محيط اللاجئين - فرضية مثيرة للاهتمام

30 أكتوبر، 2023
موسيقيان لاجئان عبر القارات واستمرارية الفضاء الزمني، عندما يلتقيان يبقى لقاؤهما مشوقًا حتى النهاية.

 

ناتاشا تاينز

 

تدور رواية "محيط اللاجئين" للكاتب بول توتونغي حول لاجئين محاصرين تتشابك حياتهما عبر العصور والمحيطات. الرواية مثيرة للاهتمام، ولفترة من الوقت، تبقي القارئ في انتظار أن ينسج المؤلف مسارات بطليه معًا، اللذين ترتبط حياتهما بشكل وثيق من خلال مقطوعة موسيقية واحدة من تأليف أحدهما وعزف الآخر. لسوء الحظ، مثل هذا الاندماج بينهما لا يحدث أبدًا. السرد، الذي تم تقديمه في نثر جميل طوال الرواية، يتعثر في المنتصف، عندما يصبح من الواضح أن العلاقة بين الشخصيتين لن تتجسد أبدًا، ثم تصبح الأمور أسوأ عندما تختم الحكاية بما قد يجده بعض القراء نهاية مضادة للذروة.

محيط اللاجئين.

الشخصيات جذابة بما فيه الكفاية. إحداها هي مارغريت توتونجي، لبنانية موهوبة موسيقيًا ولكنها محبطة بسبب المجتمع الأبوي الذي يقيد روحها الإبداعية. (في إهداء الكتاب: "من أجل ابنة عمي، مارغريت توتونجي"، لذا إذا كنت تحب ألعاب الحقيقة/الخيال فستسمتع بهذه الرواية). والآخر هو عازف البيانو المعجزة نعيم رحيل، وهو لاجئ مراهق من حلب، سوريا، فقد عائلته، بالإضافة إلى جزء من يده، في الحرب الأهلية السورية المستمرة. تسرد قصصهما في فصول بالتناوب.

بلسان الراوي العليم، نلتقي بمارغريت المتمردة في موطنها بيروت في الأربعينيات. تحلم بالسفر إلى فرنسا ودراسة الموسيقى في كونسرفتوار باريس، لكن عائلتها تمنعها، وتريدها أن تضع أحلامها جانبًا وتتزوج من رجل لا تحبه. تناقشهم بحدة حول مكانة المرأة في المجتمع وتحاول التشبث بموهبتها الموسيقية للهروب من سجنها المنزلي. عندما تم قبولها في مدرسة موسيقى مرموقة في أوروبا، تشعر أنها حصلت على عفو: "يا له من شيء لا يصدق. تذكرت على الفور كلمات أم كلثوم في الليلة السابقة. إذا لم يكن العالم هو الذي يفتح لها الطريق الآن، فهي لا تعرف ما قد يكون هذا".

للأسف، منعها والداها من مغادرة لبنان.

عندما تلتقي مارغريت بأدولفو، ابن مزارع التبغ الكوبي، في حفل رقص رسمي، تقع في الحب على الفور. ومع ذلك، فإن علاقتهما تواجه تحديًا بسبب اضطراره للعودة إلى بلاده. بطريقة ما، تمكنت مارغريت من عبور المحيطات بمفردها لتلاحق حبها.

قضت مارغريت في كوبا وقتًا سعيدًا مع أدولفو. ولكن هذا هو كل ما تم الكشف عنه لنا، كيف هي حياتها اليومية؟ كيف تعلمت التحدث باللغة الإسبانية بهذه السرعة؟ هل تحاول الاتصال بوالديها؟ هل تقوم بتكوين صداقات جديدة؟ لا نعرف شيئًا من هذه التفاصيل، ما يجعل المشاهد في كوبا تبدو متعجلة وغير مكتملة، حتى وهي مشحونة بمعلومات غير ضرورية لا تؤدي إلى شيء، مثل صراعها مع العقم. يبدو أن المؤلف يدرك أنه لم يعد لديه شيء يُذكر عندما يتعلق الأمر بقصة مارغريت، حيث عطلت الثورة الكوبية في الخمسينيات حياتها السعيدة فجأة.

قصة نعيم، التي تبدأ في العام 2014 ويرويها أيضًا راوٍ عليم، ترتبط ارتباطًا وثيقًا بقصة مارغريت. يرى نعيم مارغريت وعائلتها كأشباح تحوم حوله وهو يعزف المقطوعة الموسيقية التي ألفتها.

بعد فترة قصيرة في مخيم الزعتري للاجئين في الأردن، تمكن هو ووالدته بطريقة أو بأخرى (ومن دون أن يقدم المؤلف الكثير من التفاصيل) من السفر إلى ضواحي واشنطن العاصمة، حيث يتعين عليهما التكيف مع كونهما مهاجرين في أمريكيا. تتبع حياة نعيم في الولايات المتحدة مجازًا مبتذلاً يتمثل في مواجهته شكلًا من أشكال التمييز، واحدًا تلو الآخر. إنها قصة مهاجر طيب القلب يشعر بالحنين إلى الماضي مقابل أمريكيين قوميين غاضبين يستخفون بمن لا يتحدثون باللغة الإنجليزية. نعم، هذه المواقف موجودة، لكن تجارب المهاجرين الأكثر دقة كان من شأنها أن تخدم القصة بشكل أفضل.

في الواقع، يبدو غضب نعيم المستمر وافتقاره إلى الحماس تجاه كل شيء أمريكي أمرًا بعيدًا عن الواقع بالنسبة للمراهق الذي نشأ على الأرجح وهو يشاهد الأفلام الأمريكية، ومن المحتمل أيضًا أن يشعر ببعض الاهتمام بتجربة ثقافة جديدة ومثيرة. وبغض النظر عن ذلك، يقدم نعيم بعض الملاحظات الدقيقة عن الحياة الأمريكية والتي كنت أتمنى أن يكتب عنها المؤلف أكثر، بدلاً من موضوع الأمريكيين العنصريين الذي تم الإفراط في الكتابة عنه. خذ بعين الاعتبار، على سبيل المثال، وفرة الأعلام في جميع أنحاء المدن الأمريكية:

لطالما فاجأت قوة الأعلام نعيم. لم يكن من المنطقي مقدار المشاعر التي يمكن أن يستحضرها شريط من القماش الملون، أو في هذه الحالة، عديم اللون. لقد كانت تجسيدات مركزة ومكثفة للعديد من المشاعر: الحنين إلى الوطن، والغضب - أو وجع القلب - من الانتماء إلى بلد، أمة تؤمن بها. لقد شعر بذلك مرات عديدة، عندما رأى الأعلام تحترق في الشارع في حلب، رؤية العلم الأردني في الزعتري، رؤية الأعلام الأمريكية في الجمارك في دالاس. رؤية هذا العلم الآن. لقد شعر بذلك في جسده، عميقًا وقويًا.

تساءلت أيضًا عن مهارات نعيم المتوسطة في اللغة الإنجليزية على الرغم من دراسته في مدرسة دولية في سوريا. في الواقع، على عكس مارغريت، فإن تفاصيل حياة نعيم ومكانته الاجتماعية قبل الحرب غائبة. وهذا مهم لأن مثل هذه المعلومات كان من الممكن أن تساعد القارئ على فهم بعض ردود أفعال نعيم تجاه لقاءاته المختلفة في مخيم الزعتري للاجئين، ولاحقًا في الولايات المتحدة. على سبيل المثال، يواجه صعوبة في إجراء محادثة أساسية في محل بقالة وفي بنك الطعام، ويبدو غافلاً عن العالم خارج منطقته الأصلية.

النغمة الكئيبة العامة في "محيط اللاجئين" جعلتني أفتقد بعض الشخصيات الخيالية السابقة التي كتبها توتونغي، على سبيل المثال، كوسي، من "أيام كنيفل الشرير" على الرغم من أن تلك الرواية تناولت موضوعات معقدة وتعمقت في تعقيدات الهوية والتراث والعائلة، إلا أن توتونجي منح كوسي حسًا فكاهيًا قاتمًا، ما خفف من الموضوعات المتشائمة.

ولكي أكون منصفة، لم يكن على كوسي أن يتعامل مع أي شيء مأساوي مثل نعيم. ومع ذلك، كنت أتوق إلى شيء أقل كآبة في نبرة صوت نعيم أو إلى مثال يجد فيه بصيص أمل أو سعادة رغم وضعه الصعب. بدلاً من ذلك (من دون احتساب نهاية الرواية الهوليودية الفاشلة)، فإن نعيم حزين باستمرار وغاضب أيضًا من كل شيء وكل شخص. يمكننا أن نفهم ذلك، لأنه فقد أفرادًا من عائلته في الحرب في سوريا، لكن من غير المعقول والمحبط في نفس الوقت أنه فشل في رؤية أي شيء جذاب في بلده الجديد.

بشكل عام، وخاصة في البداية، تُظهر "محيط اللاجئين" إمكانات كبيرة، خاصة مع نثر توتونغي البارع. لكن الاعتماد على المجازات البالية، والاندفاع عبر الوقائع المنظورة المهمة، ونهاية كومبايا الأنيقة تعني أن الرواية لا تقارن بعمله السابق. ولعل الأمر الأكثر إحباطًا على الإطلاق هو أن تبلور المدى الكامل للعلاقة بين البطلين، وهو الأمر الذي ننتظره لأكثر من ثلاثمائة صفحة، ليس فقط مضادة للذروة، ولكنها تتخذ أيضًا شكلاً خارقًا للطبيعة يتعارض مع نغمة الرواية الواقعية بشكل عام.

 

ولد بول توتونغي في عام 1976 لأب عربي وأم لاتفية. يتحدث اللاتفية والفرنسية والقليل من العربية. تم نشر أعماله في The New Yorker, Granta, The Yemen Observer, The New York Times, Zoetrope: All-Story, Outside Magazine, One Story, Sports Illustrated ، وأماكن أخرى.  فاز بجائزة Pushcart وكان زميلًا في Hawthornden. ترجمت كتبه الأربعة إلى البرتغالية والإيطالية والألمانية واللاتفية. وهو حاصل على درجة الدكتوراه في ما بعد الاستعمار من جامعة كورنيل، يدرس الآن في Lewis & Clark College.

ناتاشا تاينز هي كاتبة أردنية أمريكية تعيش في ولاية ميريلاند، مساهمة منتظمة في العديد من الإصدارات، بما في ذلك Washington Post, Nature Magazine, Elle, Esquire وغيرها. ظهرت قصصها القصيرة في Geometry, The Timberline Review, Fjords.. فازت قصتها القصيرة "Ustaz" بجائزة في مهرجان F. Scott Fitzgerald الأدبي السنوي المرموق. وهي مؤلفة الرواية الأدبية التأملية "أطلقوا عليَّ اسم وايت" They Called Me Wyatt. تستضيف البودكاست، اقرأ واكتب مع ناتاشا ، Read and Write with Natasha حيث تتحدث مع المؤلفين والناشرين وتناقش رحلة القراءة والكتابة. تعمل حاليًا على روايتها الثانية.

كوبامهاجرونلبنانلاجئون سوريا

1 تعليق

اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *