مبعوثون وقصص قصيرة أخرى، تأليف يوسف رخا
باراكونان 2023 / كتاب صوتي
ردمك 9781399933636
زين الأمين
في سيرة فلاديمير نابوكوف، يذكر بريان بويد أن الكاتب الروسي كان لديه "ميل للخداع الأدبي". يقتبس من نابوكوف موضحًا أنه "اكتشف في الطبيعة خداعًا مرحًا ولم يجد شيئًا أكثر بهجة من مفاجأة التعرف من خلال الخداع إلى مستوى جديد من الحقيقة". يضيف بويد أن نابوكوف كان شخصيًا كذلك، يقتبس من أحد معارفه قوله إن الكاتب الروسي "يخبرك بالحقيقة ثم يغمز لك لإرباكك". هذا وصف مناسب للطريقة التي يكتب بها الكاتب المصري يوسف رخا قصصه العشر في مجموعته التي صدرت حديثًا بعنوان "مبعوثون". رواة رخا جميعهم غير موثوقين، يغمزون للقارئ لإرباكه. ولكن من خلال هذا الارباك يمكن للقارئ الوصول إلى حقيقة أعلى.
أولًا، تبدأ عدة قصص باقتباسات من القرآن أو الكتاب المقدس، تاركة القارئ يتساءل عن الغرض من هذه الاقتباسات. يكمن الالتباس في حقيقة أن السرد التالي ينقلب على الدين، إما من خلال الراوي أو من خلال السرد نفسه. إذا كانت هناك كلمة واحدة تصف نغمة هذا العمل، فستكون "عدم الاحترام". القصص مليئة بالتناقضات.
الشخصيات التي تعيش في عالم رخا في حالة تغير مستمر، تغير وجهات نظرها السياسية والدينية، وأحيانًا جنسها. في القصة الأولى، "الصبي الجهادي"، يلتقي أحد السكان بـ"صبي جهادي" يحمل "كلاشينكوف قديم" وحزمة غامضة. السكان، الذين يوصفون بأنهم "عائلات مستقيمة، ومواطنون صالحون، ومسلمون صالحون، فخر وفرح برجوازية بلدهم الذي ينتمي إلى العالم الثالث"، غاضبون ويريدون الدفاع عن حيهم. لكن نظرتهم إلى هذا الصبي تتغير عندما يبدأون في التعامل مع الشرطة والدولة. يتغير تعاطفهم عندما يتبين أن رجال الشرطة المعينين في مبناهم مصدر إزعاج أكثر من الصبي. وبما أن هذه القصة، مثل جميع القصص في هذه المجموعة، تركز على انتفاضة الربيع العربي في مصر العام 2011، فإن الأحداث تحاكي القوس التاريخي الأكبر: الانتقال من فترة ثورية إلى الحكم الرجعي لجماعة الإخوان المسلمين، تليها ديكتاتورية عسكرية تظهر وكأنها ديمقراطية.
الشخصيات مهزومة تمامًا ولا تتصرف بإرادتها. هناك دائمًا كيان قوي، حقيقي أو خيالي، يملي أفعالهم. يرد ذكر منظمات غامضة في العديد من القصص، يبدو أنها تتحكم في الأحداث من وراء الستار. وهذا يعيد إلى الأذهان الحكم العسكري الحالي في مصر، حيث يتم مراقبة النشطاء السياسيين واعتقالهم بشكل جماعي وفقًا للشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، كان لدى البلاد ما يصل إلى 65000 سجين سياسي في العام 2021. [تزعم هيومن رايتس ووتش أن "مصر في ظل حكومة الرئيس عبد الفتاح السيسي تشهد واحدة من أسوأ أزمات حقوق الإنسان منذ عقود عديدة". المحرر.]
شخص بسيط، قصير ونحيل تقريبًا مثل الكلاشينكوف القديم الذي كان يحتضنه، شعرنا بالغضب على الفور. كيف يجرؤ شيء كهذا على غزو مساحة معيشة عشرين عائلة مستقيمة ومواطنين صالحين ومسلمين صالحين، فخر وفرح برجوازية بلدهم الذي ينتمي إلى العالم الثالث.
شعراء وكتاب جيل الـ"بيت"، خاصة ويليام بوروز وأيضًا ألين جينسبيرج وجاك كيرواك، يظهرون بشكل غير مباشر في العديد من القصص. هؤلاء هم الكتاب الذين أمضوا بعض الوقت في شمال أفريقيا، وتحديدًا المغرب. في بعض الأحيان، تأخذ كتابات رخا نفسها منعطفًا سرياليًا بوروزيًا. اللغة كثيفة ومراوغة مثل لغة بوروز، خاصة في إشاراتها إلى روايته الكلاسيكية الغداء العاري.
بينما أشير إلى الكتاب الذين يبدو أنهم قد أثروا على رخا (على الرغم من أن هذا النوع من المحاكاة قد تكون محاكاة ساخرة)، فإن أكثر ما أعدني للمنطق الغريب للقصص هو قراءة الكاتب الياباني هاروكي موراكامي. لكن لا أود أن أفهم خطأ، كتابة رخا أصيلة. بارع في استخدامه للغة الإنجليزية، استخدامه للصور أصيل ومثير وموجز. يمكنه تقديم مشهد أو شخصية في خط مهمل. يربطك نثره النابض بالحياة بالقصة لأنها تأخذ منعطفات سردية حادة تهز تعلقها بالحقائق الدنيوية الخاصة بالمجتمع المصري.
في "هكذا تكلم تشي نوارة"، يخطط ثوري يدعى خالد نوارة لاغتصاب مرشح الإخوان المسلمين الذي يُدعى الشيخ عارف. إنه يعتبر هذا عملًا ثوريًا. تدور أحداث القصة في 20 يوليو 2012، في أعقاب الإطاحة بالرئيس حسني مبارك. في هذه الفترة، كان للإخوان اليد العليا عندما يتعلق الأمر بأول انتخابات ديمقراطية بعد الثورة لأنهم كانوا يتمتعون بخبرة في إدارة الانتخابات في ظل أقسى الظروف. هنا، كما هو الحال في القصص الأخرى، يقدم المؤلف العديد من مراجع ثقافة البوب الأمريكية. في هذه الحالة، يقارن الشيخ بـ"ستوي جريفين" (الطفل العبقري الشرير في المسلسل التلفزيوني Family Guy). يحدث هذا بسبب ما يرى أنه رغبة الشيخ الطفولية في السيطرة على العالم. يجذبك رخا إلى المنطق السريالي للقصة، الذي يصبح أكثر غرابة كل دقيقة. عند قراءة هذه القصة وغيرها من القصص في المجموعة، تشعر أحيانًا أن رخا، في سخريته، لا يسخر فقط من القوى التي تكون، ولكن أيضًا القوى التي كان يمكن أن تكون، "الثوار" أنفسهم.
في القصة التى تحمل المجموعة اسمها، "مبعوثون"، نتعامل مع زيارة من قبل غرباء في أحد مكاتب القاهرة. يُقال لراوي القصة أن هناك زوارًا في غرفة المؤتمرات. عندما يدخل الغرفة، يجد أن المساحة قد تغيرت من قبل الغرباء الذين أرسلوه في مهمة، إحدى المهام التي تم تكليف شخصيات رخا بها. من دون التخلي عن أي شيء، لا يهتم رخا كثيرًا بالنهايات المحددة بدقة؛ بدلًا من ذلك، يسرع إيقاع الحركة ثم يوقفها فجأة، ما يجعل القارئ يتساءل.
قصة "نواة" هي قصة أخرى تتخللها المراجع الثقافية الغربية (جينسبيرج وجيم موريسون وجاك كيرواك). وهذا يذكرنا أيضًا بالنغمة في غداء بوروز العاري. تتلقى الشخصية الرئيسية تعليمات من "نبات"، إحدى المنظمات الغامضة العديدة في الكتاب، لتسليم جثة إلى أحد عملاء "نبات"، تحمل اسم ناستاسيا كنسكي Nastassja Kinski (في إشارة إلى الممثلة الألمانية). هذه - مرة أخرى - واحدة من قصص رخا التي كاد أن يهاجم فيها القارئ بمراجع ثقافية خارج السياق وبرأي علمي موثوق. حتى خلال الفترة الزمنية القصيرة للقصة، لا يحل رخا أي صراع قبل البدء في تقديم آخر. خلال مهمته، يسافر الراوي إلى مدينة الإسكندرية الساحلية، حيث يلتقي بشبح والده. هناك لحظات رقيقة في هذه القصة، كما هو الحال أثناء التفاعل بين الأب والابن. هذا أمر نادر الحدوث في مجموعة من القصص التي يتم تجريدها من العاطفة. في مرحلة ما، تناوله كينسكي شيئًا "يشبه النمل الأبيض العملاق". وتخبره أن هذه الحشرة ستزوده بتعليمات حول ما يجب فعله بها عند عودته إلى القاهرة.
يعيد هذا إلى الأذهان الحشرة الضخمة التي تكتب على الآلة الكاتبة في غداء بوروز العاري. تخبر هذه الحشرة بيل لي، الشخصية الرئيسية في الرواية، أنها عميلة في مهمة وتأمره، من بين أمور أخرى، بالانخراط في أنشطة جنسية مثلية. يتردد صدى هذا مع شخصيات رخا، من ناحية ينكرون فجأة أنهم مثليون جنسيًا، لكن ينتهي بهم الأمر بالانخراط في نشاط جنسي مثلي. من الصعب تحليل النية وراء مثل هذا السرد، ولكن مثل جميع قصص رخا في هذه المجموعة، فإنه يتركك تفحص الآثار المترتبة على ذلك إلى ما بعد نهاية القصة.
لم أقرأ الكثير من أعمال الكتاب العرب الأمريكيين الذين يكتبون باللغة الإنجليزية، لكن مجموعة رخا أصيلة ووقحة واستفزازية. أكثر ما يستحوذ على المرء أثناء قراءة قصص رخا هو اللغة التي يستخدمها. على الرغم من أنه يشير إلى ثقافة البوب الغربية وكتابها في الكتاب، إلا أن صوته أصلي. باستخدامه مثل هذا النثر، رخا هو زمَّار يقود القارئ إلى جحور الأرانب. الاتساق في هذا الصوت والموتيفات المتكررة في الكتاب تجعل القراءة متماسكة. وبتربيط هذه القصص بتاريخ الثورة المصرية الأخيرة وتداعياتها، فإنه ينقل حقيقة المجتمع المصري. لكن في الوقت نفسه، في المنعطفات الرائعة أو السريالية التي يكتبها، يغمز لك ليجعلك تعيد التفكير في تصوراتك.
