الحب أكثر من الجنس والرغبة، إنه قوة لا حدود لها ورابطة بين شخصين في علاقة. بتلك النظرة، تدرك الكاتبة كيف غير الحب حياتها إلى الأبد.
مريم حيدري
ترجم النسخة الإنجليزية عن الفارسية سالار عبده
استمعت. ساكنة. مستلقية على سرير مستشفى في طهران. لم يمر سوى يوم واحد منذ أن فتحت عيناي أخيرًا. أخبرتني الممرضات أين كنت، وماذا كنت أفعل هناك وماذا حدث لي. والآن جلس صديق بجانبي يقرأ من أحد أعمال شهاب الدين السهروردي الفارسية:
تحدث الحب: "لقد جئت من بوابة الجمال. يقع منزلي بجوار الحزن. ومهنتي هي السفر".
"هل تحتاجين إلى أي شيء من شقتك؟" سألت أختي خديجة.
"أحضروا رسالة السهروردي عن الحب".
تابع الصديق القراءة: أنا صوفي وحيد. أذهب إلى حيث أذهب. أقيم حيث أريد.
على الرغم من أنهم أخبروني بالفعل مرات لا تُحصى بما حدث لي بين تونس وطهران، إلا أن كل شيء ظل ضبابيًا. لم يمكن التمييز بين النهار والليل. أزعجت أضواء المستشفى عيني. سمعت إحدى الممرضات تسأل أخرى: "هل لديها أي فكرة عما حدث؟" أجابت الممرضة الأخرى: "نعم، أخبرتها".
ما كنت أعرفه هو أنني لم أتعرض لحادث أو سقطت من مكان مرتفع. وهذا المستشفى لم يكن في تونس، وأنني كنت أسمع الفارسية وليس العربية، والأهم من ذلك أنني لم أمت. ولم أكن أحلم. هذه الأشياء التي كنت أعرفها. وكنت على يقين من أني أسمع بالفعل ما كتب السهروردي منذ ثمانمائة عام: إذا أخبرتك عن مملكتي ووصفت أعاجيبها، ستتحير ولن تفهم.
في هذه الأثناء، ظل الناس حولي يرددون نفس الجملة: "اعتقدنا أن اثنتان قد ماتتا، مريم وشقيقتها خديجة".
لم تقل خديجة شيئًا سوى أنها عرضت أن تجلب لي أشياء، الرسالة في البداية، ثم اللوشن المفضل لديَّ الذي قربته من أنفي حتى أتمكن من التقاط رائحته قبل أن تضعه على وجهي ويدي. أخبرتني أن والدتنا قدمت من الأحواز لزيارتنا، وأنني بحاجة إلى تناول مشروب البروتين.
كانوا قد نقلوني إلى المستشفى بعد أن فقدت الوعي. يبدو أن أحد الأطباء قد نظر نظرة سريعة وقال: "لا أمل". عند سماع كلمات الطبيب، سقطت خديجة أيضًا على أرضية المستشفى.
لقد ظنوا أن اثنتين قد ماتتا. لكن الآن كلانا حي.
لم يمنحني الفريق الطبي مهلة أكثر من أسبوع واحد. أسبوع واحد للعثور على كبد يطابق فصيلة دمي. في غيبوبة، لم أكن أعرف شيئًا عن أي من هذه الأشياء. في اليوم الخامس وجد كبد مناسب. بعد ساعات قليلة تم إجراء عملية الزرع. والآن أنا حية.
بالكاد استطعت فتح شفتي لأتحدث أو أحرك ساقي. لم أستطع تحريك يدي اليمنى على الإطلاق. كان العالم لا يزال ضبابيًا في عيني. لكنني كنت أسمع كل ما يُقال من حولي بوضوح. في مرحلة ما همس صديق آخر: "فقط تخيلي، قبل بضعة أيام سلم الأطباء خديجة جرةً فيها كبدك".
لقد مرت سبع سنوات منذ أن قيلت لي تلك الكلمات. وبالكاد يمر يوم لا أفكر فيه في الصورة التي تصفها هذه الكلمات. ما زلتُ على قيد الحياة. يدي تتحرك، عيناي تبصران. لكن كل ما هو أنا معلق إلى الأبد بين اليوم الذي حملت فيه أختي جرة فيها كبدي الميت، والحياة التي عشتها حتى ذلك الوقت.
الدهشة والحب والحنان والحزن والدموع والعجز، أي منها كان شعور أختي وهي تحمل جزءًا دمويًا مني إلى مختبر علم الأمراض في المستشفى؟ هذه الأخت نفسها التي بالكاد تستطيع تحمُّل مشهد جرح سطحي أثناء طفولتنا. أتساءل كم مشت حاملة تلك الجرة في ذلك المبنى؟ كم مترًا؟ كم عدد المنعطفات التي عبرتها من غرفة إلى أخرى ومن طابق إلى آخر؟
لو لم تكن محنة كهذه جزءًا من حياتي، ربما يمكنني اليوم أن أتذكر أشياء كثيرة، بما في ذلك التجربة التي يسمونها الحب، مع لمسة حنين إلى الماضي، حتى أتمكن من الاستسلام لإملاءات العاطفة وعشاق الماضي الذين عرفتهم وفقدتهم ذات مرة. لكن صورة أختي التي تحمل تلك الجرة - عواطفها مختلطة وعاصفة، تبعث الأمل والتصميم والضعف - تضفي على كل ذكرى أمتلكها بعدًا يتجاوز نفسها. كان الحب في ذلك اليوم يدي امرأة ملفوفة بإحكام حول وعاء بداخله كبد أختها الساكن.
لم تتحدث خديجة معي قط عن أي من هذا. لم تتحدث عندما حدث، ولا بعد ذلك. لكن تحدث آخرون.
أمنا، من ناحية أخرى، مختلفة. تحب أن تتحدث. امرأة من المقاطعات تتحدث عن رأيها. خلال تلك الأيام من الغيبوبة عندما جاءت لزيارتي من الأحواز، لم يخبروها بعد عن خطورة وضعي. في وقت لاحق، كانت تتصل بي وتبكي عبر الهاتف. "يمه، يمه"، كانت قد همست في أذني بلغتنا العربية الأم، لكنها أدركت أنني لا أستطيع سماعها على الإطلاق.
هناك أصوات نعتقد أننا لم نسمعها (أم تكلم طفلتها التي تتأرجح بين الموت والحياة)، أو حالات لم نشهدها شخصيًا (خديجة تحمل جزءًا من أختها إلى مختبر علم الأمراض في المستشفى). ولكن لأنها حدثت، تغيرت الحياة إلى الأبد. ولأن ذلك حدث، كذلك تغير معنى الحب.