قصة يوسف سالم المرشح لجائزة غونكور

16 يناير، 2023

 

فيلم كوميدي يعرض الثقافة الجزائرية والروابط الأسرية والهجرة والأكاذيب والأدب، يوسف سالم ناجح، من إخراج بايا قاسمي، سيُعرض في فرنسا في 18 يناير 2023.

 

لاتيتيا سولا

"لطالما كان يوسف سالم قادرًا على الفشل في مسيرته الكتابية، لكن المشكلة تبدأ عندما تلاقي روايته الجديدة النجاح، هذه المرة استلهم يوسف روايته من مشاعره الحميمية، حتى وإن كانت نتيجة اختياره ذلك سيئة. يجب عليه الآن بأي ثمن التأكد من أن كتابه لن يقع في يد أحد أفراد عائلته".

كانت هذه الجملة الترويجية للفيلم الكوميدي الفرنسي الجديد يوسف سالم ناجح، للمخرجة الموهوبة بايا قاسمي. كاتبة سيناريو غزيرة الإنتاج وحائزة على جائزة سيزار لأفضل سيناريو أصلي عن فيلم ميشيل لوكلير "أسماء الحب" Le nom des gens  2011، أخرجت قاسمي يوسف سالم ببراعة وذوق، ساعدها في ذلك فريق ملهم.

 

 

يشكل يوسف سالم، الذي يلعب دوره رمزي بيديا، ثنائيًا محببًا مع ليز، محررته (تلعب دورها نويمي لفوفسكي). مذهولًا من النجاح غير المتوقع لروايته الصدمة السامة، التي يصور فيها إخفاقات عائلته بطريقة غير مباشرة، سيفعل أي شيء لمنع والديه من قراءتها. قال الكاتب الراحل فيليب روث: "تنتهي العائلة عندما يُولد فيها كاتب"، هذه واحدة من نقاط انطلاق الفيلم، الذي يصور المغامرة المذهلة لابن مهاجرين جزائريين في فرنسا؛ كاتب تم ترشيحه، على الرغم من كل التحديات، لجائزة غونكور، التكريم الأدبي المرغوب بشدة في فرنسا.

مع ذلك، فإن ما يجب أن يكون بلسمًا يتحول إلى صراع بالنسبة إلى الكاتب الذي يعيش، في سن 45، كذبة من أجل تجنيب والديه الإحراج. لقد جعلهما يعتقدان، على سبيل المثال، أنه لا يزال يعيش مع شريكته، مع أنهما انفصلا قبل عامين. ويجعل والده، المتحمس للغة الفرنسية، يعيد قراءة النصوص التي يملأها عمدًا بالأخطاء حتى يتمكن من تصحيحها. بنفس الطريقة، تقنع أخته المثلية والديها بأن رفيقتها هي زميلتها في السكن.

من بين الشخصيات الرائعة المصورة في الفيلم والممثلين الذين يلعبون ادوارها، يجب أن نذكر ليز أخت يوسف، التي تجسدها ملحة بيديا (أخت رمزي بيديا في الحياة الواقعية). لعب دوري والدي يوسف كل من عباس زهماني وتساديت ماندي، كما لعبت فيمالا بونس المبهجة دور لينا شريكة يوسف.

ولاء الأسرة والكليشيهات

يبدو الفيلم للمشاهد وكأنه فيلم كوميدي، مع ذلك يقدم الفيلم تصورًا غنيًا للمسألة الخطيرة المتعلقة بالروابط الأسرية. تدفع المخرجة صراع الولاء العائلي إلى أقصى حد له، وعند هذه النقطة يشتعل كل شيء. الدراما العائلية هي ينبوع كوميديا يستفيد من العديد من الكليشيهات الخاصة بالثقافة الجزائرية، حيث تشتبك عائلة سالم مع القواعد والأعراف المجتمعية؛ مثل أن تكون غيري الجنس، ومجتهدًا وصادقًا، وأن يكون لديك أطفال.

يتعامل الفيلم بقوة مع ما هو غير معلن ومع المحرمات الجنسية. في الواقع، فإن "الصدمة السامة" التي تصنع حبكة الفيلم ليست سوى خطيئة إقامة علاقة جنسية قبل الزواج، غالبًا ما يؤدي الجنس قبل الزواج إلى وفاة العشاق. هناك أيضًا العار الرهيب للرغبات والدوافع، أو "chouma" - وهو عار عميق يشعر به العديد من الأطفال عندما لا يشرح لهم الكبار ظواهر معينة، سواء كانت الاستمناء أو التأنث أو الانجذاب الجنسي المثلي الذي نرتبط به بطريقة أو بأخرى. هناك خجل غير معلن من هذه المشاعر أو السلوكيات، نخفيه وكأنه سر ثقيل. وفقًا لقاسمي، من خلال التعامل مع المحرمات، يظهر الفيلم "كيف أن الكذب في بعض الأحيان هو شكل من أشكال الحرية".


لا تخيب آمال والديك

يمكن لخيبة أمل الوالدين أن تلوث الشرف أيضًا، اللذين عملا بجد لإعادة بناء وطنهما الجزائر بعد حرب الاستقلال ضد فرنسا، واللذين انتقلا بعد ذلك إلى فرنسا نفسها، المستعمِر الذي أصبح بلدًا مضيفًا، حيث كان عليهما وعلى المهاجرين الآخرين قبول الاستغلال والضغوط الشديدة لتحقيق النجاح.

الفيلم يصور ذلك بوضوح وجرأة. في فرنسا، حتى اليوم، يسمع المهاجرون الجزائريون وأحفادهم عبارات مثل "كل العرب لصوص". تتمثل إحدى نقاط قوة الفيلم في أنه يقدم وجهة نظر كوميدية مضادة لموضوع العنصرية بالإضافة إلى صدام ممتع للغاية بين الأجيال، ما يوضح كيف يتم التعامل مع مسائل الاندماج في فرنسا بشكل مختلف من قبل أفراد الأسرة الواحدة. في بعض الأحيان غارقان في مطالب القرن الحادي والعشرين، يواصل والدا يوسف تمجيد ماض مليء بالأبطال الذين لا فائدة للمجتمع منهم. هما جزائريان نشأا في مجتمع متزمت ويجدان نفسيهما في مجتمع يشرع زواج المثليين. منشغلان أيضًا بالأطفال، الذين يحاولون حماية والديهما من هذا الصدام بين الأجيال، وهذا واحد من أنجح الأدوات الهزلية في الفيلم.


ماذا يعني أن تكون عربيًا

من بين عوامل الجذب في الفيلم موسيقاه التصويرية الرائعة، من صنع فنانين من أصل متوسطي مثل الفرنسي اللبناني بشار مار خليفة، نجل المغني الكبير وعازف العود مارسيل خليفة، وألكسندر سعادة، وهو موسيقي فرنسي وملحن موسيقي سينمائي والداه من تونس والجزائر. تقيم عائلة البطل في مرسيليا، ويوضح الفيلم تمامًا البعد متعدد الثقافات والمختلط لهذه المدينة، التي نمت حول ميناء رحب بموجات الهجرة المتتالية. اختارت قاسمي أن تضع أسطورة الصدمة السامة في بيئة مقاطعة "لي جود" الساحرة، التي تواجه جزيرة "ماير" في قلب "كالونج". في هذا العالم المعدني القاحل والحاد، المأهول بالصخور والأحراش وغابات الصنوبر، نجد أنفسنا وسط مشهد طبيعي يمكن بسهولة الخلط بينه وبين الساحل الجزائري.

هناك تناقض متعمد بين حياة البطل الباريسية، مغلفة ببريق مطعم دوروان، وبين الأحياء الفقيرة في مرسيليا. هناك أيضًا التضاد بين باريس والمقاطعات، بين لهجة سكان العاصمة ولهجة سكان الجنوب ذات النبرة المتذبذبة بين الصعود والهبوط، ناهيك عن التفكير الدقيق في الهوية وتعددية العروبة.

 

رمزي بيديا في دور المؤلف يوسف سالم، تقوم نويمي لفوفسكي بدور ليز محررة كتبه.


الأدب ومهنة الكتابة

نتعلم في يوسف سالم أنه من الأفضل أحيانًا عدم تجاوز المحرمات، وأن ما هو غير معلن يمكن أن يبقى في الظل، وأننا أفضل حالًا عندما يحدث ذلك. هذا فيلم مليء بالغمزات. من بين أمور أخرى، يسخر من عالم التلفزيون الفرنسي وتلفزيون الواقع، ويضم أشخاصًا يمثلون شخصياتهم في العالم الواقعي، مثل الصحفي والناقد الأدبي أوغستين ترابينارد.

هذه هي المرة الثالثة التي تعمل فيها بيديا مع قاسمي الذي وُلد لعائلة جزائرية مهاجرة في تولوز. لقد رأينا بيديا سابقًا في أنا لك الآن في العام 2015، والصراع الطبقي في العام 2019. هذا المزيج من المواهب يحقق النجاح. مع فيلم يوسف سالم، تقول قاسمي إنها هي من كتبت شخصية البطل. تحت الكوميديا والدعابات، ننشغل أيضًا بالتأمل في الأدب وما يمكن أن يُقال من حيث حرفة الكاتب، وممارسة السيرة الذاتية المحفوفة بالمخاطر في بعض الأحيان.

يستخدم يوسف سالم الأكاذيب لجعل الحقيقة أكثر وضوحًا. إذا كان بطل الرواية يخفي الواقع من خلال كلماته، فمن الأفضل إخراجه إلى العلن، حتى نتمكن من رؤيته كما هو بالفعل. من أجل هذا يتم بناء صورة داخل صورة بين الأدب والواقع في جميع مشاهد الفيلم. هنا لا شيء صحيح، ولكن في نفس الوقت كل شيء صحيح. وكما تقول قاسمي: "حقائق البعض ليست حقائق الآخرين"، ومن هنا تأتي صعوبة إنتاج سردية سيرة ذاتية يمكن للمؤلف وحده امتلاكها.

 

1 تعليق

اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *