مقال لمي المغربي: سيادة الجنون في عالم عبثي

عبد الهادي الجزار، «محاسيب السيدة».

مي المغربي   By • 10 NOVEMBER 2025

في مقال نقدي، تناقش مي المغربي سينما العبث المصرية، متخذة من عدة أفلام أمثلة على النظرة الذكورية القاصرة لشخصية المجنونة.

ظهر العبث ﻛﻔﻛرة ﻓﻠﺳﻔﯾﺔ ﻓﻲ ﺧﻣﺳﯾﻧﯾﺎت وﺳﺗﯾﻧﯾﺎت اﻟﻘرن اﻟﻣﺎﺿﻲ ردًّا ﻋﻠﻰ ﺧﯾﺑﺎت اﻟﺣروب، واﻟروﻣﺎﻧﺳﯾﺔ اﻟﻣﺑﺗذﻟﺔ، وﻛﻣﺣﺎوﻟﺔ ﻟﻠﻣﻠﻣﺔ ﻋدم ﻋﻘﻼﻧﯾﺔ اﻟﻌﺎﻟم، وإﻋﺎدة ﻗراءة اﻟظروف اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ واﻟﻧﻔﺳﯾﺔ ﻟﻸﻓراد ﻣن ﻣﻧظور ﺧﺎﺋر. ﻣن ھذا اﻟﻣﻧطﻠق ﻧرى اﻟﺧﯾﺎل اﻟﻌﺑﺛﻲ ﺳواء ﻋﻠﻰ اﻟﻣﺳرح أو ﻓﻲ اﻷدب أو ﻓﻲ اﻟﺳﯾﻧﻣﺎ ﯾﺗﻣﺛل ﻓﻲ أﻓﻌﺎل وأﺣداث ﻻ ﻣﻌﻧﻰ ﻟﮭﺎ، ﻟﯾﺳﺗدﻋﻲ أﺳﺋﻠﺔ ﺣول اﻟﺣﻘﯾﻘﺔ واﻟﻘﯾﻣﺔ، ﻋﺑر اﻟﺗﺣطﯾم، واﻧﺗﮭﺎك اﻟﺳﺑﺑﯾﺔ – ﻣﺎ ﯾﺳﺑب اﻟﻛوﻣﯾدﯾﺎ ﻓﻲ ﺑﻌض اﻷﺣﯾﺎن، ﻓﯾﻧﺎﺿل ﺑطل اﻟﻘﺻﺔ أو اﻟﻔﯾﻠم داﺧل ﻋﺎﻟﻣﮫ اﻟﻌﺑﺛﻲ ﻟﻠوﺻول ﻟﻣﻌﻧﻰ أو اﻧﺗزاع ﻗﯾﻣﺔ أو ﺣق، ﺗﻣﻛﻧﮫ ﻣن اﻟﺗوﻓﯾق ﺑﯾن ذاﺗﮫ اﻟﻣﺿطرﺑﺔ واﻟﻌﺎﻟم اﻟﺧﺎرﺟﻲ اﻟذي ﻻ ﯾﻘل اﺿطراﺑًﺎ.
أﺣس ﺑﺎﻟﺧﻧﻘﺔ ﻛﻠﻣﺎ ﺷﺎھدت ﻓﯾﻠﻣًﺎ ﻣﺻرﯾًّﺎ ﻗواﻣﮫ اﻟﻌﺑث، ﺧﺻوﺻًﺎ وإن ﻛﺎن بطل اﻟﻔﯾﻠم أو إﺣدى ﺷﺧﺻﯾﺎﺗﮫ اﻟرﺋﯾﺳﯾﺔ ﻣﺟﻧوﻧًﺎ، ﺣﯾث ﯾﺳﮭل ﺑﻧﺎء ﻋﺎﻟم ﻋﺑﺛﻲ ﻷﻗﺻﻰ درﺟﺔ ﻓﻲ ﺣﺿور أﻓراد ﻋﻘﻼء ﻣﻘﺎﺑل أﻓراد ﻣﺟﺎﻧﯾن. أدﺧل ﻓﻲ دواﻣﺔ ﻣن اﻟﻣﺷﺎﻋر اﻟﻣﺗﻧﺎﻗﺿﺔ، أحس ﻟﺣظﺎت ﺑﺎﻷﺳﻰ واﻟﺷﻔﻘﺔ وﻟﺣظﺎت أﺣس ﺑﺎﻻﺷﻣﺋزاز واﻟﻧﻔور. ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ذﻟك، ﻓﺎﻟﻔﯾﻠم اﻟﻌﺑﺛﻲ ﯾورط اﻟﻣﺷﺎھد، ﻛﻐﯾره ﻣن اﻷﻓﻼم، ھذا اﻟﺗورط ھو ﻣﺎ ﯾﺧﻧﻘﻧﻲ، ﻷﻧﻲ ﻻ أﺟد ﻣﻌﻧﻰ أو ﻗﺿﯾﺔ أھﺗم ﺑﮭﺎ أو أطرح ﻋﻧﮭﺎ أﺳﺋﻠﺔ ﺑﻌد أن أﺗورط ﻓﻲ ﺳﻠﺳﻠﺔ ﻣن اﻷﺣداث ﻏﯾر ﻣﻔﮭوﻣﺔ اﻷھداف. ﺣﺗﻰ ﻓﻲ ﻣﺣﺎوﻟﺔ اﺷﺗﺑﺎﻛﻲ ﻣﻊ اﻟﺷﺧﺻﯾﺔ اﻟﻣﺟﻧوﻧﺔ، أﺟدﻧﻲ أﻗف ﺑﺟﺎﻧﺑﮭﺎ ﻣﻛﺎن ﻣﺎ ﺑدأت.

عبد الهادي الجزار (مواليد الإسكندرية، 1925-1966)، «محاسيب السيدة»، 1950 (بإذن من مدى مصر).

ﻓﻲ اﻟﺳﯾﻧﻣﺎ اﻟﻣﺻرﯾﺔ ﻧﻘﺎﺑل ﺷﺧﺻﯾﺔ اﻟﻣﺟﻧون ﻛﺷﺧﺻﯾﺔ ﺗﺗﺣرك ﺑﻌﺑﺛﯾﺔ ﻓﻲ ﻋواﻟم ﻟم ﺗﺧﺗَرھﺎ. ﺗطﯾر ﻓﺗﮭﯾم ﻋﻠﻰ وﺟﮭﮭﺎ ﻟﯾﺗﻠﻘﻔﮭﺎ أﺣد ﻻﺳﺗﻐﻼﻟﮭﺎ ﺛم ﯾرﻣﯾﮭﺎ إلى آﺧر ﻟﻠﺗﺧﻠص ﻣن ﻣﺳؤوﻟﯾﺗﮫ وﻣﺳؤوﻟﯾﺔ ﻣﺷﻛﻼﺗﮫ. وﯾﺗﻌرض اﻟﻣﺟﻧون ﻷزﻣﺔ أو ﺗُﺣﺎك ﺿده ﻣﻛﯾدة، وﻏﺎﻟﺑًﺎ ﺗُﺣل أزﻣﺗﮫ ﺑﺗدﺧل إﻟﮭﻲ، أي ﻣن ﻓوق، أو ﺗظﮭر داﺧل اﻟﻣﺟﻧون ﺣﻛﻣﺔ ﻣدﻓوﻧﺔ ﺗؤھﻠﮫ ﻟﺣل ﻣﺷﻛﻠﺗﮫ أو اﻟﻌﺑور ﻣﻧﮭﺎ ﺑﻣﺳﺎﻋدة ﺷﺧص أو ﻣراﻓق ﻋﺎﻗل ﻣؤﻣن ﺑﮫ وﺗﺟﻣﻌﮭﻣﺎ ﻋﻼﻗﺔ ﻋﺎطﻔﯾﺔ أو اﻧﺟذاب ﺟﻧﺳﻲ، ﻛﻣﺎ ﻓﻲ ﻓﯾﻠم «دﯾك اﻟﺑراﺑر» (1992) و«ﻣﺑروك وﺑﻠﺑل» (1998)، أو اﺳﺗﻐﻼل ﻟﻠﺟﺳد اﻟذي ﯾﻔﺗﻘر إﻟﻰ اﻟﻌﻘل ﻟﺧدﻣﺔ ﺟﺳد آﺧر ﯾﺗﻣﺗﻊ ﺑﺎﻟﻌﻘل، ﻛﻣﺎ ﻓﻲ ﻓﯾﻠم «اﻟﺣراﻣﻲ واﻟﻌﺑﯾط» (2013). ھذه اﻟﺗﯾﻣﺔ رﺑﻣﺎ ﺣُﺳﻣت ﻧﮭﺎﯾﺗﮭﺎ ﻓﻲ ﻗﺎﻟب ﻓﻧﻲ واﺣد؛ ﻓﺗﻔﻘد ﺷﺧﺻﯾﺔ اﻟﻣﺟﻧون ﺑرﯾﻘﮭﺎ ﻗﺑل اﻟوﺻول إﻟﻰ اﻟﺛﻠث اﻷﺧﯾر ﻣن اﻷﻓﻼم اﻟﻣذﻛورة وﻏﯾرھﺎ ﻧظرًا إﻟﻰ أﻧﮭﺎ ﻣﺣﺑوﺳﺔ ﻓﻲ إطﺎر ﻣﻌﯾن وﻋﺑث «ﻣﻣﻧطق» ﯾﺟب أن ﺗﺗﺻرف ﻣن ﺧﻼﻟﮫ اﻟﺷﺧﺻﯾﺔ، ﻓﺗﻧﺗﮭﻲ ﻧﮭﺎﯾﺔ ﺳﺎذﺟﺔ. وﺑذﻟك ﺗﮭﻣَّش اﻟﺳﻣﺔ اﻟرﺋﯾﺳﯾﺔ ﻟﻠﻌﺑث أو اﻟﺧﯾﺎل اﻟﻌﺑﺛﻲ وھي إﻋﺎدة ﻗراءة اﻟواﻗﻊ اﻟﻣﺷﺗت ﻟﻠوﺻول إﻟﻰ ﻣﻌﻧﻰ ﻣﺎ أو إدراك ﺟدﯾد أو اﻧﺗزاع ﻗﯾﻣﺔ أو زﻋزﻋﺔ ﺣﻘﯾﻘﺔ ﻻ ﺗﺧدﻣﻧﺎ.
رﺑﻣﺎ اﻟﺳﺑب أن اﻟﻛﺎﺗب واﻟﻣﺧرج اﻟذي ﯾﻌﻣل ﻋﻠﻰ ﺷﺧﺻﯾﺔ اﻟﻣﺟﻧون واﻟﻌﺎﻟم اﻟﻌﺑﺛﻲ ﻛﻣﺗرﺟم أو وﺳﯾط ﺑﯾن ﻋﺎﻟم ﻣرﺗﺑك/ ﻋﺎﻟم اﻟﻣﺟﻧون، وﻋﺎﻟم اﻟﻌﺎﻗﻠﯾن/ ﻋﺎﻟم اﻟﻣﺷﺎھدﯾن ﯾﻧﺷﻐل ﺑﻛﺗﺎﺑﺔ أﺣداث ﻏﯾر ﻣﺗراﺑطﺔ أﻛﺛر ﻣن اﻧﺷﻐﺎﻟﮫ ﺑﻣﻌﻧﻰ اﻟﻌﺑث أو ﺑﺄھﻣﯾﺔ ﺷﺧﺻﯾﺔ اﻟﻣﺟﻧون ﺧﺎرج إطﺎر اﻷﺣداث اﻟﻌﺑﺛﯾﺔ، ﻓﻼ ﻣرﺟﻌﯾﺔ ﻟﻌﺎﻟم اﻟﻣﺟﻧون إﻻ ﻣن وﺟﮭﺔ ﻧظر العقلاء، ﺳواء كانوا ﻛﺗﺎب وﻣﺧرﺟﯾن أو أطﺑﺎء. ﻓﻼ ﻧرى ﺳوى أﺑطﺎل ذﻛور، ﻣﺟﺎﻧﯾن ذﻛور ﯾﺗﺻرﻓون ﺑذﻛورﯾﺔ أﻗل وﺑﻌﺑث أﻛﺑر ﻻ ﯾﻔﺿﻲ وﻻ ﯾﻔرش ﻟﺷﻲء أﻛﺑر ﻣن ﻛوﻧﮫ ﻋﺑﺛًﺎ.
ﻛل ذﻟك ﯾوﻟد ﺷﻌورًا ﺑﺎﻻﺳﺗﻌﻼء ﻟديّ ﻛﻣﺷﺎھدة. ﻓﻣﺷﺎﻋري ﺑﺎﻷﺳﻰ، اﻻﺷﻣﺋزاز، أو اﻟﺷﻔﻘﺔ ﯾﻣﻛن أن ﺗُﺗرﺟم إﻟﻰ إﺣﺳﺎس ﺑﺎﻟﺗﻔوق وھذا ﯾدﻓﻌﻧﻲ إﻟﻰ ﻣﺣﺎوﻟﺔ ﺗﻔﻛﯾك ھذه اﻟﻣﺷﺎﻋر اﻟﺗﻲ ﺗﺳﺑب ﻟﻲ اﻟﺧﺟل واﻻرﺗﺑﺎك، ﻣﺎ ﯾﺧﻠق ﺿﻐطًﺎ ﺷﻌورﯾًّﺎ ﯾﻐﻠق أي ﻣﺳﺎﺣﺔ ﻟﻠﺗﻔﻛﯾر أو اﻟﻣﺳﺎءﻟﺔ.
ﯾﻛﺳر ﻗﺎﻟب ھذه اﻟﺗﯾﻣﺔ -وﻟو ﻗﻠﯾﻼً- إن ﻛﺎﻧت «اﻟﻣﺟﻧوﻧﺔ» أﻧﺛﻰ ﻛﻣﺎ ﻓﻲ ﺣﺎﻟﺔ ﻛرﯾﻣﺔ، اﻟﺗﻲ ﻗﺎﻣت ﺑدورھﺎ ﻧﺑﯾﻠﺔ ﻋﺑﯾد ﻓﻲ ﻓﯾﻠم «ﺗوت ﺗوت» (1993) ﻟﻠﻣﺧرج ﻋﺎطف ﺳﺎﻟم وﻣن ﺗﺄﻟﯾف ﻋﺻﺎم اﻟﺷﻣﺎع. ﺷﺧﺻﯾﺔ ﻛرﯾﻣﺔ ﺗﻐزل ﻋدة ھوﯾﺎت، ﻓﮭﻲ ﺗﻌﻛس ھوﯾﺔ اﻷﻧﺛﻰ، وھوﯾﺔ اﻷﻧﺛﻰ اﻟﻣﺟﻧوﻧﺔ وھوﯾﺔ اﻷم، وھوﯾﺎت ﻛرﯾﻣﺔ اﻟﻣزدوﺟﺔ واﻟﻣﺗﻘﺎطﻌﺔ ﺗﺣرض ﻋﻠﻰ اﻟﻣﺷﻲ ﻓﻧﯾًّﺎ ﻓﻲ ﻣﺳﺎرات ﺟدﯾدة وﻏﯾر آﻣﻧﺔ، وﺗﻠﺢ ﻋﻠﻰ إﻋﺎدة ﻗراءة اﻟواﻗﻊ ﻣن ﺧﻼل زواﯾﺎ أﺧرى، ﻛزاوﯾﺔ اﻷم اﻟﻣﺟﻧوﻧﺔ، وزاوﯾﺔ اﻟﮭﯾﻛل اﻟﻘﯾﻣﻲ ﻟﮭذه اﻷﻧﺛﻰ اﻟﻣﺟﻧوﻧﺔ ﺳواء ﻛﺄم أو ﻗﺑل أن ﺗﻧﺿم إﻟﻰ ﻧﺎدي اﻷﻣوﻣﺔ. ﻓﺟزء ﻣن ﻋﺑث «ﺗوت ﺗوت» أن ﻛرﯾﻣﺔ ﻛﻣﺟﻧوﻧﺔ ﻣﺗﺣررة ﻣن اﻟوﺻم اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﻲ، وﻣن اﻟﻘﻠق، وﻣﺗﻣردة ﻋﻠﻰ اﻷﻛواد اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ ﺧﺎﺻﺔ ﻓﻲ اﻟﻣﺳﺎﺣﺎت اﻟﻌﺎﻣﺔ. وﻛﺄن ﻻ ﻣﺟﺎل ﻟﻣﻣﺎرﺳﺔ ھذا اﻟﺗﺣرر إﻻ ﺑﺎﻟوﺻول ﻟﻠﺟﻧون وﻣﻣﺎرﺳﺔ ﺳﯾﺎدﺗﮫ ﻋﻠﻰ ﻣن ﺣوﻟﻧﺎ.
أرى ﻟﻠﻌﺑث ﻓﻲ ھذا اﻟﻔﯾﻠم ﺣﺿورﯾن، أوﻟﮭﻣﺎ ﺣﺿور ﻗﺎﺗم وﺳﺧﯾف ﯾزج ﺑﻛرﯾﻣﺔ وﻣن ﻣﺛﻠﮭﺎ داﺧل ﺣﯾﺎة ﻛل دورھم ﻓﯾﮭﺎ ھو ﺗرس ﻗﺎﺑل وﻣﺳﺗﺳﻠم ﻟﻠﻔرم ﻣن ﺗروس أﻗوى وأﻛﺛر ﻋﻘﻼﻧﯾﺔ ﻣﻧﮭم، ﻟﯾﻐﻠق ﻛل أﺑواب اﻟﺧروج ﻓﻲ وﺟوھﮭم ووﺟوھﻧﺎ. وﻣن ﺛم وﺑﻼ أي ﻣﻘدﻣﺎت ﯾﻌﯾد اﻟﻌﺑث ﺗﻌدﯾل ذاﺗﮫ ﻟﯾﺣﺿر ﻛﺳﻼح ﻓﻲ ﯾد ﻣن زج ﺑﮭم ﻓﻲ ﺣﯾﺎة ﻟم ﯾﺧﺗروھﺎ، ﺳﻼح ﯾﻣﻛﻧﮭم ﻷول ﻣرة اﺳﺗﺧداﻣﮫ ﺿد اﻟﻣﺳﺗﻐﻠﯾن واﻷﻛﺛر ﻋﻘﻼﻧﯾﺔ، ﺑل وﯾﺳﺎﻋدھم ﻋﻠﻰ اﻧﺗزاع ﺣﻘوﻗﮭم وﺑﺷﻛل ﻓردي، ﻛﺣق اﻷﻣوﻣﺔ ﻓﻲ ﺣﺎﻟﺔ ﻛرﯾﻣﺔ. وﻋﺑر ھذا اﻟﻣَﺧرج ﻣن اﻟﺗﯾﻣﺔ اﻟﻣﻛررة ﻟﺗﻣﺛﯾل ﺷﺧﺻﯾﺔ اﻟﻣﺟﻧون داﺧل ﻋﺎﻟم ﻋﺑﺛﻲ ﺗﺗواﻓر ﻟﻧﺎ ﻣﺗﺎﺑﻌﺔ ﻋﺑث ﯾﮭدف إﻟﻰ ﺗﺄﻛﯾد ﺳﯾﺎدة اﻟﺟﻧون، واﻟﻣﺳﺎﺣﺔ اﻟﺗﻲ ﯾوﻓرھﺎ ﻻﻧﺗزاع اﻟﺣﻘوق وﻟﯾس ﻋﺑث ﻟﻣﺟرد اﻟﻌﺑث.
ﻓﻲ اﻓﺗﺗﺎﺣﯾﺔ ﻓﯾﻠم «ﺗوت ﺗوت» ﻧﺗﺣرك داﺧل ﺣﺎرة ﺗﺷﺑﮫ ﻛل اﻟﺣﺎرات اﻟﻣﺻرﯾﺔ ﻓﻲ أﻓﻼم اﻟﺗﺳﻌﯾﻧﯾﺎت، ﺣﯾث اﻟﺷوارع ﺿﯾﻘﺔ وﻣﻠﺗوﯾﺔ ﻛﺷق اﻟﺗﻌﺑﺎن، ﺑﺄرﺿﯾﺔ ﺑﻧﯾﺔ ﻣﺑﺗﻠﺔ ﻓوﻗﮭﺎ ﺑﺎﺋﻌﻲ ﻓول، وﻋطﺎرﯾن وﺑﻘﺎﻟﯾن وﺟزارﯾن وﻣﻘﺎهٍ وﻧﺳوة ﯾﺗﺣرﻛن ﺑﻌﻧف ﻣرﺗدﯾﺎت ﻋﺑﺎءات ﺳوداء ﺗﺗﺻﺎدم ﻣﻊ ﺻﯾﻊ اﻟﺣﺎرة، ﯾﺣﯾطﮭم ﺟﻣﯾﻌﮭم ﺻوت دق ﻋﻠﻰ اﻟﺣدﯾد ﻣن ﺣدادﯾن اﻟﺣﺎرة وأﻏﻧﯾﺔ ﺷﻌﺑﯾﺔ راﺋﺟﺔ وأﯾﺿًﺎ أطﻔﺎل. ﻧﺷﺎھد اﻷطﻔﺎل وھم ﯾﺣدﻓون ﻛرﯾﻣﺔ ﺑﺎﻟطوب وﯾﺿﺣﻛون ﺣﯾث ﯾﺗوﻗف ﺻوت اﻟدق ﻋﻠﻰ اﻟﺣدﯾد واﻷﻏﻧﯾﺔ اﻟﺷﻌﺑﯾﺔ وراﺋﺣﺔ اﻟﻔول واﻟﻧﺳوة ﻋن ﻣﻣﺎرﺳﺔ أﻋﻣﺎﻟﮭن واﻟﺻﯾﻊ ﻣن أﺟل اﻟﻔرﺟﺔ ﻋﻠﻰ ﻛرﯾﻣﺔ وھﻲ ﺗﺟري ﻣن اﻷطﻔﺎل وﺗﺻرخ ﺑﺟﻣل ﻣﺑﺗورة «أﻣك.. أﺑوك» ﺑﯾﻧﻣﺎ ﺗﺧﻠﻊ ﻣﻼﺑﺳﮭﺎ ﺑﻔزع.
«إيه يا حاج حلمي بنتفرج ع السيما»
ﯾﺣﺎول اﻟﺣﺎج ﺣﻠﻣﻲ ﻣﺳﺎﻋدة ﻛرﯾﻣﺔ ﺑﺈﺑﻌﺎده ﻟﻸطﻔﺎل وﺗﺣﺎول اﻟﺣﺎﺟﺔ ﺣث اﻟﻧﺳﺎء ﻋﻠﻰ ﺗﻐطﯾﺔ ﺟﺳم ﻛرﯾﻣﺔ، ﺑدﻻً ﻣن اﻟﻔرﺟﺔ ﻋﻠﯾﮭﺎ.
ﯾﻧﺟﺢ وﯾﻐطﯾﮭﺎ اﻟﺣﺎج ﺑﻌﺑﺎءﺗﮫ وﯾدﺧﻠﮭﺎ ﻣﺣﻠﮫ وﯾطﻣﺋﻧﮭﺎ، ﻓﻘط ﻟﯾﺗﺣرش ﺑﮭﺎ ﺟﻧﺳﯾًّﺎ ﺑﮭدوء. ھذا ﯾوم ﻋﺎدي ﻓﻲ ﺣﯾﺎة ﻛرﯾﻣﺔ ﻛﺎﻣرأة ﺑﯾن اﻟﻌﺷرﯾن واﻟﺛﻼﺛﯾن ﻣن ﻋﻣرھﺎ ﺗﻌﺎﻧﻲ إﻋﺎﻗﺔ ذھﻧﯾﺔ واﺿﺣﺔ، ﺗﻌﯾش ﻛﺧﺎدﻣﺔ ﻓﻲ ﻛﻧف أﺳرة اﻟﺣﺎﺟﺔ واﻟﺣﺎج ﺣﻠﻣﻲ وﺑﻧﺎﺗﮭﻣﺎ. ورﺛت ﻛرﯾﻣﺔ ﺷﻐل اﻟﺧدﻣﺔ ﻣن أﻣﮭﺎ اﻟﺗﻲ ﻛﺎﻧت ﺗﺧدم ﺑدورھﺎ ﻧﻔس اﻟﻌﺎﺋﻠﺔ ﻗﺑل اﻧﺗﺣﺎرھﺎ، ﻓﺗﺑﻧت اﻟﻌﺎﺋﻠﺔ ﻛرﯾﻣﺔ.
«ربنا خد من نفوخها وأداها في عافيتها»
ھذه ھﻲ اﻟﺻورة ﻣن اﻟﺧﺎرج ﻟﻛن ﻓﻲ اﻟﺣﻘﯾﻘﺔ ﺗﻌﻣل ﻛرﯾﻣﺔ ﻓﻲ أﻛﺛر ﻣن ﻋﻣل ﻣﺑﻧﻲ ﻋﻠﻰ اﺳﺗﻐﻼل ﺟﺳدھﺎ، ﺳواء ﻓﻲ أﻋﻣﺎل ﻣﻧزﻟﯾﺔ ﺷﺎﻗﺔ أو ﻛﺷرﯾط ﻓﯾدﯾو مسلٍّ ﻟﻘﺎطﻧﻲ اﻟﺣﺎرة ﺣﯾﻧﻣﺎ ﯾرﺷﻘﮭﺎ اﻷطﻔﺎل ﺑﺎﻟطوب، وأﯾﺿًﺎ ﻛﺄداة ﺟﻧﺳﯾﺔ أو ﻛﻣﺳﺎﺣﺔ آﻣﻧﺔ ﻟﺗﻧﻔﯾس اﻟرﻏﺑﺎت اﻟﺟﻧﺳﯾﺔ ﻟدى رﺟﺎل اﻟﺣﺎرة. ﻣﻧﮭم ﺳﺎﻣﺑو ﺻﺎﯾﻊ اﻟﺣﺎرة اﻟذي ﯾﺗﺳﻠل ﻟﯾﻼً ﻟﻣﻛﺎن ﻣﺑﯾﺗﮭﺎ ﻟﻠﺗﺣرش ﺑﮭﺎ ﻣﺛل اﻟﺣﺎج ﺣﻠﻣﻲ وآﺧرﯾن ﻣن ﻗﺎطﻧﻲ اﻟﺣﺎرة، ﻓﮭﻲ ﺗﺑﯾت ﻓﻲ ﺧراﺑﺔ ﻣﻊ ﻛﻠب ﺟرب ﻟﺗﺣرس ﻏﺳﯾل اﻟﻌﺎﺋﻠﺔ اﻟﻣﻧﺷور، ﺑﺟﺎﻧب ﺑﯾت اﻟﺣﺎج
واﻟﺣﺎﺟﺔ.
ﻛل ذﻟك ﻛﺎن ﻓرﺷﺔ ﻧﺎﻋﻣﺔ ﻣن اﻟﻣﺧرج ﻟﻠدﺧول ﻟﺑداﯾﺔ اﻟﻔﯾﻠم اﻟﺣﻘﯾﻘﺔ، وھو ﻣﺷﮭد طﮭور ﺣﻔﯾد اﻟﺣﺎج واﻟﺣﺎﺟﺔ، وﻓﯾﮫ ﺗﻘﺎﺑل ﻛرﯾﻣﺔ ﻣﺣروس -أﻏﻧﻰ رﺟﺎل اﻟﺣﺎرة وﻣﻐﺗﺻﺑﮭﺎ ﻓﯾﻣﺎ ﺑﻌد- ﻷول ﻣرة ﻓﻲ ﺷﺎدر اﻻﺣﺗﻔﺎل ﺑﺎﻟطﮭور، ﺣﯾﻧﮭﺎ ﺗﻘف ﻛرﯾﻣﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻣﺳرح ﻣﻊ ﻋﺑد اﻟﺑﺎﺳط ﺣﻣودة، ﺑﻌﻔوﯾﺔ وارﺗﯾﺎح ﺗﻐﻧﻲ وﺗرﻗص ﻣﻌﮫ، ﻓﯾراھﺎ ﻣﺣروس ﻛﺄﻣرأة -ﻷول ﻣرة- وﻛﻔرﺻﺔ ذھﺑﯾﺔ ﻟﻣﻣﺎرﺳﺔ اﻟﺟﻧس ﺑﻼ ﻋواﻗب. ﯾﺻور ﻟﻧﺎ اﻟﻣﺧرج ﻣﺣروس اﻟذي ﻻ ﯾزور اﻟﺣﺎرة إﻻ ﻓﻲ اﻟﺷدﯾد اﻟﻘوي وھو ﯾزور اﻟﺣﺎرة ﺑﺎﻧﺗظﺎم ﻣن أﺟل ﻣﻌﺎﯾﻧﺔ ﻛرﯾﻣﺔ وأﺣواﻟﮭﺎ، وﯾﺷﺟﻌﮫ ﻋﻠﻰ اﻟﻔرﺟﺔ واﻟﻣﻌﺎﯾﻧﺔ اﻟدﻗﯾﻘﺔ ﻟﺟﺳد ﻛرﯾﻣﺔ اﻟﺣﺎج ﺣﻠﻣﻲ ﻓﻲ أﺛﻧﺎء ﺗدﺧﯾﻧﮭﻣﺎ ﻟﻠﺷﯾﺷﺔ أﻣﺎم ﻣﺣل ﻋطﺎرة اﻟﺣﺎج، ﻓﯾﺗﺷﺎرﻛﺎن ﻓﻲ ﻣﻌﺎﯾﻧﺔ دﻗﯾﻘﺔ ﻟﻛرﯾﻣﺔ ﻓﻲ أﺛﻧﺎء اﻧﮭﻣﺎﻛﮭﺎ ﻓﻲ ﻏﺳل ﻣﻼﺑس ﻋﺎﺋﻠﺔ اﻟﺣﺎج ﻓﻲ اﻟﺧراﺑﺔ. وﯾﺣﺎول ﺳﺎﻣﺑو أﯾﺿًﺎ ﻣﺷﺎرﻛﺗﮭﻣﺎ ﻣﺗﻌﺔ ﻣراﻗﺑﺔ ﻛرﯾﻣﺔ ﻣﻊ اﻟﺗدﺧﯾن، ﻟﻛﻧﮫ ﻻ ﯾﺟد ﻣﻛﺎﻧًﺎ ﺑﻌد زﺟر اﻟﺣﺎج ﺣﻠﻣﻲ ﻟﮫ. ﻓﻣﺷﺎھدة ﻛرﯾﻣﺔ أﺻﺑﺣت ﺣﺻرﯾﺔ ﻟﻘوى رأﺳﻣﺎﻟﯾﺔ وذﻛورﯾﺔ أﻋﻠﻰ، ﻣﺗﻣﺛﻠﺔ ﻓﻲ ﻣﺣروس واﻟﺣﺎج ﺣﻠﻣﻲ ﺣﯾث ﻻ ﻣﻛﺎن ﻷﻋﯾن اﻟواﻏش واﻟﺻﯾﻊ ﻋﻠﻰ ﺟﺳد ﻛرﯾﻣﺔ. ھذا اﻟﻣﺷﮭد ﯾظﮭر ﺷﻛل اﻟﺗﺣﻛم ﻓﻲ ﺟﻧون ﻛرﯾﻣﺔ -اﻟذي ﯾﺧﯾم ﻋﻠﻰ اﻟﺟزء اﻷول ﻣن اﻟﻔﯾﻠم- ﻣﻣن ﺣوﻟﮭﺎ، ﻋﺑر ﺗوظﯾﻔﮭﺎ ﻓﻲ ﻣﺗن ﻣﺣدد ﯾﺧدﻣﮭم وﯾﺳﻠﯾﮭم وﯾﺳﺗﻧزﻓﮭﺎ، دون اﻟﻧظر أو اﻻھﺗﻣﺎم ﺑﺎﻟﻌواﻗب واﻟﻣﺄﺳﺎة ﻓﻲ ﻓﻌل اﺳﺗﻐﻼﻟﮭم واﻟﻌﺑث ﺑﺣﺎﻟﺗﮭﺎ. وﺑﺳﺑب ﻓﻘدان ﻛرﯾﻣﺔ ﻟﻠﻘدرة ﻋﻠﻰ اﻟﺗواﺻل اﻟﻠﻐوي أو اﻟﺷﻛوى ﻣﻣﺎ ﯾﺣدث ﻟﮭﺎ، ﻧﺷﺎھد ﻛرﯾﻣﺔ ﻓﻲ ﻣﺷﮭد ﺳرﯾﻊ ﺗﻘف أﻣﺎم ﻣﻘﺎم ﺳﯾدي اﻟدﺳوﻗﻲ وﺗدﻋﻲ ﻋﻠﻰ ﺳﺎﻣﺑو ورﺟل آﺧر ﻻ ﻧﻔﮭم اﺳﻣﮫ، ھذا اﻟﻣﺷﮭد ﯾﻣﺛل وﻗوف ﻛرﯾﻣﺔ أﻣﺎم ﺑﺎب اﻟﺧروج -اﻟﻣﻐﻠق- ﻣن دواﻣﺔ اﻟﻌﺎﻟم اﻟذي ﻻ ﺗﻔﮭﻣﮫ اﻟﻣﺗﻣﺛل ﻓﻲ اﻟﺣﺎرة وأھﻠﮭﺎ.

بداية استدراج كريمة، من فيلم «توت توت».

ﺣﺿور ﻣﺣروس ﻓﻲ اﻟﻔﯾﻠم ﻣﺣوري، ﺑل وﻣﺣرك ﻟﻛل ﻣﺎ ﺳﯾﺄﺗﻲ ﺑﻌد ذﻟك، ﻷﻧﮫ وﺣده اﻟﻘﺎدر ﺑﺈﻣﻛﺎﻧﯾﺎﺗﮫ اﻟﻣﺎدﯾﺔ وﺳﻠطﺗﮫ ﻋﻠﻰ أھل اﻟﺣﺎرة وﻣﻛﺎﻧﺗﮫ اﻟﻧﻔﺳﯾﺔ ﻋﻧدھم أن ﯾﻧﺗزع ﻛرﯾﻣﺔ ﻣن داﺧل دواﻣﺗﮭم ﻟﯾدﺧﻠﮭﺎ ﻓﻲ دواﻣﺔ ﺟدﯾدة ﺣﺗﻰ وإن ﻛﺎﻧت دواﻣﺗﮫ اﻟﺧﺎﺻﺔ. ﯾرﻛز اﻟﻣﺧرج ﻋﻠﻰ وﺟﮫ ﻣﺣروس وھو ﯾﺷﯾش ﻣﻊ اﻟﺣﺎج ﺣﻠﻣﻲ ﺑﯾﻧﻣﺎ ﯾﺣرك دﻣﺎﻏﮫ ﻛﺄﻧﮫ ﯾدﺑر ﻟﺷﻲء، ﻧﻌرف ﺑﻌد ذﻟك أﻧﮫ ﻛﺎن ﯾﻔﻛر ﻓﻲ ﻛﯾﻔﯾﺔ اﺳﺗدراج ﻛرﯾﻣﺔ ﻣن اﻟﺣﺎرة ﺑﻌﯾدًا ﻋن أﻋﯾن أھﻠﮭﺎ. وﯾﻧﺟﺢ ﻣﺣروس ﻓﻲ اﺳﺗدراﺟﮭﺎ ﻟﯾﻼً ﻟﺑﯾﺗﮫ ﺑطﺑق ﺑﺳﺑوﺳﺔ، وﻛﺎن ﻣن اﻟﺳﮭل ﻋﻠﯾﮫ اﺳﺗدراﺟﮭﺎ ﻷﻧﮭﺎ ﻣﻌزوﻟﺔ ﻋن ﻣن ﺣوﻟﮭﺎ، ﯾﺧطﻔﮭﺎ ﻣﺣروس وﯾﺣﺑﺳﮭﺎ ﻓﻲ ﻣﻧزﻟﮫ ﯾﺣﯾطﮭﺎ ﺑﺎﻷﻟﻌﺎب وﯾﺟﺑرھﺎ ﻋﻠﻰ اﻻﺳﺗﺣﻣﺎم وﺗﻐﯾر ﻣﻼﺑﺳﮭﺎ ﻟﻣﻼﺑس ﺗﻠﯾق ﺑﺎﻣرأة.
ﻓﻲ ﻣﺷﮭد ﯾﺳﺑب ﻟﻲ داﺋﻣًﺎ اﻟﻐﺛﯾﺎن واﻟﺧﻧﻘﺔ، ﯾﺄﺧذ ﻣﺣروس ﻛرﯾﻣﺔ ﻓﻲ ﻧزھﺔ ﻓﻲ ﺷوارع اﻟﻘﺎھرة ﺑﺳﯾﺎرﺗﮫ، وﯾﺳﺄﻟﮭﺎ إن ﻛﺎﻧت ﺳﻌﯾدة ﺑﮭذه اﻟﻧزھﺔ؟ ﻻ ﺗرد ﻋﻠﯾﮫ ﺳوى ﺑﻛﻠﻣﺔ اﻟﺣﺎرة ﯾﻣﺛل أﻧﮫ ﻟم ﯾﺳﻣﻌﮭﺎ وﯾﻌدھﺎ أن ھذه اﻟﻧزھﺔ ﺳﺗﺗﻛرر إن ﺳﻣﻌت اﻟﻛﻼم ﻣﺎ ﯾﺷﻌرﻧﻲ ﺑﺎﻟﻐﺛﯾﺎن ھو اﺣﺗﯾﺎﺟﮫ اﻟﻐرﯾب إﻟﻰ اﻟﺷﻌور ﺑﺄن ﻋﻼﻗﺗﮫ ﺑﻛرﯾﻣﺔ طﺑﯾﻌﯾﺔ. ﺗظل ھذه اﻟﻌﻼﻗﺔ -ﻓﻲ دﻣﺎﻏﮫ- طﺑﯾﻌﯾﺔ، ﺣﺗﻰ ﯾﻛﺗﺷف ﻣن ﺧﺎدﻣﺎﺗﮫ أن ﻛرﯾﻣﺔ ﺣﺎﻣل، ھﻧﺎ ﯾﺑدأ ﺷﻌور اﻟﺧﻧﻘﺔ ﺑﺎﻟﺗﺳﻠل، ﺣﯾﻧﻣﺎ ﯾﺗﺳﺎءل ﻣﺣروس ﺑﺎرﺗﺑﺎك وذھول «ﺣﺗﻰ اﻟﮭِﺑل ﺑﯾﺣﻣﻠوا؟».
ﯾﻛﺷف ذھول ﻣﺣروس اﻟﻌﺑﺛﻲ أﻧﮫ ﻟم ﯾﺗﺧﯾل ﻓﻘط أن ﻛرﯾﻣﺔ ﯾﻣﻛن أن ﺗﺣﻣل، إﻧﻣﺎ ﻟم ﯾﺗﺧﯾﻠﮭﺎ ﻛﺈﻧﺳﺎﻧﺔ أو أن ﻟﮭﺎ ردود أﻓﻌﺎل ﺣﺗﻰ وإن ﻛﺎﻧت ﺑﯾوﻟوﺟﯾﺔ ﻋﻠﻰ اﻏﺗﺻﺎﺑﮫ ﻟﮭﺎ.
ﻧﺗﺎﺑﻊ ﻛرﯾﻣﺔ ﺑﻌدﻣﺎ ﺗرﻛﮭﺎ ﻣﺣروس ﻓﻲ ﻣﺣطﺔ رﻣﺳﯾس ﻟﯾﺗﺧﻠص ﻣﻧﮭﺎ وﻣﻣﺎ ﻓﻲ ﺑطﻧﮭﺎ. ﻓﯾﺻور اﻟﻣﺧرج ﺑﻛﺎدرات واﺳﻌﺔ وﺑوﺗﯾرة ﺳرﯾﻌﺔ، ﻛرﯾﻣﺔ وھﻲ ﺗﻣر ﺑﺳﻠﺳﻠﺔ ﻣن ﻣواﻗف اﻟﺗﺧﻠﻲ واﻟﻧﺑذ واﻟﺗﺷرﯾد. ﺗﻣر ﺑﮭﺎ وﺣدھﺎ، ﻣﻧﻛﻔﺋﺔ ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺳﮭﺎ، ﻻ ﻧﻌرف ﻧﺣن وﻻ ھﻲ ﻣﺎ ﯾدور ﻓﻲ دﻣﺎﻏﮭﺎ. ﺗﻠف ﻛرﯾﻣﺔ ﻓﻲ اﻟﻘﺎھرة وﺗﺣﺎول اﻟﻌﻣل ﻣﻊ ﻋﻣﺎل اﻟﺳﻛﺔ اﻟﺣدﯾد، وﻣرة أﺧرى ﺗﺣﺎول اﻟﻌﻣل ﻓﻲ ﻣﺣل ﻟﺑﯾﻊ اﻟﻌﺻﺎﺋر، ﻓﮭذا ﻛل ﻣﺎ ﺗﻔﮭﻣﮫ ﻋن اﻟﻌﺎﻟم، وھو اﻟﻌﻣل. ﺑﮭذا اﻹﺻرار اﻟذي ﺟﺑﻠت ﻋﻠﯾﮫ ﻛرﯾﻣﺔ ﺗطرح ﺳؤاﻻً ﺣول اﻟﻌﻣل وأﺧﻼﻗﯾﺎﺗﮫ ﻓﯾﻣﺎ ﯾﺧص اﻟﻣﻌﺎﻗﯾن ذھﻧﯾًّﺎ. ھل ﻛﺎﻧت ﻛرﯾﻣﺔ ﺗﻌﻣل ﻟﺗﺄﻛل وﺗﺷرب وﺗﺳد اﺣﺗﯾﺎﺟﺎﺗﮭﺎ ﻓﻘط، أم أن اﻟﻌﻣل -ﻓﻲ ﺣﺎﻟﺗﮭﺎ- أﺻﺑﺢ ﺷرطًﺎ ﻟﻠﺣﺻول ﻋﻠﻰ اﻟﺣﻣﺎﯾﺔ واﻟرﺿﺎ ﻣﻣن ﺣوﻟﮭﺎ؟
ﻓﻲ أﺛﻧﺎء ھذه اﻟرﺣﻠﺔ ﺗﺄﻛل ﻛرﯾﻣﺔ وﺗﺷرب ﻣن أﻣوال ﺗرﻛﮭﺎ ﻟﮭﺎ رﺟﺎل ﺻﺎدﻓﺗﮭم ﻓﻲ طرﯾﻘﮭﺎ ﻟﻛﻧﮭم ﻟم ﯾﺟدوا ﻓﯾﮭﺎ وھﻲ ﺣﺎﻣل ﻣﻼذًا آﻣﻧًﺎ ﻟﻠﻌﺑث ﺑﺟﺳﻣﮭﺎ ﻓﺗرﻛوا ﻟﮭﺎ أﻣواﻻً ﻛطﻘس ﺗطﮭﯾر ﻗﺑل اﻟﺗﺧﻠﻲ ﻋﻧﮭﺎ. ﯾﺻور ﻟﻧﺎ اﻟﻣﺧرج واﻟﻛﺎﺗب ﻋﺑر رﻓض اﻟرﺟﺎل اﻟذﯾن ﻗﺎﺑﻠﺗﮭم ﻛرﯾﻣﺔ ﻟﻠﻌﺑث ﺑﺟﺳدھﺎ أو ﺣﺗﻰ ﻣﺳﺎﻋدﺗﮭﺎ، أﻧﮭﺎ ﻓﻲ ﻧظرھم ﺗرﻗت ﻣن ﻛوﻧﮭﺎ ﻻ ﺷﻲء -ﻛﻣﺟﻧوﻧﺔ- وأﺻﺑﺣت إﻧﺳﺎﻧﺔ. ﻓﯾﻛﺷف ﻟﻧﺎ -اﻟﻣﺧرج واﻟﻛﺎﺗب- وﺑطرﯾﻘﺔ ﻣؤﻟﻣﺔ ﺧﻼل رﺣﻠﺔ ﺣﻣل ﻛرﯾﻣﺔ ﻋن اﻟﮭﯾﻛل اﻟذﻛوري اﻟذي ﺗﺗورط ﻓﯾﮫ ﻣﻊ رﺟﺎل ﯾﺑﺣﺛون ﻋن ﺷﻲء وﻟﯾس اﻣرأة، وأن ﺑﺣﻣﻠﮭﺎ ﺗؤﻛد وﺑدون أي ﻛﻼم ﻋﻠﻰ أﻧﮭﺎ اﻣرأة ﻛﺎﻣﻠﺔ ﻟﮭﺎ ردود أﻓﻌﺎل. ﻛل ھذا وﻟم ﺗﻛن ﻛرﯾﻣﺔ -ﻛﺎﻟذﯾن ﻗﺎﺑﻠﺗﮭم- اﻛﺗﺷﻔت ﺣﻣﻠﮭﺎ ﻓﻲ أﺛﻧﺎء رﺣﻠﺗﮭﺎ ﻓﻲ ﺷوارع اﻟﻘﺎھرة. ﺗﻛﺗﺷف ﺣﯾﻧﻣﺎ ﺗﻛﺑر ﺑطﻧﮭﺎ وﯾﻠﻔت ﻧظرھﺎ ﺑﺷﻛل ﻣﺑﺎﺷر ﺻﺎﺣب ﻣﺣل اﻟﻌﺻﯾر، أﻧﮭﺎ ﺣﺎﻣل ﻛﻣﺎ اﻟﻌذراء، ﺣﯾﻧﻣﺎ ﺗﺗﺳﻣر ﻛرﯾﻣﺔ أﻣﺎم أﯾﻘوﻧﺔ ﻟﻠﻌذراء ﺣﺎﻣﻠﺔ اﻟﻣﺳﯾﺢ. ﻛم أرﺑﻛﮭﺎ ھذا اﻻﻛﺗﺷﺎف؟ وھﻲ أﺻﻼً ﺗﺣﻣل طﺑﻘﺎت ﻣن اﻻرﺗﺑﺎك ﻓوق ظﮭرھﺎ، ارﺗﺑﺎك داﺧﻠﻲ ﯾﻌﺗرﯾﮭﺎ ﻧظرًا إﻟﻰ ﺣﺎﻟﺗﮭﺎ اﻟﻌﻘﻠﯾﺔ، وارﺗﺑﺎك ﺗﺻدره ﻟﻣن ﺣوﻟﮭﺎ. ﻓﮭﻲ ﺗﺗﺣرك داﺧل ﺛﻧﺎﺋﯾﺎت ﻣن اﻟﺑداﯾﺔ، ﺑﯾن أن ﻣظﮭرھﺎ اﻟﺧﺎرﺟﻲ أﻧﺛﻰ ﻛﺎﻣﻠﺔ وﺑﯾن أن ﻋﻘﻠﮭﺎ ﻣﺎ زال ﻋﻘل طﻔل ﺻﻐﯾر، وﺑﯾن أﻧﮭﺎ ﻗوﯾﺔ ﺑدﻧﯾًّﺎ وھﺷﺎﺷﺗﮭﺎ اﻟداﺧﻠﯾﺔ. ﻛﯾف اﺳﺗطﺎﻋت ﻛرﯾﻣﺔ اﺳﺗﯾﻌﺎب أن ھﻧﺎك آﺧر ﺑداﺧﻠﮭﺎ، آﺧر ﯾﺧﺻﮭﺎ وﻣﻧﮭﺎ وﻋﻠﯾﮫ اﻟﺗﺣرك ﻣﻌﮭﺎ داﺧل ھذه اﻟﺛﻧﺎﺋﯾﺎت؟
ﺣﺗﻰ ھذه اﻟﻠﺣظﺔ ﯾﺣﺿر اﻟﻌﺑث ﺑﺛﻘﻠﮫ وﻗﺗﺎﻣﺗﮫ وﯾدور ﻓﻲ زﻣن داﺋري. ﻓﺗﻌﯾش ﻛرﯾﻣﺔ ﻣرة أﺧرى ﻋﻠﻰ اﻟﮭﺎﻣش، ﻓﻲ ﻗﻠب ﻋرﺑﺔ ﻣن ﻋرﺑﺎت اﻟﻘطﺎر اﻟﺧرﺑﺔ ﺗﻔرﺷﮭﺎ ﺑﺎﻟﻘش، ﻛﻣﺎ ﻛﺎﻧت ﺗﻌﯾش ﻓﻲ ﺧراﺑﺔ اﻟﺣﺎرة. ﻟﻛن ھذه اﻟﻣرة وھﻲ ﺣﺎﻣل وﺗﺣﺎول اﺳﺗﯾﻌﺎب ﺣﻣﻠﮭﺎ ﻛﻣﺎ ﻛﺎﻧت ﺗﺣﺎول اﺳﺗﯾﻌﺎب اﻟﺗﺣرش ﺑﮭﺎ ﻓﻲ اﻟﺣﺎرة. اﻟظرف اﻟﺟﻐراﻓﻲ واﻟﻣﻛﺎﻧﻲ اﻟذي ﻧرى ﻓﯾﮫ ﻛرﯾﻣﺔ ﯾﻌﻛس ﺗﻌﺎﻣل اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ ﻣﻊ ﻣن ھم ﻣﺛل ﻛرﯾﻣﺔ ﻛﻣﺧﻠﻔﺎت ﻏﯾر ﻣرﻏوب ﻓﯾﮭﺎ. ﯾرﻛز اﻟﻔﯾﻠم ﻋﻠﻰ ﺧﺻوﺻﯾﺔ ﻛرﯾﻣﺔ ﻓﯾﻣﺎ ﯾﺧص اﻟﺗﮭﻣﯾش، ﺧﺻوﺻﯾﺔ ﺗﺄﺗﻲ ﻣن أﻧﮭﺎ ﺗﺣﻣل وﺗﺻدر ارﺗﺑﺎﻛًﺎ ﻣﺿﺎﻋﻔًﺎ ﻋن ﻣﺎ ﯾﺻدره اﻟﻣﺟﻧون اﻟذﻛر، أوﻻً ﺑﺳﺑب ھوﯾﺗﮭﺎ اﻟﺟﻧدرﯾﺔ ﻛﺄﻧﺛﻰ ﻣرﻏوﺑﺔ ﺑﺷﻛل أو ﺑﺂﺧر، ﺛﺎﻧﯾًﺎ ﻛﻣﻌﺎﻗﺔ ذھﻧﯾًّﺎ وﺛﺎﻟﺛًﺎ ﺑﺳﺑب ﻣوﻗﻌﮭﺎ اﻟﻣﺗدﻧﻲ ﺟدًّا ﻓﻲ ﺳﻠم اﻟﻘدﺳﯾﺔ واﻟدروﺷﺔ ﻛﻣﺟﻧوﻧﺔ وﺑﺗﺎﻋﺔ رﺑﻧﺎ ﻣﻘﺎرﻧﺔ ﺑﺎﻟﻣﺟﻧون اﻟذﻛر.
ﻧﺗﺎﺑﻊ ﻛرﯾﻣﺔ وھﻲ ﻣﻧﺷﻐﻠﺔ ﻓﻲ ﺣﻣﻠﮭﺎ اﻟﻣؤﻟم، وﻓﻲ ﻣﺣﺎوﻻﺗﮭﺎ اﻟﻔﺎﺷﻠﺔ ﻓﻲ اﻟرﺟوع ﻟﻠﺣﺎرة، ﺣﺗﻰ ﺑﻌد ﺳﻣﺎﻋﮭﺎ ﺗوت ﺗوت -ﺻوت اﻟﻣزﻣﺎر- ﻣﺎ ﻛﺎن ﺑوﺻﻠﺗﮭﺎ ﻟﺑﺎﺋﻊ ﻏزل اﻟﺑﻧﺎت اﻟذي طﺎﻟﻣﺎ أطﻌﻣﮭﺎ ﺑﺑﻼش ﻓﻲ اﻟﺣﺎرة، ﻟﻛﻧﮫ ﻓﻲ ھذا اﻟﯾوم ﻗرر أن ﯾﻛﻣل ﺳﻠﺳﻠﺔ اﻟﺗﺧﻠﻲ واﻻﺳﺗﻐﻼل اﻟﻘدﯾﻣﺔ، ﻓﯾﺳرق ﻣﺎ ﺗﺑﻘﻰ ﻣﻌﮭﺎ ﻣن أﻣوال وﯾﺗرﻛﮭﺎ ﺗﺎﺋﮭﺔ. ﻓﺗﻌود ﻟﺟراج اﻟﻘطﺎرات وﺗﻧﺧرط ﻓﻲ وﻻدة ﻣﺗﻌﺳرة وﺑﻌد ﻟﺣظﺎت ﻣن اﻟوﻻدة ﺗﺑدأ ﺳﻠﺳﻠﺔ ﺟدﯾدة ﻣن ﻣﺣﺎوﻻت اﻻﺳﺗﻐﻼل، ﻓﺎﻟﻌﺎﺋﻠﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﺑرﻋت ﺑﻣﺳﺎﻋدﺗﮭﺎ ﻓﻲ اﻟوﻻدة ﺗﺣﺎول أﺧذ اﺑﻧﮭﺎ ﻣﻧﮭﺎ ﻟﺗرﺑﯾﺗﮫ، ﻓﺗرﻓض ﻛرﯾﻣﺔ ﺑﻌﻧف وﺗﺣﺗﺿن اﺑﻧﮭﺎ ﻟﺗﻛﻣل اﻧﺧراطﮭﺎ ﻓﻲ اﻷﻣوﻣﺔ واﻛﺗﺷﺎف اﻟرﺿﺎﻋﺔ.

كريمة بعد ولادتها، من فيلم «توت توت».

رﺑﻣﺎ ﻧﺣن ﻛﻣﺷﺎھدﯾن رأﯾﻧﺎ وﺟﺎھﺔ ﻣﺎ ﻓﻲ ﻋرض ھذه اﻟﻌﺎﺋﻠﺔ ﻷﺧذ اﺑن ﻛرﯾﻣﺔ ﻟﺗرﺑﯾﺗﮫ ﻣﻊ ﺑﻘﯾﺔ أﺑﻧﺎﺋﮭم، ﺣﯾث ﯾﺻﻌب ﺗﺧﯾل اﻣرأة ﻣﻌﺎﻗﺔ ذھﻧﯾًّﺎ ﻛﺄم. ﯾﺷﻌرﻧﻲ ﻣﻧطق اﻷم اﻟﻣﻌﺎﻗﺔ ذھﻧﯾًّﺎ ﺑﺎﻟذﻧب ﻛﻠﻣﺎ اﺳﺗدﻋﯾﺗﮫ ﻷﻧﻲ آﻣﻧت ﺑﮫ ﻓﻲ وﻗت ﻣﺎ. وأﻧﻘذﺗﻧﻲ ﻣﻧﮫ ﺗﻔﺻﯾﻠﺔ ﺻﻐﯾرة ﻓﻲ ﻓﯾﻠم «ﺗوت ﺗوت» ﻓﻔﻲ ﻣﺷﮭد ﻓﻲ أﺛﻧﺎء ﺣﻣل ﻛرﯾﻣﺔ وﻟﻔﮭﺎ ﻓﻲ اﻟﻘﺎھرة ﺗﺟد وﻟدًا ﺻﻐﯾرًا واﻗﻔًﺎ ﻋﻠﻰ اﻟرﺻﯾف وﺣﯾدًا، وﺧﺎﺋﻔًﺎ ﻣن ﺗﻌدﯾﺔ اﻟﺷﺎرع، ﻓﺗﺳﺎﻋده ﻋﻠﻰ ﺗﻌدﯾﺔ اﻟﺷﺎرع ﺑﺳﻼم. ھذه اﻟﺗﻔﺻﯾﻠﺔ ﺑﺟﺎﻧب ﺗﻌﻠﻣﮭﺎ ﻟﻠرﺿﺎﻋﺔ واﻟﻌﻧﺎﯾﺔ ﺑطﻔﻠﮭﺎ ﯾؤﻛد ﺑﮭﺎ اﻟﻣﺧرج ﻋﻠﻰ أن ﻛرﯾﻣﺔ ﻗﺎدرة ﻋﻠﻰ اﻟﺗﻌﺎﻣل ﻣﻊ اﻷطﻔﺎل ﻓﮭﻲ ﺗﻔﮭم اﻟﺧطر وﺗﻔﮭم اﻟﻣﺳﺎﻋدة أي ﺗﻔﮭم ﻣﻌﻧﻰ اﻟرﻋﺎﯾﺔ.
ھذه اﻟﺗﻔﺻﯾﻠﺔ ﺗﺳﺗدﻋﻲ أﯾﺿًﺎ ﻧظرة ﻋﻠﻰ ﻓﯾﻠم آﺧر ﯾﺗﻘﺎطﻊ ﻣﻊ ﻗﺻﺔ ﻛرﯾﻣﺔ وھو ﻓﯾﻠم «ﺧﺎﻟﻲ ﻣن اﻟﻛوﻟﯾﺳﺗرول» (2005)، ﻣن إﺧراج ﻣﺣﻣد ﺻﻼح أﺑو ﺳﯾف وﺗﺄﻟﯾف ﻣﺣﻣد ﺻﻼح أﺑو ﺳﯾف وﻋﺛﻣﺎن ﺷﻛري. ﻧﺷﺎھد ﺟﻣﯾﻠﺔ اﻟﺗﻲ ﻗﺎﻣت ﺑدورھﺎ إﻟﮭﺎم ﺷﺎھﯾن وھﻲ اﻣرأة ﺗﻌﺎﻧﻲ إﻋﺎﻗﺔ ذھﻧﯾﺔ ﺗﻌﯾش ﻣﻊ اﺑﻧﮭﺎ أﯾوب اﻟذي ﻗﺎم ﺑدوره أﺷرف ﻋﺑد اﻟﺑﺎﻗﻲ، ﻓﻧﺎن ﺷﺎب ﯾﻌﺎﻧﻲ اﺿطراﺑًﺎ ﻋﻘﻠﯾًّﺎ ﺑﺳﯾطًﺎ ﻟﻛﻧﮫ ﻗﺎدر ﻋﻠﻰ ﻣﻣﺎرﺳﺔ ﺣﯾﺎﺗﮫ اﻟطﺑﯾﻌﯾﺔ واﻟﻔﻧﯾﺔ. ﻟم ﯾﻌطِﻧﺎ اﻟﻣﺧرج ﻓرﺻﺔ ﻟﻣﺷﺎھدة ﻛﯾف رﻋﺗﮫ أﻣﮫ أو ﻣﺎرﺳت أﻣوﻣﺗﮭﺎ، إﻻ ﻓﻲ ﻣﺷﺎھد ﺻﻐﯾرة ﺟدًّا وﺑﻼ ﻣﻌﻧﻰ، ﻣﺛﻼً ﻣﺷﮭد ﻟﺟﻣﯾﻠﺔ وھﻲ ﺗﺷﺗري اﻟﺧﺿﺎر أو ﺗﻠﻌب ﻣﻌﮫ أو ﺗذھب ﻣﻌﮫ إﻟﻰ اﻟﻣدرﺳﺔ. ﻟﻛن داﺧل اﻟﺑﯾت، أو أي ﺣﯾز ﺧﺎص ﻻ ﺗﺗم دﻋوﺗﻧﺎ ﻛﻣﺷﺎھدﯾن ﻟرؤﯾﺔ دﯾﻧﺎﻣﯾﻛﯾﺔ اﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑﯾﻧﮭﻣﺎ، وﻻ ﻛﯾف ﻛﺑر أﯾوب ﺗﺣت رﻋﺎﯾﺔ ھذه اﻷم. ﻟﻛﻧﻧﺎ ﻧرى ﻣﺷﺎھد ﻛﺛﯾرة ﻷﯾوب وھو ﯾﻌﺗﻧﻲ ﺑﺄﻣﮫ ﺑﻌدﻣﺎ ﻛﺑرت، ﺑل وﻧﺳﻣﻊ ﻣن ﻛل أﺑطﺎل اﻟﻔﯾﻠم ﺟﻣﻠﺔ «أﯾوب دا أﻧﺎ اﻟﻠﻲ رﺑﯾﺗﮫ»، «دا زي اﺑﻧﻲ ﻛﻧت ﺑﺎذاﻛر ﻟﮫ»، «أﻧﺎ اﻟﻠﻲ ﻣرﺑﯾﮫ ﻣﻊ ﻋﯾﺎﻟﻲ»، اﻟﺟﻣﯾﻊ ﯾﺳﺣب وﯾﮭدر ﻣﺟﮭود ﺟﻣﯾﻠﺔ ﻓﻲ ﺗرﺑﯾﺔ اﺑﻧﮭﺎ، ﻷن ﻻ أﺣد ﯾﺗﺻور أن ﯾﻛون أﯾوب اﻟﻔﻧﺎن اﻟﻌﺑﻘري، ﻧﺗﺎج رﻋﺎﯾﺔ أم ﻣﺗﺄﺧرة ﻋﻘﻠﯾًّﺎ أو ﻣﺟﻧوﻧﺔ، أو ﺣﺗﻰ ﯾﺣﻣل ﺟزءًا ﻣن ﺟﯾﻧﺎﺗﮭﺎ ﻷﻧﮭﺎ ﺗﻣﺛل أﻣوﻣﺔ ﻣﻧﺑوذة ﻟﯾﺳت ﻛﺄﻣوﻣﺔ ﻛرﯾﻣﺔ ﻣﺧﺗﺎر أو أﻣﯾﻧﺔ رزق. اﻷﻣوﻣﺔ اﻟﻣﻧﺑوذة ﺗُرى ﻛﺧطر ﻷﻧﮭﺎ ﺧﺎرج إطﺎر إﻋﺎدة اﻹﻧﺗﺎج اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ، ﺑل إن ﻣن اﻟﺧطر اﻟﻧظر ﺧﺎرج ھذا اﻹطﺎر وﺗﺧﯾل ھﯾﻛل اﺟﺗﻣﺎﻋﻲ ﻣﻐﺎﯾر.
أﻓﻛر أن اﻟﻛﺗﺎب واﻟﻣﺧرج ﻓﻲ ﻓﯾﻠم «ﺗوت ﺗوت» ﻛﺎﻧوا ﯾﺣرﻛوﻧﻧﺎ ﺗﺟﺎه اﻟﺷﻌور ﺑﺎﻟذﻧب واﻻرﺗﺑﺎك ﺣﯾن ﻧﺳﺄل ﺑﺑراءة: ﻛﯾف ﻷم ﻣﺛل ﻛرﯾﻣﺔ أو ﺟﻣﯾﻠﺔ ﻗدرة ﻋﻠﻰ وﻻدة وﺗرﺑﯾﺔ أطﻔﺎل ﻗﺎدرﯾن وﻋﻠﻰ اﻟدﺧول ﻓﻲ ﻣﻌﻣﻌﺔ إﻋﺎدة اﻹﻧﺗﺎج اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﻲ؟ ﻟﻧﺻل إﻟﻰ إدراك أو إﺟﺎﺑﺔ -ﻻ ﺗﻘل إرﺑﺎﻛًﺎ ﻋن اﻟﺳؤال- أن ھذه ﻣﺷﻛﻠﺔ ﺗﻛرار إطﺎر أو ﻗﯾم ﺑﻌﯾﻧﮭﺎ ﻟﻣﻼﯾﯾن اﻟﻣرات، ﺣﯾث ﯾﺻﻌب اﻟﺗﻔﻛﯾر ﺧﺎرج ھذا اﻹطﺎر أو ﻣﺎ ﯾﺳﻣﻰ ﺑﻘﯾم اﻷﺳرة اﻟﻣﺻرﯾﺔ ﺑﻛل ﻣﺎ ﺗﺣﻣﻠﮫ ﻣن ﻏﻣوض، ﻓﺟوھر اﻟﻔﯾﻠم ﯾﻛﻣن ﻓﻲ ﺗﺻور أﺷﻛﺎل أﺧر ﻣن اﻟﻣﻣﺎرﺳﺎت اﻟﺣﯾﺎﺗﯾﺔ ﻏﯾر اﻟﻌﻘﻼﻧﯾﺔ وﻓﻲ ﻧﻔس اﻟوﻗت ﺑﮭﺎ ﻣﻼﻣﺢ اﻟﺗﻣﺎﺳك واﻟﻣﻧطق اﻟﺧﺎص ﺑﮭﺎ.
«جايبة عيل تشحت بيه»
ﻓﻲ اﻟﻧﺻف اﻟﺛﺎﻧﻲ ﻣن اﻟﻔﯾﻠم ﯾظﮭر ﻟﻧﺎ اﻟﻣﺧرج واﻟﻛﺎﺗب أن ﻟﮭذا اﻟﻌﺑث اﻟﻘﺎﺗم ﻻزﻣﺔ أو ﯾدان ﯾﻣﻛﻧﮭﻣﺎ ﺗﺷﻛﯾل ﻣﺧرج آﻣن أو ﺗﻐﯾﯾر ﻣواﻗﻊ اﻟﻘوى. ﻓﻧﺗﺎﺑﻊ ﺗﻐﯾر ﺷﺧﺻﯾﺔ ﻛرﯾﻣﺔ ﺑﻌد اﻷﻣوﻣﺔ. ﺣﯾن ﯾﺟدھﺎ ﺳﺎﻣﺑو ﺻدﻓﺔ ﻓﻲ ﻗﺳم اﻟﺷرطﺔ، ﻟم ﺗﻛن ﻛرﯾﻣﺔ ﻣﮭﺗﻣﺔ أو ﺣﺗﻰ ﺧﺎﺋﻔﺔ ﻣﻧﮫ ﺑل ﻧظرت إﻟﯾﮫ ﺑﺑرود، ﻛﺎن ھو ﻧﻔﺳﮫ ﺳﺎﻣﺑو اﻟذي طﺎﻟﻣﺎ دﻋت ﻋﻠﯾﮫ وﺿرﺑﺗﮫ ﺑﺳﺑب ﺗﺣرﺷﮫ ﺑﮭﺎ ﺟﻧﺳﯾًّﺎ ﻓﻲ اﻟﺳﺎﺑق. ﻟﻛﻧﮭﺎ ﻟم ﺗﻛن ﻧﻔﺳﮭﺎ ﻛرﯾﻣﺔ ﺣﯾن أﻋﺎدھﺎ ﺳﺎﻣﺑو أﺧﯾرًا إﻟﻰ ﺑﯾت اﻟﺣﺎﺟﺔ واﻟﺣﺎج ﺣﻠﻣﻲ، ﻓﮭﻲ ﻟم ﺗﺻل ﻛﺧﺎدﻣﺗﮭﻣﺎ اﻟﻣﻌﮭودة، ﻓﻠم ﺗﻌد ﺗﺗﺻرف ﻣﻌﮭﻣﺎ ﺑﻧﻔس اﻻﺣﺗرام، وﻟم ﺗﻌد ﺗطﯾﻊ أواﻣرھﻣﺎ، أو ﺗﺟﯾب ﻋن أﺳﺋﻠﺗﮭﻣﺎ واﻷھم أﻧﮭﺎ ﻟم ﺗﺗرﻛﮭﻣﺎ ﯾﺗﺧذان ﻗرارًا ﺣول ﺣﯾﺎﺗﮭﺎ أو ﺣﯾﺎة اﺑﻧﮭﺎ، ﺑل رﻛزت ﻛل ﻗدراﺗﮭﺎ ﻋﻠﻰ ﺗوﻛﯾد أن اﻟوﻟد اﻟراﻗد ﺑﯾن ذراﻋﯾﮭﺎ، وﺳط ﺷك اﻟﺟﻣﯾﻊ أﻧﮭﺎ أﺧذﺗﮫ ﻣن أﺣد ﻟﺗﺷﺣت ﺑﮫ، ﯾﺑﻘﻰ اﺑﻧﮭﺎ ﻣن ﺑطﻧﮭﺎ. وﻧراھﺎ ﺗﻧﺗزﻋﮫ ﻣن ﺣﺿن اﻟﺣﺎﺟﺔ ﺑﻌﻧف ﺑﻌد أن أدرﻛت أﻧﮭﺎ ﻋﻠﻰ وﺷك أن ﺗﻌطﯾﮫ ﻟواﺣدة ﻣن ﺑﻧﺎﺗﮭﺎ ﻟﺗرﺑﯾﮫ.
ھذا اﻟﺗﻐﯾر ﻓﻲ ذات ﻛرﯾﻣﺔ ﺣدث ﺑﺳﺑب اﻷﻣوﻣﺔ، ﻋﻠﻰ اﻟرﻏم ﻣن أن اﻷﻣوﻣﺔ ﺗﮭﻣش ھوﯾﺔ اﻟﻣرأة، وﻓﻲ أدﺑﯾﺎت اﻷﻣوﻣﺔ ﻧﻘرأ وﻧﺷﺎھد ﺗﺂﻛل ھوﯾﺔ اﻟﻣرأة ﺣﺗﻰ ﺗﺻﺑﺢ -اﻟﻣرأة- ﻏﯾر ﻣرﺋﯾﺔ ﺳوى وظﯾﻔﯾًّﺎ ﻛﺄم. ﻟﻛن ﻓﻲ ﺣﺎﻟﺔ ﻛرﯾﻣﺔ ﺣدث اﻟﻌﻛس. ﺗﺿﺎف ھوﯾﺔ ﻣﺗﻣﺎﺳﻛﺔ ﻓوق ھوﯾﺗﮭﺎ ﻛﺈﻧﺳﺎﻧﺔ واﻣرأة ﻣن ذوي اﻻﺣﺗﯾﺎﺟﺎت أو اﻹﻋﺎﻗﺔ اﻟذھﻧﯾﺔ.
ورﻏم ﺛﻘل ھوﯾﺔ اﻷﻣوﻣﺔ ﻋﻠﻰ ﻛﺎھل أي اﻣرأة اﺧﺗﺎرت أن ﺗﺻﺑﺢ أﻣًّﺎ، ﻟم ﺗﺧﺗر ﻛرﯾﻣﺔ ھذه اﻟﮭوﯾﺔ، إﻻ أنها وﺑﺷﻛل ﻋﺑﺛﻲ وﻣﻔﺎﺟﺊ ﺟﻌﻠت ﻛرﯾﻣﺔ أﺧف وأﯾﺿًﺎ ﻣﺳﻣوﻋﺔ وﻣرﺋﯾﺔ ﺑﺷﻛل ﻣﺧﺗﻠف ﻋن اﻟﺳﺎﺑق. ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ إﺑﻌﺎدھﺎ ﻗﻠﯾﻼً ﻋن ذاﺗﮭﺎ اﻟﻣرﺗﺑﻛﺔ واﻟﻣﺗﺷظﯾﺔ، ﻟﺗدرك ذاﺗًﺎ أﺧرى ﺗﺗﻧﻔس ﺑﯾن ﯾدﯾﮭﺎ، ﺗﺣﺗﺎج إﻟﻰ رﻋﺎﯾﺗﮭﺎ. ورﻏم أن اﻟرﻋﺎﯾﺔ ﻋﻣل أﯾﺿًﺎ ﻟﻛﻧﮫ ﻣﻐﺎﯾر ﻋن ﻣﻔﮭوم ﻛرﯾﻣﺔ ﻋن اﻟﻌﻣل اﻟذي ﺟُﺑﻠت ﻋﻠﯾﮫ، ﻟﺗﺣﺻل ﻋﻠﻰ رﺿﺎ ﻣن ﺣوﻟﮭﺎ. ھﻧﺎ ھﻲ ﺗرﻋﻰ وﻻ ﺗﻧﺗظر ﺷﯾﺋًﺎ ﺣﺗﻰ إﻧﮭﺎ ﻻ ﺗﻧﺗظر أن ﺗﻛون أﻣًّﺎ ﻣرﺿﯾًّﺎ ﻋﻧﮭﺎ. ﻓﮭﻲ أدرﻛت ﻓﻌل اﻷﻣوﻣﺔ ﺑﻛل ﻣﺎ ﻓﯾﮫ ﻣن رﺿﺎﻋﺔ، واﻟﺑﺣث ﻋن طﺑﯾب ﯾﺷﻔﻲ اﺑﻧﮭﺎ ﻣن اﻟﺳﺧوﻧﯾﺔ وﺣﺗﻰ ﻏﺳل ﻣﻼﺑﺳﮫ وطﮭوره. دون أن ﯾﻣﻠﻲ ﻋﻠﯾﮭﺎ أﺣد ھذا اﻟﻔﻌل، ﻓﮭﻲ ﻷول ﻣرة ﺻﺎﺣﺑﺔ ﻗرار. ﺗﺗﺣرك ﻛرﯾﻣﺔ ﻓﻲ اﻟﻣﺳﺎﺣﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ ﺑﺷﻛل ﻣﺧﺗﻠف ﻋﻧﺎ ﻛﺳﯾدات ﻣﻘﯾدات ﺑﺎﻟﻛود اﻟﻌﺎم وﺑﻘﯾم اﻷﺳرة اﻟﻣﺻرﯾﺔ اﻟﻐﺎﻣﺿﺔ واﻟﻣﺎﺋﻌﺔ، ﻓﻛرﯾﻣﺔ ﺗﺧرج ﺛدﯾﮭﺎ ﻟﺗرﺿﻊ اﺑﻧﮭﺎ أﻣﺎم اﻟﺟﻣﯾﻊ ﻓﻲ ﻣﺣل ﺑﯾﻊ اﻟﻌﺻﺎﺋر، وﻻ ﺗﮭﺗم ﺣﯾﻧﻣﺎ ﯾﺗﻠﺻص ﻋﻠﯾﮭﺎ ﻋﺎﻣل ﻋﺻﯾر اﻟﻘﺻب، وﺣﯾﻧﻣﺎ ﯾﻧﮭرھﺎ ﺻﺎﺣب اﻟﻣﺣل وﯾﺧﺑرھﺎ أن ﺗرﺿﻊ اﺑﻧﮭﺎ وھﻲ ﻣﻐطﺎة ﺗﺳﺄﻟﮫ ﺑﺟدﯾﺔ «ﻟﯾﮫ ﺣﺎج؟» ھذا اﻟﻣﺷﮭد ﯾرﻛز ﻓﯾﮫ اﻟﻣﺧرج ﺑﻠﻘطﺎت ﻛﻠوز ﻣن زواﯾﺎ ﻣﺧﺗﻠﻔﺔ ﻟﻣدة طوﯾﻠﺔ ﻋﻠﻰ ﺻدر ﻛرﯾﻣﺔ وھﻲ ﺗﻠﻘﻣﮫ ﻻﺑﻧﮭﺎ . وﻋﻠﻰ ﻣدار ﻛل ھذه اﻟﺳﻧﯾن ﺗم اﺧﺗزال واﺳﺗﮭﻼك ھذا اﻟﻣﺷﮭد ﻋﻠﻰ أﻧﮫ ﺑورن. ھذا اﻟﻣﺷﮭد اﻟﺛﻘﯾل ﺟزء ﻣن ﺟﻣﺎﻟﯾﺎت ﺟﻧون ﻛرﯾﻣﺔ، ﻓﺟﻧوﻧﮭﺎ ﯾﺣرﻛﮭﺎ ﻓﻲ اﻟﻣﺳﺎﺣﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ دون ﻗﻠق، وﺑﺣرﯾﺔ ﺷدﯾدة ﻟﻣﻣﺎرﺳﺔ أﻣوﻣﺗﮭﺎ و/ أو أﻧوﺛﺗﮭﺎ، ﻣﺛﻠﻣﺎ رﻛز اﻟﻣﺧرج ﻋﻠﻰ وﺳط ﻛرﯾﻣﺔ وﻗﺗﻣﺎ رﻗﺻت ﻋﻠﻰ اﻟﻣﺳرح ﻣﻊ ﻋﺑد اﻟﺑﺎﺳط ﺣﻣودة ﻓﻲ ﺑداﯾﺔ اﻟﻔﯾﻠم.
ﻛل ذﻟك ﯾﺣدث -ﺑﺧﻔﺔ- ﻷﻧﮭﺎ ﻓﻲ ﻋﺎﻟم ﻋﺑﺛﻲ، أﺗﺧﯾل ﻟو أن اﻣرأة أﺧرى ﻏﯾر ﻣﻌﺎﻗﺔ ذھﻧﯾًّﺎ، ﻓﻘﯾرة، ﺗﻌﻣل ﻛﺧﺎدﻣﺔ، وﻣﻘطوﻋﺔ ﻣن ﺷﺟرة، ﻏﺎﺑت ﻋن ﺣﺎرﺗﮭﺎ ﺛم ﻋﺎدت إﻟﯾﮭﺎ ﺑﻌد ﺳﻧﺔ ﺣﺎﻣﻠﺔ طﻔﻼً ﻋﻠﻰ ذراﻋﯾﮭﺎ، دون أب وﺑﻐﯾر زواج رﺑﻣﺎ ﻛﺎﻧت ﺳﺗﻘﺗل ﺑﻌد اﺗﮭﺎﻣﮭﺎ ﺑﺑﯾﻊ ﺷرﻓﮭﺎ، أو ﯾﻣﻛن ﻛﺎﻧت ﺳﺗطرد ﻣن ھذه اﻟﺣﺎرة ﻟﻸﺑد، وإن ﺑﻘﯾت ﺳﺗرﻏم ﻋﻠﻰ أن ﺗﻣﺎرس اﻟدﻋﺎرة، ﻷن ﻻ أﺣد ﺳﯾﻘﺑل أن ﺗﻌﻣل ﻋﻧده أو ﻣﻌﮫ اﻣرأة ﻣﻌﮭﺎ وﻟد ﻣن اﻟﺣرام، وﺳﯾﻧﺑذ ھذا اﻟطﻔل إﻟﻰ اﻷﺑد. ﯾﻣﻛن أن ﻧرى ھذا اﻟﻣﺻﯾر ﻓﻲ «ﻓﯾﻠم ﻛﻠﻣﻧﻲ ﺷﻛرًا» (2010) ﻓﺄﺷﺟﺎن اﻟﺗﻲ ﺣﻣﻠت ﺑدون زواج وﻟم ﺗﺧﺑر أﺣدًا ﺑﮭوﯾﺔ اﻷب، وأﺻرت ﻋﻠﻰ أن ﺗﺑﻘﻰ ﻓﻲ اﻟﺣﺎرة، أرﻏﻣت ﺑﺷﻛل أو ﺑﺂﺧر ﻋﻠﻰ ﻣﻣﺎرﺳﺔ اﻟدﻋﺎرة وأﺻﺑﺢ ﻟﻘب اﺑﻧﮭﺎ «ﻋﻠﻲ أﺷﺟﺎن» دﻻﻟﺔ ﻋﻠﻰ أﻧﮫ اﺑن ﺣرام. ﻧﻔر اﻟﺟﻣﯾﻊ ﻣن أﺷﺟﺎن، وﻟم ﯾﺳﺄﻟﮭﺎ أﺣد ﻋن ﻗﺻﺗﮭﺎ ﺑل ﻧﺳﺟوا ﻗﺻﺻﮭم اﻟﺧﺎﺻﺔ ﻋﻧﮭﺎ وﻋن ﺷرﻓﮭﺎ. اﻟﺟﻧون ﺣﻣﻰ ﻛرﯾﻣﺔ ﺑﺷﻛل ﻣﺎ ﻣن ﻣﺻﯾر أﺷﺟﺎن وﻣن اﻷﻛواد واﻟﻘﯾود اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ، واﻟﻌﺑث رﺳم طرﯾﻘًﺎ ﻟﺳﯾﺎدة ھذا اﻟﺟﻧون.
ﻛرﯾﻣﺔ دون أن ﺗدري ﺗﻛﺷف ﻟﻧﺎ ﻓﻲ أﺛﻧﺎء اﻟﺗﺧﻠﻲ ﻋﻧﮭﺎ واﻧﻔراط ﺣﺑل اﻟﺗﺣﻛم ﺑﮭﺎ وﺑﺟﻧوﻧﮭﺎ، ﻋن دﯾﻧﺎﻣﯾﻛﯾﺔ ﺗﻌﺎﻣل اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ ﻣﻊ اﻟﺑؤس، اﻟﻔﻘر، اﻟﺟﻧون، وﺣق اﻷﻣوﻣﺔ ﻟﻠﻣﻌﺎﻗﯾن ذھﻧﯾًّﺎ. واﻷھم أﻧﮭﺎ ﺗﻛﺷف ﻋوار ﺟﻣﻠﺔ «اﻷﻣوﻣﺔ ﻓطرة» اﻟﺗﻲ ﺗﺗﮭﺷم أﻣﺎم أي ﻣﻌﺎق ذھﻧﻲ ﻛﻣﺎ ﻓﻲ ﺣﺎﻟﺔ ﻛرﯾﻣﺔ أو ﺟﻣﯾﻠﺔ. ﻓﺗؤﻛد ﻛرﯾﻣﺔ أن اﻟﻛﻔﺎءة اﻷﻣوﻣﯾﺔ، ﺳﻠوﻛﯾﺎت ﻣﻌﯾﻧﺔ ﺗﺣدد ھوﯾﺔ اﻷم وﺑﻣﺟرد اﻛﺗﺳﺎﺑﮭﺎ ﺗﺑﻘﻰ اﻟﻣرأة أﻣًّﺎ. وﺗﺛﺑت أن ﻟﻠﺟﻧون ﺳﯾﺎدة وﯾﻣﻛن أن ﺗﻛون ﻓردﯾﺔ ﺑﻼ رﻓﯾق ﻋﺎﻗل ﯾﺳﺎﻋدھﺎ وﯾﺗﺣﻛم ﻓﻲ ﺗﺣرﻛﺎﺗﮭﺎ أو ﯾﺣﻣﯾﮭﺎ. ھذه اﻟﺳﯾﺎدة ﻟم ﺗﻛن ﻟﺗﺣدث ﻓﻲ ﻋﺎﻟم ﻋﻘﻼﻧﻲ ﯾﺣﺗرم اﻟﻣﺧﺗﻠف ﻋﻧﮫ وﯾﺣﺎول اﻟﺗﻔﺎھم ﻣﻌﮫ. ﻗﺻﺔ ﻛرﯾﻣﺔ ﺑﮭﺎ ﺳﻣﺎت اﻟﻌﺑث ﻣن اﻟوﻗوع ﻓﻲ ﺻراع ﺑﯾن ﻣﻛوﻧﺎت أﻛﺑر ﻣﻧﮭﺎ وﻏﯾر ﻣﻧﺻﻔﺔ، ﻟﻠﻧﺿﺎل ﻓﻲ ﻋﺎﻟم ﺑﻼ ﻣﻌﻧﻰ ﻣن ﺷﺧﺻﯾﺔ أﺻﻼً ﻻ ﺗﺣﻣل ﻣﻌﻧﻰ داﺧﻠﮭﺎ ﻟﻛﻧﮭﺎ ﺗﺻل ﻟﺣﻘﯾﻘﺔ ﻣﺗﻣﺎﺳﻛﺔ وھﻲ اﻷﻣوﻣﺔ وﺣﻘﮭﺎ ﻓﯾﮭﺎ. ﯾﺣدث ﻛل ذﻟك وﻛﺄﻧﮫ ﺑﯾن ﻗوﺳﯾن أو زﻣن داﺋري ﻣﻐﻠق ﻋﻠﻰ ذاﺗﮫ، ﻓﺗﺑدأ أﺣداث اﻟﻔﯾﻠم ﺑﯾن طﻘوس طﮭور ﻟطﻔل ﻻ ﻧﻌرﻓﮫ، ﻣﺑﺷرًا ﺑﻌﺻر ﻏراﺋﺑﻲ وﺑﯾن طﻘوس طﮭور ﻓﻲ آﺧر اﻟﻔﯾﻠم ﻻﺑن ﻛرﯾﻣﺔ ﻣﺑﺷرًا ﺑﻌﺻر أﻗل ﻏراﺋﺑﯾﺔ وأﻛﺛر ﺗﻣﻛﯾﻧًﺎ رﺑﻣﺎ. ﻛﻠﻣﺎ ﺷﺎھدت ﻓﯾﻠم «ﺗوت ﺗوت» ﺑﺣﺛت ﻋن ﻣﻌﻧﻰ طﻘوس اﻟطﮭور، وﻋن ﻣﺎ ﻗﺎﻟﮫ اﻟﻣؤﻟف أو اﻟﻣﺧرج ﺣول اﻟﻘوﺳﯾن اﻟﻣﻐﻠﻘﯾن اﻟﻠذﯾن وﺿﻊ داﺧﻠﮭﻣﺎ اﻟﻔﯾﻠم. ﻟﻛﻧﻲ اﻵن أﺣس ﺑﺄن ﺗﻠك اﻟداﺋرة اﻟﻣﻐﻠﻘﺔ ﻟﯾﺳت ﻣﻐﻠﻘﺔ ﺑﺎﻟﻛﺎﻣل.

نُشر هذا المقال في خريف 2025 في العدد الرابع من «شخصيات»، سلسة تنشرها قائمة نشر عصمت. حررت العدد إيمان شحاتة. نعيد نشره في المركز بالعربي بإذن من الناشر.

مي المغربي

مي المغربي مي المغربي كاتبة وصحفية من مصر، تخرجت في كلية الآداب جامعة الإسكندرية قسم علم نفس في العام 2019. نشرت عددًا من القصائد والنصوص والمقالات النقدية والحوارت في عدة مواقع وصحف، منها مدى مصر، مجلة فم، مدينة، معازف، آخر قصة، Arabpop، چيم، باب مصر، سرد أدبي. حصلت على منحة المورد الثقافي لإنتاج روايتها الأولى «الخروج من غيط العنب» في العام 2023.

Join Our Community

TMR exists thanks to its readers and supporters. By sharing our stories and celebrating cultural pluralism, we aim to counter racism, xenophobia, and exclusion with knowledge, empathy, and artistic expression.

Learn more

مواضيع مشابهة

Uncategorized

مقال لمي المغربي: سيادة الجنون في عالم عبثي

10 NOVEMBER 2025 • By مي المغربي
مقال لمي المغربي: سيادة الجنون في عالم عبثي
Arabic

أشلاء زمن وانمساخ وطن

15 SEPTEMBER 2025 • By دعاء سعيد
أشلاء زمن وانمساخ وطن
TMR Bil Arabi

مقال لدينا شحاته: حين اختبأت مع القطة تحت السرير

4 AUGUST 2025 • By دينا شحاته
مقال لدينا شحاته: حين اختبأت مع القطة تحت السرير
Arabic

مقال لمنار السيف: قراءة ما بين سطور الأرض

30 JUNE 2025 • By منار السيف
مقال لمنار السيف: قراءة ما بين سطور الأرض
Arabic

نظرة إلى متعددة ولادات عظمى

23 JUNE 2025 • By سارة شاهين
نظرة إلى متعددة ولادات عظمى
Arabic

مقال لسارة شاهين: لا مكان إلا القاهرة، لا حيلة مع القاهرة

9 JUNE 2025 • By سارة شاهين
مقال لسارة شاهين: لا مكان إلا القاهرة، لا حيلة مع القاهرة
Arabic

تقويم الشتات

5 MAY 2025 • By ديمة البيطار قلعجي
تقويم الشتات
Arabic

طريق البيت

5 MAY 2025 • By دلير يوسف
طريق البيت
Arabic

الباب المغلق

3 FEBRUARY 2025 • By عدي الزعبي
الباب المغلق

اكتب تعليقًا

لن ننشر الإيميل الخاص بك، الرجاء ملء إضافة جميع المعلومات المطلوبة

14 + 1 =

Scroll to Top