سائقات سيارات السباق الأردنيات يعملن على الحلبة

1 مايو، 2023

تعمل سائقات سيارات السباق على زيادة التنافس على الحلبة، حيث يتنافسن مع الرجال الذين يهيمنون على هذه الرياضة.

 

ريم هلسا

 

مصممة للسرعة: وُلدت من أجل الطريق المفتوح، سواء على دراجة نارية أو في سيارة سباق. إذا كانت الآلة تحوى محرك يتسارع، فقد حصلت على اهتمام نانسي مجالي الكامل. نانسي هي واحدة من النساء الأردنيات القلائل اللواتي صنعن لأنفسهن أسماء في رياضة السيارات في العالم العربي، ولكن على عكس أولئك الذين فقدوا الزخم، فقد حافظت على شغفها حيًا لأكثر من عقدين.

في العام 2000، اشترت نانسي أول سيارة "صالحة السباق" وتعاونت مع صديقتها نادية شنودة وكونا معًا أول فريق سباق نسائي في الأردن. كانت بدايتهما قوية، وشاركتا في أول سباق رالي وطني ودولي في الأردن، نظمته الأردنية لرياضة السيارات في نفس العام.

تقول نانسي: "لقد أحببت السيارات منذ أن كنت طفلة، كنت أفكك الأشياء ثم أعيد تجميعها". نانسي واحدة من خمس شقيقات، كانت تُعد غريبة الأطوار في عائلتها، لكن والديها كانا يتقبلان ويدعمان أحلامها المتعلقة بالسباق، طالما أنها لم تلوث المنزل بالطين أو الشحوم. تتذكر قائلة: "كانت أمي تجعلني أترك أي شيء يتعلق بالسباق في الطابق السفلي، حتى كؤوس النصر الخاصة بي".

بدأت النساء في الشرق الأوسط في تصدر عناوين الصحف في مجال الرياضة التي يهيمن عليها الذكور، لكن النساء الأردنيات هن اللواتي دخلن الحلبة أولًا، وألهمن ووجهن الأخريات في المنطقة. بالإضافة إلى نانسي مجالي، كانت عبير بطيخي من بين هذه النماذج الأردنية، كانت عبير أول امرأة عربية تشارك في بطولة العالم للراليات التي ينظمها الاتحاد الدولي للسيارات (FIA) في العام 2008. ألهمت بطيخي لاحقًا ابنتها، لينا حديدي، لتشترك في الرالي عندما كانت لا تزال طالبة.

سائقة سيارات السباق الأردنية نانسي مجالي. (بإذن من نانسي مجالي).

في بداية العام 2000 كانت نانسي ومساعدتها نادية تستمتعان بالإثارة الناتجة عن السباق، فيما تسميه بكل شغف "المغامرات". لقد واجهتا الكثير من التحديات وكان عليهما أن تكونا واسعتي الحيلة لمتابعة شغفهما. تقول نانسي: "كان من الصعب في بعض الأحيان الحصول على المعدات المناسبة، أو العثور على قطع غيار لسيارتي". في ثقافة يكون فيها جميع الميكانيكيين رجالًا، ليس من المقبول اجتماعيًا أو من الشائع رؤية النساء في ورش السيارات يتحدثن عن شمعات الإشعال أو تسرب الزيت. لكن سباق السيارات جعل نانسي وغيرها من المتسابقات في عصرها يمشين بجرأة في المنطقة الصناعية في عمان، ويكوِّنَّ روابط موثوقة وداعمة.

في العام 2009 تركت نانسي مقعد السائق، لكنها لم تبتعد كثيرًا وأصبحت سائقة مساعدة للسائقين الأبطال على مر السنين. تشرح نانسي أن كونك سائقًا مساعدًا هو أمر أكثر صعوبة. يتطلب الأمر التركيز والتفكير السريع والتصرف الهادئ.

في العام 2011 عادت نانسي لفترة وجيزة إلى مقعد السائق، حيث شاركت في بطولة الشرق الأوسط للراليات (MERC) التي ينظمها الاتحاد الدولي للسيارات، حيث احتلت المرتبة 10من أصل 12 في ترتيب السائقين، كانت نانسي المرأة الوحيدة في القائمة.  بعد عقد من الزمان بعيدًا عن السباقات، عادت نانسي إلى رالي الأردن الوطني في أبريل من هذا العام. كانت هي ومساعدتها السيدتان الوحيدتان المشاركتان. أنهيتا السباق في المرتبة 11 من أصل 17 فريقًا آخر.

سيخبرك أي متسابق أن رياضة السيارات هي بئر مشهور بابتلاع المال، بسبب النفقات غير المتوقعة التي تظهر عند زاوية، ما يؤدي إلى تبديد ميزانية المتسابق. تقول نانسي إنها ضخت كل ما كسبت من مال في شغفها. هذا موضوع شائع بين المتسابقين، خاصة في الأردن، حيث يحتاج حتى المتسابقون الأبطال إلى وظائف أخرى لدعم شغفهم المكلف. تعتقد نانسي أن هذا هو السبب في أن العديد من النساء والرجال ذوي المواهب العظيمة يفقدون زخمهم ويتخلون عن السباقات.

سواء كنت رجلًا أم امرأة، فإن العثور على الدعم أمر بالغ الأهمية بالنسبة لأي متسابق، ولكن نظرًا لأن رياضة السيارات في الأردن لم تجتذب عددًا كبيرًا من المتابعين ولم تنل اهتمام وسائل الإعلام، لا يزال الرعاة المحتملون متشككين في استثمار الوقت والمال في هذه الرياضة.

فرح زكريا.

هناك ثروة من الإمكانات والمواهب بين الشباب الأردني، و"سيكون من العار أن نفوت الفرصة بسبب العقبات المالية"، كما تقول نانسي آسفة. بعض هذه المواهب الجديدة هن شابات نشأن على هامش حلبات السباق وانجذبن إلى دفقات الأدرينالين. إحداهن هي فرح زكريا، ابنة سائق سيارات السباق خالد زكريا، التي فازت عدة مرات كسائقة وكمساعدة للبطل الإماراتي والرئيس الحالي للاتحاد الدولي للسيارات، محمد بن سليم.

تقول فرح إن والدها كان مصدر إلهامها وأكبر داعم لها في رحلتها. تقول: "أنا فخورة بأنني أتبع خطى والدي. أكثر لحظات حياتي فخرًا في السباقات عندما أراه بين الجمهور وابتسامة خفيفة على شفتيه، حينها أعلم أنه فخور بي".

اعتادت فرح أن تخوض سباق "الكارتينج" منذ صغرها مع أخواتها، ما يثبت أن السباق يجري في دمائهن. لم تكن تخجل من الجمهور فقامت بعرض منفرد للكارتينج، وهو حدث يهدف إلى جذب الأطفال إلى الكارتينج. كان العرض ناجحًا. بعد ذلك بوقت قصير، في العام 2007 عقدت الأردنية لرياضة السيارات أول بطولة للكارتينج للناشئين. فازت فرح بالبطولة، وهي مستمرة في المشاركة في السباقات منذ ذلك الحين.

بالنسبة إلى فرح، أصبح العام 2022 نقطة تحول في رحلتها، حيث شاركت لأول مرة في اختبار وطني للسرعة. تقول: "لم يكن لديَّ الوقت للحصول على دعم، لذلك أخذت سيارتي الخاصة [سيارة كهربائية e-Golf] وأكملت ثلاثة سباقات فقط من أصل خمسة". كانت هذه المسابقة عبارة عن سباق تدريبي قبل أن تنافس في برنامج FIA Rally Star ، وهو برنامج دولي يضع الفائزين على المسار الصحيح لبطولة العالم للراليات (WRC). فازت بالسباق المحلي والإقليمي وتأهلت كممثلة إقليمية في نهائيات السيدات، والتي ستقام في Maggiora Offroad Arena في بيمونت - تورينو في مايو.

بصفتها سائقة سيارات سباق، تلتزم فرح بجدول لياقة بدنية يتضمن تدريبات رفع الأثقال وتمارين التحمل للحفاظ على صحتها وقدرتها على التحمل. كل صباح، قبل أن تتوجه إلى العمل، تذهب إلى صالة الألعاب الرياضية. تشرح قائلة: "يتطلب سباق السيارات اللياقة البدنية والقدرة على التحمل"، حيث يتعرض السائقون لقوى مختلفة عند السرعات العالية والمنعطفات والقفزات المفاجئة، ما يؤثر سلبًا على أجسامهم وقدرتهم على التحكم في السيارة.

إنها رياضة تحمُّل بغض النظر عن جنس المتبارين، كما تلاحظ نانسي، خاصة في الراليات المعروفة بالمراحل الطويلة، التي يتعرض خلالها السائقون لدرجات حرارة مرتفعة داخل السيارة تحت طبقات من المعدات المقاومة للحريق والاصطدام.

في وقت إجراء هذه المقابلة، كانت فرح تستعد لنهائيات رالي ستار للسيدات. المخاطر كبيرة، وإن فازت فستكون واحدة من ستة سائقين في الموسم التدريبي لرالي الاتحاد الدولي للسيارات بين يونيو ونوفمبر. تتنافس في ستة مواسم سباقات رالي أوروبية على طرق أسفلتية وأخرى ممهدة بالحصى، يركب جميع المتسابقين سيارات فورد فييستا رالي 3S متطابقة. وفي نهاية الموسم، سيضمن أفضل أربعة سائقين المشاركة في موسم ممول بالكامل في بطولة العالم للراليات للناشئين التي ينظمها الاتحاد الدولي للسيارات في العام 2024.

توضح فرح أن المنافسة صعبة وتشمل الكثير من المعايير بخلاف القيادة السريعة. سيتم فحص لياقة المتسابقين وحضورهم الإعلامي ومهارات الاتصال لديهم.

مع استمرارها في التقدم كمتسابقة، تضع فرح معالم لنفسها على طريق التحول إلى الاحتراف، بما في ذلك التنافس في اختبارات السرعة قدر الإمكان، حتى تحصل على مزيد من التدريب خلف عجلة القيادة. بذل المزيد من الوقت والجهد للحصول على الدعم المناسب، والترقي إلى سيارة سباق احترافية.

فرح ليست فقط متسابقة موهوبة، ولكنها أيضًا ملاحة وميكانيكية ماهرة. تعلمت من والدها أن عليها الاعتناء بسيارتها الخاصة وأن تكون قادرة على إصلاح بعض المشاكل على الفور. تقول: "السائق الجيد هو أيضًا ميكانيكي جيد. يجب أن تكون قادرًا على استكشاف بعض المشكلات على الحلبة وإصلاحها، والاستماع إلى أصوات السيارة قبل أن يحدث شيء كارثي بالفعل ويعطلك عن السباق".

السائقة ميرا ترزي هي أول امرأة في الأردن تحصل على شهادة في هندسة السيارات.

شابة أخرى تظهر لأول مرة كمتسابقة هي ميرا ترزي. بدأت الكارتينج عندما كانت في السادسة عشرة من عمرها، وعندما حصلت على رخصة قيادتها اشتركت في سباق على الطرق الترابية قبل أن تشترك في أول اختبار سرعة وطني بسيارتها هيونداي توسكاني. تقول: "لسيارتي حدود لأنها معدة للطرق الممهدة، لكنني مدمنة على السباق الآن".

مثل فرح، تسير ميرا على خطى والدها. لقد تعلمت من التجربة ومشاهدة والدها باسم ترزي، المتسابق الذي تحول إلى فاحص... مفتش يتحقق من سيارات السباق قبل أن تدخل الحلبة. تقول: "كنت أشاركه السباقات وأراقبه عن كثب". عندما بلغت ميرا 18 عامًا أصبحت فاحصة متطوعة في السباقات الوطنية، قبل أن تشارك كسائقة.

ألهمتها هذه التجربة العملية الحصول على شهادة في هندسة السيارات، ستنهي دراستها هذا العام وستكون أول امرأة في الأردن تقوم بذلك. تقول ميرا: "أحب تعديل وتجهيز السيارات من أجل السباقات، لذلك آمل أن أمارس مهنة تتعلق بذلك، بالإضافة إلى المشاركة في السباقات".

في العام الماضي، شاركت ميرا في كل حدث وطني لاختبار السرعة نظمته الأردنية لرياضة السيارات، وعندما سنحت الفرصة، دخلت أول سباق رالي لها كسائقة مساعدة، ما أضاف إلى خبرتها ومهاراتها. تقول: "لقد كانت تجربة رائعة، لكن لسوء الحظ اضطررنا إلى الانسحاب بسبب مشكلة فنية لم نتمكن من إصلاحها أثناء السباق".

حصلت ميرا على مركز متقدم في العام 2022، وبهذا حازت كأس السيدات. تقول: "لقد كانت لحظة فخر بالنسبة إليَّ، إنه إنجاز عظيم".

الأردن رائد في رياضة السيارات، بتراث يمتد إلى ستين عامًا من استضافة بطولات السباقات الوطنية والدولية. إن تنوع التضاريس في البلد - من المسارات الصحراوية إلى التلال الصخرية والطرق شديدة الانحدار - يجعله جذابًا ومثيرًا لتحدي للمتسابقين.

قدم الملك الراحل حسين، وهو من عشاق رياضات السرعة، رياضة السيارات في الأردن في العام 1954، وأشرف على إنشاء نادي السيارات الملكي، وهو نادٍ لسائقي السيارات والسباقات. كان الملك حسين من بين العديد من المتسابقين المتنافسين على الحلبة، وفاز بنصيبه من السباقات. في العام 1981، استضاف الأردن أول رالي دولي، وبعد ذلك بوقت قصير بدأت النساء في حضور سباقات السيارات.

تتذكر رندة النابلسي أن تجربتها كانت ممتعة، وتضيف أنها وقريناتها لم يكن على دراية بالقيود الثقافية أو حقيقة أنهن قد يثرن قليلًا من الدهشة. كانت النابلسي من بين النساء الرائدات على حلبة السباق. تتذكر أنها كانت تجتهد باحثة عن سيارة سباق جيدة من أجل سباقها الأول. اقترضت في النهاية لادا نيفا، ثم تبين أنها ملك رجل استخدمها لنقل القرود في المدينة.

على مر السنين شهدت رندة انتقال الرياضة من "السباق من أجل الإثارة" إلى رياضة تنافسية جادة. تكمل: "أتذكر عندما كان السائقون الآخرون يتوقفون في منتصف السباق لمساعدتنا نحن النساء على إصلاح عطل أو تغيير إطار، وهو أمر لا يجب عليك فعله بالتأكيد أثناء سباق، خاصة في الوقت الحاضر".

اليوم، رندة عضوة في لجنة المرأة في رياضة السيارات التابعة للاتحاد الدولي للسيارات. لا تزال مكرسة لحشد الدعم للنساء في سباقات السيارات، وتشجيع آباء الفتيات الصغيرات اللواتي يبدين اهتمامًا بالكارتينج على دعم حماسهن على طول الطريق. تسلط هؤلاء السيدات بالإضافة إلى العديد من السيدات في جميع أنحاء الشرق الأوسط الضوء على السباقات، حيث يتخطين الحواجز المفتعلة ويحققن انتصاراتهن في رياضة يهيمن عليها الذكور. تظهر هذه النماذج للفتيات الصغيرات في كل مكان ما هو ممكن عندما تسعى وراء أحلامك بشغف وحماس كبيرين.

 

اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *