ملحمة كوستا برافا لمونيا عقل، لبنان

١ مايو، ٢٠٢٣

تعرض الفيلم لتحديات كثيرة، واكتماله يكاد يكون معجزة. "أعتقد أن صنع الفيلم أصبح بمثابة مقاومة". مونيا عقل، مخرجة.

 

ميرا سانثانام

 

"لبنان، في المستقبل القريب"، هذا هو التعليق الافتتاحي لفيلم مونيا عقل كوستا برافا، لبنان. تظهر المفارقة في هذا التعليق على الفور تقريبًا، حيث نسمع صافرات الإنذار تنطلق في الخلفية، والأصوات الغامضة التي تصدر التعليمات من خلال نظام الاتصال الداخلي، وقعقعة شاحنة القمامة. ببطء، تتحرك الكاميرا عبر مرفأ بيروت، وتكشف عن رجل يرتدي قناعًا، وعن الأضواء المتلألئة لخليج الزيتونة، وعن صورة ظلية لصوامع الحبوب المشتعلة؛ شهادة حية على الأضرار التي أحدثها انفجار المرفأ في أغسطس/آب 2020.

هذه الصورة الكئيبة ليست خيالية. يحمل لبنان "المستقبلي القريب" حسب رؤية عقل تشابهًا مشؤومًا مع لبنان الحاضر، حيث تذكرنا المشاهد الافتتاحية للفيلم بشكل صارخ بـ 218 شخصًا ماتوا بسبب انفجار بيروت الذي يُعد أكبر انفجار غير نووي في التاريخ، كما أدى إلى إصابة 7000 آخرين وتشريد أكثر من 300000 شخص، بالإضافة إلى تدمير نصف المدينة. في أقل من دقيقة، علمنا أن هذا الفيلم ليس ديستوبيا خيالية. يشير قناع الوجه في اللقطة الافتتاحية إلى الأزمات العديدة التي تؤثر على لبنان اليوم، بداية من جائحة كوفيد وحتى أزمة النفايات والانهيار الاقتصادي في البلاد.

من الجاني؟ الفيلم الذي لا لبس فيه يسلط الضوء على رائحة الفساد لأنه يتتبع قصة عائلة بدري، التي هربت من تلوث بيروت إلى الجبال، يجب أن تقرر العائلة ما إذا كانت ستبقى أم ستغادر عندما تقرر الحكومة بناء مكب نفايات بجوار مسكنها المثالي إلى جانب التل.

"تدور أحداث كوستا برافا، لبنان في العام 2030، لكن واقع البلد تدهور كثيرًا لدرجة أن الواقع المرير الذي كتبته كان أجمل من واقع البلد الحالي"، قالت لي عقل أثناء احتساء القهوة مساء العرض الأول للفيلم في بيروت. "لذلك ألغيت ذلك فحسب، وقلت إنه فيلم يتحدث عن الزمن الحالي".

 

مشهد الأزمة

عُرض كوستا برافا، لبنان لأول مرة في مهرجان البندقية السينمائي في سبتمبر 2021، ثم صار متاحًا على نتفليكس في نوفمبر 2022، سميَ الفيلم على اسم مكب النفاية "كوستا برافا" في بيروت، الذي افتتحته الحكومة اللبنانية في العام 2016 في محاولة للتعامل مع أزمة النفايات المتفاقمة. إنه أول فيلم روائي طويل للمخرجة اللبنانية مونيا عقل، كما رُشح لجوائز الأوسكار في العام 2022.

مع ذلك، فإن الفيلم كاد ألا يكون. عندما انفجرت كمية كبيرة من نيترات الأمونيوم المخزنة في مرفأ بيروت في 4 آب/أغسطس 2020، ما أسفر عن مقتل أكثر من مئتي شخص وتدمير المدينة، كادت عقل أن تلغي كل شيء. عندما وقع الانفجار كانت في مكتبها في الجميزة، تعمل على مرحلة ما قبل الإنتاج للفيلم مع طاقمها. وفي غضون ثوان تغير كل شيء.

"لقد انتقلنا من اجتماع إبداعي مليء بالعاطفة والحب والإثارة إلى البحث عن بعضنا البعض تحت الأنقاض، متسائلين عما إذا كنا جميعًا قد نجحنا في الخروج أحياء"، قالت عقل في حديث برعاية TED Talk العام الماضي. بينما نجا جميع أفراد الطاقم، كاد المصور السينمائي جو أن يفقد عينه، وأصيب كثيرون آخرون بجروح أيضًا. روت في حديثها عن المشي في الخارج يوم الانفجار "شعرت وكأنني أسير في موقع تصوير فيلم لا أريد إخراجه أو أن أكون جزءًا منه. كيف يمكنك حتى التفكير في أن تكون مبدعًا أو تصنع أي شيء في لحظة تشعر فيها وكأنك تعيش في الجحيم؟".

 

 

قررت عقل وطاقمها إيقاف العمل على الفيلم مؤقتًا، واستسلموا شهرين للحزن والعلاج وإعادة تقييم ما إذا كانوا سيمضون قدمًا في المشروع بعد الانفجار أم لا. لم يسفر الانفجار عن مقتل 218 شخصًا وجرح 7000 آخرين فحسب، بل كان له أيضًا تأثير مادي مدمر على بيروت، حيث ألحق أضرارًا بحوالي 80 ألف شقة (وشرَّد سكانها)، ووفقًا لتقديرات البنك الدولي، تسبب في أضرار مادية تزيد عن أربعة مليارات دولار أمريكي، ما أدى إلى تفاقم الأزمة المالية في لبنان. بالإضافة إلى ذلك، سبب الانفجار خسائر نفسية هائلة، حيث تشير الدراسات إلى أن ما يقرب من ثلثي الناجين من الانفجار يعانون من اضطراب ما بعد الصدمة.

 

المثابرة بعد الانفجار

على الرغم من الصعاب المتزايدة، قررت عقل الاستمرار في العمل على الفيلم. أخبرتني: "كان الأمر أشبه بغريزة البقاء على قيد الحياة. كان هناك شيء ما يقودني. لا أعرف ما إذا كنت أهرب من مواجهة صدمة الاقتراب من الموت واضطراري إلى السير قرب مدينة مدمرة مليئة بالجثث".

مع ذلك فقد تجاوزت صناعة الفيلم النجاة الفردية. "أعتقد أن صنع الفيلم أصبح فعل مقاومة"، أوضحت عقل. بعد أن فقدت أحباءها وجزءًا كبيرًا من مدينتها، وصفت عقل كوستا برافا بأنه رسالة حب ما موجهة إلى بيروت، ورفضت السماح للأزمات العديدة التي يعاني منها لبنان بأن تنتزع منها شغفها.

قالت عقل: "لو لم أنتهي من صنع الفيلم، لكنت خسرت كل شيء، في اللحظة التي كان فيها الوجود وكأنه فعل المقاومة، شعرنا أن صنع هذا الفيلم كان مهمًا للغاية لأنه يعني استعادة قدرتنا على الفعل، والشعور بأنهم لم يأخذوا كل شيء منا".

كان صنع الفيلم أيضًا وسيلة للتمسك بالأمل في وقت بدا فيه الأمل شبه مستحيل. قالت لي عقل: "معظم الناس [الذين عملوا في كوستا برافا، لبنان] أرادوا واحتاجوا إلى العمل على الفيلم، لأنهم شعروا بالتالي: نحن بحاجة إلى أن يكون لدينا سبب للاستيقاظ في الصباح، والعمل الإبداعي يمنح تلك الطاقة". ساعد الفيلم أيضًا على استعادة التواصل في أعقاب الانفجار. "في الوقت الذي أصبحت فيه مجتمعاتنا أكثر هشاشة وبلا حب، تمكنا من إعادة خلق [...] الدفء والحب والسحر".

قالت عقل إن جيانا وسيانا رستم، التوأمان اللذان يتشاركان دور ريم، العضو الأصغر والأكثر صراحة في عائلة بدري، كانا أيضًا تذكيرًا بالبقاء متفائلين، والتمسك بشعور من الدهشة على الرغم من الوضع الحالي في لبنان.

تحديات صناعة الأفلام

لم يكن العمل على كوستا برافا بعد الانفجار - وفي خضم الأزمة البيئية المستمرة والأزمة المالية وجائحة كوفيد في لبنان - بلا تحديات. في حين اختار غالبية الممثلين وطاقم العمل الاستمرار، قرر شخص واحد عدم الاستمرار في المشروع، متأثرًا بصدمة الانفجار.

ذكرت عقل نفسها أنه على الرغم من أن تصوير الفيلم كان بمثابة علاج، إلا أنها لا تزال بحاجة إلى التعافي من صدمة الانفجار بعد اكتمال التصوير. "عندما انتهيت من الفيلم انهرت تمامًا، لأن جسدي أخبرني أنني قمعت هذا لفترة طويلة... لكن الآن عليكِ أن تنهاري قليلًا".

كما أن صنع الفيلم أثناء الأزمة في لبنان فرض تحديات براجماتية خاصة به. "أعتقد أن التحديات التي نواجهها ليست تحديات إبداعية للأسف. إنها مرتبطة ببلد ينهار ولا يدعم فنانيه".

عندما سُئلت عما إذا كانت تواجه أي تحديات كمخرجة على وجه التحديد، اعترفت عقل بتأثير النظام الأبوي، لكنها سلطت الضوء على أن تحدياتها في لبنان هي تحديات عملية في المقام الأول، تؤثر على الرجال والنساء على حد سواء. "التحديات التي كان عليَّ مواجهتها لا تتعلق بنوعي الاجتماعي. إنها مرتبطة بإنسانيتي ... [و] بالنظام الفاسد الذي نعيش فيه".

 

دور التناقض في لبنان

قد يبدو إنتاج فيلم في خضم كارثة بيئية وكأنه عملًا يحوى تناقضًا ما، لكن هذا التناقض بالذات هو الذي يحدد كوستا برافا، لبنان ولبنان نفسه. "لبنان مكان [...] يتعايش فيه الأمل واليأس بطرق غريبة حقًا. إنه أيضًا مكان لا ينفصل فيه الفرح عن الأسى".

التعامل مع التناقض ليس جديدًا على عقل. ومن خلال العيش بين بيروت ونيويورك، تدرك أن الانقسامات شكلت علاقتها بلبنان نفسه. تقول: "الذي بيني وبين بلدي الأم شيء أعتز به، لكنه أيضًا عبء". نشأت في لبنان، وشعرت كما لو كانت دائمًا "على حافة الهاوية". تقول: "نحن نعيش كل يوم كما لو كان آخر أيامنا".

تتكرر هذه التناقضات طوال الفيلم. ثريا (نادين لبكي) ووليد (صالح بكري)، بطلا الفيلم، يجسدان الثنائيات ويناقشان باستمرار عن ما إذا كانا سيبقيان أو سيغادران بعد أن أعلنت السلطات أنها تبني مكبًا للنفايات في الفناء الخلفي لمنزلهما الجبلي الريفي. تتوق ثريا للعودة إلى بيروت، حيث كانت مغنية مشهورة، بينما يصر وليد على البقاء في الريف، وهو أيضًا يحب ما كانت عليه بيروت أثناء مواجهة التلوث والقمامة التي تناثرت في شوارعها، في إشارة إلى أزمة النفايات في لبنان العام 2015.

تواجه لبكي وبكري شكلًا مختلفًا من هذا النقاش في حياتهما الخاصة. قالت لبكي، وهي مخرجة لبنانية مشهورة دوليًا، إنها ترى في الفيلم تكريمًا لكل شخص يواجه معضلة مغادرة لبنان أو البقاء فيه اليوم، وإنها تتماهى مع شخصية ثريا. في الواقع، كما تفعل ثريا، تقضي لبكي جزءًا من العام مع عائلتها في كوخ في الريف، حيث تزرع منتجاتها الخاصة، بالإضافة إلى دجاجها، وتصنع الجبن من الصفر.

"كل شخص غادر البلد يشعر بنفس الصراع"، قالت لبكي في حلقة نقاش عن الفيلم. "هل نعود ونكون جزءًا من التغيير ونحاول المقاومة قدر الإمكان، أم نختار إنقاذ أنفسنا وعائلاتنا وأطفالنا بالابتعاد؟" تسأل لبكي، ويندمج صوتها مع صوت ثريا.

يتصدى بكري، الممثل الفلسطيني الشهير، لنفس السؤال فيما يتعلق بوطنه. قال: "بالنسبة إليَّ، بيروت هي يافا. وهناك أمر يشغلني طوال الوقت: المغادرة... البقاء... البقاء... المغادرة".

ثريا ووليد ليسا الشخصيتين الوحيدتين اللتين تعانيان من الازدواجية في الفيلم. أوضحت عقل كيف تتصارع كل شخصية في القصة مع تناقضاتها الخاصة. قالت عن ريم: "لديك فتاة صغيرة حرة تمامًا ولكنها في الواقع محاصرة تمامًا". قالت عن زينة (ليليان شاكر خوري)، والدة وليد: "لديك جدة مليئة بالحياة ولكنها في نفس الوقت تحتضر".

قالت لي عقل: "لقد أصبحت التناقضات جزءًا من نظام حياتنا كبشر، كل واحد منا لديه هذا الانقسام بداخلنا". يتحدث كل من شخصيات الفيلم وطاقم إنتاجه عن ذلك.

 

العالم المصغر للعائلة

في نهاية المطاف، كوستا برافا، لبنان هو فيلم عن الأسرة يروى من خلال عدسة البيئة. في حين أنه في الأساس فيلم عن القمامة – يشرح بالتفصيل الآثار المتبقية لأزمة النفايات في لبنان العام 2015، والتي لا تدفع عائلة بدري إلى الخروج من بيروت فحسب، بل تتبعهم إلى الريف – إلا أنه يصف العائلة كنموذج مصغر للتوترات البيئية والسياسية الأوسع التي تواجه لبنان اليوم.

تصف عقل الأسرة بأنها "مرآة للمجتمع" الذي "تتجذر فيه الشخصيات". ومع تصاعد الضغوط البيئية، تتصاعد التوترات داخل عائلة بدري، حيث يهدد البناء المقترح لمكب النفايات بجوار منزلهم الواقع على جانب التل انسجامهم الثمين ولكن غير المستقر على الإطلاق.

"أردت أن أرى البلد من خلال العائلة"، أوضحت لي عقل. وأضافت: "من خلال النظر إلى هذه العائلة، من خلال النظر إلى الداخل، فأنت في الواقع تنظر إلى العالم".

في الواقع، من خلال تأمل عائلتها، توصلت عقل لأول مرة إلى فكرة الفيلم. قالت: "كاتب السيناريو بداخلي ولد بسبب مراقبة عائلتي". وتابعت: "كنت مهتمة جدًا بالحديث عن كيف أنه من خلال مراقبة عائلتك، فإنك تراقب مجتمعك بالفعل".

أثناء نشأتها، قضت عقل الكثير من الوقت في المنزل بسبب الوضع السياسي في لبنان. عندما كانت فتاة صغيرة، أدركت أنها لا تستطيع فصل أحداث العالم الخارجي عن الأحداث في منزلها. قالت: "شعرت دائمًا أن الصراعات التي كانت في المنزل كانت مرتبطة دائمًا بمدى توترك بسبب ما يحدث في الخارج".

قالت: "ضغط الخارج يخلق الانفجارات في الداخل"، وكوستا برافا يخلق انفجارات حقًا.

عقل ليست غريبة على كتابة القصص التي تتناول الأسرة والبيئة على حد سواء. كما يناقش فيلمها القصير الغواصة، الذي عُرض في مهرجان كان السينمائي في العام 2016، هذا التوتر، ويحكي قصة هالة؛ شابة لبنانية لا تستطيع حمل نفسها على المغادرة عندما تضطر إلى إخلاء منزلها بسبب أزمة النفايات في البلاد. بعد الانتهاء من الغواصة، أدركت عقل أن لديها المزيد لتحكيه، ما ألهمها كتابة كوستا برافا، لبنان.

احتجاج آخر في بيروت (الصورة ميرا سانثانام).

 

"طلعت ريحتكم": أزمة النفايات في لبنان

بينما يركز فيلم عقل على البيئة، تظل سياساته واضحة بشكل لا لبس فيه.

قالت عقل: "وجودنا في لبنان سياسي بطبيعته". في الواقع، كان "طلعت ريحتكم" اسم الحملة ضد الفساد التي انطلقت في لبنان في أعقاب أزمة النفايات في العام 2015، والتي حشدت أكثر من 20,000 لبناني للنزول إلى الشوارع للمطالبة بمزيد من المساءلة الحكومية بخصوص معالجة أزمة النفايات.

"عندما بدأت [أزمة النفايات] لأول مرة، لم يكن بإمكانك المشي [...] في الشوارع لأن الرائحة كانت فظيعة جدًا"، أخبرتني برونا حداد، المنتجة الطموحة وطالبة السينما اللبنانية البالغة من العمر 22 عامًا، في مساء عرض الفيلم الأول في بيروت.

وصفت عقل أيضًا الغضب الذي شعرت به وهي تشاهد المناظر الطبيعية المفضلة لديها في بيروت "مدمرة تمامًا بالقمامة".

قالت لي: "أزمة القمامة هي أزمة بيئية، لكنها أيضا أزمة فساد". في كوستا برافا، لبنان "أحاول التحدث عن العلاقة المباشرة بين نظامنا الفاسد وحكومتنا الفاسدة وتدمير كوكبنا".

إن إنتاج الفيلم في أعقاب انفجار العام 2020 يناقش هذا أيضًا. "لم تكن هناك مساءلة حتى الآن عما حدث، على الرغم من أنه كان نتيجة سنوات من سوء الإدارة السياسية والفساد"، قالت عقل عن الانفجار في TED Talk.

 

التحول إلى الأخضر

ومع ذلك، فإن كوستا برافا، لبنان ليست مهتمة بالنقد فحسب. قررت عقل، جنبًا إلى جنب مع منتجة الفيلم ميريام ساسين تصوير الفيلم بطريقة "مستدامة"، آخذة رسالة الفيلم على محمل الجد. دخل الفريق في شراكة مع Beirut DC، وهي منظمة مكرسة لدعم صانعي الأفلام العرب، ومبادرة Good Pitch، وهي مبادرة تهدف إلى بناء شراكات بين الأفلام والمجتمع المدني لإحداث تغيير اجتماعي، لتنفيذ "التصوير الصديق للبيئة".

في حين أن Good Pitch عادة ما تشارك فقط في الأفلام الوثائقية، أقنعت عقل وساسين المبادرة بالمشاركة في كوستا برافا، لبنان.

"اعتقدت أنا ومونيا أنه من المستحيل إنتاج فيلم يدافع عن البيئة والحد من النفايات وتصويره بطريقة من شأنها أن تخلق المزيد من التلوث"، قالت ساسين في ندوة "Arab Films Go Green".  ووصفت أزمة النفايات لعام 2015 بأنها "صفعة جعلتنا أكثر وعيًا بحالة الطوارئ المتمثلة في رعاية بلدنا بيئيًا".

كان فيلم كوستا برافا، لبنان أول فيلم روائي طويل في الشرق الأوسط يصور بطريقة صديقة للبيئة بالكامل، حيث وضع ونفذ أول بروتوكول صديق للبيئة في المنطقة بالتعاون مع Beirut DC وGreener Screen. يقدم الدليل (البروتوكول) عددًا كبيرًا من الحلول الصديقة للبيئة للمنتجين، بالإضافة إلى نصائح بخصوص كل التفاصيل، بدءًا من مكان العثور على الصابون الصديق للبيئة إلى قائمة البائعين في لبنان الذين يوفرون أدوات قابلة لإعادة الاستخدام.

"قرر كوستا برافا أن يدافع عن الكوكب على الشاشة وخارجها"، كما يقول بسام الأسد المؤسس المشارك لـ Greener Screen. استأجر الفيلم وشركاؤه مديرين بيئيين وعملوا مع شركات تقديم الطعام لاستخدام أدوات المائدة القابلة لإعادة الاستخدام، وتوفير أقنعة قابلة لإعادة الاستخدام، وإعادة استخدام الملابس، وتقليل النفايات بطريقة أخرى (قالت ساسين مازحة إنها انتقدت أولئك الذين أحضروا الزجاجات البلاستيكية في موقع التصوير). بالإضافة إلى الالتزام بشعار "لا ضرر ولا ضرار"، وجد الفريق شخصًا يعيش بالفعل بشكل مستدام في الريف اللبناني، ويعد طريقة عيش عائلة بدري مثلًا أعلى بالنسبة له. كما عملت الحملة مع الأطفال لنشر الوعي بالقضايا البيئية بين الجيل القادم من اللبنانيين.

تقول ساسين إن التصوير بطريقة صديقة للبيئة أدى في الواقع إلى خفض تكاليف الإنتاج. "سيُدهشك ما يُنفق على ورق التواليت والمناديل الورقية أثناء تصوير فيلم"، قالت ساخرة. "نحن بحاجة إلى إخبار المنتجين أن [التصوير الصديق للبيئة] يتم بسهولة وأنه لا يكلف الكثير من المال".

 

تحدي النظام الأبوي من خلال الأفلام

كوستا برافا، لبنان هو فيلم نسوي بقدر ما هو فيلم بيئي.

في حين سلط الكثيرون الضوء على عدم المساواة بين الجنسين في صناعة السينما في جميع أنحاء العالم، تستشهد المخرجة عقل بمواقع تصوير أفلامها كمكان للجوء. قالت: "بصفتي امرأة، كان عليَّ أن أواجه تصدعات النظام الأبوي وكان علي التعامل مع الكثير، ولكن بصفتي صانعة أفلام، كانت فقاعة صناعة الأفلام في الواقع فقاعة أمان".

لقد وجدت في طواقم أفلامها آخرين ملتزمين بتحدي الظلم وإعادة تصور ما يجب أن يبدو عليه العالم، يفعلون ذلك رويدًا رويدًا. وأوضحت: "لطالما شعرت بالأمان الشديد في بيئة طواقم الأفلام الخاصة بي لأنها مكونة من أشخاص يحاولون التشكيك في الوضع الراهن، لذا فهم ليسوا جزءًا من هذا النظام الأبوي الفاسد".

تقول عقل إن هذا ينطبق على صناعة السينما اللبنانية بشكل عام. "عندما تعمل مخرجًا في لبنان، لا تفعل ذلك لأنك تريد أن تكون مليونيرًا. أنت تفعل ذلك لتروي الحكايات". هذا يميل إلى جذب أشخاص بعينهم، وكثير منهم نساء.

ومع ذلك، وفقًا لعقل، فإن العمل كمخرجة أفلام في لبنان أمر لا يخلو من التحديات. تقول: "أشعر أحيانًا أن الآخرين ينظرون إليَّ من الخارج نظرة غرائبية"، مشيرة إلى أنها غالبًا ما تُوصف بأنها "صانعة أفلام عربية".

قالت: "أنا صانعة أفلام. أفضل التمسك بذلك. لكنني أفهم أن هناك أصل لي. أنا فقط لا أريد أن يكون هذا الأصل هو الشيء الوحيد الذي يحدد كيف ينظر الآخرون إلى فيلمي. أفضل أن يُنظر إلى فيلمي على أنه مجرد فيلم".

تقول عقل إن صانعات الأفلام في لبنان يجب أن يتعاملن أيضًا مع المفاهيم الجندرية الخاطئة بخصوص نجاحهن. تقول: "نحن نعيش في نظام أبوي يجعلك تشعرين وكأنك محظوظة لوجودك حيث أنت كامرأة. كل ما تفعلينه يرافقه شعور وكأنه إنجاز ما، حتى يأتي اليوم الذي تدركين فيه أنه لا ينبغي أن يظهر هذا الشعور".

تحارب شخصيات كوستا برافا هذه الافتراضات الجندرية أيضًا. تقول عقل: "كل شخصية في الفيلم تقاتل ضد النظام الأبوي، حتى الرجل... الذي وقع في فخ فكرة عما يجب أن يكون عليه الرجل".

عند تقديم ملاحظاتهم على النص، قال العديد من القراء لعقل إن وليد، زوج ثريا، يجب أن يكون نشطًا أكثر في محاولة إنقاذ عائلته.

أجابت عقل: "لماذا؟ لماذا يفترض أن ينقذ الرجل عائلته؟ لماذا يُوضع تحت ضغط كبير؟".

تقول عقل: "تحاول كل شخصية في الفيلم التحرر من سجن تم تحديده لها". الأب، وليد، محب أحيانًا وفي بعض الأحيان قمعي ومسيطر، هو في الحقيقة مشلول بسبب خوفه وألمه.

تقاتل النساء في الفيلم شياطينهن أيضًا. بالنسبة إلى تالا (نادية شربل)، ابنة عائلة بدري المراهقة، تقول عقل إن منزل العائلة الجبلي المثالي أصبح في الواقع "سجنًا في الهواء الطلق"، لأنها لا تملك مساحة لتكون حرة، مجبرة على العيش في واقع اختاره والدها.

أما ريم، الابنة الصغرى للعائلة، فهي محاصرة بمخاوف والديها، وترث قلق والدها الذي يترجم إلى قهر مستمر.

ثريا، البطلة، على حد تعبير عقل: "شخصية تفهم أنها ربما ضحت بالكثير". تقول عقل: "إنها لا تريد أن تضطر إلى الاختيار بين حياتها المهنية وعائلتها". تشعر ثريا في بعض الأحيان بالاستياء من حقيقة أنها تخلت عن مهنة الغناء المبهرة لتعيش مع عائلتها في الجبال.

عقل ترى نفسها في كل منهن. تقول: "أنا كل واحدة من هذه الشخصيات".

 

معمار المنزل

لم تخطط عقل دائمًا لأن تصبح صانعة أفلام. قبل حصولها على درجة الماجستير في الإخراج وكتابة السيناريو في جامعة كولومبيا، درست الهندسة المعمارية، وحصلت على درجة البكالوريوس من الأكاديمية اللبنانية للفنون الجميلة في بيروت.

"قبل متابعة أحلامي الخاصة - كوني مخرجة أفلام - كنت ابنة مطيعة، فتاة جيدة، وحققت أحلام والدي"، قالت ضمن حديثها في TED Talk.

لكن بالنسبة لعقل، لم يكن الفيلم والهندسة المعمارية بالضرورة متناقضين بشكل متبادل. قالت: "أحببت الهندسة المعمارية لأن والديَّ، وهما من عشاق السينما، كانا في الواقع مهندسين معماريين". أثرت الهندسة المعمارية في صناعة أفلام عقل، وشجعتها على التفكير في الطرق التي تجسد بها المساحات إحساسًا بالمنزل.

تسأل عقل: "في عالم اليوم، المليء بعدم الاستقرار السياسي، والكوارث المناخية، حيث يتم تدمير مساحاتنا وتهديدها باستمرار، كيف يمكنك خلق شعور بالمنزل؟".

أعتقد أن هذا هو السؤال المركزي للفيلم، وهو سؤال مرتبط إلى حد كبير بدراسة عقل للعمارة.

لا يقدم كوستا برافا، لبنان صورة عذبة للأمل بقدر ما يقدم نظرة ثاقبة صريحة عن كيفية المضي قدمًا في إعادة بنائه في لحظة أزمة لا هوادة فيها. صنع هذا الفيلم دليل على مرونة الممثلين وطاقم العمل، الذين لم يتمكنوا فقط من العثور على طاقة إبداعية في خضم الكارثة، بل وجهوا تلك الطاقة إلى فيلم يتمسك بالأمل بينما يرفض رؤية لبنان من خلال منظار وردي.

حتى عندما تبدأ القمامة في التهام منزل عائلة بدري، وتلوين حمام السباحة الخاص بهم بلون أحمر دموي مشؤوم، تحتفظ الشخصيات بشعور أنهم مسيطرون. عندما تقترب القمامة مهددة إياهم بالاختناق، فإنهم يرفضون الاختناق، كل بطريقته الخاصة. سواء من خلال تبادل السجائر سرًا، أو اختلاس نظرة إلى مراهق محل الإعجاب، أو الرقص على موسيقى العمال في جلسة مرتجلة. يتمسك كل فرد من أفراد عائلة بدري بحيويته بطرق مختلفة ومتفاوتة.

ونتيجة لذلك، فإن كوستا برافا، لبنان يتعلق بالسياسة الدنيوية بقدر ما يتعلق بالبيئة. يظهر الفيلم في أقوى حالاته ليس بسبب تعليقاته البيئية العلنية، ولكن بسبب عرضه لأشكال المقاومة اليومية. إن دهشة تالا وهي تحاول ارتداء فستان جدتها الزمردي اللامع، وتعاطف وليد مع ريم بسبب نوبات الأذى التي تتعرض لها، وهمهمة جيتار ثريا الناعمة تبقى معنا لفترة طويلة بعد عرض أسماء العاملين في الفيلم.

"سرد القصة معًا أعطانا إحساسًا بالوطن مرة أخرى"، قالت عقل عن صنع الفيلم. أعتقد أن هذا العمل الجماعي هو أيضًا إجابة الفيلم عن كيفية البقاء على قيد الحياة في لبنان اليوم. إنه فيلم مفتون بالعائلة، أولًا وقبل كل شيء.

 

تم دعم كتابة هذه المقالة من قبل Pulitzer Center on Crisis Reporting.

اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *