تلك التي دفعتني لكتابة عرس بغداد لأنني شعرت أن وجود العراقيين كان في حده الأدنى في مسرحية هير. لم يكن لهم وجود كاف في Stuff Happens. شعرت أن هناك شيئًا مفقودًا.

أردت أن أسألك المزيد عن إنتاج مسرحيتك، لأنني أعتقد أنه من المثير للاهتمام أن يقدم المسرح الملكي مسرحية عن العراق الآن حيث تغيرت الأوضاع. الناس مشغولون بحرب أوكرانيا.

جونز: شاركت في دورة مدخل للكتابة المسرحية في المسرح الملكي. في نهاية الدورة قدمت مسودة بغدادي. حصلت على بعض التعليقات، ثم قدمت مسودة أخرى. لذلك، حصلت على فرصة لعرض المسرحية من بعد كل هذا. لماذا أرادوا عرض المسرحية؟ ربما يتعين عليك التحدث إلى القسم المسؤول عن العروض. أود أن أزعم أنه على الرغم من مرور الوقت، إلا أننا الآن فقط نفهم ما حدث. لا يزال لدينا العديد من المسرحيات عن الهولوكوست وتداعياتها. هذه هي صدمة الأجيال التي نتحدث عنها. لا يتم غسلها فقط برمال الزمن. كما تعلم، سيتم نقل الصدمة للأجيال المقبلة. وأعتقد أن هذا جزء مهم حقًا من تاريخنا. يجب توثيقه في الفن من قبل الأصوات العراقية. كما تقول، لم تتح لنا فرصة التحدث كثيرًا.

لذلك، بالنسبة لعرض المسرح الملكي لهذه الحكاية، وعرض صوت عراقي، كان هذا أمرًا مهمًا جدًا بالنسبة إليَّ وإلى العراقيين الآخرين. لا أستطيع أن أخبرك بعدد الأشخاص الذين جاءوا إليَّ شخصيًا. سافر بعض العراقيين بالحافلة من نيوكاسل إلى مكان عرض المسرحية، شاهدوها ثم عادوا لمشاهدتها مع أقاربهم وأصدقائهم. كانوا يقولون: "شكرًا لكِ على سرد هذه القصة. إنها قصتي أيضًا". شعروا بأن رأيهم وصل.

أيضُا، هناك أشخاص آخرون لم يكونوا من الثقافة نفسها، لكنهم أتوا من خلفيات متشابهة، قالوا أشياء مثل: "إنها ليست حكايتي، لكنها تشبهها إلى حد كبير". شعر الكثير من الناس بوصول رأيهم. أعتقد أنه لا يمكنك التقليل من شأن الشفاء الناتج من التصديق الآتي من الرأي العام.

عبد الرزاق: أوافقك الرأي تمامًا. كان لديَّ ردود فعل مماثلة لـ عرس بغداد من قبل العراقيين الذين عاشوا في بريطانيا وشعروا أنهم لم يحصلوا على هذا التصديق. لكنني شعرت بذلك أكثر بكثير عندما عُرضت المسرحية في أستراليا، عُرضت في سيدني في مسرح بلفوار ستريت. كُتبت الكثير من الأفكار السلبية في الصحف عن الشتات العراقي. عندما شاهدوا المسرحية شكروني وقالوا: "لقد قدمتنا في ضوء مختلف". تلك لحظة سأعتز بها دائمًا.

أعتقد أنك توضحين نقطة جيدة جدًا؛ هناك الكثير لاستكشافه. حرب العراق حدث ضخم. يكاد يعادل الحرب العالمية الأولى في بداية القرن العشرين. وله أصداء على المنطقة وعلى البلدان المعنية. أعتقد أنه لا يزال هناك العديد من القصص التي يجب أن تُروى عن هذا الموضوع.

كان لديك طاقم عمل رائع في بغدادي. كان من بينهم الزميلة الممثلة العراقية حياة كميل. أردت أن أسألكِ عن التعاون مع حياة، وعن وجود عراقي آخر في فريق التمثيل. 

جونز: كان من الرائع جدًا التعاون مع ممثل عراقي آخر. كان من المهم حقًا بالنسبة إلي أن نحاول الحصول على أكبر قدر ممكن من التمثيل العراقي. عندما كنت في مرحلة البحث من أجل المسرحية، قام المركز العربي البريطاني بترتيب لقاءات صباحية مع آخرين خلال مراحل بحثي، وتحدثت إلى أشخاص في الشتات، والتقيت بحياة. من قبيل المصادفة، كانت ممثلة. لذلك، عندما اتخذ القرار بعرض المسرحية، اتصلت بها وانتظم كل شيء. لقد أضافت الكثير إلى هذا الدور. كان من المريح جدًا بالنسبة إليَّ أن يكون هناك شخص آخر إلى جانبي، وأن أحصل على دعمها كل ليلة. صار بيننا تفاهم غير معلن، ليس أقل من ذلك، لأسباب أنانية بحتة؛ كنت أؤدي دوري في المسرحية كل ليلة. تشاركنا غرفة خلع الملابس أيضًا. كما تعلم، كانت بعض الليالي صعبة حقًا، وكنت أغادر خشبة المسرحة تعيسة. إن وجودها هناك، ومجرد مشاركتها العناق، وإدراك أنها تعرف مقدار ما أُخذ منا يعني أنني لم أضطر إلى شرح. لذلك كنت سعيدة للغاية لأنني تمكنت من العمل معها.

هلسا: أردت فقط أن أسألكما: لأن العراق لا يتم تمثيله في كثير من الأحيان على خشبة المسرح، هل تشعران أن هناك المزيد من الاهتمام الآن؟ هل هناك مجتمع من الكتاب المسرحيين الشرق أوسطيين في لندن؟ أم أنكما تسيران في طريقين منفصلين محاولين عرض أعمالكما؟

عبد الرزاق: هناك الآن مجتمع متنام من كتاب الشرق الأوسط. هناك مجموعة واتساب رائعة للكتاب العرب، نحن جميعًا أعضاء فيها. يتبادل الأعضاء الأفكار والرسائل. جيل الشباب القادم متحمس وجائع حقًا. ينصب الكثير من تركيزهم على السينما والتلفزيون. إنهم يحاولون اقتحام ذلك العالم. ولكن أيضا لديهم اهتمام بالمسرح. في مجموعة واتساب هذه، هناك أشخاص مثل سعيد تاجي فاروقي، وهو مخرج أفلام وثائقية رائع. غالبًا ما يعلق تعليقات رائعة على ما يحدث في الساحة الفنية، وقد  خضنا مناقشات محتدمة للغاية بخصوص فيلمي فرحةوالسباحين. يشعر الناس بالفخر لأن هذه الأفلام تُعرض. لكن في الوقت نفسه يناقشونها أيضًا بطريقة صارمة. عندما بدأت لم يكن هناك هذا النوع من المجتمع. كيف كانت تجربتك مع المجتمع يا ياسمين؟

جونز: بشكل رئيسي من خلال MENA Arts UK ، وهي منظمة تأسست في السنوات الثلاث الماضية أو نحو ذلك. يفعلون الخلاطات ، وينظمون نزهات للمسرحيات. نظموا ليلة في مسرحيتي. تحصل على تذاكر مخفضة ، وقمنا بإجراء سؤال وجواب بعد ذلك. المجموعة استباقية للغاية. إنه مكان رائع للقاء الأشخاص والتواصل. إنه لأمر رائع أن تكون جزءا من شيء ما ، بعد أن طفت في الحياة دون الشعور بأنك جزء من مجتمع لفترة طويلة.

عبد الرزاق: ومع ذلك، أشعر أنه لا يزال هناك طريق يجب قطعه فيما يتعلق بعرض المزيد من الأعمال العربية والشرق أوسطية في المملكة المتحدة. قبل الوباء، حاولت أنا والكاتبة المسرحية هانا خليل إنشاء شركة. لقد استلهمنا ذلك من شركة المسرح Golden Thread Productions في سان فرانسيسكو، التي تكرس نفسها لثقافة وهوية الشرق الأوسط. لقد عرضوا بعضًا من أعمالي وأعمال هانا خليل. لا توجد شركة إنتاج مماثلة في المملكة المتحدة. هناك شركات للفنانين السود، وللفنانين ذوي التراث الهندي أو الباكستاني، ولكن لا توجد شركة للفنانين القادمين من الشرق الأوسط في المملكة المتحدة. إن تأسست شركة، لن يكون هناك مجرد كتاب فرادى مثلنا يحاولون تقديم العروض، ويأملون ويدعون الله كي تمنحنا المسارح مساحة. ستصنع الشركة دعمًا أكثر تنظيمًا. شركة تطالب بالتالي: عليكم أن تعطونا تلك المساحة.

جونز: حسنًا، ما نوع الحكايات التي تأمل أن ترويها شركة كهذه؟ هل ستكون حكايات تتمحور حول الشرق الأوسط؟ أم أنها حكايات عن التجربة الإنسانية، إن جاز التعبير؟

عبد الرزاق: بالنسبة إليَّ، كل ما يمكن وضعه تحت هذا العنوان. ومن المؤكد أنه لا ينبغي أن يكون متمحورًا حول الشرق الأوسط فقط. كنت أتحدث، على سبيل المثال، مع المخرج العراقي ديان زورا. قالت إنه في كثير من الأحيان، ما كتبناه عن الشرق الأوسط يميل إلى أن يكون سياسيًا للغاية. لم يكن لدينا، على سبيل المثال، دراما عائلية، مثل ما يحدث في المسرحيات الأمريكية؛ عائلة تجتمع معا، وتتم مناقشة المواضيع المختلفة وما إلى ذلك. ديان تعمل على مسرحية كتلك.

ومع ذلك يا ياسمين، من الواضح أن مسرحيتك، بغدادي، تتحدث عن علاقة الأب بابنته. لقد كتبتُ مسرحية، ما زلت أحاول إنتاجها، بعنوان نار مستعرة، عن عائلة عراقية وديناميكياتها. ولكن هناك أيضًا عنصر سياسي في المسرحية، مع بعض المشاهد التي تدور أحداثها في العراق. لذا فهي ليست دراما عائلية مباشرة.

بالنسبة إلى الشركة، أعتقد أنه يجب أن يكون أي شيء ضمن هذه الحدود. مسرحية أخرى أعمل عليها تسمى Retreat ، تتحدث عن الصدمة والاكتئاب. لكنني أناقش الموضوعين من زاوية كوميدية. المسرحية لا تدور بالكامل حول تجربة الشرق الأوسط. إنها تأخذ أشياء من تلك الخلفية وتأخذ أشياء رأيتها في عائلتي ووالدي، وما إلى ذلك، إنها محاولة خلق دراما تتحدث إلى الكثير من الناس عن الاكتئاب، على سبيل المثال، وكيف يمكن أن يُعبر عن ذلك. لذلك أعتقد أنه يمكننا الاستفادة من تجاربنا بطرق متعددة.

لهذا السبب أعود إلى فكرة أننا بحاجة إلى شركة. تضمنت مسرحية هانا خليل حكواتيس: نساء ألف ليلة وليلة التي عرضت في مسرح جلوب مساهمات من حنان الشيخ وسهيلة البشرى وسارة شعراوي. لقد كانت إعادة تصور رائعة لـ The Arabian Nights تروى من خلال شخصيات نسائية تدعم شهرزاد الموجودة خارج الكواليس. تم إنتاج المسرحية بشكل مشترك في مسرح جلوب مع تاماشا، وهي شركة إنتاج مسرحي تركز بشكل عام على الأعمال المرتبطة بجنوب آسيا. وجود تلك الشركة أعطى المسرحية المزيد من القوة. أعتقد أننا بحاجة إلى المزيد من الشركات من هذا النوع لإحداث تأثير وزيادة تنويع المشهد.

هلسا: أريد أن أشكركما على هذا النقاش المثير للاهتمام. لقد تأثرت بشكل خاص بتعليقات ياسمين بخصوص شرح المرء لنفسه، أو إثبات أصالته. أعتقد أن هذه الضغوط تُفرض على الممارسين الثقافيين في الشرق الأوسط، ونحن نستوعبها. السؤال الآن هو كيف نخلص أنفسنا من تلك الضغوط، ونذهب مباشرة إلى ما تتحدثان عنه أنتما الاثنان بشكل أساسي، وهو سرد الحكايات. لأن هذا هو المفتاح الذي يطلق العنان للعاطفة، ويفتح التعاطف، ويعطينا كل ما نريد الحصول عليه من حكاياتنا وما نأمل أن تفعله. هذا هو التحدي الذي يواجه الكتاب والكتاب المسرحيين العرب اليوم، بغض النظر عن خلفياتهم أو مكان كتابتهم، سواء في لندن أو بغداد.

 
 

حسن عبد الرزاق، من أصل عراقي، وُلد في براغ ويعيش في لندن. عرضت مسرحيته الأولى "بغداد"  (2007) في لندن وبثت على راديو بي بي سي 3. استند "النبي" (2012) إلى مقابلات مكثفة في القاهرة مع ثوار وجنود وصحفيين وسائقي سيارات أجرة. تم عرض "مركب شراعي تحت الشمس" (2015)، مع 35 ممثلًا شابًا، في الشارقة، الإمارات العربية المتحدة. في نفس العام، تم عرض "الحب والقنابل والتفاح" لأول مرة في مسرح أركولا كجزء من مهرجان شباك. "وها أنا ذا"، قصة حياة مقاتل فلسطيني تحول إلى فنان، كانت أيضا جزءًا من مهرجان شباك لعام 2017. أجرى عبد الرزاق مقابلات مع سجناء سابقين وخبراء في الهجرة والقانون الجنائي من أجل "العلاقة الخاصة" (2020). انتهى مؤخرًا من مسرحية موسيقية عن صناعة الأسلحة. حاصل على درجة الدكتوراه في البيولوجيا الجزيئية ويعمل حاليًا في Imperial College London.

وصفت مسرحية ياسمين نزيهة جونز الأولى بغدادي بأنها "قصة مدمرة عن بلوغ سن الرشد ، تروى من خلال التهريج والذاكرة لاستكشاف تعقيدات الهوية الثقافية وصدمة الأجيال وعلاقة الأب وابنته وسط الصراع العالمي. مبروك! ألمك قابل للتطبيق تجاريا". البريطانية العراقية ، جونز هي ممثلة بارعة ، من بين 9 ظهوراتها التلفزيونية كانت في Call the Midwife والمسرحية الهزلية لإدريس إلبا Turn Up Charlie. كما قدمت عروضا في 27 إنتاجا مسرحيا وثمانية أفلام وأكثر من 30 مسرحية إذاعية. جونز ، الذي يجيد القتال المسرحي ، يغني أيضا ، ويمكنه الأداء في مجموعة متنوعة من اللهجات ، من American Standard و Scouse أو Liverpool English إلى الشرق الأوسط وجنوب إفريقيا ، من بين أشياء أخرى كثيرة. كان بغدادي إنتاجا مشتركا للأخت، وهو جزء من مبادرة لجلب أصوات أكثر تنوعا إلى الديوان الملكي.

بغدادنازحون عراقيون حربالخليجحرب العراقالأدب العراقيصدام حسينفنون المسرح

اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *