المركز: كيف تعرف ما تكتب؟
نائل: أكتب أدبًا ونصوصًا غير أدبية، سأفترض أنك تسأل عن الروايات، خلال السنوات السابقة اهتممت بكتابة نصوص بين المأساة والملهاة، وأيضًا اهتممت بكتابة الدراما بشكل أساسي، ألعب مع الدراما، لا أمضي في الخط الدرامي حتى نهايته، بل أحاول أن يكون عشوائيًا بمقدار ما، بعيدًا عن الوصفة الدرامية التقليدية، أو الوصفة التي يمكن للمرء أن يتعلمها أو يدرسها.
هناك تعبير فكرت فيه منذ سنوات، كتابتي «شعوائية»، عشوائية وشعواء وشعثاء في الوقت نفسه، بمعنى أن العوالم واسعة وقد تحوي أي عناصر غير معتادة.
أما بالنسبة للمحتوى فأنا مشغول بفكرة الثقافة بمفهومها الواسع والعام؛ كيف يفكر الناس، كيف يكون الناس مثقفين بطريقتهم الخاصة، كيف أظهر ثقافة هؤلاء الناس؟ وكيف أكتب عن شخص من عامة الشعب، كيف يمكنه أن يأخذ مواقف نيرة، بينما كيف للمثقف أن يأخذ مواقف غبية؟ يمكن القول أني مهتم بتوسيع فكرة الثقافة، بحيث تشمل الذاكرة والإيمان والفن الشعبي وبحث الإنسان عن معنى لحياته، وهي أنشطة يمارسها الجميع وليس ما يُعرف بـ«المثقفين» وحسب. أهتم كثيرًا لما يقوله العامة، مهما بدا متأخرًا أو غبيًا، لكنه أفكار في النهاية. أحيانًا ألعب اللعبة الأخرى، العكسية، كيف تحرك الاحتياجات اليومية المثقفَ وليس الأفكار الكبرى. باختصار، تثيرني فكرة خلخلة الحدود بين الثقافة الرفيعة والثقافة العامة، وينطلق اهتمامي هذا من ولائي الكبير لفكرة الثقافة، أي كل ما يتجاوز السعي للطعام والشراب والربح المادي.
المركز: ما الحدث صاحب التأثير الأكبر على ما تكتب؟
نائل: أثرت عليَّ دراسة اللغة العبرية، ولا يزال تأثيرها أساسيًا عليَّ وعلى ما أكتب حتى الآن، بسببها ومن دون إرادة مني أصبح لديَّ هم سياسي، وهو ما لم يكن عند الكثيرين ممن حولي من الكتاب الذين رفضوا القضايا الكبرى وعندما بدأت الكتابة كنت متأثرًا بهم، كل ما قرأت في ذلك الوقت كان ينحو إلى الذاتية والتجريد المبالغ فيه، بينما كنتُ مهتمًا بالسياسة بتأثير دراسة العبرية.
هناك تأثير آخر وهو المدونات في الفترة من 2005 إلى 2011، تكونت ككاتب في تلك الفترة، كانت الفكرة الأساسية في كتابة المدونات هي أن أكتب بلا خوف، سياسي أو أسلوبي، حيث لم أكن خاضعًا لما هو معتاد؛ خاصة أني كنت أعمل في جريدة «أخبار الأدب»، وهي جريدة أدبية رصينة ومعروفة، وما يُكتب هناك يجب أن يكون داخل إطار معين، بينما مثلت المدونات الحرية المطلقة.
بالطبع، هناك حدث ثالث ذو تأثير كبير وهو ثورة 2011.
المركز: ماذا تقرأ الآن؟
نائل: أقرأ الآن «دلالة الحائرين» لموسى بن ميمون، مستمتع باكتشاف الثقافة اليهودية العربية في العصور الوسطى، مستمتع أيضًا بقدرتي على تحديد مصدر فكرة ما، من الفقه الإسلامي أم من الشريعة اليهودية، كما ألاحظ اهتمام فقهاء اليهود باللغة، وهو أمر مبنى على اهتمام العرب باللغة، ولأن اللغتان متشابهتان، فيمكن وضع قواعد نحوية متشابهة في كلتا اللغتين. «دلالة الحائرين» مكتوب بالعربية، لكن المواضيع مختلفة تمامًا عما يُكتب بالعربية؛ «رب إسرائيل» على سبيل المثال، وأيضًا الحديث عن «شعب إسرائيل»، وكيف أن «سيدنا موسى» شخصية أساسية في النص وليس «سيدنا محمد». دائمًا ما نربط بين اللغة العربية والإسلام، ولذلك تثيرني العربية عندما تعبّر عن عقائد أخرى، نفس الشخص، بطباعه ومشاعره وأسلوبه، ولكن بأفكار مختلفة. أجد هذا مثيرًا للغاية.
منذ مدة قصيرة أعدت قراءة كتاب أسامة الدناصوري «كلبي الهرم كلبي الحبيب»، وأيضًا كتاب محمد أبو الغيط «أنا قادم أيها الضوء»، قرأتهما في الوقت نفسه، وأدهشني كيف يمكن التعبير عن تجربة الألم من جيلين مختلفين، التسعينيات وجيل الثورة، ومن فنين مختلفين، الدناصوري قادم من منطقة الشعر وأبو الغيط من الصحافة.
كما أقرأ العديد من المسودات التي يرسلها الأصدقاء لإبداء الرأي فيها.
لا أستطيع أن أقول أني أقرأ في موضوع بعينه، قراءاتي عشوائية تمامًا.
المركز: ما الشخصية الخيالية التي تفضل أن تكونها؟
نائل: أكونها وليس أكتب عنها؟ هذا سؤال غريب، لم أفكر قط في هذا الأمر، ليس عندي طموح أن أكون شخصًا آخر. لكن يمكنني أن أخبرك بشخصية أحبها، بينوكيو، أحب الحكاية نفسها كثيرًا.
المركز: ما «مخدرك» المفضل؟
نائل: الويد أو الحشيش! يصفيان أفكاري بشكل عجيب. تعوّدت أثناء إقامتي في برلين على الكتابة نهارًا، وتحرير ما كتبته ليلًا، بعد نوم الأولاد، مع جوينت ويد أو حشيش، وأقضي ساعتين أعمل على النصوص من دون تواصل مع أي إنسان، وهذا يساعدني على ضبط إيقاع النص. وهو ما يتعارض مع نصيحة قرأتها مؤخرًا لهيمنجواي، لو لم تخني ذاكرتي: اكتب سكرانًا، وحرّر عندما تفيق.