يتحدث الكاتب المصري حسين فوزي عن بدايات الكتابة، وعن تصوراته عن ما يكتب. صدرت مجموعة حسين الأولى «مشروع التخرج» منذ أيام عن دار وزيز.
المركز: كيف تعرف ما تكتب؟
حسين: سأخبرك كيف بدأت الكتابة، وربما يوصلنا هذا إلى إجابة ما.
في 2012 ، عندما كنت في الحادية عشرة، اعتدت أن أمر على مركز ثقافي اسمه «نهر النيل»، كان قرب البيت، مررت به أثناء الذهاب أو العودة من المدرسة، دفعني الفضول لأسأل الحارس الذي أخبرني عن الندوات التي تُقام هناك، استهوتني الفكرة وقررت المشاركة. حينها كنت طفلًا انعزاليًّا، شعرت بأن المركز فرصة لمعرفة أشخاص آخرين وماذا يفعلون.
أول ما كتبت كان بالعامية، كنت أنقل حرفيًا كتابات الآخرين، في ذلك الوقت اشتهر برنامج رعب إذاعي، كنت أسمع أحمد يونس وأكتب ما يقول، ثم نقلت ما كتبته في أجندة ورحت إلى إحدى الورش في المركز، قرأت ما كتبت وأعجب به الكثيرون، أحببت ذلك الشعور، تابعت الكتابة بهذه الطريقة ثم تحولت إلى الكتابة بالفصحى، شعرت أن الفصحى بعيدة عني، لذا كتبت بها قليلًا جدًا في البداية.
في سني ذلك شاهدت تجربة مثقفي الأقاليم، من يذهبون إلى «قصور الثقافة» وتلك الأماكن، كانت من ألطف وأظرف التجارب التي شهدتها في حياتي.
بعد ذلك بثلاث سنوات، توقفت عن الذهاب إلى ذلك المركز، قرأت أكثر من السابق، مثلًا أندريه بريتون وجورج حنين، وكتبت الكثير من النصوص الذاتية التي تركتها في الدرج، في بعض الأحيان كنت أرسل ما أكتب إلى كتاب آخرين كي أعرف رأيهم. نشرت بعض تلك النصوص بأسماء مستعارة، على فيسبوك أو مدونات أو منصات نشر أخرى. لم أعرف لِم أكتب، لكني كنت أشعر أن من الضروري أن أكتبه، حتى إن لم يكن هناك من يقرأ. أعادت الكتابة ترتيب أفكاري، كانت الكتابة لي وليس لأحد آخر. لكن في الوقت نفسه كنت أرغب في مشاركة ما أكتب، والاستمتاع بتلقي إعجاب الآخرين. في الوقت نفسه قيل لي دائمًا إن نصوصي «قصيرة النفس»، يمكن أن تتطور. وصلتني نصيحة بأن أجرب أن أكتب شعرًا، حينها سيظهر لي الفرق بين الكتابة الذاتية والباطنية وبين ما أكتب بالفعل وإمكانيات تطويره لما هو أبعد من التنفيس العاطفي والدفقات الشعورية.
أثناء الكورونا بدأت الدراسة الجامعية، مللت الكتابة حينها، شعرت أن ما أكتبه لا يتطور، نصوصي لا تصل إلى مكان بعينه، لا أستطيع أن أصفها بنوع معين، لهذا مللت.
ثم وصلتني دعوة لحلقة نقاشية على زووم، أدارها ياسر عبد اللطيف، حضرت الحلقة، تراوحت أعمار الحاضرين، تكلم أحد الحضور عن الجيل الجديد وثقافة البوب الخاصة بهم ومعجمهم وطريقة كلامهم. شعرت حينها أن لدي ما أكتب عنه، لكني لم أعرف أن لغتي غير معتادة أو غير مفهومة. دارت نقاشات عن البناء الروائي وأهمية الزمان والمكان، استفدت من كل تلك النقاشات، وعدت إلى الكتابة مرة أخرى، كتبت نصوصًا اعتبرتها بمثابة تدريبات على الكتابة، وعرفت ماذا أريد أن أكتب؛ التكنولوجيا وتفاعل الأجيال معها، في قوالب الفانتازيا والخيال العلمي، كما ذكرت أنت كنتُ مهتمًا بالسايبربانك، ما وجدته في كتابات الكثيرين، لم أرَ أنه هزلي، بل يمكن أن يكون مهمًا.
المركز: ما الحدث صاحب التأثير الأكبر على ما تكتب؟
حسين: سُئلت هذا السؤال في إحدى المناقشات، حاولت الإجابة عنه لكني لم أصل إلى إجابة، أظن أن الأشياء تحدث لأنها تحدث، حتى ما يحدث داخل دماغي. أكتب ما أكتب، وبعد مرور فترة من الزمن تكون لي الكتابة شكلًا ما، كأني أنشأت شيئًا، أنجزت شيئًا، يشعر البعض أن الاستمتاع بالإنجاز «عيب»، وكأن المطلوب من الكتابة أن تنتج شيئًا أكبر.
وصلتني دعوة للكتابة عن الثورة بصفتها حدثًا كبيرًا، كتبت من وجهة نظري كطفل حينها، تناقشت كثيرًا مع المحرر، رأى أن الثورة لم تظهر في النص كحدث كبير، رأى أنها حدث كبير بالنسبة لكل الناس، تعجب كيف أني لم أره حدثًا مزلزلًا. لا أظن أن الأجيال التالية لجيل الثورة تريد أن تصنع لنفسها تاريخًا.
لا أظن أن هناك أحداث شخصية مؤثرة، كما أخبرتك لم أكن شخصًا اجتماعيًا، استهوتني ألعاب الفيديو والقراءة، أجبرتني والدتي على القراءة حيث كان عندنا الكثير من الكتب في المنزل.
قبل الثورة كان هناك مكتبات اسمها مكتبات سوزان مبارك، بعدها تغير الاسم إلى مكتبة مصر العامة، هناك فروع عديدة للمكتبة في كل المحافظات، اعتادت والدتي أن تصحبني في الإجازات إلى الفرع القريب من مقر عملها، مع الوقت فكرت ما المانع من التقليب في الكتب؟ تظاهرت بأني أقرأ في البداية، ثم استمتعت بالقراءة لاحقًا. كان عامل العزلة الاجتماعية، والاستمتاع بشيء أفعله وحدي مؤثرًا عليَّ. أيضًا في ذلك الوقت شاهدت الكثير من الأفلام، أحب ذلك حتى الآن.
أسمع دائمًا سؤال «لماذا تكتب ما تكتب؟»، أشعر دائمًا أن المرء يمكن أن يكتب عن مزاج بعينه، جو بعينه، يمكن أن يضعه داخل إطار ما، وأن يكمل الكتابة مع الحفاظ على استمرار المزاج نفسه، هذا كافٍ بالنسبة إليَّ، أتلقى باستمتاع هذا النوع من النصوص والأفلام، وأظن أن تحقيق هذا المزاج ليس أمرًا سهلًا. يبقى ما وراء الكتابة موجودًا دائمًا، ربما يظهر لي بعدما أنتهي من كتابة النص.
المركز: ماذا تقرأ الآن؟
لا أقرأ كثيرًا الآن، منذ مدة قريبة قرأت مجموعتين قصصيتين لمحمود توفيق، «بلو»، و«15 متر مربع سعادة»، شعرت بأن تلك القصص قريبة من مزاجي للغاية.
المركز: ما الشخصية الخيالية التي تفضل أن تكونها؟
حسين: أتعرف؟ عندما تبدأ مرحلة المراهقة وتتقمص شخصيات بعينها؟ لمدة طويلة تقمصت شخصية «هولدن كولفيلد» من «الحارس في حقل الشوفان»، حينها ظننت أن هذا سيظل كتابي المفضل إلى الأبد، قرأت الكتاب مرة كل عام، لكن الآن لا أذكر آخر مرة قرأته. شعرت بكولفيلد قريبًا للغاية، أعجبتني لغة الرواية التي قرأتها بالإنجليزية، أعتبر ترجمتها إلى العربية الفصحى جريمة.
المركز: ما «مخدرك» المفضل؟
حسين: القهوة والفيب، ما تراهما أمامك الآن!