قصة قصيرة لعبد الله ناصر: شارب فريدا كالو

11 November, 2024

 

فريدا كالو، الرسم لنيكولاس موراي، 1939 (الصورة من © أرشيف نيكولاس موراي).
فريدا كالو، الرسم لنيكولاس موراي، 1939 (الصورة من © أرشيف نيكولاس موراي).

يمر زوجان يحاولان الإنجاب بتحول هائل يغير حياتهما معًا.

 

عبد الله ناصر

 

لم تنجب حتى الآن، ولا يظنها ستنجبُ أبدًا.

كانت السنوات الأولى سنوات ترقُّبٍ عظيمٍ. يفرحانِ كلما تأخرت الدورة الشهرية يومًا أو يومين، ويغضبانِ كلما بكَّرت وإن تظاهرا بغير ذلك. في السنة الرابعة تقبلا الأمر على مضض. لم يذهبا إلى عيادات الإنجاب. كان هذا رأيه، قال بوضوح إن هذه الفحوصات ستهدم الذي بينهما إن عاجلًا أو آجلًا. لا، لم يذهب سراً إلى الطبيب -إياكم وسوء الظن- ولم تذهب هي أيضًا وإن كانت قد حجزت موعدًا، وتخلفت عنه في اللحظة الأخيرة.

كان عندهما في الحقيقة بصيصٌ من الأمل حتى السنة السابعة. قال في سريرته وهو يتأملها: «إنه القدر، وعندما تصل الأمور إلى هذا الحد، من الأفضل أن يذعن المرء راضيًا». قالت في سريرتها وهي تتأمله: «إنه القدر، ولو سخِط المرء وخبط الأرض بأقدامه كالأطفال، سيذعن أيضًا».

كانا مثل سائر الأزواج يتخاصمانِ على الأمور الصغيرة أكثر من الكبيرة، والخصام أمرٌ صحيٌّ، بل ضرورة حياتية. وكانت في البيت غرفةٌ خاصةٌ للخصام، ينعزل فيها أحدهما عندما تتعقد الأمور، فلا يخرج قبل أن يعتذر الآخر.

حمل الزوج وسادته وفراشه دون أن يتخاصما هذه المرة، ومضى إلى تلك الغرفة، ولو تأخر قليلًا لسبقته الزوجة إليها؛ لأنها كانت تنوي فعل الأمر نفسه.

لم يحدث شيءٌ تقريبًا لولا أن شعره أخذ يتساقط، شعر الجسد لا الرأس؛ لأن شعر الرأس كان ينمو بغزارةً حتَّى انحدر على كتفيه في الوقت الذي راح جسده يتحول تدريجيًّا إلى جسدٍ أمرد. استدار صدره العريض، وصارت أثداؤه تندفع شيئًا فشيئًا إلى الأمام، حتى صار يخفيها تحت قمصانه الواسعة. وصغُر ما بين فخذيه إلى أن استيقظ في أحد الأيام، فلم يجده.

كانت أيامًا عصيبةً عليهِ وعليها أيضًا. اخشوشن صوتها، وجفّت حلماتها، حتى صارت مثل الزبيب. وتسطحت مؤخرتها المستديرة، فصارت كالمقلاة، وظهر عندها ما افتقده زوجها، وبدأ يكبر يومًا تلو الآخر.

ما زال في غرفته، وما زالت في غرفتها. يخرجانِ فقط؛ ليتناولا الطعام معًا، ولكن بصمت. كلما سقطتْ شعرةٌ من شاربه نبتتْ تحت أنفها، حتى صار لها شارب فريدا كالو، وصار الأمر في منتهى الوضوح.

ارتدت قميصه الأزرق، فناسب مقاسها الجديد. وعندما وقف أمام المرآة ليجرب بيجامتها الوردية، بدا مثل طائر الفلامينغو، حتى إنه وقف لبعض الوقت على ساق واحدة. عادا للنوم معًا، ولترقب الدورة الشهرية مثلما كان الأمر في السنوات الأولى، بل وأكثر.

كاتب ومترجم سعودي. نشر مجموعة قصصية بعنوان «فن التخلي» (التنوير، 2016)، ترجمت للفرنسية بعنوان (L’HARMATTAN, 2021)  “L’art de l’esquive” وصدرت عن دار لارماتان. فازت مجموعته «العالق في يوم أحد» (التنوير، 2019) بجائزة الأدب للعام ٢٠٢١. ينشر مقالات وترجمات في مجلات «القافلة» و«نزوى» وفي جريدة «أخبار الأدب» وفي موقع «معنى» الالكتروني.

شارب فريدا كالوعبد الله ناصرقصة قصيرة

Leave a comment

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Become a Member