حوار مع نورا ناجي: مشغولة بالعالم

30 December, 2024
الكاتبة المصرية نورا ناجي.

تتحدث الكاتبة المصرية نورا ناجي مطولًا عن ما تكتب، وكيف كان تأثير ثورة يناير 2011 عليها كبيرًا ومركبًا، وكيف تنظر إلى تلك الثورة اليوم. تصدر قريبًا أحدث روايات نورا «بيت الجاز» عن دار الشروق.

 

TMR

 

المركز: كيف تعرِّفين ما تكتبين؟
نورا: هذا سؤال صعب جدًا! أظن أن الكاتب لا يملك السلطة كي يعرِّف ما يكتب، بل يعرِّف ذلك الآخرون. لكن أنا مشغولة بالعالم، مشغولة بأسئلة تبدو تافهة، مثلًا: لماذا يعيش الإنسان؟ لماذا نموت؟ هذه أسئلة تناولها نجيب محفوظ في رواية «الشحاذ» عندما تساءل «لماذا خلقنا الله ما دمنا سنموت في النهاية؟» وهو السؤال الذي بدأ به عمر حمزاوي الرحلة المؤثرة التي تطاردني بصفة خاصة. أنا مهووسة بالموت، أفكر فيه باستمرار، إلى درجة الوسواس القهري، أشعر دائمًا أني بحاجة إلى طمأنة نفسي، إلى أن أجيب عن أسئلة تتعلق بفكرة وجود البشر، وأهميتهم في هذا العالم، يمكنني أن أقول عن ما أكتب أني أطرح أسئلة خاصة، من دون الحصول على إجابات.
هناك مثال غريب قليلًا، كتاب بلال فضل الأخير «فندق الرجال المنسيون»، وهو يبدو كسلسلة مقالات لطيفة وكوميدية، لكن عندما تقرأ المقال الأخير سترى الدنيا بشكل مختلف، سترى الموت بشكل مختلف، أدهشني تعريف الموت في المقال، وتسامح بطلة الحكاية مع فكرة الموت، تمر البطلة بمرحلة العلاج من مرض في القلب، تماهيت معها وتفهمت شعورها بالتسامح مع الموت. هذا تأثير الأدب على القارئ، أن يجعله يشعر بأن الحياة تستحق أن تُعاش. نعم، ستختفي، ستتلاشى، لن يبقى لك أي أثر في النهاية، لكن المهم أن تصل إلى نقطة التسامح والسلام تلك.
أحب كثيرًا الأدب الآسيوي، ما قرأته من ذلك الأدب يبدو بطيء الإيقاع وخافت وبلا حبكة، مثلًا رواية «هموم شخصية» للكاتب الياباني كينزابورو أوي، وأيضًا روايات هان كانج التي وصفها البعض بأنها «مجرد خواطر»، لكن الأفكار التي ذكرتها من قبل مطروحة في روايات كانج، ما سبب وجود الإنسان؟ ما سبب استمراره في النضال؟ لماذا نشارك في المظاهرات؟ لماذا نحاول تحسين حياة الآخرين؟ هناك مشهد لا يتوقف عن مطاردتي: في طنطا، رأيت سائق موتوسيكل اصطدم بفتاتين في الشارع وجرهما خلفه، ثم فوجئت بسيدة كبيرة في العمر تقف أمامه كي تمنعه عن ذلك، دائمًا أتساءل إن كنت سأفعل مثلما فعلت.
سؤال آخر يلح عليَّ منذ مدة، لو طُلب مني أن أنتقل للعيش في فلسطين مع ابنتي، مقابل أن تأتي عائلة إلى بيتي رغبة في إنقاذهم، هل كنت لأفعل ذلك؟ أسئلة كهذه أجيب عنها بالكتابة، أكتب كي أنقذ نفسي بشكل أو بآخر، أكتب كي أقدم فكرة قد يقرأها شخص آخر في مكان بعيد ويشعر أنه وجد نفسه.
أكتب نصوصًا نسوية لأني أهتم بالنساء، أكتب نصوصًا ذاتية لأني أريد أن أجيب عن الأسئلة التي تروادني، أكتب عن الضعفاء لأن لا أحد آخر يكتب عنهم. للأسف الآن في مصر تُعد تلك التصنيفات (النسوية والذاتية) بمثابة عار على الكاتب.
أحيانًا يقوم القراء بتأويل ما أكتب بعيدًا عما نويت أثناء الكتابة، وربما يكون تأوليهم صحيحًا، لكن عقلي لا يكون واعيًا لذلك أثناء الكتابة، أكون مشغولة بالكتابة عن المأساة والضعف والهشاشة، أكون مشغولة بالحكاية نفسها وليس أي شيء آخر.
قرأت أن رواية «سنوات الجري في المكان» رواية سياسية، أحدهم أطلق هذا التصنيف عليها لكني لا أعتبرها كذلك، قرأت أيضًا تعبيرات تصفها مثل «دموع لا تنتهي»، كما وصفها البعض بأنها رواية كئيبة، أظن أني كتبت عن التغيرات التي تعرض لها جيلي في العشر سنوات الأخيرة، ولا شيء غير ذلك.
أنا أيضًا مشغولة كثيرًا بفكرة الزمن، كيف تتغير الأشياء حولي، كيف تغيرت شوارع طنطا واختلفت عن ما كانته منذ سنتين.
المركز: ما الحدث صاحب التأثير الأكبر على ما تكتبين؟
نورا: يناير 2011، رغم أني لم أشارك، لم أنزل إلى الميدان لأني كنت في طنطا، بعد ذلك تزوجت وسافرت لأني لم أستطع تحمل الحياة هنا، كان كل شيء مظلمًا، لكن الحدث نفسه مؤثر جدًا، مات الكثير من أصحابي، مات أستاذي في الجامعة، أن ترى صورة شخص تعرفه في التلفزيون وتعلم أنه مات، هذا أمر مفزع.
عندما أمشي اليوم في ميدان التحرير أراه كئيبًا مصفرًا، هواؤه مليء بالتراب، أمشي بين الأموات، كل هذا غيرني، هذا هو التغيير الذي أتحدث عنه في كتاباتي. كما تظهر أيضًا هزيمة يناير في كتابات الجيل، تتحول النصوص لتصبح قاتمة وفردية، هناك أنانية ما في النصوص، هناك هزيمة واضحة في معظم القصص التي أقرأها الآن، لاحظتها أيضًا في ورشة الكتابة التي اشتركت فيها، والأكثر أن ما يكتبه الجيل الأصغر خالٍ تمامًا من فكرة المقاومة، أظن الكتاب تأثروا بشكل كبير بذلك الحدث، واستسلموا لفكرة انعدام المقاومة تمامًا.
المركز: ماذا تقرأين الآن؟
نورا: أقرأ الكثير، أقرأ بعض الكتب من أجل أن أناقشها، آخر ما قرأت رواية «خدمت ملك انجلترا» للكاتب التشيكي بوهوميل هرابال، وهو بمثابة نجيب محفوظ التشيكي، يحكي في الرواية عن الاحتلال النازي، والثورة المخملية وما إلى ذلك، يستعرض تاريخ التشيك من خلال حياة شخص بسيط للغاية يعمل نادلًا في أحد الفنادق.
قرأت أيضًا «الخواجاية» لفيموني عكاشة، وهي كاتبة مصرية هولندية، الكتاب ما بين التخييل والسيرة الذاتية، كتاب ملهم للغاية لأنها تكتب عن علاقتها بالأم الأجنبية التي تركت بلدها وأتت لتعيش في بلد لا تعرفه، تكتب عنها في فترة شيخوختها، وكيف رأيت الجمال في أمها حتى مع قرب نهايتها، وكيف اكتشفت من جديد مفهوم الامومة.
قرأت «وادي الفراشات» للكاتب العراقي أزهر جرجيس وهي رواية رائعة، الآن أستمع إلى رواية «أفعال بشرية» لهان كانج بعد القراءة الأولى، أعيد الاستماع إليها بالإنجليزية بمناسبة حصولها على نوبل، الترجمة العربية لمحمد نجيب رائعة، ويمكنك ملاحظة الاخلافات بين الترجمة العربية والإنجليزية بوضوح.
المركز: ما الشخصية الخيالية التي تفضل أن تكونيها؟
نورا: أحب كثيرًا «ذاكرة الجسد» لأحلام مستغانمي، أريد أن أكون الشخصية الرئيسية خالد بن طوبال، مناضل جزائري فقد يده أثناء الحرب، ولذلك قرر أن يستمر في المقاومة عن طريق الرسم، تعلم كيف يرسم بعدما فقد يده، شخصية مركبة جدًا، وملهمة كثيرًا بالنسبة إليَّ.
أحب كثيرًا عمر حمزاوي في رواية «الشحاذ»، هذه أكثر شخصية أشعر بأنها قريبة مني، كأنها أنا، غريب أن كلاهما رجل! تساؤلات عمر وبحثه ومحاولاته للوصول كلها تشغلني الآن.
المركز: ما «مخدرك» المفضل؟
نورا: المسلسلات والبرامج الوثائقية عن الجريمة! أنا مدمنة عليها، وبحاجة إلى علاج! لا أستطع النوم من دون أن أشاهد حلقتين من Criminal Minds على سبيل المثال، أو أحد الأفلام الوثائقية عن قاتل متسلسل ما، أو أفلام ومسلسلات الجريمة، شخصيتي المفضلة هي شيرلوك هولمز!
أحب أيضًا مشاهدة برامج الطبخ وبرامج مسابقات الغناء، ربما لأني لا أطبخ، ولأني أتمنى لو أن صوتي كان جميلًا!

Leave a comment

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Become a Member