"المينيسكيورات" - مقتطف من رواية تاريخ آلهة مصر

3 مارس، 2024،
تشعل تماثيل الأنبياء والحكايات التوحيدية المقدسة الكبرى النارَ في حياة فنان من الدرجة الثانية وعائلته، من رواية محمد ربيع تاريخ آلهة مصر.

 

محمد ربيع

ترجم النسخة الإنجليزية عن العربية روبن موجر

 

نوح - والد إسماعيل - كان نحَّاتًا فاشلًا، في الأصل هو موظف حكومي عادي، واحد من ملايين، عاش مع عائلته في فيلَّا صغيرة في المعادي ورثها عن والده. لكنه للأسف ظن أنه فنان حقيقي، كان يستطيع عمل تماثيل صغيرة لأشخاص وحيوانات ومبانٍ وأشياء، سمَّاها "مينيسكيورات"، ويبدو أنه استمر يصنعها دون أن ينتبه إلى أنها أشياء بلا قيمة، كانت تماثيله صغيرة، الواحد بطول عشرة سنتيمترات؛ فلاحة واقفة تحمل مشنَّة خضار، فلاحة تحمل بلاصًا، عسكري شرطة بشارب كبير. 

وتهوَّر فصنع تمثالًا لامرأة عارية تضع يديها في جنبيها وتبرز ثدييها، ظل ينظر إليه ويبتسم من جمال اللمحة الجنسية البادية على التمثال. كان يمكن لأعماله أن تُباع للسياح بأسعار جيدة نسبيًّا، كان من الممكن أن يتحول النحات نوح إلى فنان شعبي يصنع الكثير من النسخ الصغيرة لمينيسكيوراته، لكنه قرر أن يكون فنانًا، يصنع قطعة مينيسكيور واحدة مميزة فقط لكل شخصية، ثم يصنع قطعة أخرى لشخصية أخرى وهكذا، فنان كبير مثل سلفادور دالي، وليس فنان شعبيًّا حقيرًا يصنع تماثيل حقيرة ليبيعها لتجار خان الخليلي.

تاريخ آلهة مصر لمحمد ربيع.
تاريخ آلهة مصر لمحمد ربيع من إصدارات التنوير.

عندما وصل أخيرًا إلى ناجي عناني، الرسام المشهور، تعامل معه بأريحية ومحبة، كأنهما فنانان زميلان على القدر نفسه من الموهبة والخبرة، بعد جلسة طويلة تكلما فيها عن موضوعات متنوعة أخبره أنه صنع مئات التماثيل الصغيرة، قال له: "مينيسكيورات"، وناجي عناني فهم منذ لحظة أن بدأ حديثه عن الفن أن الرجل ضايع، ومنعه الأدب والتواضع من إنهاء الجلسة والإعراض عنه، وبعد دقائق تجرأ الفنان نوح وطلب من الفنان ناجي أن يزوره في بيته، كي يطلع على مينيسكيوراته. 

كان نوح يتمتع بالسماجة المصاحبه لمن يعرف أنه ليس فنانًا أصلًا، مع أنه - للأسف - كان يظن أنه فنان حقيقي، آمن بأنه فقط بحاجة إلى شخص معروف يساعده في الوصول إلى الشهرة، إلى معرض أو جاليري أو ناقد فني أو فنان شهير. وعندما أحس أن ناجي قد يهرب منه، استخدم كل ذكائه، وقص عليه الحكاية الشهيرة، عندما سجد أحد المهووسين أمام ناجي في أحد المعارض، وأعلن بصراحة أنه يعتبره إلهًا ويعبده. وكما تراجع ناجي مرتعبًا حينها، تراجع على الفور عن أي رفض وقبل دعوة نوح. وعلى الفور أيضًا، طلب منه نوح أن يرافقه إلى البيت الآن في هذه اللحظة.

في البيت أخذ نوح يخرج مينيسكيوراته واحدًا تلو الآخر من الدولاب القديم الذي يحتجزها فيه، ووضعها متراصة على طاولة أمام ناجي، الذي أدرك، عندما رأى أول مينيسكيور، أنه ورَّط نفسه، وعندما اكتملت المجموعة لم ينتظر سؤاله، بل قال له كل ما في جعبته من مديح للمينيسكيورات وله كفنان نحَّات محترف.

لكن نوح لم يقتنع بسرعة، ثمَّة شيء غريب في الموقف كله، مثلًا، كان يعلم أن مينيسكيور "الميكانيكي الأبيض" سيئ جدًّا، زبالة، وأن مينيسكيور "الإوزة التي تبيض بيضًا عاديًّا وليس بيضًا ذهبًا" أفضل منه بكثير، وإذا كان هذا واضحًا له كفنان هاوٍ، فبالتأكيد واضح أيضًا لناجي الفنان المحترف، لكنه لم ينتقد مينيسكيور الميكانيكي، ولا مينيسكيور الإوزة، ولا أي مينيسكيور وسط المينيسكيورات الكثيرة المعروضة على الطاولة أمامهما.

غاضبًا قليلًا، سأله:
- طيب، ما الذي ينقص المينيسكيورات؟

- لا شيء، لا أرى أي شيء ناقصًا.

- لا شيء؟ مثلًا، ماذا عن الخطوط العامة؟

- لا لا، الخطوط العامة ممتازة، مثالية.

- طيب والتلوين؟

- التلوين ممتاز، تابع التلوين بهذه الطريقة الممتازة.

- الكتلة؟

- الكتلة؟

- نعم الكتلة، ماذا عنها؟

- الكتلة موفَّقة!

- موفقة؟

- نعم، أفضل ما يمكن أن يحدث للكتلة أن تكون موفقة، وهذه كتلة موفقة!

- موفقة!

- موفقة جدًا!

- موفقة جدًا؟

- موفقة جدًا!

كان نوح قد بدأ يتأفَّف، وحينما أدرك ناجي أنه سينكشف قريبًا جدًّا قال له:- لكن ينقص التما... المينيسكيورات، الإطار ذو المعنى.

كاد نوح يقع أرضًا من الرعب، ها هو شيء كبير جدًّا، إطار وله معنى ينقص مينيسكيوراته، سأله بلهفة: 

- ما هذا؟ هل هو تكنيك جديد في النحت؟

- لا لا، هذا ليس شيئًا مهمًّا، يمكنك أن تنتج فنًّا ممتازًا دون أن يكون له إطار ذو معنى.

- لكن من الأفضل أن أنتج فنًّا له إطار ذو معنى!

- هذا صحيح.

وأطلق ناجي رصاصة الرحمة:- بالطبع أنت لن تسألني كيف تفعل ذلك.

- لماذا لن أسألك؟

وتلقى نوح الرصاصة في رقبته:
- لأن الفنان الحقيقي ليس بحاجة إلى أن يسأل هذا السؤال.

ظل نوح يبحث عن الإطار ذي المعنى شهورًا طويلة، لم يسأل أحدًا بالطبع، فالرصاصة لا تزال في رقبته، لكنه أخذ يعيد قراءة كتب الفن في مكتبته بسرعة شديدة، باحثًا بعينيه عن كلمتي "إطار" و"معنى" دون أن يوفَّق في إيجاد ما يمكن أن يكون إطارًا ذا معنى.

ويبدو أن كثرة متابعة التلفزيون ساهمت بقوة في إيجاد ما يبحث عنه.

أثناء التنقل بين القنوات التلفزيونية الثلاث في أحد أيام الجمع، لفت سمع نوح اسم "لوط" عندما ورد على لسان الشيخ الشعراوي، كان الشعراوي حاضرًا كعادته كل يوم جمعة في التلفزيون المصري، يفسِّر آيات قليلة من القرآن للناس بعد صلاة الجمعة، وبصفته فنانًا ملحدًا، لم يكن نوح يهتم بالشعراوي أو الصلاة أو أي شيء له علاقة بالأديان بشكل عام، كان يتعالى على هذه الأشياء ويرى أنها غيبيات وخرافات لا يجدر بعقله الانشغال بها، ومن الأفضل أن يفكر في فنه ومينيسكيوراته. لم يكن يكره تلك الأشياء، لم يكن يحبها أيضًا، كانت أشياء موجودة فقط. لكن قصة لوط كانت بالذات تلفت نظره، كل ما فيها غريب جدًّا، بداية من البلد الذي يحب رجاله بعضهم بعضًا، وحتى النبي الذي بقيَ فيه دون سبب واضح.
 

كعادته أعاد الشعراوي حكاية القصة كلها، لم يكن هناك جديد بالطبع، فقد قرأها نوح وسمعها مرات عديدة، وقرب النهاية عندما هرب لوط وزوجته من قريته بناء على نصيحة الملائكة، قال الشعراوي إن التوراة تقول إنها - زوجته - تحوَّلت إلى عمود من الملح، وإن القرآن قال إن الله أهلكها، وكعادته سأل الشعراوي الحاضرين أمامه سؤالًا استنكاريًّا: "لماذا يا ترى أهلك الله امرأة لوط؟".
 

كان هذا الجزء غير مهم بالنسبة لنوح حتى تلك اللحظة، ذلك أنه كان يظن أن الحكاية المهمة كلها تنتهي عند تدمير قرية لوط، وأن هذا هو الهدف من الحكاية كلها، ولم ينتبه من قبل إلى أن الحكاية الصغيرة الملحقة بالحكاية الكبيرة مهمة أصلًا.

انتبه نوح بشدة لما سيقوله الشعراوي، أجاب عن سؤاله قائلًا: "لقد أهلكها الله لأنها..." وانقطعت الكهرباء.
ومع انقطاع الكهرباء، والصمت الذي اتضح جليًّا جراء انعدام صوت الشعراوي الرخيم، ومع الضوضاء التي تأتي خافتة من الشارع، قرَّر نوح أنه وجد الإطار ذا المعنى الذي سيضيفه إلى مينيسكيوراته؛ سيصنع مينيسكيورات صغيرة للأنبياء كلهم، سيضعهم في المشاهد الشهيرة المذكورة في الحكايات التوراتية/القرآنية. دارت في رأسه ملايين الصور والتماثيل للأنبياء المرسومين والمنحوتين في عصر النهضة، وقرَّر أنه سيعيد هذا التراث البشري المهم إلى الواجهة مرة أخرى، هذه المرة منحوتًا على شكل مينيسكيورات صغيرة لا يتجاوز طول الواحد منها عشرة سنتيمترات، كان هذا الإطار، وهو من الواضح أنه ثابت، أما المعنى فسيتغيَّر طبقًا لكل حكاية.

خطَّط في رأسه لمينيسكيور لوط، مشهد كبير يظهره وهو يسير مبتعدًا عن سدوم الظالمة، بينما تشتعل فيها النار بلهب أصفر براق يعلو نحو السماء، أما بالنسبة لزوجته، فكانت الخطة أن يضع لمبة نيون بشكل رأسي بدلًا منها، في لمسة ما بعد حداثية جميلة. والمعنى في حكاية لوط يتمثل في الآتي: لقد حذَّر الملائكة لوط وعائلته من النظر إلى الخلف، حيث المدينة المحترقة بغضب الله، لكن زوجته نظرت، على الرغم من التحذير، وتألمت لمشهد مدينتها وهي تحترق، وحزنت، وشعرت بأن ظلمًا ما وقع على أهل مدينتها، ومن أجل كل هذه المشاعر الإنسانية غضب الله عليها وعاقبها بتحويلها إلى عمود من الملح/لمبة النيون.

عندما عادت الكهرباء بعد ساعة، كان نوح لا يزال جالسًا في الصالة الخلفية للفيلَّا يحدق في شاشة التلفزيون، لا يميز الشخصيات والألوان والضوضاء الصادرة عن الصندوق المضيء، بل كان يخطِّط لصنع مشاهد توراتية/قرآنية أخرى، تخيل الأنبياء كلهم منحوتين على طاولة كبيرة في هذه الصالة بالذات، طبقًا لترتيب ظهورهم الزمني، تخيل أن ينهي صنع التاريخ التوراتي/القرآني كله على الطاولة، ثم تخيل نفسه وهو ينظف الصالة كلها من بقايا الصلصال والأخشاب والألوان، ويدهن حوائطها باللون الأبيض، ثم يدعو أصدقاءه وفناني مصر جميعًا للاطلاع على موهبته الهائلة.

كان إسماعيل الصغير يلعب كعادته في الحديقة الصغيرة الملحقة بالصالة على بعد خطوات من أبيه، دخلت أمه دليلة إلى الصالة وألقت نظرة سريعة على التلفزيون وعلى نوح المستغرق في خيالاته وسألته: "ما لك؟"، وعندما لم يرد عليها نظرت عبر النافذة العريضة المطلة على الحديقة إلى إسماعيل، فتحت الباب ومرقت إلى الحديقة وجلست قربه على الكرسي البامبو الذي تحبه، قالت له إن الجو حار جدًّا، وإن عليه أن يشرب الكثير من الماء حتى يعوِّض النقص الناجم عن التعرق، ثم بدأت وصلة طويلة من الحوار الباسم الضاحك مع إسماعيل، سألته عن آخر اكتشافاته في الحديقة، أعلن أنه اكتشف دودة جديدة، رفع إصبعيه الممسكين بدودة لا تزال حية، فكرت دليلة أن هذا وقت مناسب تمامًا لتشرح له دورة النيتروجين في الطبيعة، ترددت للحظة وفكرت أنه في الثالثة عشرة ولن يفهم كل ما تقول، وربما فهم تفصيلة من كلامها بطريقة خاطئة، وفي النهاية قررت أن تبسِّط كلامها بقدر الإمكان، وشرحت له وكأنها تحكي حكاية ما قبل النوم.


عالم إسماعيل كان منحصرًا بين المدرسة واللعب في الحديقة الخلفية والمذاكرة نهارًا، أما ليلًا فاعتاد أن يبقى مع نوح في مرسمه، متنقلًا بين مقعد وثير كبير مكلمًا أباه، ومقعد خشبي عالٍ يجلس عليه كي يرى ما يصنع على طاولة العمل، وعندما يمل ما يرى، يخرج إلى الحديقة ويلعب حتى موعد نومه. 

لم يهتم نوح بالكلام مع ابنه عن الدين قَطُّ، لكنه اهتم بأن يحفظ إسماعيل سور القرآن القصيرة لجمالها اللغوي، اعتاد أن يشغل الشيخ المقرئ عبد الباسط ليسمع إسماعيل صوته الجميل، كان يحب أيضًا صوت الشيخ المقرئ أبو العينين شعيشع، كان يرى أنه صوت يليق بمغني أوبرا محترف، يستطيع أن يصل بسرعة من طبقة التينور إلى طبقة الكاونتر-تينور، قدرة نادرة الوجود بين البشر، إسماعيل لم يكن يعجبه صوت أبو العينين قَطُّ لأنه آلم أذنه كثيرًا، لكنه مع ذلك استمتع كثيرًا بمتابعة نوح كل يوم وهو يصنع المينيسكيورات، اعتاد أن يتابعه وهو يجلس إلى طاولة العمل ممسكًا بقبضة من الصلصال في يده، يعبث بها لتصبح أكثر طراوة ثم يشكلها ببطء ثم يلونها بألوانه الصارخة، وعندما ينتهي من عمل جميع المينيسكيورات المشتركة في المشهد التوراتي/القرآني، يشرع في وضعها على لوح خشبي رقيق، يضع كل مينيسكيور في موضعه ليشكل الجميع المشهد المطلوب. في أثناء ذلك كان نوح يحكي لابنه الحكاية التوراتية/القرآنية التي يصنعها.

عندما لاحظ أن الولد بدأ في مناقشته بخصوص الحكايات، وأخذ يبدي التعجب والدهشة والذهول وعدم التصديق أحيانًا، شرع نوح في عقد مقارنات بين الحكاية التوراتية والحكاية القرآنية، ووضَّح له أن الحكايات تتعارض وتتشابه طوال الوقت، وأن التشابه مفهوم بالطبع، لكن اكتشاف سبب التعارض يحتاج بحثًا طويلًا. 

اعتاد نوح أن يعمل على المينيسكيور ويحكي حكايته في الوقت نفسه، واعتاد إسماعيل أن يستمتع كثيرًا بأداء أبيه؛ يحكي وهو مندمج في العمل، ثم يصمت قليلًا لأن هناك جزءًا من العملية يحتاج إلى تركيز، ثم يتابع العمل والحكي بصوته ذي النبرات المسرحية المتغيرة، ثم يكف عن لهجته الحكائية الهادئة، ويتوقف عن العمل على المينيسكيور، ويطلب منه أن يأتيه بقبضة جديدة من الصلصال، أو بعلبة لون، أو بسكين رفيعة، أو بقطعة قماش قديمة، وبعدما يأتيه بما يطلب متحمسًا لأنه ساعد أباه، يعود إلى مقعده ويعود أبوه إلى عمله وحكاياته.


يومَ سأل الأستاذ أحمد - أستاذ اللغة العربية والدين - إسماعيل عن عمل أبيه، قال له بفخر طفولي:
- نحَّات، فنَّان يعني.

شخص آخر غير الأستاذ أحمد الهادئ كان ليسخر من الطفل الفخور، لكنه فكر بشكل إيجابي، وسأله أن يوضح لزملائه ماذا يفعل النحات:

- ينحت مينيسكيورات، ينحت الأنبياء، ينحت يوسف وهو شابٌّ جميل وزليخة تجري خلفه.

منعت الصدمة الأستاذ أحمد من إيقاف إسماعيل عن الكلام، فتابع بحماسة:- ينحت محمد مع أبو بكر وهما مختبآن من الكفار في كهف مظلم.

لم يتمكن الأستاذ أحمد من البقاء صامتًا، لكنه أيضًا سيطر على نفسه ولم يغضب، لم يصرخ أو يصيح، فقط شكر إسماعيل والتفت إلى أحد زملائه وسأله عن عمل والده.

في اليوم التالي، وفي حصة الدين، قال الأستاذ أحمد إن من ينحت تماثيل سيدخل النار مع الكفار، وقال أيضًا إن من ينحت تماثيل للأنبياء سيدخل النار ولن يخرج منها أبدًا. قال إن ذلك حرام حرام حرام، وكعادته، استطرد الأستاذ أحمد في وصف عذاب القبر، وعذاب النار، وأعاد للمرة العاشرة وصف حرق جلد المعذَّبين في النار، ثم استبدال الجلد بجلد جديد، قال إن كل هذا مذكور في القرآن الكريم، وأكد على أن العلم الحديث أثبت أن الإنسان يشعر بالألم في جلده فقط، وهو ما يؤكد الإعجاز العلمي في القرآن الكريم.

في ذلك اليوم عاد إسماعيل إلى البيت وهو خائف وحزين، النار ستأكل جلد أبيه، ثم سيعطيه الله جلدًا جديدًا، حسب كلام الأستاذ أحمد، ثم سيحرقه مرة أخرى، ولا يبدو أن العملية ستنتهي. كان موضوع النار يحزنه جدًّا، لم يكن يريد أن يحترق هناك في الظلام والحر والماء الساخن والفحم والنار المشتعلة والبوتاجاز والفرن والشواية، لم يكن يريد أن يرى أباه يحترق دون أن يستطيع أن يساعده، بل كان يريد أن يبقى مع أبيه وأمه في المكان الجميل الذي يسمى "الجنة"، وتمثل الحل الوحيد في أن يطلب من أبيه أن يكف عن عمل المينيسكيورات. 

في ذلك الوقت كان نوح قد عمل جميع مينيسكيورات التوراة/القرآن على أتم ما يكون، مرتَّبة ترتيبًا زمنيًّا من آدم وحتى محمد، من البداية حتى النهاية. وبدا كل شيء جميلًا حقًّا، عالم نوح الصغير الذي أخذ يتأمله أثناء بنائه، والأجمل أنه حافظ على الإطار، وعلى المعنى أيضًا.

مثلًا، ولأنه كان مهتمًّا بشكل خاص بالتاريخ اليهودي، ولأن حكاية التيه في سيناء مدة أربعين عامًا كانت مثيرة جدًّا بالنسبة إليه، صنع نوح مينيسكيورات لعدد هائل من اليهود، مئات المينيسكيورات الصغيرة كل واحد بطول سنتيمترين، كلهم مستلقون على الأرض في واحة ظليلة وسط الصحراء، وضعهم قرب الرقعة البلاستيك الزرقاء النحيلة التي تمثل نبعًا، أو تحت النخلات الخشب التي تفرقت هنا وهناك، أو داخل الخيام العديدة المنصوبة حول النبع، وكتب على صفيحة معدنية رقيقة قرب إحدى خيامهم: "التيه البيزنطي"، كان يريد أن يؤكد من خلال ما صنع أنهم لم يتيهوا قط، بل فقط كانوا كسالى. وعندما أنهى المينيسكيور، أخذ يتأمله وهو يفكر إن كان ذلك المعنى سيصل للمشاهد أم لا، ثم قرر أن يتركه دون تغيير، فربما يخدم الغموض عمله الفني.

وأيضًا، كيف نقل نوح، النبي وليس النحات، كل تلك المخلوقات في السفينة؟ صنع نوح كرة أرضية صغيرة، قطرها عشرون سنتيمترًا تقريبًا، وفوقها، عليها، تكاد تمسها من المنتصف، وعدد قليل من العصي الصغيرة تحافظ على اتزانها على الكرة، تستقر سفينة ضخمة في حجم الكرة تقريبًا، ترتفع حوالى عشرين سنتيمترًا، وطولها من الأنف إلى الذيل قرابة ثلاثين سنتيمترًا. الكرة الأرضية زرقاء تمامًا بفعل الدهان البلاستيك الذي يغطيها بالكامل، بينما يبدو من حجم السفينة أنها كبيرة بما يكفي لاستيعاب كل المخلوقات الأرضية في جوفها، ولا بد لمشاهد المينيسكيور أن يتساءل عن حجم الأخشاب المطلوب لصنع سفينة كهذه، وإن كانت الكرة الأرضية قادرة على إنتاج كل هذا الخشب أصلًا، وكل مساحة القماش المطلوبة لصنع كل تلك الأشرعة، وعن ضرورة الأشرعة أصلًا في حالة غريبة كهذه، وعن مدى اتزان السفينة على الكرة، ومدى اتزان عقل الفنان نفسه. كتب نوح على الكرة الزرقاء: "هناك مكان للبكتيريا أيضًا".

وأيضًا، صنع نوح مينيسكيوره الأثير "يسوع، ثلاث دراسات فيزيقية"؛ صنع ثلاثة صلبان كبيرة نسبيًّا ومتطابقة، وحول كل واحد منها تقف المجموعة نفسها من الأشخاص؛ عدة نساء، وعدد أكبر من الرجال، وجنود يابانيون يرتدون ملابس عسكرية من الحرب العالمية الثانية. المجموعات الثلاث متطابقة تمامًا، في الأشكال والألوان والأماكن، لكن على الصليب الأول وضع نوح مينيسكيور صغيرًا لرجل أبيض البشرة، ذي لحية بنِّية مصففة بعناية، وعينين واسعتين شديدتي العمق، مصلوبًا ينظر إلى الأمام، جسده متناسق رشيق رجولي موضوع على الصليب بأناقة لا تُصدَّق. وعلى الصليب الثاني وضع مينيسكيور لرجلٍ مشوَّه الوجه يميل إلى الجانب ويبدو فاقد الوعي، جسده عارٍ تمامًا ومتسخ ومليء بالجروح وتغطيه الدماء ورأسه شبه محطّم ويظهر قضيبه صغيرًا بائسًا. بينما لم يكن هناك أي شيء معلق على الصليب الثالث. 

اعتاد إسماعيل الصغير أن يتأمل المينيسكيورات الموضوعة على الطاولة الكبيرة وينبهر بمهارة أبيه في النحت، اعتاد أن يفتح الكتب الفنية الكبيرة الخاصة بأبيه ويرى أعمال الفنانين العظام مرتبة زمنيًّا، رأى رسومات وتماثيل المسيح المختلفة، رجل مثبت على خشبتين بشكل سحري غير مفهوم، أحيانًا حزين، أحيانًا مبتسم ابتسامة خفيفة، وفي أغلب الصور بوجه محايد، وعندما ينتهي من تأمل كل الصور في أي كتاب، صور المسيح وغيره، ينقل بصره إلى مينيسكيور "يسوع، ثلاث دراسات فيزيقية"، ويدرك أخيرًا أن لا فارق بين ما فعله كل هؤلاء الفنانين وما نحته أبوه. ويزداد حزنه كلما فكر في أن كل هؤلاء من حقهم أن يرسموا وينحتوا المسيح وباقي الأنبياء، لكن أباه سيدخل النار لأنه فعل الشيء نفسه.

ومع مرور الوقت، انشغل إسماعيل الصغير بما أخذ يتعلمه ويكتشفه عن العالم الصغير المحيط به، وبدأت مشكلة دخول أبيه النار تختفي رويدًا رويدًا.

في أحد الأيام، بعد سنتين على انتهاء أبيه من صنع مينيسكيورات التاريخ التوراتي/القرآني، كان إسماعيل جالسًا على الأرض يتابع الحلزونات الصغيرة في حديقة الفيلَّا، يعيد اكتشافها للمرة المئة ويتأمل حركتها البطيئة على التربة أو على أوراق النباتات، حينها كان قد بدأ يهتم كثيرًا بالتوراة والإنجيل والقرآن، قرأ أجزاء كثيرة من الكتب الثلاثة وكما هو متوقع لم يفهم شيئًا، لكن أكثر ما أزعجه هو وضع التوراة والإنجيل في مجلد واحد اسمه "الكتاب المقدس"، ووضع القرآن في مجلد آخر اسمه "القرآن الكريم"، مع أن الله هو مصدر الكتب الثلاثة فلا معنى لأن يتم التفرقة بينها، أزعجه أيضًا أن عدد السطور في صفحة الكتاب المقدس، ونوع الخط المستخدم في الكتابة، يختلفان بشدة عن عدد السطور ونوع الخط المستخدم في صفحة القرآن الكريم، كان يفكر كل يوم أنه من الأفضل لو وضع أحدهم الكتب الثلاثة في مجلد واحد على حسب تاريخ الكتابة والصدور، التوراة ثم الإنجيل ثم القرآن، في ذلك اليوم البعيد قرر أنه سيعود إلى مرسم أبيه، سيأخذ أوراقًا كثيرة من الدرج، وبواسطة الدبابيس والغراء سيصنع منها مجلدًا ضخمًا، ثم سيكتب فيه بخطه الدقيق الكتب الثلاثة معًا.

فكَّر كثيرًا بخصوص اسم الكتاب، فكر إسماعيل أن التوراة والإنجيل اسمهما "الكتاب المقدس"، وأن القرآن اسمه "القرآن الكريم"، ولأنه كان يحب القرآن جدًّا لأن لغته العربية جميلة ومفهومة، قرر أن يسمي الكتاب الذي يحوي الكل "التوراة المقدس الإنجيل الجميل القرآن الكريم جدًّا"، كان يأمل بينه وبين نفسه أن يرضى الله عن عمله هذا، ومن ثم يعفو عن أبيه ويدخله الجنة.

كان قد ترك الحلزونات ونفض يديه في بنطلونه عندما سمع صوت دخول أبيه إلى الصالة.

ظل إسماعيل ساكنًا مكانه، سمع أباه يصرخ غاضبًا بكلمات غير مفهومة، ظن في البداية أن معه شخصًا آخر، ولما لم يسمع أي رد على صراخه تأكد أنه وحده يكلم نفسه. أحنى ركبتيه وتحرك ببطء وصمت نحو النافذة الكبيرة بين الصالة والحديقة، ثم رفع رأسه ببطء شديد إلى النافذة، سمع صوت خبطات عالية متتالية. 

عندما أطل إسماعيل على أبيه، كان الفنان نوح قد حطَّم كل ما قبل النبي نوح، توقَّف قليلًا، ثم رفع مقشته إلى الأعلى وهبط بها على الطاولة وهو يصرخ غاضبًا ويرتجف بعنف، تابع تحطيم باقي المينيسكيورات على الطاولة مباشرة، ثم أزاح الحطام بالمقشة إلى الأرض ووطأه بقدميه فتفتت تمامًا، كان يشتم ويصرخ بغضب، يكلم المينيسكيورات ويلومها، لم يكن كلامه مفهومًا بالنسبة لإسماعيل الصغير، لم يكن غضبه مفهومًا أيضًا.

أخفض إسماعيل رأسه ببطء وحذر، ثم أحنى ركبتيه وتحرك ببطء مرة أخرى إلى أقصى الحديقة الصغيرة خوفًا من أن يراه أبوه، إلى أن استقر خلف جذع شجرة قصيرة، كان حزينًا جدًّا لأن المينيسكيورات تحطمت، ولأن أباه كان غاضبًا، ولأنه كان يصرخ ويكلم نفسه ويغضب على أشياء لا تتكلم ولا تتحرك ولا عقل لها، أشياء هو من صنعها ولا تمثل أي ضرر له أو لأي أحد.

بعد دقائق، رأى النار ترتفع من داخل الصالة، أخذ اللهب يزداد توهجًا إلى أن حطم زجاج النافذة، ثم خرج أبوه من الباب وهو يحمل طفاية حريق حمراء كبيرة، وضعها إلى جانبه على الأرض ووقف يتأمل الصالة عبر النافذة، دخن سيجارة ببطء والنار تضيء وجهه وملابسه، انتظر إلى أن انتهى من السيجارة ونفضها إلى النار المشتعلة، أمسك بمقبض الطفاية ووجَّه فوهتها نحو النار، رش الرذاذ الأبيض عبر النافذة فانطفأت النار في ثوانٍ. 

تسللت رائحة الدخان قوية إلى أنف إسماعيل، وعلى الرغم من حزنه بسبب كل ما حدث، وعلى الرغم من أن أباه جلس على الكرسي البامبو وعاد يكلم نفسه بجمل غير مفهومة لكن بهدوء وبطء هذه المرة، كان يشعر براحة داخلية تعمُّه، كان متأكدًا من أن كل شيء على ما يرام الآن، لقد حطَّم أبوه كل المينيسكيورات، وأخيرًا لن يدخل النار بعد أن يموت، بل سيدخل الجنة معه.

 

ملاحظة المؤلف

كنت في الصف الأول الإعدادي، بعد ست سنوات من الدراسة الابتدائية، بدا لي وقتها أن السنة الجديدة خطوة أولى في طريق أكثر وعورة، كنت أظن أن المناهج ستكون أصعب، وأن القدرة على الحصول على درجات مرتفعة ستستلزم جهدًا مضاعفًا، الآن يتبين لي بوضوح أن الطريق الوعر لم يمر بالمناهج الجديدة حينها، بل بالاكتشافات المبهرة والتي لا تزال تتوالى حتى الآن، ربما في دليل على سذاجتي.

كنت حينها أدرس في السعودية، يقوم مدرس اللغة العربية الذي أحبه بشرح إحدى آيات القرآن، ويحكي حكاية موسى وفرعون التي كنت أعرف القليل جدا عنها، لا أذكر المادة، لكني أظن أنها كانت في سياق دراسة القرآن. 

كان المدرس يتابع الشرح بطريقته المحفزة على الاندماج معه، والدافعة لمحاولة الإجابة عن أسئلته السريعة القصيرة، يسأل بسرعة ليرفع البعض أذرعهم طالبين الإذن بالإجابة، فيأذن هو لمن يثق أنهم سيجيبون الإجابة الصحيحة، فقط كي لا يتعثر إيقاع حكيه السريع.  

وصل المدرس إلى الآية القرآنية التي تشير إلى "القوم الظالمين"، والتي سأعلم أنها ستتكرر في سياق حكاية موسى مرات عديدة. سألنا: "من القوم الظالمون في هذه الآية؟"، ولا بد أن حماستي دفعتني للتسرع، فقلت دون أن أنتظر الإذن: "اليهود"، وربما سعد المدرس بخطأي، فقد قال بحزم: "غلط، الظالمون هنا هم المصريون".

كان شعورًا معقدًا ما غمرني في تلك اللحظة، أدركت أني تسرَّعت كثيرًا، وأن الإجابة على قدر من الغباء لا يمكن وصفه، كيف يمكن لليهود أن يكونوا ظالمين في هذه الحكاية؟ لكن الصدمة الحقيقية تمثلت في كون المصريين أشرارًا، وفي كون اليهود هم الأخيار.

بعد عدة أيام، ومن خلال العبث في مكتبة أبي، اكتشفت أن الحكاية نفسها ذُكرت بشكل تفصيلي، باختلافات قليلة في العهد القديم، الكتاب المقدس لليهود. وهو ما جعلها تبدو منطقية أكثر من ذكرها في القرآن، حينها كنت أعلم أن المسلمين يعادون اليهود بشكل عام، ودفعني هذا الاكتشاف للتساؤل عن فائدة إعادة ذكرها في القرآن، وعن سر عدم إدماج الله للكتاب المقدس في القرآن بدلًا من إعادة ذكر الحكايات فيه، لماذا لم يكن عندنا كتاب واحد يشمل: العهد الجديد، والعهد القديم، والعهد الأقدم؟

بعد عدة شهور، سأسمع في برنامج ديني اسم "مينيرفا"، الإلهة القديمة، وسأسأل أبي على الفور لأني لم أحتمل صبر البحث وحيدًا في المكتبة هذه المرة، وسيدلني هو على كتاب ممتع، "أساطير الحب والجمال عند اليونان"، حيث سأكتشف بصعوبة، نظرًا لصعوبة أسلوب الكاتب، أن مينيرفا كانت إلهة أنثى، وأنه كانت هناك آلهة عديدة في ذلك الزمن البعيد، وأنها تصارعت في ما بينها، وأن آلهة أخرى ولدتها، فوضى هائلة مقارنة بالإسلام الدين التوحيدي البسيط، الذي يؤمن به طفل يخطو نحو المراهقة.

ودون كلمات كثيرة من أبي أو من أي أحد آخر، وخلال سنوات ممتدة طويلة، اكتشفت رويدًا رويدًا ما يكتشفه الواحد؛ أن الحكاية تُحكى من وجهة نظر الحاكي، وأن هناك دائمًا طرف آخر لا نعرف عنه شيئًا، وأن العالم الآخر جذاب أكثر من عالمنا فقط لأننا لا نعرفه جيدًا، واكتشفتُ أخيرًا وبعد سنوات طويلة، أن لا يقين بشيء أبدًا. 

وخلال سنوات أخرى تالية، اكتشفت أن معظم صدمات الطفولة تقودنا إلى طريق ما ونحن كبار، غالبًا ما يكون طريقًا مأساويًّا، وأن معظم من عرفتهم عانوا في طفولتهم بشكل أو بآخر، وربما لا تخلو طفولة الواحد من صدمات ومآسي حتى إن بدا للآخرين أنه يعيش حياة سهلة.لكني لم أنظر إلى الأطفال الذين عاشوا تحت ظل دكتاتور مجنون، وهم كثيرون جدًا في وقتنا هذا، أو من عاشوا وسط حرب لا تنتهي، أو من عاشوا مع أب - أو أم - مصاب بمرض نفسي، لم أنظر إلى هؤلاء لأني لم أتمكن أبدًا من تخيل حيواتهم المستقبلية.

المقاطع أعلاه مأخوذة من روايتي " تاريخ آلهة مصر " (بيروت: دار التنوير، 2020). موضوع الرواية الأساسي المرض النفسي الذي تسببه الحياة تحت نظام دكتاتوري، وكيف يمكن للمرض أن يُتوارث دون إرادة من الوالدين أو الأبناء. هذه الأجزاء كتبتها وهدف واحد يشغلني، كيف يمكن أن نساعد أبناءنا على النجاة مما أصابنا.

 

محمد ربيع كاتب ومحرر ولد في القاهرة عام 1978. نشر أربع روايات باللغة العربية، كوكب عنبر، عام التنين، عطارد وتاريخ آلهة مصر. ترجم روبن موجر رواية عطارد إلى الإنجليزية، والتي تم ترشيحها للجائزة الدولية للرواية العربية في العام 2016. عمل ربيع محررًا في دار التنوير للنشر في القاهرة (2013-2018) ودار الكرمة للنشر في القاهرة (2018-2020). يدير حاليًا مكتبة خان الجنوب العربية في برلين، والتي شارك في تأسيسها في العام 2020.

روبن موجر مترجم للنثر والشعر العربي يعيش في برشلونة. ترجم عددًا من الكتب إلى اللغة الإنجليزية، كان آخرها كتاب النوم لهيثم ورداني (Seagull Books 2020)، والانزلاق لمحمد خير (Two Lines Press 2021)، وفي أثر عنايات الزيات لإيمان مرسال (Other Stories 2023). نشرت "هوبو" ترجمته لرواية محمد ربيع " عطارد " في العام 2014. تشمل الكتب الشعرية المنشورة Agitated Air (Tenement Press, 2020) ، بالاشتراك مع ياسمين سيل، وغرباء في معاطف خفيفة (كتب النورس ، 2024) لغسان زقطان. ظهرت ترجماته للنثر والشعر في عدد من المختارات والصحف بما في ذلك Blackbox Manifold و SEEDINGS و Tentacular و The Johannesburg Review of Books و The White Review.

الأدب العربيالأدب المصريالتوحيدالدين

اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *