الحرب والعبث في قصص البطيخ لزين الأمين

20 مارس، 2023

هل هذه هي الطريقة التي تأكلين بها البطيخ؟ لزين الأمين
Radix Media 2022
الترقيم الدولي : 9781737718420

 

رنا عصفور

 

من خلال القصص القصيرة المنشورة بعنوان هل هذه هي الطريقة التي تأكلين بها البطيخ؟ يخطو مؤلف لبناني أمريكي في العالم المستكشف جيدًا لكتاب سابقين مثل أنتونين أرتود، صموئيل بيكيت، يوجين يونسكو، جان بول سارتر وبالطبع ألبير كامو، الذي وضع في أسطورة سيزيف (1942) نظريته عن العبث، التي وصفها أحد الكتاب بأنها مستمدة من "عدم جدوى البحث عن المعنى في عالم غير مفهوم". هنا ينشأ التوتر بين رغبتنا في النظام والمعنى والسعادة وبين رفض الكون غير المبالي لتحقيق ذلك. ومع ذلك، فإن الخيال، بغض النظر عن مدى سخافته أو سورياليته، يمكن أن نعده بطريقة ما استجابة للواقع في نهاية المطاف. في مجموعة زين الأمين القصصية النحيلة الأولى، حيث الحرب والصدمة هما المشهد الدائم، أصبح الخط الفاصل بين الواقع والخيال أكثر ضبابية من أي وقت مضى، ما يضمن قراءة خالية من الراحة الناتجة عن التخيل الخالص. فور بدء الكتاب، نتعامل مع العبثية التي يتميز بها الأمين:

في يوليو من العام 2006، غزت إسرائيل جنوب لبنان في عملية عسكرية سميت "أمطار الصيف". أراد الجيش الإسرائيلي دائمًا إظهار براعته الأدبية للقوى الغربية من خلال إضافة إشارات أدبية على عملياتهم العسكرية، إحدى العمليات السابقة سميت فعليًا "عناقيد الغضب". تكمن الشاعرية هنا في حقيقة أن الأمطار لا تهطل أبدًا في لبنان صيفًا. في الواقع، يقتصر هطول المطر على أشهر الشتاء. لذا فإن تعبير "مطر الصيف" هو مجاز للقصف الشامل المخطط له.

هل هذه هي الطريقة التي تأكلين بها البطيخ؟ من إصدارات Radix Media

مجموعة القصص، الفائزة بجائزة Megaphone للعام 2021 (جائزة الأصوات الخاصة سابقًا) من إصدارات Radix Media ، هل هذه هي الطريقة التي تأكل بها البطيخ؟ تتألف من سبع قصص تدور أحداثها في الثمانينيات في جنوب لبنان والمملكة العربية السعودية والبحرين والولايات المتحدة. كل قصة تتألق بالكثير من اللمسات الأصيلة فيما يتعلق بالتضاريس والشخصيات، لجعلها قابلة للتصديق مع توسيع الحدود إلى أقصى حد بما يكفي لجذب الخيال. في القصة التي تحمل عنوان المجموعة "هل هذه هي الطريقة التي تأكل بها البطيخ؟" غسان، الذي أثار سلوكه (يغتنم يومه) غضب عائلته وسَحَر زوجتيه، يدخل أخيرًا المستشفى بسبب الفشل الكلوي من بين أزمات صحية أخرى، بسبب سلوكه هذا بالذات. غسان شخص مؤذ بشكل لا يمكن إصلاحه، سواء أكان في المنزل عابثًا مع أطفاله، أو متجولًا في البرية بين العقارب وخلايا النحل والثعابين، فإن تصرفات غسان الغريبة تسبب له جميع أنواع المشاكل. في إحدى المرات، يشعر بالرعب عندما يتأكد أن أحد دعاباته الإشكالية كانت شبه كارثية بالنسبة إلى ابنته الحبيبة.

حدث هذا بعد ظهر يوم يونيو حار وجاف لكنه محتمل... نظر غسان إلى الأعلى ورأى هدى تقضم على طول الجزء العلوي من شريحة حمراء على شكل نصف دائرة تجعل وجهها صغيرًا للغاية.

سألها: "هل هذه هي الطريقة التي تأكلين بها البطيخ؟". نظرت إليه في حيرة وانتظرت التوضيح.

كرر: "هل هذه هي الطريقة التي تأكلين بها البطيخ؟". بدأت تقلق، لأنه لم يكن يستخدم كلماته المعتادة للتحبب.

ثم أضاف: "هل تأكلينه هكذا؟" وقلد طريقة قضمها. نظرت هدى إلى والدتها طلبًا للمساعدة وفوجئت أنها تضحك.

"هل تأكلين شريحة كبيرة من البطيخ مثل طائر، هكذا: هم هم هم؟" نقر على شريحته بأنفه رافعًا خنصره.

فجأة ابتسمت هدى دافعة غسان للشرح: "عليكِ أن تأكلينه هكذا، مثل الماعز"، وضبط غسان نفسه على وضع الآلة الكاتبة، يقضم بعنف الشريحة من طرف إلى آخر، وبذور البطيخ تتطاير يمينًا ويسارًا. لذلك أخذت ابنة أبيها توصيته بحذافيرها وقلدته، وضعت وجهها بالكامل في شريحة البطيخ، وملأت فمها وأنفها بها، وحفرت أعمق حتى انحنت القشرة حول وجهها. نظرت إلى والدها بابتسامة حمراء طويلة امتدت إلى أذنيها، وبذور البطيخ عالقة في شعرها. كافأها مربِّتًا على ظهرها وقبَّل رأسها.

عندما تعاني هدى لاحقًا من صعوبة في التنفس وتؤخذ إلى الطبيب، أصيب غسان بالرعب عندما قيل له أن بذرة بطيخ استقرت في أنفها. كانت البذرة قد أخذت تنبت وكانت تخنقها ببطء. لا يزال غسان مقتنعًا تمامًا بأنه لا يُقهر، متعجرف بإيمانه بأن كل شيء قدري، حتى يصبح الملاذ الوحيد هو مواجهة حقيقة أنه فان، والحطام الباقي في أعقاب دعاباته.

في نهاية المطاف، يزعج التحذير من الحقيقة القارئ عندما يتأمل المرء في ماضي لبنان الدموي المتقلب وحاضره المضطرب. فجأة، ينهار الحاجز بين الخيال والواقع، ومثل الأطفال في قصة "طيور الأشرفية"، يتناوب المرء بين "غثيان الصدمة والشعور الجميل بالتضامن" لبلد يعاني اليوم من انهيار مالي تام، وجبهة جنوبية لا تزال عالقة في حرب مستمرة مع إسرائيل، في العام 2022 حيث استخدم الجيش الإسرائيلي طائراته الحربية للمرة الأولى لقصف لبنان لبنان منذ العام 2006.

القصة الافتتاحية، "شريفة وحزب الله"، هي حكاية عن عمته الغريبة شريفة، التي تعيش في دير كيف في جنوب لبنان. شريفة: "امرأة صغيرة متوترة دائمًا يتدفق الملح في عروقها"، هي مدخنة شرهة. في العام 2006 تواصل إسرائيل عمليتها الهزلية "أمطار الصيف"، التي تهدف إلى قصف الجنوب قصفًا كثيفًا لمدة 72 ساعة لهزيمة المقاومة الشعبية التي "طردتهم من البلد في مطلع الألفية". فر جميع أفراد عائلة شريفة إلى بيروت بعد عدة محاولات فاشلة لإقناعها بالذهاب معهم. تُركت وحدها لتدافع عن نفسها، سرعان ما نفدت السجائر وأطلقت قصيدة من اللعنات ضد مصيرها، الشيطان، الصينيين، وبعد ذلك، ضد نفسها عندما تجد أنها لعنت كل شيء. عندما وصل القصف الإسرائيلي إلى ذروته ومرت مجموعة من اللبنانيين بمنزلها في طريقهم للبحث عن مأوى خارج المدينة، طلبت مساعدتهم لتشتري سجائر. لأسباب تتعلق بالسلامة يرفضون مساعدتها فتغضب.

"تقولون حزب الله؟ إنه أشبه بحزب الشيطان! تفضلوا، هيا". تشير بالمصباح مثل رجل يوجه طائرة إلى مدرج الهبوط. تهمس: "سيروا إلى جهنم الحمراء، لا أهتم! لولا هذه الكارثة التي أوصلتنا إليها لما كنت بلا سجائر... الله يلعنكم جميعًا، لم تعد هناك إنسانية في هذا العالم".

في "أرسل تحياتي إلى أمك"، يُحبس راوي أميركي شيعي لبناني شاب وهادئ (اختار المؤلف أن يمنحه اسمه) في سجن بحريني عندما يُقبض عليه في المكان الخطأ في الوقت الخطأ. كان الشاب في زيارة من الظهران حيث كان والده يعمل مقاولًا في قاعدة عسكرية أمريكية. تتأرجح القصة بين سخافة سذاجته وفظاظة خاطفيه، إلى أن تصل إلى الصدمة النهائية التي يتركها الحادث. يضرب رعب مأزقه بيته، ويتوقف أخيرًا عن تدوين الملاحظات الذهنية لجلسات سرد القصص مع أصدقائه عندما يُطلب منه حمل لافتة مكتوب عليها اسم ورقم و"إرهابي مشتبه به":

"أخرج ما في جيوبك".

ترددت. لأني شاهدت الكثير من مسلسلات الجريمة الأمريكية، كان ردي الأول هو طلب مكالمة هاتفية. قلت فعليًا: "يحق لي تلقي مكالمة هاتفية".

ابتسم في وجهي: "أوه، نعم، سوف تتلقى مكالمتك. يمكنك الاتصال بمن تريد".

كانت مفاصلي تتراخى، من المرفقين إلى الركبتين. لم يكن معي الكثير، بضعة دنانير بحرينية لتناول طعام الغداء، وبطاقة هوية القاعدة العسكرية الموثوق بها، التي شعرت أنها تذكرتي الوحيدة للخروج من هنا، وبقايا محارم ورقية مضغوطة. فحص جيوب السراويل القصيرة ودفعها نحوي. "يمكنك الاحتفاظ بهذا"، قال وأعاد السراويل القصيرة.

في القصة ، يتم احتجاز الشباب في ظروف قذرة لمدة ستة أيام مع السجناء الذين سجنوا بلا تهمة لمدة لا تقل عن ستة أشهر. هناك يتلقى تعليمًا وكأنه يبلغ سن الرشد، حيث: "رؤية رجل مقيد بالسلاسل يصلي لا تسمح بأي مجال للسخرية". حيث تحدث الرجال الذين تعرضوا لمعاملة وحشية عن عائلاتهم: "في الزمن الماضي، وليس في الحاضر، وبالتأكيد ليس في المستقبل"، وحيث كان الصمود هو النظام اليومي. عندما يكون محظوظًا أخيرًا ويعود إلى عائلته، يسمع إحدى الزائرات تخبر أخرى أن التجربة كادت أن تقتل والدته. "نعم"، يؤكد والده، "لقد كادوا يقتلون والدتك". ومع ذلك، بعد سنوات من الحادث، نجد أن الراوي لا يتذكر والدته في ذلك اليوم، وقد اختار في الواقع علاج صدمته باللامبالاة والمحو، بدلًا من التعامل مع الألم والغضب اللذين لا يزالان يتفجران داخله.

"ربما تكون مفقودة لأنها مرضت بعد أشهر وتوفيت في غضون عام من ذلك اليوم، بسبب سرطان الرئة، عن عمر يناهز 53 سنة. ربما كان ذلك اليوم هو ما ربط موتها بسجني. ربما أريد قطع هذا الاتصال. ربما لا أريد أن يتحمل هذا الطفل الذي يرتدي سرواله القصير، جاهلًا بعواقب أفعاله والمشي أثناء النوم خلال شبابه، أي مسؤولية عن التفكك الذي أنهى حياة أكثر امرأة أحبها، وأكثر امرأة أحبته. ربما بدأ الغضب الذي يغلي تحت جلدي اليوم، ذلك الاضطراب المستمر، في اليوم الذي ربطت فيه أفعال تلك الحكومة القاتلة بمأساتي الشخصية. حقروا من شأنها حتى رحلت. ربما يكون ذلك اليوم هو اليوم الذي فقدت فيه أي قدر من الخوف الصحي".

على الرغم من الجانب المأساوي للقصة، وجدت أنها الأكثر تسلية وإمتاعًا في المجموعة، حتى علمت لاحقًا أن القصة مستندة إلى تجربة السجن الحقيقية للمؤلف، فلم تعد تبدو مضحك بعد الآن. في إحدى المقابلات، أخبر المؤلف زين جوخضر أن العديد من التفاصيل المذكورة في القصة صحيحة: "من السروال القصير الذي كان الشاب يحمله عندما تم إيقافه وحتى التيشيرت الذي كان يرتديه، كل هذا حقيقي. وصفت نفسي بدقة، أرتدي تيشيرت رُسم عليه قطتان مسطولتان جالستان على سلة مهملات، مكتوب عليه: "صحيح! نحن خطررر". يقول ضاحكًا: "لا يمكنك اختلاق خراء كهذا!".

في الواقع ، لن يكون القراء مخطئين ان ظنوا أن هل هذه هي الطريقة التي تأكل بها البطيخ؟ نوع من السيرة الذاتية الخيالية. إلى جانب السجن، تظهر أوجه تشابه أخرى بين المؤلف والقصص التي يرويها. أولًا، جميع الشخصيات الرئيسية تنحدر من الجنوب اللبناني، تمامًا مثل المؤلف. في "طيور الأشرفية"، الصبي الصغير الذي يتم انتقاؤه وفضحه بسبب لهجته في المدرسة الداخلية هو شيء مثير للقلق حدث للمؤلف في مدرسته، وقصة "زقزاق-صياح" هي انعكاس حرفي لمسار الأمين من مهندس إلى كاتب مبدع يختار بوعي النغمات السياسية في كتاباته تكريمًا لتراثه العربي وإرث الأشباح الذي وصل إليهم عن غير قصد. حتى القصة التي تحمل عنوان المجموعة تصورها المؤلف بعد أن حضر جنازة أحد معارفه، وفي قصة "العريس" يكتب المؤلف عن المملكة العربية السعودية حيث عاش أيضًا، من السعودية أيضًا تظهر قضايا الهيراركية والطبقة، وهي مصادر مادية تظهر في عدد من القصص.

إجمالًا، القصص السبع هي تصور لحكي قصصي متقنة وعاطفية عن الحرب، واليأس، والقلق في العالم المسالم الذي تسكنه بعض الشخصيات. ومع ذلك، توضح حكايات الأمين كيف يزعزع العنف استقرار الثقافات والأفراد، ويحطم الحقائق بعد فترة طويلة من حدوث الفعل العنيف نفسه، وبغض النظر عن المكان حيث ينتهي المطاف بالمصابين بصدمات نفسية لم يتم التعامل معها مستقرة في العقل الباطن والذاكرة.

تقف كل قصة مستقلة ومتعددة الطبقات ومعقدة، تتخللها تفاصيل صغيرة تضيء حياة شخصياتها. والنتيجة هي الكشف عن إفصاحات حنونة: امرأة عجوز وحيدة وتشعر بالوحدة تُركت لتدبر أمورها بنفسها، رجال تعرضوا للتعذيب ومسجونين إلى أجل غير مسمى بلا تهمة أو محاكمة وهم يتقاسمون حصصهم الغذائية الهزيلة مع المقيم الجديد في الزنزانة، كيف يصبح رجل يحتضر في القصة الرئيسية للمجموعة "يحب طعامه وشرابه وعائلته أو عائلته" رمزًا لمدينة تنهار تحت وطأة استهلاك سكانها الذي لا يهدأ، أطفال مصابون بصدمات نفسية يشيخون في ساعة واحدة، كيف أن رجلًا يرى الحياة كسلسلة من الحلقات السخيفة ينتهي به المطاف إلى العيش في نفس المدينة التي تصنع القنابل التي دمرت قريته ذات يوم، شاعر لبناني يكافح لإقناع جمهور غاضب يريد الحرب ولا يريد قصائده عن الحب (الجمال الطبيعي لنيوزيلندا) أنه ليس من "مسؤولية الشعر تسليط الضوء على الأحداث التي يختار العالم تجاهلها".

خادعة في بساطتها، القصص أيضًا مضحكة، مفجعة، آسرة، ومثيرة للتأمل، الطرافة والجمال سمتان رئيسيتان في القصص الأكثر كآبة. لا أحد يقدم استنتاجًا مرضيًا إلا واحدًا، وحتى ذلك ليس ما كان الراوي يتوقعه. هل هذه هي الطريقة التي تأكل بها البطيخ؟ هو عمل قصصي يتفوق في استكشافه الحميم للحالة الإنسانية التي يكون فيها العبث هو الوضع الطبيعي الجديد، حيث تصبح "هم" "نحن" وقديم الأدب والمعرفة تجربة ملزمة.

 

زين الأمين شاعر وكاتب لبناني المولد. حاصل على ماجستير في الشعر من جامعة ميريلاند. ظهرت قصائده في Wild River Review و Folio و Beltway Quarterly و Foreign Policy In Focus و CityLit و Graylit و Split This Rock و Penumbra و DC Poets Against The War: An Anthology و Ghostfishing: An Eco-Justice Poetry Anthology. تم مؤخرًا ترشيح مخطوطته الشعرية الأخيرة "دليل سفر للمنفيين" لجائزة بيرجمان، كانت إحدى المحكمات في تلك الجائزة عليها لويز جلوك. ظهرت قصصه القصيرة في Uno Mas, Jadaliyya, Middle East Report, Wild River Review, About Place Journal, and Bound Off.

رنا عصفور هي مديرة تحرير مجلة "المركز"، وكاتبة مستقلة وناقدة كتب ومترجمة. ظهرت أعمالها في منشورات مثل مجلة مدام وصحيفة الجارديان في المملكة المتحدة وذا ناشيونال / الإمارات العربية المتحدة. وهي تترأس مجموعة الكتب باللغة الإنجليزية في مجلة المركز، التي تجتمع عبر الإنترنت في يوم الأحد الأخير من كل شهر. إنها تغرد @bookfabulous.

كتاب عرببيروتشتات كتاب حرب لبنانيةقصص قصيرة صدمة بطيخ

اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *