نتابع رجل العائلة سعيد وهو يشرع في مساره الديني الخاص "لتطهير" مدينة مشهد الإيرانية المقدسة من عاهرات الشوارع غير الأخلاقيات والفاسدات. بعدما قتل الكثير من النساء، أصبح يائسًا أكثر من أي وقت مضى بسبب عدم اهتمام الجمهور بمهمته الإلهية. فيلم العنكبوت المقدس (2022) يُعرض الآن في دور سينما أمريكية مختارة، وهو أيضًا متاح من خلال عرض فيديو محدود VOD.
باوند كريم
تحمل المشاهد الأولى من عنكبوت مقدس نغمة مروعة مناسبة لاستكشاف الموضوعات الأكثر غرابة فقط. يتم كتم حيوية "مشهد" كمدينة مقدسة في متاهة قاتمة من الأزقة. تجوب البغايا الساحات الغامضة وزوايا الشوارع خلف جدران ضريح الإمام رضا. الأذان ينتشر في الهواء العكر مثل مرثية مغناة تجذب نساء مكفنات يشبهن الموتى السائرين.
أما بالنسبة للموضوع شديد الغرابة في قلب قصة الفيلم الرمزية، بعيدًا عن التحقيق المزعوم عن قاتل متسلسل، فإننا نتذكر من خلال الجثث العديدة بتعبيراتها المحيرة والعديد من المسؤولين الحكوميين الذين يستجيبون لها بلا مبالاة وازدراء الشرير الحقيقي وراء ما يسمى "قاتل العنكبوت". يفكك الفيلم ببرود الطبيعة الوحشية للنظام الأبوي الديني في إيران، المسؤول عن احتضان وإنتاج وتقديم الظروف الاجتماعية التي تسهل دورات استمرت لأجيال من الإساءة العاطفية والجسدية والعنف التي تعرضت لها المرأة الإيرانية.
يتبع فيلم عنكبوت مقدس تقليدًا من الأفلام التي صنعها مخرجون إيرانيون يعيشون خارج إيران والتي تقدم وجهات نظر تنتقد سياسات النظام الإسلامي وسياساته الاجتماعية. يرى البعض أن فيلم عنكبوت المقدس فيلم إيراني، لكنه لم يُنتج أو يُصور في إيران. وُلد المخرج علي عباسي ونشأ في إيران، ودرس في السويد، واستقر في الدنمارك. يشير فيلم عنكبوت مقدس إلى رحلته الخاصة، وهو إنتاج دنماركي سويدي فرنسي ألماني مشترك تم تصويره في الأردن، لكنه يشعر المشاهد بأنه إيراني بشكل تام وأصيل. تنافس الفيلم في مهرجان كان العام الماضي حيث فازت الفنانة زار أمير إبراهيمي بجائزة أفضل ممثلة، ويُعرض الفيلم الآن في دور العرض الأمريكية.
تستند قصة الفيلم إلى قصة حقيقية عن القاتل المتسلسل سعيد هنائي، الذي قتل 16 امرأة في مدينة مشهد من أغسطس 2000 إلى يوليو 2001. أشارت وسائل الإعلام إلى جرائم القتل باسم "جرائم قتل العنكبوت" حيث استدرج هنائي الضحايا إلى منزله قبل أن يخنقهن. ولأنه استهدف البغايا ومدمني المخدرات، فقد أشاد بعض المتشددين الدينيين بجرائم هنائي وأعربوا عن إعجابهم برغبته في تطهير مشهد من الفساد الأخلاقي. تم القبض على هنائي فقط لأن إحدى ضحاياه المحتملين هربت وتغلبت على خوفها من السلطات بما يكفي للإبلاغ عنه. وحتى وقت إدلائها بشهادتها، لم تفعل السلطات شيئًا يذكر لتعقب القاتل أو حماية ضحاياه المحتملين.
يضفي عباسي طابعًا إنسانيًا على جميع الأطراف من خلال تقديم القصة من ثلاث وجهات نظر. يتم سرد القصة من خلال مراقبة الضحايا، واستكشافها من خلال عيني سعيد (مهدي باجستاني) وثنائيات حياته العائلية، ويبلغ الفيلم ذروته في التحقيق مع الصحفي أريزو رحيمي (زار أمير إبراهيمي). مع كل منعطف، يفصل الفيلم بشكل منهجي الهوس الديني وكراهية النساء، ويتنقل عمدًا من جرائم القتل إلى تحقيق رحيمي إلى القبض على سعيد والمحاكمة اللاحقة، كل ذلك بتحكم كامل. يتجلى التأثير الأسلوبي لديفيد فينشر في فيلم عنكبوت مقدس حيث يستعير عباسي إشارات من اثنين من أكثر أفلام فينشر الاستقصائية شهرة ، سبعة و زودياك. لكن هذه الأساليب تبدو محدودة في بعض الأحيان، ما يخفض من الأسئلة الاجتماعية والسياسية المؤثرة في قلب القصة إلى مشاهد نفسية جنسية فقط، مقدمة بدافع الضرورة لتلبية ما هو متوقع من الأفلام التي تنتمي إلى نوع الإثارة الاستقصائية.
هناك لحظات يصبح فيها عنكبوت مقدس غير مريح للمشاهد. لا يخجل عباسي من وحشية جرائم القتل أو ألم وعار أولئك الذين تركوا حزانى من أجل القتلى. إن القيام بذلك من شأنه أن يخون النبرة التحليلية للفيلم، بذلك لا يتمكن الفيلم من عرض الجرائم على حقيقتها، والنتيجة هي تثبيت هيمنة النظام الأبوي الديني، الذي تؤكده اللامبالاة العدائية تجاه النساء اللواتي يجرؤن على تحديه.
