
يكتب مجد كيال عن الخيانة والانتقام والعنف، في قصة قصيرة تلخص تجربة شعب يعيش تحت الاحتلال، وتسلط الضوء على الفظائع العديدة التي تعرض لها. لا يؤثر العنف على الآخرين فحسب، بل يؤثر أيضًا على أولئك الذين يعيشون تحت القمع.
مجد كيال
عمَّ الدّمُ البيتَ. الأمّ منزوية في أرض غرفتها، مضرّجةً، يمزّق زعيقها حارتنا. من الصالون يتّصل صوت التلفزيون بالأخبار العاجلة. تصرخ الوالدة الشابّة من سحيق جسمها، تكرّر ذات الصيحة. بيدها لعبة بلاستيكيّة على شكل شاحنة، تدقّ بها الجدران بإيقاع العويل. من حولها – فوق الشراشف والسرير، وشاحن الهاتف ومرآة المكياج، والأقراط المنزوعة والثياب – توزّعت أشلاء الطفل.
عندما دخلنا الغرفة، حذّر البعض من لمس السكّين المغروزة في صدر الولد، أو أيّ شيء آخر، قبل أن تصل الشرطة. خجل بعضنا من جسدها شبه العاري وغادر، ولم يستطع آخرون احتمال شكل الأعضاء الصغيرة المبتورة، وهرع البعض يتقفّى دليلًا للجُناة؛ فحصوا الباب والبصمات والدعسات، بحثوا عن زجاج مكسّر إثر نزاع، وعن كاميرات في المحيط، واستجوبوا الجيران. بعد دقائق عاد بعضهم يرافقون فتاة مراهقة ترتجف صدمة. قالوا إنّها جليسة الطفل القتيل.
دخلت الفتاة منفرجة العينين، ثابتة البؤبؤين. أطلقت آهات متواصلة، دون بكاء أو كلام، وسرعان ما أبعدوها عن المكان. ثم عادوا من دونها، وقالوا إنّها كانت ترعى الطفل يوميًّا في ساعات بعد الظهر، ريثما تعود أمّه من العمل. قالت الفتاة للشرطة لاحقًا إنّ الأمّ عادت أبكر من المعتاد هذا اليوم. «كانت مرعوبة من شيء ما»، وكانت «غاضبة ومسعورة»، وأيضًا «تحكي بهوس وتشتّت» وقد اقتحمت البيت بشعرٍ مبتلّ مرتدية ثياب السباحة، وقالت أشياء غريبة. «كأنّما ركبها الجِنّ»، وأمسكت بمحفظة مال رمت الفتاة بها، وطردتها من البيت.
عندما أخرجتنا الشرطة من المكان، ونزلنا إلى الشارع، ظلّ صوت الأمّ يصلنا من قلب الدار. وكرّرت ذات الصيحة دون توقّف: «معملتِش إشي! يا الله معملتش إشي…» ومع صراخ الأمّ في البيت، تتفحّم جليسة الطفل بكاءً على رصيف الشارع حيث احتشد الناس. صرخت ولطمت، ثم بدأت تضرب رأسها بنافذة سيّارة Tesla بيضاء مركونة أمام العمارة. هبّ شبّان وأمسكوا بها يهدّئون من روعها، وظلّت الفتاة تصيح باسم الطفل.
طفل خفيف الحركة عميق الضحكة. رقص قبل أن يمشي. وعندما وقف لأوّل مرّة، جرّب أن يصفع الشخصيّات في التلفزيون. صاح الألحان قبل أن يتعلّم الكلام. وأوّل ما نطق قال «بِت» وقصد البيت. بعدها قال «حوِّف» وقصد «بخوّف»، إذ سمع حينها عواء بنات آوى المتواريات في أعماق الجبل. ولمّا حاول فعل أشياء بقواه الذاتيّة وجسده الليّن، غضب بشدّة لو حاول أحد مساعدته.
ظلّت الجليسة تزعق اسمه فوق الرصيف، ومن العمارة تواصل صراخ الأمّ: «معملتش إشي، معملتش إشي.» وبعد دقائق نزل شاب ثلاثينيّ من العمارة المجاورة مستعجلًا. دون أن يحاكي أحدًا، دخل السيّارة الكهربائيّة البيضاء، دوّرها، وقادها يركنها بعيدًا، بينما تحدّث شبّان الحيّ المجتمعين، بتعجّب وإعجاب، عن هدوء محرّك المركبة.
لم يرَ النومُ المدينة تلك الليلة، لكنّنا رأينا قمرًا مكتملًا أجلى العتمة من الشوارع. شدّ الذهول صمتًا قاصلًا متجبّرًا أثقل رطوبة الهواء، فنزلت في مريئنا مثل رقائق نحاس صدئة. رأينا جيراننا يطلّون من النوافذ، يدخّنون على الشرفات، يمشون في الشارع دون اتّجاه، يحملقون بعيدًا، والصمت… الصمت… الصمت… الصمت…
يقول بيان الشرطة: حسب التحقيقات الأوّليّة، عانت الأمّ (32 عامًا، من الوسط العربيّ)، من نوبة ذهان مفاجئة جعلتها تطعن ابنها وتقطّع جثته، وأنّها نُقلت إلى مصحّة عقليّة شماليّ البلاد. أكّدت الشرطة أنّها لا تحقّق في أيّ شبهات أخرى، وحذّرت المواطنين من بثّ الإشاعات حول قاتل متسلسل يبتغي (بحسب خبر زائف على الإنترنت) قتل البكور اقتداءً بضربات مصر في سِفْر الخروج التوراتيّ.
عرفنا الحقيقة ولم نصدّقها. كانت امرأة لبقة، احترمها الناس في الحارة، ولم نرَ منها سوءًا. لم نسمع من بيتها غير ضحكة ابنها، وصوت الأغاني، وقنوات الأخبار. وعندما ظهرت أسنانه رضيعًا، احتمل أهل الحارة بكاءه بحُبّ ورضى، أي: شتمناه في سرّنا، لاعبناه في الشارع، نصحنا الأمّ بوصفاتنا القديمة، فكّرنا بأولادنا، ورأينا أعمارنا تمضي. كان الطفل، رحمه الله وجعله ملاكًا من ملائكة الجنّة، محبوبًا في الحيّ. يلاحق القطط والحمام تحت العمارة، تفوح من ملابسه رائحة المُطَرّي دائمًا. يمدّ يده ملوّحًا للمارّة، ويقبل أن يحمله أيّ غريب.
لم نستطع وصف المشهد. في تلك الليلة، كُلّما طُرِح السؤال، تحوّلت كلماتنا إلى كُتَل رمليّة في حناجرنا. هززنا رؤوسنا، استنشقنا أنفاسًا ظننّاها عميقة، لكنّها سرعان ما نفرَت من أجسادنا كأنّها تفرّ فزعًا من كهف مسكون. اهتزّت رُكَبُنا، انشدّت أصابعنا. شعرنا بأسلاك شائكة تنشدّ بين عيوننا وقلوبنا حتّى تكاد تتقطّع، وتنغز أعناقنا من الداخل. صارت الكلمات نملًا ميّتًا في فمنا، وصرنا كلّنا، أهل الحيّ جميعًا، شاعرًا واحدًا – أخرس مقطوع اليدين.
صُدفة، في ساعات الليل تلك، جلس شاعر شابّ على شاطئ تلّ السمك. حمل دفترًا وقلمًا، وحاول أن يكتب قصيدة عن حبيبته التي قطعت علاقتها به فجأة. بصمت بارد وتجاهل مُستغبٍ، توقّفت عن الردّ على رسائله أو مكالماته. يُسمّي الأجانب هذه الحالة «غوستينغ»، بمعنى أن يختفي العشيق مثل الشبح. والغريب في التسمية أنّ الأشباح لا معنى لها إن اختفت، ولا تصير أشباحًا إلا حين تلاحقنا وتلازمنا.
في تلك الليلة، كتب الشاعر على دفتره:
«والآن؟ هل تشمّين بدن رجلٍ آخر
فوق جسمك المبلول
المحترق؟»
ثم حذف السطور الثلاثة. طعن الرملَ المبلول بالقلم، ورمى الدفتر في البحر. لا يزال الشاعر مراهقًا في أوّل العشرين. فارع القامة، ضعيف النظر، ويُحبّ السينما. لم يسعفه، لا عرض كتفيه ولا بروز فكّيه، في تجاوز خجله وانطوائه الشديدين.
كانت حبيبته هذه أكبر منه بقليل. وقع في حبّها حين علّمته دورة في المركز الثقافيّ عن سينما الواقعيّة الإيطاليّة الجديدة بعد الحرب العالميّة الثانية. أدارت قسم السينما والتلفزيون في المركز. فتاة فاتنة، ساحرة الهدوء، في أواخر العشرينات، محجّبة، ابنة شيخ معروف في قرية قريبة من حيفا، تُحبّ الكرز أخضر، ووالدَها، وتكره إخوتَها الذين كرهوا، بدورهم، حيفا.
لم يحبّ الشاعر المركز الثقافيّ إطلاقًا. أعجبه المبنى القديم، وموقعه الذي يتوسّط بيوت وادي النسناس المرصوصة، لكنّه بغض زيارة المكان. والده، الروائيّ القدير، كان مدير المركز. كره الموظّفون والزوّار، والناسُ عمومًا، الأب المدير الروائيّ القدير، لسلطته الخشنة وشخصيّته الفجّة وسخريته الباصقة.
مع هذا، سجّل الشاعر لتعلّم «الواقعيّة الجديدة». وفي لقاء الدورة الأخير، عند الاستراحة، باغتته المعلّمة في حمّام الطابق السفليّ، قبّلته وجعلته يضاجعها بسرعة شديدة. وقع في حبّها من هول الصدمة، ثم تابع مشدوهًا ساعة الدرس الأخيرة، يحملق بعشيقته وهي تحكي عن بازوليني.
في تلك الليلة، عام الدفتر فوق ماء البحر. تأرجح على فروة الموج ذهابًا وإيابًا. ثم بدأت صفحاته تبتلّ فتزداد ثقلًا وتغرق. قام الشابّ، دخل الماء، يسبح في حزنه، تنهش الصخور أقدامه، ويتوغّل في انعكاسات القمر.
قرابة الثانية فجرًا خرج راكضًا يصرخ. تُلاطِم ذراعاه الهواء، ثمّ تهاوى فوق الرمل، وبكى. وصرخ وتهاوى وبكى. ثم أخذ هاتفه، واتّصل بحبيبته عدّة مرّات، ولم تردّ. ركض إلى سيّارته، وقاد نحو بيتها.
دقّ الجرس بإلحاح، دقّ الجرس بإلحاح، دقّ الجرس بإلحاح، دقّ الجرس بإلحاح، ثم خبط بيديه، وقال إنّه يحتاجها. مرّة بعد مرّة قال إنّه يحتاجها. ثمّ صاح بأنّه رأى سيّارتها مركونة خارج العمارة، ويعرف أنّها في الداخل. فتحت الصبيّة الباب مرتجفة، تحاول احتواءه.
هجم الشاعر. انقضّ عليها مسعورًا يُطبق كفّيه على وجهها وينهار فوقها. يشدّ شعرها، يحاول تقبيل وجهها وأكتافها. أسنانه تخدش بشرتها. وصاحت الفتاة تطلب مساعدة، فخرج من الغرفة رجل كان مختبئًا، يلبس بوكسرًا واسعًا مخطّطًا. هجم على الشاعر، وأبعده عنها ورماه أرضًا خارج البيت. ورأى الشاعر وجه الرجل قبل أن يُقفل الباب: أبوه. الروائيّ القدير الذي قال للعائلة إنّه سافر إلى رام الله ليشارك في اجتماع كبار الأدباء الفلسطينيّين حول دور الثقافة في وقف الحرب، ونصرة شعبنا، وتعزيز صمود أهلنا في القطاع.
تدفّقت حممٌ في عقل الشاعر. ركض إلى سيّارته وقادها بسرعة بركانيّة. ثمّ اتّصل بأحد إخوة الفتاة عبر الفيسبوك. عندما ردّ، صاح الشاعر به أن يذهب إلى بيت أخته «الخائنة». ثمّ واصل الشاعر القيادة على طريق ستيلامارس، ورأى على يساره البحر بهيًّا، وزاد سرعته نحو وادي النسناس.
وصل إلى المركز الثقافيّ. ركن السيّارة هناك. تسلّق البوّابة الخلفيّة. دخل الساحة وكسر بابًا جانبيًّا يعرف عطبه. اقتحم المركز، وأخذ يكسّر الجدران الزجاجيّة للمكاتب، والحواسيب، وماكنات الطباعة. نزل بعدها إلى مخزن الموادّ الفنيّة، وأخذ طلاء أزرق، وكتب على جدار مطبخ الموظّفين «خيانة». ثم عاد بسكّين إلى المخزن. طعن علب التِنر الذي يستخدمه الفنّانون لتخفيف ألوان الزيت. وركض بالعلب في دهاليز العمارة، وصولًا إلى المكتبة.
في المكتبة، فتح بابًا جانبيًّا خلفه مولّد الكهرباء الاحتياطيّ وجرار البنزين. أخذها وأفرغها على الأبواب الخشبيّة، والسور، والأشجار المحيطة. أشعل النار. هرب الشاعر من المكان. امتدّت النيران إلى خارج أسوار المركز، وبلغت العمارات. كان أوّل البيوت المحترقة بيت امرأة تحبّ الطهو، لها صفحة تيكتوك تنشر فيها وصفاتها. أكلت النار جرار الغاز الكبيرة وانفجر المطبخ.
لأكثر من ساعة، سُمِعت انفجارات متتالية في كلّ المدينة. دفعت رياح البحر الحريق، وصالت النيران كأنّها مخاض الجحيم. بلغ الدويّ عمارة عشيقته. على درج العمارة، توقّف أخوا الفتاة، وتساءلا عن مصدر الأصوات. ثم دقّا الباب ولم تفتح أختهما. سمعا حركة في المنزل. قال الأكبر بوقار إنّهما يريدان التحدّث إليها بهدوء، وأنّها مهما فعلت تبقى أختهم لحمهم ودمهم، ووعداها بعدم الأذيّة. لم تفتح.
أتى الأخ الأصغر بمطرقة ضخمة من السيّارة. بدأ يضرب القفل. اتّصلت الفتاة بالشرطة عدّة مرّات، لكنّها لم تتلقّ ردًّا، إذ غرقت المحطّة ببلاغات الحريق. فتحت الفتاة الباب. دخل الأكبر ودفع أخته أرضًا. داس الأصغر على فمها. فتّش البكر الغرف، ووجد الروائيّ المرشّح في القائمة القصيرة لجائزة البوكر يرتجف مختبئًا في غرفة الغسيل. أطلق النار تجاهه عدة مرّات، أصاب الرصاص رأسه وعبوة المطرّي، وانسكبت رائحة اللافندر فوق الجثّة. شدّ الأخ الآخر أخته من شعرها، واقتادها نحو النافذة العريضة المطلّة على المدينة، وانتظر أخاه البكر حتّى جاء، ثمّ أطلق النار. اكتسى زجاج النافذة ببقع دم وقطع دماغ توهّجت من أضواء الميناء البعيد وانكسارات القمر.
لاذ الأخوان بالفرار، والسيّارة تسرط أسفلت الشوارع. ومن الطريق الرئيسيّ المُحيط بوادي النسناس شاهدا النيران تلتهم البيوت. زاد الحريق من خوفهما، وسرعة السيّارة، بينما فرّ أهل الحيّ من البيوت المحترقة بثيابهم المنزليّة وأولادهم على أكتافهم، وخرجوا من أزقّة الحارة الضيّقة إلى الشارع الأوسع احتماء من سعار اللهب. وهدرت سيّارة الأخوين بما لا تلتقطه العين، ولم تتوقّف عند تجمّعات الأهالي الهاربين من اللظى. دهست سيّارة الأخوين عشرات النساء والأطفال والرجال المجتمعين في الشارع، طار الأكثر حظًّا منهم، وسُحق أقلّهم حظًّا تحت إطارات الـG-Class.
عند المنعطف، واجها سيّارة إطفاء تهرع بالاتّجاه المعاكس، تندفع خلفها سيّارات الشرطة. اصطدمت سيّارة الأخوين بالإطفاء، وتضاربت مركبات الشرطة. وبعد لحظات خرج أحد الأخوين، ورأى أخاه ساكنًا، ثمّ لمح رجال الشرطة يقتربون بأسلحتهم، فسحب مسدّسه وأطلق النار، وردّوا بوابل من الرصاص أرداهما جثثًا. مع الأخوين، قُتل ناجون من حريق الواد أيضًا. سبعة بالعدد، برصاص طائش من الشرطة الخائفة.
قبل ساعة، عندما خرج الشاعر من البحر، يصيح ويركض ويهوي ويبكي، كان صيّادان يقفان على صخور محاذية. انقطع حديثهما الطويل، وتركا الصنانير، وراقبا الشابّ الغريب. وبعد أن ركب سيّارته وغادر، انتبه أحدهما إلى أنّ صنّارة الآخر علقت بين الصخور. قال سينزل إلى الماء يفكّها، وتطوّع الآخر للنزول مكانه، وتعازما على نكد المهمّة.
لم تكن صداقتهما مفهومة ضمنًا في مدينتنا. كانا أولاد صفّ، أبناء عائلتين متنازعتين، بينهما ثارات قديمة وحرب طويلة. ولم ترض العائلتان عن هذه الصداقة التي رأى فيها أبناء العمّ تحقيرًا لدماء آبائهم وإخوتهم، ممّن قُتِلوا على مدار عشرين عامًا. لذلك، قلّل الشابّان من ظهورهما معًا في البلد، وصارت ليالي الصيد ملاذهما الوحيد من معارك القبائل.
غاب أحدهما لدقائق تحت الماء. وقف الشابّ الآخر هناك، ينتظر ظهوره من بين الصخور. فجأة، سمع صراخ صديقه، ورآه يخرج من الماء ويركض نحو الشاطئ، ينزلق ويرتطم بالصخر، ويقوم ويركض ويهوي مرّة أخرى فوق الصخر. ركض الشابّ يلاقي صديقه، ولما اقترب رآه مضرّجًا بالدم، يزعق بجنون: «الدّم صار مَي! الدّم صار مَي!» ولم يستطع الشابّ السيطرة على صديقه، وركل الأخير وضرب وصاح وكرّر الجملة ذاتها، بعويل ذئبيّ مرّة، وصوت طفل صغير مرّة أخرى، بجعير مرّة، وهمس مرّة أخرى، كمن يحاكي أشباحًا.
بعد عراك، استطاع الشابّ أن يُدخِل صديقه إلى جيب Land Rover، لكمه ليهدّئه، ثم سحب حبلًا وربّطه بالكرسيّ. قاد السيّارة وصديقه يحاول الإفلات من الحبل، يصرخ ويضرب رأسه بالكرسيّ، ويكرّر الصيحة ذاتها، إلى أن وصلا أطراف حيّ الحلّيصة. فتح الباب، فكّ الحبل، أنزل صديقه عند باب بيته، وهرب من المكان.
رأى السيّارة شبّان كانوا يدخّنون الأرجيلة أمام دكّان أبو طافش أوّل الحارة. عندما استيقظ أهل البيت، ورأوا ابنهم وقد فقد عقله وتكسوه الدماء وآثار الربط، جمعوا شباب العائلة خلال دقائق، ووردت المعلومة بأنّ ابن العائلة الأخرى مسؤول عن المجهول الذي حلّ بابنهم.
تأكّدوا، دون أيّ دليل، أنّ ابن العائلة الخصم دسّ حبّة هلوسة في مشروب ابن عمّهم. لطالما أظهروا استخفافًا بهذا الشابّ، قالوا إنّ لا نفع منه، وردّدوا القصّة القديمة ذاتها، كيف أغمي عليه لمّا رأى قطّة الشارع تحتضر من لدغة أفعى. لكنّهم عرفوا، عميقًا في قلوبهم، أنّه المتعلّم الوحيد في العائلة. وأنّه يشبه الأمل، ويُمكن لأولادهم أن يقتدوا به يومًا ما، لعلّهم يخرجون عن مسالك الدم التي كُتِبت على الآباء.
خلال نصف ساعة، أخرج شباب العائلة أسلحتهم من المخابئ، وركبوا سيّاراتهم، وانطلقوا نحو طرف الحيّ الآخر، وكانت العائلة الأخرى قد عرفت بما جرى، واستعدّت.
في الليل الصامت الطويل، والقمر مكتمل والرؤية واضحة، سمعنا فجأة أزيز مئات الطلقات المتواصلة والمتشابكة. ثمّ بدأت الانفجارات أيضًا دون توقّف. لم نعرف أنّ حربًا تجدّدت بين العائلتين. تركنا بيوتنا وهرعنا إلى المكان، ووجدنا الجثث على امتداد الشارع، ثمّ بدأ إطلاق النار علينا من اتّجاهات مجهولة ومتعاكسة، وأصيب بعضنا، وقُتل بعضنا. حتّى المتفرّجون منّا على شرفاتهم ونوافذهم أصابهم الرصاص، وهربنا من المكان. كانت الحصيلة أكثر من عشرين قتيلًا وستّين جريحًا. استمرّ تبادل إطلاق النار أكثر من ساعة، وأُحرقت البيوت والسيّارات والدكاكين. امتدّت النيران إلى سبع عمارات، استطاع معظم سكّانها الهرب، لكن احترقت فيها امرأة مسنّة مقعدة في السرير، وشابّ مصاب بالتوحّد، وامرأة تناولت الحبوب المنوّمة، ورجل لم يجد مفاتيح بيته فقفز من الطابق الخامس.
في تلك الأثناء، اعتقلت الشرطة الشاعر دون مشقّة، وتأكّد الضبّاط فورًا أنّه غير سويّ العقل. أخذوه إلى طوارئ المستشفى لمعاينة الطبيب النفسيّ. ولم يكن الشاعر، بلغته الواسعة وبلاغته المرهفة، وحبّه لأنسي الحاج، قادرًا على قول شيء غير مفردة واحدة ظلّ يكرّرها بهوس: «خيانة… خيانة… خيانة… خيانة…»
من حول شاعر فاقد اللغة، بدأ قسم الطوارئ يمتلئ بعشرات من جرحى حريق ودهس وادي النسناس. لم تكن الأسرّة كافية، فتناثروا على أرضية القسم. اكتسى الناس بسواد التفحّم، وفاحت روائح جلود محروقة، وشعر محروق، وصياح محروق، وتقيّأت الممرضات على الأرض، وأغمي على الأطبّاء. وكلّما علا الصراخ، ارتفع صوت الشاعر أعلى فأعلى: «خيانة!»
ثم بدأ وصول الجرحى من الحلّيصة، أجساد ملطّخة بالدم وثقوب الرصاص. دخلت وحدات حرس الحدود تحاول السيطرة على الأوضاع داخل قسم الطوارئ. كانت في تلك الساعات مروحيّة تنقل جنديًّا جريحًا أصابته قذيفة أطلقتها المقاومة جنوبيّ لبنان. وعند ساحة مرآب السيّارات، القريبة من محطّ المروحيّة وإحدى بوّابات المستشفى، بدأ يجتمع أقارب جرحى الحلّيصة من طرفي الثأر. نشب عراك جديد بين شبّان العائلتين عند مدخل المستشفى، بالسكاكين والعصيّ، وقلع حجارة الرصيف من مكانها ودكّ الرؤوس بها. وخرج حرس الحدود من المستشفى، وبدأوا إطلاق قنابل الصوت، ثم أطلقوا الرصاص على شابّ يحمل سكّينًا. وعندما أطلقوا الذخيرة الحيّة هرب الشبّان نحو محطّ الطائرات، فرأى الجنود حول المروحيّة عربًا يركضون نحوهم، فبدأوا بإطلاق النار نحو رؤوس أولاد حارتنا. وهرب الشبّان في الاتّجاه المعاكس، وكانوا يركضون نحو معسكر البحريّة. خرج عشرات الجنود من المعسكر، بالبيجامات والأسلحة، وفتحوا النار على العرب المهاجمين. وأطلق حرس الحدود في هذه الأثناء الغاز المسيل للدموع، حمله هواء البحر نحو المستشفى، ثم أخذته فتحات التكييف إلى قسم الطوارئ، وبدأ الجرحى والمحروقون بالاختناق والسعال والصراخ والانهيار، وانقطع صوت الشاعر، وظلّ يحاول أن يصرخ ذاته المفردة، إنّما خانته حنجرته، وانقطع صوته قائلًا: «…»
تكفّلنا بدفن أشلاء الطفل قبل طلوع الفجر، ولم تكن نيران المدينة خمدت بعد. مدينتنا جنون واحد ممتدّ لأكثر من ثمانين قتيلًا، وحريق عظيم، وخوف. استُدعِي جنود «الجبهة الداخليّة» للسيطرة على الأوضاع، العائلات التي احترقت بيوتها في وادي النسناس ذهب بعضها إلى أقاربهم في قرى الجليل التي انحدروا منها، وعائلات أخرى مقطوعة من شجرة نصبت خيامًا في «بستان الشيوعيّة». أمّا في الحلّيصة فأغلقنا أبوابنا ونوافذنا، ومنعنا أولادنا حتّى من النظر خارجًا، وانتشرت وحدات حرس الحدود وسط الحيّ.
فتحنا قنوات الأخبار، ولم نكن في الأنباء العاجلة. قالوا في موجز السادسة صباحًا على القناة الإسرائيليّة إنّ وضع الجنديّ الجريح الذي نقلته المروحيّة بات مستتبًّا. نُقل إلى قسم تحت حراسة مشدّدة، في أقسام المستشفى المحصّنة بالأسمنت المسلّح تحت الأرض. أمّا قناة الجزيرة فقد نقلت الأنباء العاجلة عنّا بداية، عندما ظُنّ أنّ الخلفيّة للأحداث أمنيّة، ثمّ تحقّق الصحافيّون من أنّ الحرائق لم تنتج عن قصف، ولم يتبنّ إطلاق النار أحد. حين عادت القنوات سريعًا إلى الحرب الكبرى ساورنا شعور أنّ أحدًا لا يسأل عنّا. وشعرنا أنّنا وحدنا.
اعتقدنا أنّ المدينة ستتغيّر إلى غير رجعة عندما يطلع الصباح، لكنّنا أخطأنا. مع الضوء، سمعنا المواصلات العامّة تهدر كما في كلّ يوم، وسيّارات البضائع، وأجراس المدارس، ثم أتت تلفونات البنوك وشركات الجباية. كلّ إشارة من الواقع النابض جعلتنا نتراجع إلى زاوية مظلمة في أنفسنا، ونحسّ أنّ خيوط أعمارنا كلّها لا تغني ضفائر الحياة الشيّقة الناغمة، ولا تنتقص منها.
ومع ارتفاع الشمس، بدأ يغسلنا خجل وتخبّط. ثمّ شعرنا بالذنب، إذ بدا أنّنا عائق في مدينة تشتهي التقدّم. نفضتنا حيفا مثل طحين عالق فوق الملابس. قال الناس إنّ مجزرة الحلّيصة كانت معركةً بين عائلات الإجرام. ونحن ظللنا على صمتنا حين شمت أهل الإنترنت بعائلتين «منيح إنهم خلّصوا على بعض». كان كلّ القتلى من أولاد حارتنا. ورغم امتداد الحرب لعقود طويلة بين العائلتين، كما يعرف الجميع، إلّا أنّها لم تكن حربًا يوميّة.
في الأيّام الصغيرة التي لا تسجّلها القصص، كان القتلى أحياء وكانوا أناسًا مثلنا. يغضبون أسرع من الآخرين، ربّما. سيّاراتهم تغلق الشارع لوقت أطول من غيرهم، صحيح. يطلقون النار في الأعراس. ولكنّ هذه الأشياء كانت قشًّا متفرّقًا في نسج حصيرة واسعة جدًا. صحيح أنّنا لم نكن نحبّ ثاراتهم، لكنّنا كنّا نعرف أيضًا صدق مشاعرهم على فقدان أحبّتهم الذين قضوا شبابًا. وكنّا نعرف أنّ المنطق وحده لا يشفي وجعًا إنسانيًّا في حارة تُشبه عقب سيجارة منطفئة.
أشفقت المدينة على البيوت المحترقة في وادي النسناس. ولم تكترث الأغلبيّة إلى ابتداء الحريق من المركز الثقافيّ. أصلًا، قلّة فقط من أهل المدينة داسوا في المركز يومًا. ثم لفّ كتمانٌ خبر مقتل الروائيّ القدير والفتاة الشابّة وأخويها، وتوارت الفضيحة بين أكوام الجثث. رثى المثقّفون الأديب بكلمات مبهمة، وكتب بعض النشطاء السياسيّين عن واقعة المروحيّة، وتوزّع أعضاء الكنيست العرب على بيوت أعضاء أحزابهم في المدينة. وظلّت الشمس تعلو في السماء، تتكسّر وتنثر عبثًا، انعدام دقّة، وأكاذيب، وبطولات، ومغالطات، وغيبيّات دينيّة، وتحليلات ممتدّة مثل سَوَاقٍ تدور ببلاهة على طول الحقول الأكاديميّة. وخلال ساعات قليلة صرنا نحن الذين شهدنا هذا كلّه نقرف من أنفسنا، وممّا حدث، ومن أيّ كلام حول هذه الليلة.
أعلنت المدارس الحكوميّة في الحلّيصة ووادي النسناس إغلاق أبوابها. المدارس الأخرى، لا سيّما تلك الخاصّة، لم تُعلن شيئًا. وصل جزء من المعلّمين، وجزء كبير من الطلاب القاطنين في أحياء أخرى، تلك الأحياء التي لم تفترش معنا ذات الحصيرة. أمّا أولادنا، فظلّوا في البيوت الموصدة. نفرٌ قليل من أبنائنا وبناتنا كانوا يدرسون في المدارس الخاصّة. في مخيّلتنا كانوا مثل رُسُلٍ نبعث بهم لعلّهم يكتشفون طريقًا للخلاص. عند الظهر، بدأ بعضهم، ستّة بالتحديد من الصفّ الحادي عشر في مدرسة الروم، بالتواصل مع زملائهم من الأحياء الأخرى. وقرّروا أن يذهبوا إلى المدرسة، حتّى وإن صار الوقت ظهرًا.
ارتعبت الأمّهات، وحسم الآباء رفضهم تلقائيًّا. لكن شيئًا فشيئًا، مع الشعور الثقيل الذي اعترانا، بأنّ همّنا الجبليّ ينغّص حلاوة العيش، وأنّنا العالة السوداء النتنة على كتف المدينة المزدهرة، انتفض بعض الآباء وسمحوا للطلاب الستّة أن يغادروا، وانتدبنا أبوين يرافقان الطلّاب إلى أن ابتعدوا عن الحارة.
لم نكن في تلك الساعات نعرف أشياء كثيرة. رأينا الأمّ التي قتلت طفلها في المايوه، إنّما لم نعر الأمر اهتمامًا. ولم نعرف شيئًا عن ليلة الشاعر، وعن دفتره، وعن السباحة. ولا أنّ الصديقين كانا يصطادان في تلّ السمك. غاب عنّا كذلك أنّ أولادنا اتّفقوا سرًّا، مع أولاد الأحياء الأخرى، أن يجتمعوا باب المدرسة، ثم يفرّون معًا إلى شاطئ البحر ليغسلوا عن أنفسهم أهوال هذه الليلة.
كانوا خمسة عشر طالبًا وطالبة، من حيفا وقرى الكرمل. في الطريق، تناقلوا الإشاعات والتحليلات حول الليلة المروّعة، وعندما وصلوا الشاطئ خلعوا الليلة وزيّ المدرسة الموحّد عنهم، وسحبوا ملابس السباحة من حقائبهم، وزجاجتيّ الفودكا، والسجائر. شربوا ودخّنوا، فقد كان تلّ السمك الشاطئ الآمن الوحيد الذي لا تصله شرطة البلديّة. ثم دخلوا جميعًا يسبحون، يضحكون ويهتفون بأصوات عالية ويمازحون بعضهم بعضًا، ويرمون النكات عمّا حدث ليلة أمس. تجاحشوا في الماء، وعبثوا، ولعبوا، واقترب الذكور من الإناث، ولامسوا مراهقاتهم المالحة. ولم يكن الصيف قد نضج بعد في نهاية أيّار، والرياح ما زالت تشاكس فوق وجه الماء، والبحر فيه اهتياج يجعل التراقص بين الأمواج أشدّ تسلية، والمكوث أشدّ صعوبة.
نادت طالبةٌ طالبًا تُحبّه ليقترب منها. وكانوا جميعًا على بعد أمتار قليلة من بعضهم، ولم تظهر فوق الماء إلّا رؤوسهم أو أياديهم الملوِّحة. واقترب الطالب من البنت التي أحبّ منذ الصفّ السادس. ولمس يدها تحت الماء. وفجأة، نظرت البنت إلى حبيبها بصدمة، ولم يفهم نظرتها. ثمّ ابتعدت عنه فجأة. وشعر بشيء تحت الماء فبدأ يركل بخوف، وخافت البنت فرجعت إلى الوراء وصرخت ذعرًا، ونظر الجميع نحوهما. وضحكوا كثيرًا. ثمّ ظهرت من تحت الماء جثّة.
دوّى صراخ الطلبة ضربة واحدة. من فرط الصدمة ابتلع الطالب ماءً، وأتت موجة فأغرقته، وحين رفع رأسه وجد نفسه بين فخذيّ جثّة عارية أخرى. ضربت حبيبته الماء هربًا، ولمّا اقتربت من طالب آخر أمسكت بعنقه خوفًا، فانشدّ إلى الأسفل واختنق، ودفع البنت، لكنّها ظلّت ممسكة به، وهو بها، وبدأ الموج يغمر كليهما، والماء المالح يتدفّق في أنفيهما وفي الحناجر. طالبة أخرى، كانت في المقدّمة، سبحت حتّى داست أقدامها أرضية البحر، وفي الخطوة الثالثة داست شيئًا غريبًا زلقًا. فقفز من تحت الماء رأس مقطوع، فتجمّدت البنت ولم تعد قادرة على الحركة، وغمرتها موجة هائلة. ورأى طالبٌ هذا المشهد من بعيد، فلكم صديقه الذي اقترب يطلب مساعدته غير قادر على التنفّس، وتعاركا، وتواصل قتالهما تحت الماء حيث وجدوا كومة جثث ينهشها سمك لقّز كبير. طالبة أخرى مدّت يدها نحو صديقها ليسحبها، وأمسكت بالذراع لكنّها لم تنشدّ خارجًا، فرفعت عينها ووجدت نفسها ممسكة بيد مبتورة، أما صديقها فقد اختفى تمامًا.
وظهرت جثّة أخرى فوق الماء، وأخرى، ورأس، وجثّة طفل، ورأس طفلة، وأطراف كثيرة مبتورة، وأنصاف أجساد، وأدمغة، ومع الماء الذي ابتلعه الطلبة، ابتلعوا أسنانًا مقلوعة، فاختنقوا، ثمّ جثث أخرى. بعضها متفحّمة، وأخرى فيها عشرات الثقوب، وأخرى يبرز هيكلها العظميّ حادًّا، وبعضها تعلق فيها قطع حديديّة مروّسة.
وبدأ صوت الطلّاب ينخفض أيضًا، وصاروا جثثًا تستسلم لعمق الماء. وعارك بعضهم أكثر من الآخرين. ومنهم كُثُرٌ تشنّجت كلّ عضلات أقدامهم أو أيديهم وشُلّت من الخوف، وآخرون من الخوف شدّوا بعضهم بعضًا لعند الموت. ولم يحاول أحد إنقاذ آخر، فهذا من الأسباب الشائعة لغرق الناس. مع هذا، تمسّك الجميع بالجميع، وضرب الجميع الجميع، وقتلوا بعضهم بعضًا في محاولة لإنقاذ أنفسهم.
شابّ واحد فقط، ولدٌ من حارتنا، تربّى في بيوتنا وذاق من طبخاتنا وحضرنا أعراس أخوته. شابّ واحد فقط، اسمه أحمد، استطاع السباحة بقوة تفوق الطبيعة السابعة، واستطاع أن يهزم الأمواج. رآه الناس الواقفين عند الشاطئ، وما أن بدأ يخرج حتّى تقدّموا نحوه لمساعدته. كان اسمه أحمد. خرج بكامل جسمه من الماء، وواصل يركض نحو الشاطئ فوق الصخر، وبقدمه اليُمنى المنهكة داس على عشب زاهي الخضرة، رطب وزلق. وطار أحمد إلى الأمام، وارتطم رأسه بحافّة صخرة مدبّبة، وانشقت جمجمته نصفين ومات.
خلال أقل من نصف ساعة، باشرت فرق الإنقاذ عملها، بالزوارق والغوّاصين، وتطوّع صيّادون من جسر الزرقاء، ومن أماكن أخرى كثيرة، وبدأوا انتشال الجثث. وظننّا أنّ الأمر سيستغرق بضع ساعات لا أكثر، لأنّ البحريّةَ وصلت بعد غرق أطفالنا بفترة قصيرة. لكنّ البحث تواصل عدّة أيّام، ونسيت المدينة حريق الواد ومجزرة الحلّيصة، وسلّطت عيونها على انتظار جثامين الطلبة، وحكى البعض عن استخدام تقنيّات الذكاء الاصطناعيّ في عمليّات البحث. لكن بعد قرابة الأسبوع، أعلنت الشرطة الإسرائيليّة وقف كلّ جهود الإنقاذ. إذ لم تجد السلطات حتّى الآن جثّة أيّ طفل من أولاد حيفا. وأوضح الناطق بلسان الشرطة أنّ كلّ الجثث التي انتُشلت حتّى الآن لم تكن إلّا جثامين جرفتها تيّارات البحر المتوسّط، كما يبدو، من ساحل غزّة.
كلّ الحقوق محفوظة لأهل فلسطين.
يُمنع استخدام النصّ إلّا بهدف حشد الدعم الماديّ لصمود شعبنا.
يمكنكم التبرع لأهل فلسطين من خلال هذا الرابط.
