الوطن هو بيت في عمان

5 مارس، 2023

بالنسبة لأولئك الذين تركوها ، تصبح مدينة الطفولة والمراهقة مكانا أسطوريا. —إلياس كانيتي

 

بريانكا ساشيتي

 

كل ليلة، نفس الحلم في نفس المنزل: متوازي مستطيلات بلون الرمال، محاط بنبات الجهنمية الأرجواني وشجرة النيم التي تحتضن السماء. في أحد طرفي الشارع تقع الشمس، في الطرف الآخر تقاطع يفضي إلى مزيد من الشوارع. هذا هو المنزل الذي سأسميه دائمًا المنزل، هذه هي الأرض التي ستكون دائمًا الوطن.

 

عندما كان عمري 18 سنة، انتقلت إلى المملكة المتحدة لمتابعة دراستي الجامعية. كانت هذه هي المرة الأولى التي أغادر فيها المنزل وعائلتي. كانت أيضًا المرة الأولى التي أفهم فيها ما يعنيه حقًا الحنين إلى الوطن. حتى ذلك الحين، كنت أُعد جزءًا من الشتات الهندي العالمي، بعد أن عشت في سلطنة عمان منذ أن كنت في الخامسة من عمري. رأيت نفسي هندية، والهند موطني. في سياق عمان، كنت مجرد مغتربة، أعيش على الأرض ولكنني لا أنتمي إليها. ومع ذلك، خلال تلك الأشهر الأولى من الحنين إلى الوطن في المملكة المتحدة، لم تعد كل هذه التسميات مهمة. كل ما كنت أعرفه آنذاك هو أنني أتوق إلى الوطن، وبدأت في الاعتراف بالوطن، على وجه التحديد؛ عمان.

في حالة حنيني إلى الوطن التي كانت بلا شكل، لم أعتبر أنني أشعر بالحنين إلى المنزل بقدر ما كنت أشعر بالحنين إلى الوطن؛ كنت أتوق على وجه التحديد إلى المنزل الذي كان ملاذي الآمن في عمان على مدار السنوات العديدة الماضية، الذي كنت قد ودعته بالدموع في الليلة التي سافرت فيها إلى لندن، أشعر تقريبًا كما لو أنني لن أراه مرة أخرى. في هولندا في القرن السابع عشر، غالبا ما تلقت العرائس المتزوجات حديثًا هدايا زفاف عبارة عن بيوت دمى على هيئة خزانات صغيرة، تمثل منازل عائلاتهن لتهدئة حنينهن إلى الوطن. لم يكن لديَّ بيت دمى مصغر يمثل منزلي، لكن يمكنني إعادة بنائه من خلال كلماتي. وهكذا، خلال أسوأ نوبات الحنين إلى الوطن، وجدتني أرسم صورة أدبية لمنزلي، وهي الأولى من بين المرات العديدة التي كنت ألجأ فيها إلى الكلمات لتهدئة تطلعاتي إلى المنزل.

الجهنمية خارج المنزل (بإذن من بريانكا ساشيتي).

ومع ذلك، في حين كان على العروس الهولندية التي تشعر بالحنين إلى الوطن أن تلقي نظرة خاطفة على المنزل الذي ولدت فيه، الذي تم نسخ تفاصيله بصعوبة، كان عليَّ الاعتماد على ذكرياتي. أدركت أن هناك الكثير مما لا يمكنني تذكره عن منزلي، على الرغم من كونه المكان الذي عرفته عن كثب وكنت موجودة فيه طوال هذه السنوات. نعم، كان المنزل بلون الرمال؛ لكن أي درجة لونية بالضبط؟ هل كانت شجرة النيم هي الشجرة الوحيدة التي تنمو في الخارج؟ كم عدد الخطوات التي استغرقها الصعود من الطابق السفلي إلى الطابق العلوي؟ لقد عشت في المنزل لسنوات ولكن لا يزال هناك الكثير لأعرفه عنه. خلال الزيارات اللاحقة، وجدتني أولي اهتمامًا دقيقًا للمنزل، أبحث عن التفاصيل التي من شأنها أن توفر لي الراحة لاحقًا عندما أكون في أمس الحاجة إليها. في المشهد الموجود في ذكرياتي، أصبح المنزل مزارًا، وكان فعل مراقبته وملاحظته على وشك أن يكونا تفانيًا.

عمري عشر سنوات، أقف في الفناء الأمامي، حيث أنشأت والدتي عالمة النبات حديقة ضخمة. كل مساء، بمجرد أن تتبدد الحرارة الشديدة، تسقي بمحبة العديد من النباتات التي زرعتها داخل الأواني وأحواض الزرع. في إحدى أمسيات الصيف الدافئة بشكل خاص، وجدت لدهشتها أن قطة الشارع قد اختارت واحدة من الأحواض الكبيرة لتلد عددًا من القطط. تبقى هناك لبضعة أيام قبل أن تجد الأم منزلًا آخر لها، لكنها ظلت حتى ذلك الحين مصدر فرحة.

ما الفرق بين المنزل والوطن؟ ما الذي يجعل المنزل وطنًا؟ في سعيي لإعادة إنشاء وطني، أصبحت شديد التركيز على جسده، إذا جاز التعبير، إلى درجة أنني فقدت تمامًا ما كان بداخله، الأشياء التي جعلته وطنًا؛ الذكريات.

عندما انتقل والداي من الهند إلى عمان في أواخر الثمانينيات، لمواصلة حياتهم الأكاديمية في جامعة السلطان قابوس (الجامعة الوطنية في عمان)، لم يعرفا إلى متى سيعيشان في عمان. بما يتناسب مع الطبيعة غير الدائمة وغير المتوقعة لحياة المغتربين، فقد عاشاا هناك ببساطة من عام إلى آخر، ولم يتوقعا أن تلك السنوات القليلة ستدتمع في النهاية فتصبح ثلاثين سنة غريبة. بالنظر إلى أننا كنا نعيش في الحرم الجامعي، فقد خصصت لهما الجامعة منزلًا من بين مئات المنازل المماثلة. كان هناك اختلافات بسيطة في مظهر المنازل وتخطيطها. اختلفت عن بعضها البعض فقط من خلال ألوانها، التي تم استخلاصها من درجات مختلفة من البني: ألوان الرمل والحصى والأحمر القاتم والكراميل، يفترض أن تندمج المنازل مع المناظر الطبيعية المحيطة بالصحراء ذات الحصى، وسهول الوادي، والتلال والجبال البعيدة.

سيصبح هذا المكان ملعبي الأول والمفضل، حيث يوفر احتمالات لا حصر لها من الفرح والاستكشاف: الاختباء والبحث، أو الركض مع أصدقاء الحي، أو الاستكشاف، حيث قمت برحلات استكشافية منفردة لجمع الصخور، أو مراقبة الطيور، أو الاستمتاع بالنباتات سريعة الزوال التي تخضِّر الصحراء بعد هطول الأمطار من حين لآخر. خلال عطلات نهاية الأسبوع في أشهر الشتاء الباردة، كانت عائلتي - مع الهنود الآخرين - يقومون برحلات يومية إلى الوديان والشواطئ القريبة، نغمر أنفسنا في الجمال الطبيعي المذهل الوفير، الذي أصبح في النهاية غير مثير للاهتمام. هذا المشهد هو أول ما أربطه الآن بعمان، وأفتقده أكثر في البلد.

كان منزلي جزءا لا يتجزأ من هذا المكان، بعد أن رأيتني أنمو على مر السنين، أولًا كطفلة ومراهقة تذهب إلى المدرسة، ثم كشابة بالغة تحاول أن تعمل كاتبة مستقلة، وبعد أن ابتعدت عن عمان، طائر مهاجر يعود كل سنة إلى عشه. هنا كانت البوابة التي دخلنا من خلالها المنزل لأول مرة بعد ظهر أحد أيام مارس/آذار، وأنا وأخي الأصغر أطفالًا صغارًا، لا نزال نمسك أيدي والدينا. هنا كانت الساحة التي كنت أقتحمها بعد يوم طويل في المدرسة، بعد اللعب في الشوارع أو التلال، أو العودة من الإجازات في الهند، مرتاحة لمعرفة أنني عدت إلى المنزل أخيرًا. هنا كان المدخل الذي استقبلنا من خلاله العديد من الزوار لأول مرة، بما في ذلك زوجي المستقبلي. هنا كانت السلالم التي صعدتها ذات مرة ثلاثة درجات بخطوة واحدة عندما كنت في الخامسة عشرة من عمري، وانتهى بي الأمر بتمزق في أربطة القدم. هنا كان البهو، حيث ظل الهاتف الأرضي لأطول وقت، وحيث أجرينا واستقبلنا المكالمات الهاتفية داخل عمان، وفي مناسبات نادرة، مكالمات من الهند وخارجها، كانت الأخيرة دائمًا قصيرة ومتعجلة، مدركين كم كان سعر الدقيقة الواحدة مرتفعًا، تتسارع دقات قلوبنا إذا وصلت المكالمات في وقت غير معتاد من اليوم. هنا كان المطبخ، حيث تناولنا الوجبات الكثيرة التي أعدتها والدتي، أطعمتنا الطعام الذي ذكَّرها بالوطن، وحيث قمت بأول غزوة مبدئية لي في الطهي، وتعلمت لف الروتي غير المتناسقة، وطهي المعكرونة غير الأصلية، وحيث تحتوي الخزائن على حبوب الإفطار المفضلة لكل فرد من أفراد الأسرة. هنا كانت المساحة التي تجادلنا فيها واحتفلنا واستضفنا الضيوف وعشنا الحياة الوحيدة التي عرفناها نحن الأطفال.

شجرة النيم (بإذن من بريانكا ساتشيتي).

يمثل المنزل أيضًا بالنسبة إليَّ ما أدرك الآن أنه مساحة حدية. كجزء من مجتمع المغتربين والدراسة في مدرسة دولية، كانت لديَّ علاقة بعيدة بشكل غريب مع عمان. كنت على دراية بالمناظر الطبيعية كظهر يدي، لكنني لم أتفاعل كثيرًا مع العمانيين، على الأقل خلال طفولتي، مع عدم سماح مدرستي للعمانيين بالدراسة فيها، وقلة الفرص للقائهم في مكان آخر. نظرًا لوضعي كمغتربة، كنت دائما أعتبر وقتي في عمان فصلًا مؤقتًا لا مفر منه، ولم أفكر قط في الحصول على الجنسية،[1] تمامًا مثل العديد من الناس في الشتات في الخليج العربي. على مر السنين، عندما رأيت زملائي من الأصدقاء والمعارف المغتربين يغادرون عمان، سواء لمتابعة دراستهم أو عملهم في مكان آخر، أو للاستقرار في بلدانهم الأصلية، كنت أعرف أنني أيضًا سأنضم إلى صفوفهم يومًا ما. وقد ترجمت فكرة المؤقتة هذه لاحقًا إلى عزوف عن الاندماج في ثقافة البلاد ومجتمعها الوطني، فضلًا عن عدم تعلمي اللغة العربية طوال السنوات التي عشتها هناك، وهو ندم يطاردني حتى يومنا هذا.

لذلك تم تشكيل علاقتي مع عمان بالمكان أكثر من أي شيء آخر. وهكذا، في خضم كل هذا المؤقت، كان المنزل هو الثابت واليقين الصلب. كما أنه كانت بمثابة العتبة بين الحياة التي عشتها في المدرسة وخارجها، وحياة جذوري وثقافتي الهندية التي تعشش داخل المنزل. كنت أعد هندية، نعم، ولكن كلما كبرت تساءلت عما إذا كنت هندية بما فيه الكفاية، حتى عندما قبلت أنني لا يمكن أن أكون عمانية أبدًا. لم أكن أدرك حينها أنه يمكن أن يكون للمرء هويات متعددة في وقت واحد. ما كنت أعرفه هو أن رحلة المراهقة المربكة التي كنت فيها بالفعل زادت من غموض هويتي. في تلك السنوات المحيرة، حيث "علقت" في كثير من الأماكن، أماكن شعرت فيها في كثير من الأحيان بالعزلة وعدم القدرة على التواصل مع زملائي، أصبح المنزل ملاذًا أكثر من أي وقت مضى، وخاصة غرفتي التي ربما كانت المكان الوحيد الذي يمكنني أن أكون فيه حقًا كما كنت أتمنى أن أكون، بعبارة أخرى؛ مجموع العديد من الهويات. هناك وجدتني أستكشف بلا وعي وأعبِّر عن تطلعاتي على شكل كتابة وفن.

إحدى المناسبات السنوية الواضحة بشكل لا ينسى كانت عندما احتفلت عائلتي بـ"ديوالي"، مهرجان الأضواء الهندي. لقد كان منزلنا دائمًا مفتوحًا، ودعونا الأصدقاء والزملاء من مختلف الأديان والثقافات والبلدان إلى منزلنا للمشاركة في الاحتفال الذي يستمر حتى وقت متأخر من الليل. في يوم ديوالي، كنت أقضي فترة ما بعد الظهر بعد انتهاء اليوم المدرسي في صنع أشكال رانجولي في الفناء الأمامي، ومساعدة والدي على وضع شموع صغيرة وكبيرة عند الغسق، وترتيب طاولة الطعام - المحملة بالفعل بالطعام والحلويات - قبل ارتداء الملابس الهندية الاحتفالية التقليدية. كان منزلنا المشرق بالإضاءة يبرز دائمًا في شارعنا في ليالي ديوالي، والضحك والكلام يمتدان إلى ما وراء العتبة وعلى الرصيف، بدا أن عالمي المتباينين يندمجان لمرة واحدة. حتى الآن، بعد الاحتفال بعيد ديوالي في منزلي لسنوات، ما زلت أربط المهرجان بتلك البيوت المفتوحة المبهجة في طفولتي.

بعد الخروج من المنزل والعودة إليه فقط للزيارات السنوية، بدأت أخشى هذا الواقع الذي لا مفر منه: سيغادر والداي عمان في نهاية المطاف يومًا ما، وبذلك سيضطران إلى التخلي عن المنزل. طوال السنوات التي عاشاها في عمان، كانا يعرفان دائمًا أن ذلك اليوم سيأتي، سيودعان البلد الذي شكل حياتهم بشكل أساسي وكذلك حياة أطفالهما. من الصعب بما فيه الكفاية تجريد منزل من ما يحتويه، ولكن كيف تأخذ معك ذكرياته؟

منظر لحرم جامعة السلطان قابوس (بإذن من FB Sultan Qaboos University Memories).

بالنسبة لي ، سيجسد الوداع بشكل مؤلم فقدان ذلك المكان الوحيد الذي سأكون فيه طفلة إلى الأبد، الذي وجدت في جدرانه الأمن والأمان والدفء والراحة. كلما اقتربنا من اليوم الذي سيغادر فيه والداي عمان أخيرًا، وجدتني أهتم بكل زيارة سنوية. خلال تلك الزيارات، سعيت بشدة للحفاظ على المنزل ضمن إحداثيات ذاكرتي. التقطت مئات الصور الفوتوغرافية له بكاميرا هاتفي، لتوثيق التفاصيل الدقيقة التي جعلت هذا المنزل وطني. ومع ذلك، حتى لو تمكنت من الحفاظ على المنزل المادي بشكل مثالي في الصور، فلن أتمكن أبدًا من تحويل آلاف الذكريات التي يحتويها المنزل إلى بكسلات.

في تلك الرحلات من المملكة المتحدة إلى عمان، أحزنني التفكير في أنه بعد مغادرة والدي، وعندما أعود إلى عمان في المستقبل، لن أتمكن من العودة إلى هذا المنزل، أو على وجه التحديد، الوطن الذي صنعناه منه. سيسكنه شخص غريب في ذلك الوقت، سيجعل وجوده المنزل وطنَه، مستبعدًا كل تلك السنوات التي قضيناها هناك، وبالتالي الذكريات الموجودة بين جدرانه . ومع ذلك، عندما وصلت لحظة الوداع المخيفة أخيرًا، وجدت أنه من المستحيل تصديق أنني لن أعود أبدًا إلى وطني. في ذهني اليوم، لا يزال المنزل مستقرًا بصبر هناك، في انتظار خطواتي لأقول إنني هنا مرة أخرى، ذكريات تنتظر إحياءها، مثل بذرة نابتة مدفونة في أعماق الصحراء تنتظر وصول المطر.

         المنزل هو المكان الذي ، عندما يتعين عليك الذهاب إلى هناك ، يجب أن يأخذوك. - روبرت فروست ، من قصيدته موت رجل مستأجر

أفكر في أولئك الذين يمكنهم دائمًا العودة إلى منازل طفولتهم، أبرياء في توقعاتهم المتغطرسة بأن المنزل سيظل دائمًا هناك بلا تغيير، وأن ملامح غرفهم ستبقى بلا تغيير بشكل مريح، وضوء الشمس يسقط على نفس المكان كل يوم. أولئك الذين يعودون إلى منازل طفولتهم يفعلون ذلك واثقين من أن المنزل المادي لن يتغير، وأيضًا الذكريات الموجودة فيه ستبقى بلا تغيير. وبالمثل، أحسد أولئك الذين عاشوا في نفس المدينة منذ ولادتهم وكبروا فيها، أولئك الذين تصطف الشوارع بكثافة مع ذكريات وأشباح الأشخاص الذين كانوا ذات يوم. تلك الشوارع تعرفهم كما يعرفونها، لا غرباء في هذا المكان.

قام والداي أخيرا بتوديع المنزل في أكتوبر 2020، وهو موجود الآن فقط كشيء مجرد بالنسبة إليَّ. ما زلت أتوق إليه، خاصة عندما أشعر بتوعك جسدي أو أتصارع مع تحديات الصحة العقلية. يتراجع المنزل المادي إلى الخلفية خلال تلك الأوقات، وتحل محله فكرتي عنه باعتباره المساحة الآمنة النهائية. خلال أسوأ نوبات قلقي، أغمض عيني وأتراجع إلى غرفتي في المنزل، منغمسة في نسيان طفل لحقائق العالم القاسية. عند الإصابة بالكورونا في أبريل 2021 والاضطرار إلى قضاء ستة أيام في المستشفى، لم أفكر في منزلي في بنغالور - الهند حيث كنت أعيش منذ عدة سنوات. بدلًا من ذلك، فكرت باستمرار في سريري في عمان، حيث أصبح هذا السرير جزيرة من الأمان والسلام وسط البحار المضطربة المحيطة بي. في الآونة الأخيرة، كلما عانيت بسبب فترة من التغيير الكبير أو الاضطراب في حياتي، حلمت بمنزلي أكثر من أي وقت مضى، يتحول عقلي غريزيًا إلى ما يعتبره تهجئة الأمان في معجمي النفسي.

السكن الجامعي (بإذن من ذكريات جامعة السلطان قابوس).

بسبب الوباء، ولأسباب لوجستية مختلفة، لم أتمكن من العودة إلى عمان لأكثر من ثلاث سنوات حتى الآن. وبالنظر إلى أن الكثير من الناس الذين أعرفهم هناك قد غادروا أيضًا، فإن ما أتوق إليه، أكثر من أي شيء آخر، هو البلد: الجبال والشواطئ والتلال وسهول الوادي والشوارع والأسواق والأحياء، وقبل كل شيء، المنزل، الذي تعاودني ذكراه فجأة وبشكل عشوائي، وتملأني بشوق حلو ومر. أتساءل عما إذا كانت الشوارع قد نسيتني تمامًا، كما اعتادت على الوصول والمغادرة المستمرة لأولئك الذين سكنوا الأرض. قد أكون شبحًا يطارد الأرض، ولكن ربما تكون الأرض غافلة تمامًا عن وجودي الوهمي. أفكر في اليوم الذي سأعود فيه في نهاية المطاف، متوقعة للحدث وخائفة من مقدار التغيير الجذري في السنوات الفاصلة. ما الأجزاء المألوفة منه التي سأتعرف عليها، كما يتعرف المرء على صورته في المرآة؟ كم من الأرض سيصبح غريبًا بالنسبة إليَّ، تمامًا كما أرى حتمية أن منزلي سيصبح أيضًا غريبًا؟

ربما يكون الحل لهذا المأزق هو ببساطة عدم العودة، وترك منزلي موجودًا فقط في خيالي باعتباره المكان الذي أتذكره وأعتز به، على عكس ما أصبح عليه الآن. ومع ذلك، لا يمكنني ألا أعود: فأنا أدرك أن لديَّ رفاهية العودة، وهو امتياز كبير لا يتمتع به الكثيرون ولن يحصلوا عليه أبدًا عندما يتعلق الأمر بمنازلهم السابقة. حتى لو بدت الأرض في البداية غريبة، حتى لو نظر المنزل إليَّ بفارغ الصبر، متظاهرًا بفقدان الذاكرة، سأظل أعود لأنهما المكانان الوحيدان اللذان أراهما حقًا وطنًا. ربما، لفترة من الوقت، سيكافح المنزل وشجرة النيم والصخور والبحر لتمييز وجهي، وربما حتى التعثر أثناء نطق اسمي. ولكن بمجرد أن نبدأ في الحديث، سيتذكران ، أنا أعلم ذلك تمامًا، وسيكون كافيًا بالنسبة إليَّ. ما الذي يمكن للمرء أن يطلبه أكثر من ذلك؟ أن تُعدين، ليس غريبة، ولكن امرأة منتمية.

 

[1] يجب على المتقدمين للحصول على الجنسية العمانية تلبية قائمة صارمة من المتطلبات. قد يتم منح العديد من المغتربين الذين يختارون البقاء في عمان بعد التقاعد تأشيرة إقامة طويلة الأجل، بشرط استيفاء شروط معينة.

بريانكا ساشيتي كاتبة وشاعرة مقيمة في بنغالور - الهند. نشأت في سلطنة عمان وتلقت تعليمها في جامعتي وارويك وأكسفورد بالمملكة المتحدة. نشرت كثيرًا عن النوع الاجتماعي والفن والثقافة والبيئة في اللعديد من المنشورات المطبوعة والرقمية الدولية. ظهرت أعمالها الأدبية في العديد من المجلات مثل Barren و The Common و Popula و Lunchticket و Jaggery Lit بالإضافة إلى العديد من المختارات السابقة والقادمة. تعمل حاليًا على مجموعة شعرية وقصصية.

دول الخليجالصفحة الرئيسيةمسقطنوستغلياعمانملجأ

اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *