رأينا باريس، تكساس – قصة قصيرة لعلا مصطفى

2 يوليو, 2023
عندما يصبح الفيلم مخططًا أوليًا للحب، والحياة، وحتى الموت...

 

علا مصطفى

 

شاهد مايكل فيلم باريس ، تكساس لأول مرة عندما كان في العاشرة من عمره. كانت والدته في نوبتها ليلية في المستشفى، وكان والده يلعب الدومينو مع رجل الراستا العجوز في البيت المجاور. كانت أخته، التي تكبره بست سنوات، بالخارج مع أصدقائها.

بينما كان مستلقيًا أمام التلفزيون، كانت عينا مايكل محاصرتين بمنظر طبيعي مفتوح من الصخور والرمال والسماء البرتقالية الساخنة. بدا كل شيء في الفيلم كبيرًا. وكان الجميع فيه حزينين. بدا حزنهم مألوفًا، على الرغم من أن أسبابه كانت غير واضحة. ترك الفيلم لسعة لذيذة في حلقه، مثل شربات الليمون. مذهولًا، شاهد حتى النهاية.

"لقد شاهدت فيلمًا جيدًا حقًا الليلة الماضية"، قال لصديقه كريس في المدرسة.

"ماذا، العودة إلى المستقبل؟"

"لا، اسمه باريس، تكساس".

"باريس في فرنسا، يا خريان".

بطولة هاري دين ستانتون وناستاسيا كينسكي (بإذن من Argo Films).

عندما شاهد مايكل "باريس، تكساس" للمرة الثانية كان عمره 15 عامًا. كان والده قد هرب إلى برمنغهام مع امرأة أصغر منه بعشرين عامًا. عملت والدته وبكت وحاولت أن تضع همومها في حضن يسوع. بعد أن أنهكها كل ذلك، انتقلت أخته عبر النهر إلى جنوب لندن، وكانت تتوقع طفلًا مع خطيبها.

هذه المرة، كان الفيلم أكثر منطقية. كان الناس حزينين بسبب أفعالهم وأفعال الآخرين. مستندًا بذقنه إلى يديه، استمتع مايكل برحلة ترافيس الوحيدة، وهو رجل أشيب ذو أذنين طويلتين بشكل غير عادي. غروب الشمس القرمزي، غيتار منفرد، تلك الطرق السريعة الأمريكية الشاسعة. كان الفيلم جميلًا لدرجة أنه جعل مايكل يبكي. أراد هذا الحزن أيضًا. في سن الخامسة عشرة، أراد أن يحب ويفقد ويحب مرة أخرى، بطريقة "باريس، تكساس" وليس مثل والديه. ليس على المرأ أن يكون عبقريًا ليدرك أن حزن الفيلم تغلب على الشيء الحقيقي.

"لقد شاهدت فيلمًا جيدًا الليلة الماضية"، قال لنيكول، وهي فتاة في فصله قبَّلها مرة واحدة وبعصها مرتين، على الرغم من أنها رفضت السماح له بمناداتها "رفيقتي".

"لا تخبرني أنك شاهدت "امرأة جميلة" Pretty Woman من دوني؟"

"لا، اسمه باريس، تكساس".

"باريس، تكساس" رددت بصوت عالي النبرة قبل أن تمضي بحركات مبالغ فيها إلى أصدقائها.

بعد أربع سنوات في الجامعة، شاهد مايكل "باريس، تكساس" على الفيديو مع أول صديقة حقيقية، فيونا. كانت طالبة في الدراسات الإعلامية، وكانت من هواة حركة السينما الألمانية الجديدة، ملأته بالأمل. لكن تعليقها المستمر حول المونتاج والمشاهد وتتابعها جعله فاترًا تجاهها. فن بلا مشاعر، سُلب الفيلم سحره.

تبع ذلك مشاهدات أخرى مع صديقات لاحقات، كل منهن كانت تغفو أمام الفيلم، أو تبرد أظافرها، أو تتراخى بملل.

ثم التقى يارا.

 

أراد أن يحب ويفقد ويحب مرة أخرى، بطريقة "باريس، تكساس" وليس مثل والديه. ليس على المرأ أن يكون عبقريًا ليدرك أن حزن الفيلم تغلب على الشيء الحقيقي.

 

كان صباح يوم الأحد في سبتمبر. شعور العودة إلى المدرسة معلق في الهواء. كان مايكل، البالغ من العمر 32 عامًا، متجهًا جنوبًا إلى منزل أخته في عربة فارغة على خط فيكتوريا، وهو يوازن صندوقًا من المانجو في حضنه، تذكارات عطرة من الصيف.

في فينسبري بارك ركبت امرأة القطار وجلست مقابله. كانت ترتدي زي أديداس رياضي، وتحمل حقيبة رياضية صغيرة. نظر إليها وابتسم ونظر بعيدًا. بعد ثوان فعلت الشيء نفسه. عندما حدقت إلى المانجو، شعر برغبة متهورة في تقديم واحدة لها. هل يجب عليه؟ أم أنها ستفهم الأمر بطريقة خاطئة؟ بعد أن دمره التردد، وجد نفسه يداعب المانجو بطريقة قد تبدو موحية. أصبح وجهه ساخنًا. دون أن ينظر، شعر أن وجهها أصبح كذلك أيضًا.

خفضت المرأة رأسها، وانشغلت بما في حقيبتها بينما كان مايكل يحدق في خريطة المترو. عندما فتحت الأبواب في محطة هايبوري آند إيسلينجتون، قفزت، ورفرفت قصاصة ورق في حضنه. كُتب في الورقة: لم أفعل هذا من قبل، هذا هو رقم هاتفي. يارا.

بعد ذلك اتفقا على أنه في حين أن الحب من النظرة الأولى هو وهم طفولي، فقد حدث شيء خاص في ذلك اليوم.

"شعرت وكأنني أعرفك بالفعل"، قال مايكل، وهو يداعب أذن يارا.

"أنا أيضًا"، أجابت، وهي تلوي خصلة من شعره في لفائف صغيرة. "شعرت وكأنني أعرفك طوال حياتي".

مر شهران قبل أن يختبرها اختبار "باريس، تكساس". كانت هناك عقبات أخرى يجب إزالتها أولًا: لقاء أصدقاء، والذهاب إلى حفلات، والتجول في معارض فنية وهما يطوقان بعضهما البعض.

عندما يسأل الناس كيف تبدو صديقتك الجديدة؟ كان مايكل يجيب، بابتسامة تشقق الجلد على شفتيه: "إنها من النوع الذي يبتسم له الجميع في الشارع بلا سبب".

بعد ظهر أحد أيام الأحد في نوفمبر، بعد أن مارس هو ويارا الجنس ثلاث مرات على أريكته، قرر مايكل أن الوقت قد حان. بعدما وضع قرص دي في دي في الجهاز، حدق إلى صورة ناستاسيا كينسكي على الغلاف. هل كان يتخيل ذلك، أم أنها حقًا تشبه يارا قليلًا؟ الشعر الثقيل، عيون الظبية، الشفاه الممتلئة... ألوان مختلفة بالطبع، ولكن كان هناك شيء خاص بالملامح...

عندما ملأت المناظر الطبيعية القاحلة في تكساس الشاشة، سرق مايكل نظرات خفية إلى يارا. بدا أن كل عاطفة ترفرف على وجهها تعكس مشاعره. أخيرًا، شخص فهم الأمر، شخص تتطابق دواخله مع دواخله. امتلأ قلبه بحنان لم يكن يعرف أنه قادر عليه وهو يشاهد يارا تستوعب شاعرية حياة ترافيس المدمرة: تجواله في البرية، وابنه الذي هجره، وزواجه الفاشل من جين اللامعة، الكشف عن أن جين، التي تحاول الهرب من غيرة ترافيس المخمورة، قد أضرمت النار في مقطورتهما أثناء نومه، ما جعله يركض في حالة ذهول في الليل الفارغ.

كان الأمر مثاليًا جدًا. تسلل فرع نبتة متسلقة من الشك إلى عقل مايكل. هل كان منغمسًا في التفكير بالتمني؟ إسقاط ردود أفعاله الخاصة على يارا؟

عندما انتهى الفيلم قالت: "هذا المشهد قرب النهاية... صوروه بشكل ذكي جدًا". خرج صوتها أجش. تنحنحت.

"أي جزء؟"

"عندما يتحدث ترافيس وجين عبر الشاشة، وهو يروي قصة كيف دفعها لإشعال النار في المقطورة. الطريقة التي يمكنك بها رؤية وجهيهما يندمجان في الزجاج".

قال: "لم ألاحظ ذلك قط".

ضغط أصابعها بيد واحدة، ومسح العرق على وجهه باليد الأخرى. غير مهتم بأنه كان ينزلق إلى الابتذال، قال: "سيكون هذا دائمًا فيلمنا".

الآن بعد أن اجتازت يارا الاختبار - لا، تفوقت في الاختبار ، كيف يمكن ترتيب الحياة بحيث يتزوجان؟

كما لو كانت تقرأ عقله، اختبرته اختبارًا خاصًا بها بعد ذلك بوقت قصير.

 


 

كانت النظرة على وجهها عندما سألته مؤلمة ومكثفة، ولم يبدُ أن المناسبة تستحقه.

قالت: "لم أقدم أي شخص إلى والدي من قبل"، وهي تفرك عظم معصمها بحركة دائرية، وهو أمر فعلته عندما كانت قلقة أو مستاءة. "لكنني أريدهم أن يتعرفوا إليك".

"حسنًا"، قال، محاولًا احتواء فرحته. يمكن أن يعيش مع كونه أول رجل على الإطلاق يلتقي بوالدي يارا.

قالت: "لكن قد نضطر إلى عرض الأشياء بطريقة معينة".

"ماذا تقصدين؟"

"حسنًا، إنهما لا يفهمان حقًا مفهوم "الخروج برفقة شخص ما". انهما تقليديان جدًا..." كان بإمكانه عمليًا سماع تشديدها على حرف التاء. "أمي تقليدية أكثر من والدي"، تابعت. "والدي رائع، لم يثر ضجة عندما لم أعد للعيش معهم بعد الجامعة. لكن أمي... إنها، حسنًا..."

"تقليدية؟"

"نعم. وهي تعتقد أن البغايا فقط يغادرن المنزل قبل أن يتزوجن. هذا ما هو عليه الأمر في "الوطن"". ثم قالت، في عجلة من أمرها: "لذلك أعلم أن هذا يبدو غريبًا، لكن سيتعين علينا التظاهر بأننا مخطوبان عندما تقابلهما. أوه، وسنحتاج إلى القول أنك ستتحول. يمكننا دائمًا أن نقول لاحقًا أننا فسخنا الخطوبة. أعني إذا انفصلنا بشكل حقيقي".

"نعم. يمكننا التظاهر بالقيام بكل ذلك. أو، كما تعلمين، يمكننا حقًا...؟"

بدت ابتسامتاهما الحمقاوان وكأنهما ترقصان خارج وجهيهما، وتدوران في الهواء وتقبلان بعضهما البعض.

"لم لا؟" قالت. "لم لا بحق الجحيم!"

احتواها بين ذراعيه، غارقًا تحت تأثير جاذبية الطريقة التي قالت بها "الجحيم"  و"الهراء" بدلًا من "اللعنة"، و Schweppesy-Cola بدلًا من "خرا".

بعد ساعات، بينما كانوا مستلقيين مرهقين في السرير، قالت يارا: "هناك شيء واحد عن أمي".

"ماذا؟" أجاب، متنبهًا مرة أخرى.

"لديها بعض الأفكار الغبية عن... الناس".

"الناس؟"

"ممم. إنها تعتقد أن الشعب الأيرلندي دائمًا في حالة سكر، والشعب الإنجليزي رائحته كرائحة دهن الخنزير، والشعب اليوناني خبيث، وهذا هو السبب في أنهم جيدون فيما يخص المال، والسود..."

بترت الجملة. لا يهم. لقد حصل على الجوهر. نقر عظم معصم يارا وهي تدلكه.

"لا يهم". قبل جبينها. "إنه جيل مختلف. على أي حال، لدي خطة لكسب ثقتها".

"ما هي؟"

"عندما ندخل..."

"نعم؟"

"عندما ندخل..."

"ماذا؟".

"سأعري مؤخرتي وأقول: "قبليها يا أمي العزيزة". يجب أن يكسر هذا الجليد، أليس كذلك؟"

كأنها تهويدة، هدأتهما ضحكاتهما ليناما.

حددت يارا موعدًا مع والديها يوم السبت التالي. قابلها مايكل في محطة ساوثجيت، وسارا جنبًا إلى جنب عبر صفوف من المنازل المرصوفة بالحصى. كان قد ذهب إلى الحلاق في ذلك الصباح وكان يرتدي بدلة العمل الرمادية، من دون ربطة عنق. كانت يارا ترتدي فستانًا طويلًا يشبه الكيس يغمر جسدها الرقيق.

قال: "أوه، لقد نسيت. لم تخبريني قط بأسمي أمك وأبيك".

"يمكنك أن تخاطب والدي بـ"دكتور"".

"ماذا؟ لم أكن أعرف أنه طبيب؟"

"إنه ليس طبيبًا. إنه محاسب".

"إذن، ماذا؟ هل حصل على درجة الدكتوراه أو شيء من هذا القبيل؟"

"لا. كان حلمه أن يصبح طبيبًا، لذلك يسميه الناس "دكتور". إنه شيء جميل في ثقافتنا. احترام".

"حسنًا. ماذا عن والدتك؟ هل أخاطبها بـ"قس"؟ "أستاذ؟""

ترددت يارا. لأول مرة منذ أن عرفها، لم تضحك على نكتته السخيفة. "لا أعرف بعد". عبست. "سيأتي ذلك في الوقت المناسب".

"حسنًا"، قال، في حيرة معتدلة.

سارا في صمت. "ما الخطب؟" قال، عندما تركت يده وطوت ذراعيها.

"لا شيء"، أجابت ببراعة. كانت هناك نظرة متوترة ومتحفزة في عينيها، مثل شخص كان مستيقظًا طوال الليل يشرب ريد بول ويراجع للامتحان.

عندما وصلا إلى المنزل، قرعت الجرس بدلًا من استخدام المفتاح التي أمسكته بإحكام. ظهر رجل قصير، رشيق، كل الأيدي والابتسامات وحروف العلة المتعرجة. دكتور.

"تعال يا سيدي، تعال يا سيدي، من الجيد جدًا مقابلتك يا سيدي".

في تجاويف الردهة، كشف ظل كامن عن نفسه على أنه امرأة. صغيرة، عصبية، ترتدي ملابس سوداء. بدت وكأن عظامها ستنكسر إن اقتربتْ منها. ناهيك عن اسمها الحقيقي. بالنسبة لمايكل، كانت "غضاريف العظم". لقد طفا التعبير بوضوح في رأسه كما لو كانت قد أعلنته بنفسها.

"مرحبا"، قال وهو يمد يده.

التقت عينان مكحولتان بعينيه. بدتا مذهولتين للحظات، كما لو كانتا تواجهان شبحًا. في النهاية، تخبطت يد صغيرة بيده. لم تنبس ببنت شفة.

شقوا طريقهم إلى غرفة المعيشة، بدت مألوفة، لكنها غريبة. استقبلت بعض المظاهر مايكل وكأنها أصدقاء قدامى: أريكة مغطاة بغلاف بلاستيكي، ورف مكتظ بالصور والحلي الصغير الرخيصة؛ الحلي الصينية، وعلب الحلوى القديمة، وبطاقات أعياد الميلاد التي تعود إلى خمسمائة عام مضت. قدمت مظاهر أخرى نفسها لأول مرة: أثاث متعرج ومزخرف، قد تجده في قصر فرنسي من القرن السابع عشر. ثريًا عملاقة لمست رأسه.

تركاه وحده مع يارا ثم ذهبا إلى المطبخ، أمسك يدها، لكنها حشرت كلتا يديها تحت فخذيها، وابتسمت له ابتسامة مشتتة.

"ما هذا؟" سأل، مومئًا برأسه إلى الحائط المخملي الأسود المعلق فوق المدفأة.

"أسماء الله التسعة وتسعين".

"أوه". بلا سيطرة منه، بزغت صورة آيس كريم فليك 99 في رأسه. بينما كان يحاول طردها، قالت يارا: "الآن تريد آيس كريم، أليس كذلك؟" انتهت ضحكاتهما الصامتة عندما عاد الدكتور بصينية فضية كبيرة.

مرت ساعات ضبابية. كعكة وردية براقة تلمع وتتعرق على طاولة القهوة. تم صب الشاي بالنعناع وشربه وصبه وشربه. مبتهجًا مثل عرابة خرافية، غطى الطبيب جبهته بمنديل وأمطر مايكل بالأسئلة.

قال مايكل: "أنا أعمل في مجال تكنولوجيا المعلومات. في بنك كبير. نعم، إنه عقد دائم".

"لقد نشأت مسيحيًا... لكن الكل يعبد نفس الإله، أليس كذلك؟"

"لا، أمي لن تتبرأ مني بسبب تحولي. إنها تتفهم".

في فترات الصمت الدورية، كانت يارا تثرثر وتتململ وتسقط الأشياء. تألم قلب مايكل عند رؤية البقع الحمراء تعلو رقبتها. بالفعل، كان من الصعب معرفة حدود ومدى انزعاجها. بدت وكأنها جزء منه.

من كرسيها الضيق المستقيم الظهر، نظرت "غضاريف العظم" في صمت. بعد أن لاحظ حضورها، أدرك مايكل أن عينيها المعتمتين تندفعان منه إلى يارا وتعود مرة أخرى. توقع أن يبرز نصف لسان متشعب من شفتيها ويضع حدًا لكل شيء بلدغة واحدة سريعة ومميتة.

"أنا آسف جدًا، انجليزية زوجتي مكسرة"، قال الطبيب، ووضع يده على قلبه كما لو كان مكسورًا أيضًا.

أخيرًا، انتهت المحنة. ركضت يارا إلى الطابق العلوي نحو الحمام، وذهب الطبيب إلى المطبخ ليلف الكعكة: "من فضلك يا سيدي، من فضلك، يجب أن تأخذ بعضًا منها إلى والدتك، مع أطيب تحياتنا".

بينما كان مايكل يحوم في قاعة الاستقبال، تجسدت "غضاريف العظم" بجانبه. يا يسوع. هل انزلقت على عجلات؟ منحها ابتسامة سريعة، شغل نفسه بتفحص جيوبه.

اقتربت منه. عاصفة من العطر الداكن المسكي تدفقت في أنفه. ذكرته بشكل مزعج بيارا. ثم انفتح وجهها بابتسامة أدهشته دهشة مطلقة. اختفت عقود في نانو ثانية. الآن يمكنه رؤيتها، كانت والدة يارا، حسنًا. ميل عينيها الشقي، حركة رموشها المرحة. قد يكون وجهها مليئًا بالشقوق مثل منزل متهدم، لكن الأساسات كانت هي نفسها. عظام الخد الملكية، أنف لذيذ. من مكان غير محدد اجتاحته موجة من الدفء.

وقفا يبتسمان لبعضهما البعض مثل عائلة التقى أفرادها بعد فترة طويلة من الغياب. الآن انفتحت شفتاها، ما أدى إلى أول صوت سمعه منها طوال فترة ما بعد الظهر.

"عفوًا؟" انحنى إلى الأمام. مليئًا بالعاطفة، كاد يداعب كتفها كما فعل مع والدته. في البداية اعتقد أنها تتحدث لغة أخرى. لغتها الخاصة؟ هل كانت تحاول تعليمه شيئًا؟

تبلور الصوت إلى معنى. كانت تتحدث الإنجليزية، وتقول كلمتين إنجليزيتين مرارًا وتكرارًا. "نيك-الأخت"،  كانت تقول. "نيك-الأخت".

مأخوذًا، شاهدها تبصق الكلمات عليه ليس مرة واحدة، وليس مرتين، ولكن ثلاث مرات.

"هل أنت مستعد؟" جاءت يارا راكضة على الدرج. قبل أن يدرك، كانا خارج الباب، وذراعه تتدلى تحت وزن الكعكة.

"حسنًا!"، كانت يارا متوهجة، دائخة. "لم يكن ذلك سيئًا كما توقعت". دست ذراعها تحت ذراعه. "آسفة لكل هذا التوتر. لقد تطور الأمر إلى صفقة ضخمة. لكنهما أحباك حقًا، يمكنني أن أرى ذلك".

"آه".

"أنت بخير يا حبيبتي؟"

"نعم، نعم، كل شيء جيد". بعد وقفة قال: "إذن أمك لا تستطيع التحدث باللغة الإنجليزية؟"

"ليس كثيرًا. يمكنها أن تفهم، لكنها تقول إن الكلمات طعمها مر في فمها".

"لذا فهي لا تعرف أي... مثلًا، شتائم وما إلى ذلك؟"

نظرت إليه نظرة مفاجأة. "لا أعرف. حتى لو فعلت ذلك، فهي لا تستخدمها". بدأ استفهام يتشكل في عينيها. كان بإمكانه أن يرى إنها لا تريد ذلك. تقدمت يدها اليسرى نحو اليمنى، ووصلت إلى عظم معصمها.

عندها قرر مايكل. لا، لن يكون أبدًا الشخص الذي يجعل أصابعها تحك عظامها. كانت علاقتهما الشعر والجمال. كانت شركة روحية، "باريس، تكساس"،  النسخة السعيدة. قبل أن تصل يدها إلى وجهتها، اندفع إلى ثنية ذراعها ودغدغ الطية التي سمَّاها "تجعد الطفل"، تاركًا لحن ضحكتها المجيد يغرق كل شيء آخر.

بعد ستة أسابيع، تزوجا.

 

هاري دين ستانتون في دور ترافيس في فيلم فيم فينديرس "باريس، تكساس" (بإذن من Argo Films).

تسارع الوقت بالنسبة لمايكل بمجرد زواجه. لم يعد العمر الطبيعي كافيًا، كان بحاجة إلى 300 عام على الأقل ليقضيها مع يارا. عندما أخبرها بذلك، ضحكت وقالت: "لقد كنت أفكر في نفس الشيء".

وقعت تلك الظواهر الروحانية في كثير من الأحيان. لم يكن كلامه مرسلًا عندما قال إنها جزء منه، كان يشعر بها في داخله، كما لو كانت تسكن خلايا دمه. إذا اصطدم اصبع قدمها بشيء، أو جُرح إبهامها أمامه، فسوف يصرخ من الألم، والمثل بالمثل. أطلق عليهما الناس لقب "فرعان في شجرة واحدة".

ومن الغريب أن هذه الظاهرة لم تشمل المرض. كما لو أن جهازيهما المناعيين قد أبرما صفقة، لم يصابا قط بالسعال أو نزلات البرد في وقت واحد: تلقى جسد واحد الضربة نيابة عن الاثنين. جاء الدليل على ذلك عندما أصيب مايكل بإنفلونزا تصدرت أخبارها عناوين الصحف في ذلك الخريف، بينما ظلت يارا على حالها.

قالت: "أنا قلقة عليك"، وهي تمسد رأسه وهو مستلقٍ في السرير. "لقد مر أكثر من أسبوع".

"سأكون بخير". كان صوته رقيقًا وذا صدى. بدا أن رأسه قد هاجر إلى مجموعة شمسية أخرى، يرتفع ويطفو بين النجوم، ويصطدم بكواكب بعيدة، وينبض مثل شمس حمراء ساخنة. أما بالنسبة لجسده، فبالكاد يمكنه الوصول إلى الحمام والعودة.

"على الأقل انخفضت درجة حرارتك. أتمنى أن أبقى معك في المنزل حتى تتحسن".

"لا تكوني سخيفة. اذهبي واصنعي المال من أجل "الرجل". يجب أن ندخر إذا..."

ابتسمت. قبل وقت قصير من مرضه، قررا التخلص من الواقي الذكري في عيد ميلادها الحادي والثلاثين، بعد ثلاثة أسابيع. لم يكن بحاجة إلى موعد رسمي، لكن يارا أحبت المحطات المهمة في حياتها.

قالت: "أنت لا تزال ضعيفًا مثل قط صغير".

"ميااووو"، أجاب، وهو ما كان يعلم أنه سيرضيها. من المؤكد أن ضحكتها أزالت خطوط قلقها.

عادت يارا إلى العمل في اليوم التالي، تاركة مفتاحًا مع جارهما في الطابق العلوي، تيري، وهو مدرب شخصي بدا أنه يدرب نفسه فقط. في وقت الغداء، أتى ليسخن بعض الحساء لمايكل: "لا تقلق بشأن الجراثيم، مايك، لم أصب بأدنى أعراض انفلونزا منذ أن بدأت في تناول مسحوق البروتين الجديد، أؤكد لك، لقد حولني إلى ولفيرين".

عندما وصلت يارا إلى المنزل، أحضرت له طبقًا من بسكوت دايجستيف بالشوكولاتة الداكنة، الطعام الوحيد الذي يمكنه تناوله باستثناء الحساء، وأخبرته عن تفاصيل يومها. عندما نهضت لأخذ الطبق بعيدًا، قالت: "أمي قلقة عليك أيضًا".

"حقًا؟"

كان وجه يارا غائمًا. "نعم حقًا. إنها ليست وحشًا، كما تعلم".

"لم أقل قط إنها وحش".

قامت يارا بتدوير الطبق حول يديها. "أعلم أنها لا تتحدث معك كثيرًا، لكن هذا بسبب حاجز اللغة".

"أنا أعرف. هذا غير مهم". منذ لقائه الأول مع "غضاريف العظم"، كان يبذل قصارى جهده لتجنب أن يكون بمفرده معها. كلما ذهبا إلى منزل والدي يارا كان يلتصق بالدكتور. الدكتور اللطيف والمهذب، الذي، بشكل مربك، بدأ يناديه بـ"دكتور" أيضًا بعدما رقاه من لقب "سيدي". دكتوران في المنزل، لا أحد منهما دكتور. في هذه الأثناء، تشبثت "غضاريف العظم" بيارا مثل طفل يبلغ من العمر أربع سنوات تم ضمه إلى جروه المسروق.

تنهدت يارا. "أمي مضحكة في بعض الأحيان. لكن، كما تعلم، عاشت طفولة قاسية".

"كيف ذلك؟"

"كان لديها عشرة أشقاء، ومات خمسة منهم صغارًا. الخمسة الخطأ، إن سألتني. عذبها الآخرون. أحدهم على وجه الخصوص... لقد فعل بعض الأشياء الفظيعة لها، على الرغم من أنها لن تقول ماذا حدث أبدًا. تدعوه "الشيطان"".

"خرا. أنا آسف". لقد كان آسفًا حقًا. لا أحد يستحق ذلك.

"إنه أمر مضحك، أخبرتني مرة أنك تذكرها بأحد أشقائها".

"أي واحد؟"

"لم تقل".

بدت على وشك أن تقول شيئا آخر لكنها توقفت، وبدا عليها الاضطراب. لقد أزعجته حتى تابعت، بعد توقف: "على أي حال، إنها قلقة عليك. على الرغم من أنها"- ضحكت - "قد يكون ذلك بسبب "الخنازير" في "أنفلونزا الخنازير". إنها خائفة جدًا من الخنازير. ذات مرة أكلتُ لحم الخنزير عن طريق الخطأ في حفلة عيد ميلاد في روضة الأطفال، لم أكن أدرك أنه لم يكن من المفترض أن أفعل ذلك. ظلت تطمئن علي كل ليلة في السرير لأسابيع بعد ذلك، وتعانقني وتقبلني كما لو كنت قد ابتلعت سائل تبييض الملابس أو شيء من هذا القبيل..."

مدفوعة بذكريات أخرى، وضعت يارا الطبق وأخبرته المزيد من القصص من طفولتها. أخذ يغيب عن الوعي ممسكًا بيدها، مرتاحًا لصعود وهبوط صوتها الخفيف المتلهف.

بعد يومين، كان قادرًا على الاستلقاء وظهره مائل بزاوية صغيرة على السرير. كان مرضه يزداد إملالًا. كان الهدف الأساسي من المرض هو الاستمتاع بنفسك؛ القراءة، والرد على رسائل البريد الإلكتروني، ومشاهدة الأفلام. كان يتوق إلى حزن "باريس، تكساس" الرائع، وإعادة الاتصال بهذا الجزء من روحه. لقد مر عامان منذ أن شاهده مع يارا. كانت الحياة مزدحمة الآن. ربما كان مستعدًا للانتقال إلى الأريكة...

بعد خمس دقائق، زحف مرة أخرى إلى السرير، ورأسه غارق في العرق.

بعد منتصف النهار بقليل، دار مفتاح في القفل. تيري ، يقوم بعمل فلورنس نايتنجيل اليومي. في وقت أبكر من المعتاد اليوم.

"ها، تل ستار"، صاح مايكل.

لم يسمع ردًا. أتاه صوت خطوات خفيفة تتجول في القاعة كما لو أن قطة تمشي فيها.

"تيري؟"

لا صوت. حبس أنفاسه. هذا حظه. كيف سيدافع عن نفسه ضد دخيل في هذه الحالة؟

صرير باب غرفة النوم يعلن أنه يُفتح. توترت عضلات مايكل. استعد للقفز.

انزلقت حزمة صغيرة من الأسود. كان المنظر متناقضًا للغاية، واعتقد أنه كان يهلوس في البداية. ماذا كانت تفعل هنا؟ لم تأتِ من تلقاء نفسها.

"مرحبا؟" قال. كانت نبرته نبرة سؤال.

وضعت كيسًا بلاستيكيًا أزرق عند طرف السرير بطريقة سريعة ومهنية، مثل ممرضة المنطقة التي تقوم بجولاتها. أصدر الكيس صوتًا بطيئًا عندما استقر على السرير. ثم سارت إلى جانب السرير، ونظرت إليه.

قال: "مرحبًا". لقد صدمه أن الوقت مناسب الآن لمعرفة ماذا يسميها.

حيته بلغتها، مستخدمة عبارة علمته إياها يارا. أجاب بالمثل، فخورًا بنفسه لتذكر العبارة وهو مصاب بالأنفلونزا. لكن لماذا هي هنا؟

كما لو أنها تجيب عن سؤاله، مدت يدها إلى الكيس وسحبت منه كيسًا بلاستيكيًا شفافًا مليئًا بالأعشاب المجففة.

"مطبخ"، قالت باللغة الإنجليزية. "جعل أفضل".

كان هذا أكثر ما سمعه منها منذ أن وصفته بأنه "نيك-الأخت". لذلك كانت يارا على حق، كشفت محنته عن نواة من القلق في داخله. ربما كانت حادثة "نيك-الأخت" سوء فهم رهيب. من جانبه؟ من جانبها؟ من الجانبين؟

اختفت من غرفة النوم. بعد بضع ثوان، سمع صوت الغلاية.

قالت: "اشرب"، عائدة بكوب يتصاعد منه البخار. كانت رائحة السائل الساخن بشعة، لكنه بدا أنه ينقي حلقه وهو يشربه.

امتدت يدها إلى الحقيبة مرة أخرى، سحبت "غضاريف العظم" مبخرة طينية وكتلة صغيرة من ورق القصدير. البخور والفحم. لقد رآها تفعل ذلك في منزلها، تنتقل من غرفة إلى أخرى وهي تأرجح المبخرة، وتتمتم بالصلوات تحت أنفاسها. في بعض الأحيان كانت تدير المبخرة حول رأس يارا بينما كانت يارا في وضع جنيني مغلقة عينيها. الطقوس جعلته عصبيًا.

"ماذا لو سقطت فحمة ملتهبة على رأسك؟" سأل يارا ذات مرة.

قالت: "لا تقلق. يدا أمي ثابتتان. أنا أثق بها".

مرة أخرى، اختفت "غضاريف العظم" في المطبخ. سمع صوت طقطقة الموقد ثلاث مرات. عندما عادت حاملة المبخرة، لوحت بذراعها قائلة: "خنزير".

كانت ذاهبة لتطهير الهواء من أنفلونزا الخنازير. مد قبضته وإبهامه إلى أعلى، متسائلًا متأخرًا عما إذا كانت هذه لفتة وقحة في ثقافتها. ربما كان هناك شيء ما في هذه الطقوس. كانت والدته تؤمن بالعلاجات التقليدية أيضًا.

بينما كان الدخان ذو الرائحة الحلوة يملأ الغرفة، شاهد يدي "غضاريف العظم" البارعة ووجهها العابس. ذكرته تعبيراتها الصاخبة بانغماس يارا في بعض المهام.

كان الأمر غريبًا، أن يكون قريبًا جدًا منها. تمنى لو كان بإمكانه التحدث إليها. تمنى أن يسألها عن نفسها. كل الإخوة الطيبين الذين ماتوا. كل الأشرار الذين عاشوا. ماذا حدث لها، وأي أخ ذكرها به...

لا بد أن البخور أثر على دماغه، ما أدى إلى تآكل حواف أفكاره. من خلال الدخان ابتسمت المرأة العجوز، منحنيات تنزف معًا.

ماذا كان اسمها؟

كان ثقيل الأطراف، طاف في مكان تفكك فيه الوقت. ابتسامة المرأة العجوز استبعدت السنين. أظهرت له من هي؛ فتاة ذات عيون راقصة وخدود مستديرة. أعطتها ابتسامتها وجه ملاك. ملاكه يارا.

أيدي غير واضحة تفتش في كتلة من اللون الأزرق. ارتدت الألوان مثل ضوء الشمس على بحيرة. هل كان نائمًا أم مستيقظًا؟

سقط ظل فوقه. المرأة العجوز تصرخ، وتحمل شيئًا يتدفق مثل البحر. تناثر على الأغطية مثل البحر.

اخترقت رائحة - حادة ولاذعة - أنفه. تؤذي رئتيه. اجعليها تزول، اجعليها تزول، اجعليها تزول...

عند طرف السرير السفلي مالت وارتفعت. أيدي ثابتة، صغيرة، مع مربع أصفر صغير. صرير وأزيز! يا إلهي، يا إلهي، يا إلهي. عيون منيرة، مليئة بالبهجة. صوت يهمس: "الشيطان... الشيطان".

عندما أحرقت الحرارة قدميه، حاول الصراخ، لكن لم يصدر منه صوت. كان النوم قد ثبته على سرير من الزهور المحترقة.

 

ترافيس (هاري دين ستانتون) يمضي على القضبان في فيلم فيم فيندرس "باريس، تكساس" (بإذن من Argo Films).

هرع الفضاء وانحسر. كان يعلم أن شيئًا كهذا قد حدث من قبل، في فيلم ما، في فيلمهما. الفيلم الذي كان جزءًا منه، والمرأة التي أحبها. أوه، يارا، يا يارا. شخص ما يركض، شيء يحترق. كان يتأرجح ويتشبث بالذاكرة، لكنها استمرت في الانزلاق بعيدًا عن متناوله. "باريس، تكساس". "باريس، تكساس"...

*

 

عندما استيقظ كانت يارا بجانبه، شاحبة وحمراء العينين، محاطة بستارة من مسحوق أزرق. الأضواء القاسية جعلته يومض. أضواء المستشفى. قبلت خده وجلست ممسكة بيده. مرت دقائق قبل أن تهمس: "ماذا حدث؟"

أصدرت شفتاه صوت صفع عندما افترقا. دماغه مشوش، استلقى يحدق في السقف المغطى بألواح بيضاء.

بكت يارا، وصلت إلى معصمها الأيمن. "تيري أنقذك. كانت الملاءات مبللة بالروح البيضاء. ثانيتان أخريان والنار كانت ستصيبك، لقد أطفأها في الوقت المناسب. قال إن أمي كانت هناك؟ هربت؟ لا تخبرني أنها... عامدة؟"

غير قادر على تحمل النظرة على وجهها، نظر بعيدًا. عندما نظر إلى الوراء، كانت عيناها مثبتتين على عينيه، متوسلة. من خلال الياقة المدورة النحيلة، ارتفع صدرها وانخفض في أنفاس ضحلة.

ارتعش العصب في جبهته. امتدت الثواني بمرونة، وتحطم الواقع إلى شظايا: كانت "غضاريف العظم" تساعده في إزالة العلكة من اللحاف. كان ينظف مجموعة من فرش الرسم أثناء وجوده في السرير مصابًا بالأنفلونزا. نمت زجاجة من الروح البيضاء أجنحة وشنت هجوم كاميكازي عليه. أما لماذا تم إشعال عود الكبريت...

توقف صدر يارا عن الحركة. شعر بالضيق في ضلوعها كما لو كان في ضلوعه. لكنه كان متعبًا جدًا ومحطمًا ليمنحها ما تريد.

قال: "نعم". ارتعشا معًا.

"حسنًا". أومأت برأسها بقوة. "سنتحدث لاحقًا". ضحكت بلا رحمة. "لا بد أنك كنت تهذي. قال تيري عندما كنت مستلقيا في سيارته، ظللت تصرخ، "ترافيس أو جين! ترافيس أو جين!""

"أوه. نعم".

"ماذا معنى ذلك؟"

"فيلمنا. لم أستطع أن أتذكر كيف سارت الأمور. إذا كانت جين هي التي أشعلت النار في المقطورة بينما كان ترافيس بداخلها أم العكس".

"أي فيلم؟ من هما ترافيس وجين؟"

حدقا في بعضهما البعض.

سمع نفسه يقول: "باريس، تكساس، فيلمنا".

"أوه". فكرت للحظة. "لا أتذكر الكثير عنه. هل كان هذا الفيلم بالأسود والأبيض من بطولة جوني ديب؟"

بقي صامتًا.

قالت يارا وهي تسحب خيطًا من على تنورتها: "أمر عشوائي أنه ورد على بالك في تلك الأثناء".

مر وقت طويل قبل أن يرد. "ربما كان ذلك بسبب محاولة شخص ما إشعال النار في شخص آخر".

غمزت مرة أخرى. بقي ساكنًا هذه المرة.

بينما كان يرقد ضعيفًا وباردًا، تحدثت يارا عن أشياء أخرى. قالت إن والدته وأخته كانتا في طريقهما، وستتركهما وتعود لاحقًا. قالت إن المستشفى كان يحتجزه حتى تستقر حالته، وسيخرج في الصباح. ظنوا أنه شرب أعشابًا للنوم عن طريق الخطأ. أخبرته أنها أخذت بقية الأسبوع إجازة من العمل لرعايته. أخبرته أن الدكتور يحييه، وأنه في حالة ذهول لأنه كان في المستشفى.

ثم بدأت في البكاء مرة أخرى. أخبرته أنه جزء منها، وكان من المؤلم جدًا رؤيته مستلقيًا هناك هكذا. قالت: "يا ليتني كنت مكانك. يا إلهي، أتمنى لو كنت مكانك".

لكن مايكل لم يكن يستمع حقًا. لقد تغير شكل الوقت مرة أخرى، وبدت الحياة طويلة الآن. طويلة وغريبة ووحيدة. تغلب عليه التعب، أغمض عينيه. عندما بدأ يغيب عن الوعي، وصل إلى شيء عميق داخل نفسه. شيء يعرفه الآن، يخصه ولا أحد غيره.

 

ولدت علا مصطفى في لندن وأمضت جزءًا من طفولتها في مصر، قبل أن تعود إلى إنجلترا. درست الاقتصاد واليابانية في الجامعة ثم انتقلت إلى اليابان، حيث درست اللغة الإنجليزية لعدة سنوات. تعيش الآن في لندن وتعمل كمحررة. نشرت رواياتها القصيرة في المجلات الأدبية بما في ذلك Aesthetica و Storgy و Bandit Fiction.

فيلم روائيحبزواجقصة قصيرةصدمة

اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *