حوار مجلة المركز – فايزة جين  

22 مايو، 2023

في العام 2004 هزت روائية فرنسية من أصل جزائري تبلغ من العمر 19 عامًا تُدعى فايزة جين عالم الأدب الفرنسي بروايتها الأولى، Kiffe kiffe demain (نشرت في المملكة المتحدة بعنوان Just Like Tomorrow). باعت المراهقة القادمة من إحدى ضواحي باريس المحرومة أكثر من 400000 نسخة من الرواية، التي ترجمت لاحقًا إلى 26 لغة.

بعد 16 عامًا وخمسة كتب، في العام 2020، نشرت المؤلفة روايتها السادسة. تروي  "تقدير" حكاية أم جزائرية (يمينا، 70 عامًا) وزوجها وأطفالهما الأربعة في أوبرفيلييه، وهي ضاحية تقع شمال شرق باريس، مستوحاة من عائلة جين. تُرجمت الرواية إلى العديد من اللغات، بما في ذلك الإنجليزية، ونالت الثناء في المملكة المتحدة والولايات المتحدة. ستنشر دار الساقي في لندن الرواية هذا الشهر.

 

ميليسا تشيمام

 

ميليسا تشيمام: نشرت روايتك الأخيرة " تقدير" باللغة الإنجليزية العام الماضي وحظيت بقراءات إيجابية. مع روايتك الأولى"تمامًا مثل الغد"، حققت نجاحًا دوليًا بست وعشرين لغة. هل تشعرين أنه يتم استقبالك في الخارج بشكل أفضل من استقبالك في فرنسا؟

فايزة جين: سأقول هذا، وأنا أدرك تمامًا أن المؤلف المولود في إنجلترا أو الذي ينحدر من مكان آخر، من المستعمرات البريطانية، على سبيل المثال، ربما يشعر بنفس الطريقة التي أشعر بها فيما يتعلق بفرنسا، إذا تم استقباله في فرنسا، نعم، في الخارج وخاصة في إنجلترا، أشعر دائمًا أنه يمكنني التعبير عن نفسي بحرية بخصوص الموضوعات التي أحبها، في كتاباتي. إنها واحدة من الدول التي دعمتني أكثر من غيرها، وحيث يتابعني القراء بشكل خاص. هنا، يتم استقبالي بمنظور أقل تقييدًا قليلًا.

تشيمام: أليست هذه واحدة من النقاط الحاسمة فيما يتعلق بكيفية تلقي كتبك؟ هذه الأسئلة "من أين يبدأ الأدب" وأين تنتهي "الظاهرة الاجتماعية" التي تغذيه؟

تقدير صادرة من Saqi Books.

جين: هذا صحيح، ولفترة طويلة كان لديَّ هذا الشعور بأنني استبعدت من "العالمي" بطريقة معينة، في فرنسا، لأنني كنت عالقة في كل هذه المشاكل الاجتماعية، في روايتي الأولى، Kiffe kiffe demain. لم أرفض هذه المشاكل، لأن من الواضح أنها جزء من رحلتي وعملي، لكنها أصبحت قيودًا. الآن أشعر أنني أقل محدودية بكثير. بادئ ذي بدء، أنا أتقدم في السن. أبلغ من العمر 37 عامًا، لذا لحسن الحظ اختلفت الطريقة التي تُستقبل بها كتبي. وبعد ذلك، بعد ست روايات منشورة، أعتقد أني، من حيث الشرعية، قاتلت بما فيه الكفاية. وقد منحتني مشاريعي الأخرى التي قمت بها بالتوازي أساسًا أكثر صلابة، وخاصة السيناريوهات.

تشيمام: لقد بدأتِ الكتابة في سن مبكرة جدًا، عندما كنتِ مراهقة، ولأن عمرك الآن 37 عامًا ونشرتِ ست روايات فأنت غزيرة الإنتاج. هل تشعرين أنك الآن في مرحلة النضج؟

جين: نعم، وعلاوة على ذلك، مر وقت طويل بين كل رواية وأخرى. أعتقد أنه مع تجربة العمر، وكتابة هذه الروايات الست، لا يمكن أن أُعامل كما اعتدت أن أُعامل. لقد قلت في كثير من الأحيان، إنهم يعاملونني كما يعاملون الموسيقيين الذين يحققون نجاحًا صيفيًا ثم يختفون. كما لو أن روايتي الأولى كانت تعادل أغنية "لا ماكارينا". الآن انتهى الأمر، لديَّ خبرة. في الوقت نفسه، أعرف أن ذلك أمر طبيعي، لأنني كتبت روايتي الأولى عندما كان عمري 17 عامًا. منذ ذلك الحين تغيرت رؤيتي للحياة؛ لقد كتبت تلك الكتب، أصبحت أمًا. كل ما مررت به، داخل وخارج مسيرتي المهنية كمؤلفة، يجعلني أكتب بشكل مختلف اليوم. 15 سنة هي فترة طويلة.

تشيمام: شجعك أحد أساتذتك، لكن هل كنت تعتقدين أن أمامك مستقبلًا مهنيًا ككاتبة؟

جين: آه، هذا أمر مؤكد. لم أتخيل قط أنني أستطيع كسب لقمة العيش من الكتابة عندما بدأت. أحببت الكتابة، ولطالما كتبت، وكتبت الروايات، بثقة لتكون روايات. كانت طريقة للهروب من الواقع، من الطفولة. لقد كان ذلك شيئًا استمتعت به. ولم أكتب كي أبقى على قيد الحياة أو أتعافى. كانت الكتابة هوايتي.

تشيمام: في ذلك الوقت هل ألهمك أي مؤلفين وكانوا جزءًا من شبابك؟

جين: لأكون صادقة، لم يحدث ذلك حقًا عندما كنت صغيرة جدًا. لقد سُئلت هذا السؤال عدة مرات، ويمكنني أن أروي قصة رائعة، لكن بصراحة، لم يحدث ذلك عندما كنت طفلة. بدأت القراءة في المدرسة، ثم قرأت بعض الكتب الأكثر جدية في سن المراهقة. إحدى الروايات التي تعلقت بها كانت رواية جي دي سالينجر الحارس في حقل الشوفان. كثيرًا ما أتحدث عن إميل زولا. وبعد ذلك اكتشفت جيمس بالدوين. عندما كنت طفلة، كان مصدر إلهامي قصص حيوات الأشخاص من حولي.

 


 

تشيمام: بعد النجاح الهائل الذي حققته روايتك الأولى، هل اضطلعت بأدوار أخرى، مثل التدريس أو العمل الاجتماعي أو أي شيء آخر؟ أم أنك أصبحت مؤلفة بدوام كامل؟

جين: نعم، بطريقة ما. لكنني لم أتوقف عن دراستي أيضًا، كما يعتقد بعض الناس. كنت قد بدأت العمل بالفعل في سن 16 عامًا لمساعدة عائلتي، قبل أن أوقع عقد النشر. وكنت أشعر بالملل في المدرسة في ذلك الوقت. أصبحت مؤلفة متفرغة أولًا لأن الأمر احتل كل وقتي بشكل ملموس. ونتيجة لذلك، كان هذا كل ما فعلته، خاصة عندما بدأت في كسب لقمة العيش منه، بمجرد نشر Kiffe kiffe demain . ومع ذلك لم يدم الأمر طويلًا لأنني لم أستثمر أموالي بشكل صحيح. بالنسبة إليَّ في ذلك الوقت، كان ذلك جزء في حياتي. لم أكن أعتقد أنها كانت بداية مهنة.

تشيمام: وهل غيرت طريقة حياتك؟ ضاحية سين سان دوني في باريس، على سبيل المثال، مهمة جدًا في قصصك. هل بقيت هناك؟

جين: ما زلت أعيش في سين سان دوني حتى اليوم، على الرغم من أن الحياة قد تغيرت. هناك متاجر تبيع منتجات عضوية الآن بجوار منزلي. لقد زارنا "رفع المستوى الاجتماعي"، لكنني لم أغير حياتي حقًا. على الرغم من أنني بعت الكثير من الكتب، إلا أنني لم أجني الملايين. غالبًا ما يشير الناس إلى مسيرتي المهنية على أنها "عابرة للطبقة"، لكن الروائيين ليسوا لاعبي كرة قدم. النجاح يختلف طبقًا للدوائر المختلفة. بعد النجاح بسبب رواية، عليك مواكبة ذلك النجاح. في عائلتي، ليس لدينا إرث. لقد بدأت تحت الصفر بألف. من الواضح أن العيش على هذا النجاح لمدة خمس سنوات هائل بالفعل. تمكنت من دفع الإيجار ورعاية عائلتي، بلا أي حياة مرفهة. لم أكن مبذرة، كنت فقط قادرة على العيش. ومن الواضح أن ذلك سمح لي بمواصلة الكتابة.

تشيمام: وما علاقة عائلتك بكتبك؟

جين: إذا كنت تعرف عائلتي فستفهم لماذا يجب أن أبقى متواضعة. استمرت الحياة وكأن شيئًا لم يحدث. بين الدعوات الرسمية والبرامج التلفزيونية، كنت أعود إلى المنزل وأغسل بدوري الصحون. لم يكن هناك فرق في فخر والدي بي أو بأخي. إذا كان هناك أي شيء، فقد كان فخره بي أقل من فخره بأخي. لم يكن لديهم ازدراء للأدب، ولكنه لم يسحرهم أيضًا. كانوا سعداء جدًا لرؤيتي أفعل ما أحب. بالطبع، يشعرون باحترام كل ما يتعلق بالكتب والكتابة. بالنسبة إلى أمي، على سبيل المثال، التي اضطرت إلى ترك الدراسة، مثل الشخصية الرئيسية في تقدير، كان جرحها الكبير هو عدم قدرتها على مواصلة دراستها، لذلك شجعتني. لكن النجاح والشهرة لم يكونا القضية، ما كان يهمهم هو أنني كنت أفعل شيئًا محترمًا. في الوقت نفسه، لا يفهم والداي وعائلتي مهنتي حقًا، ليس بالكامل. لذا أبقاني ذلك متواضعة.

تشيمام: لقد عملت كثيرًا مع والدتك. شاركت في فيلمك القصير الأول عندما اضطررت إلى استبدالها بالممثلة الأصلية في اللحظة الأخيرة. هل كان حدوث ذلك أمرًا طبيعيًا؟

جين: نعم. لديَّ أم نقلت إليَّ، من دون أن تكون واعية تمامًا بها، القيم النسوية من حيث الحرية والثقة اللتان منحتني إياهما. وقد نقل والدي ذلك إليَّ أيضًا. سمحا لي أن أفعل ما أريد. لم يمنعاني قط من أي شيء. لقد وثقا بي.

تشيمام: ينعكس هذا في روايتك الأخيرة، حيث لا توجد أي كليشيهات عن النساء المسلمات و/أو المحجبات. يتم تقديم النساء على أنهن مختلفات جدًا، وأحيانًا متطرفات. ترفض إحداهن الزواج حتى عندما تختار أختها زواجًا مدبرًا نوعًا ما. لكنهن جميعًا يتخذن قراراتهن. هل هذا ما أردت إظهاره، ثقافة تسمح للنساء بالاختيار؟

جين: بالضبط. القضية ليست الاختيار بدلًا منهن. لا يتعلق الأمر بإن كان حجبهن أو الكشف عنهن سيساعدهن. الفكرة الكاملة لهذا الكتاب، وحتى كل ما أكتبه، ما أريد إظهاره، هو أنني أنجذب إلى التعقيد. لدينا الحق في أن نكون معقدين، وأحيانًا سيئين، وأحيانًا أن نكون متواضعين، مثل الفرنسيين الآخرين. في بعض الأحيان يكونون كذلك! لكننا، أبناء المهاجرين، لا نتمتع دائمًا بتلك الحقوق الأساسية، ويتعلق ذلك بمسألة التمثيل، لماذا يقع علينا هذا الضغط لتحمل نوع من المسؤولية عندما نأتي من خلفية الطبقة العاملة؟ عندما تكونين امرأة، أو من أصل عربي، هنا في فرنسا، لديَّ شعور بأنه لا يسمح لك بأن تكوني معقدة أو مختلفة أو حتى سيئة. نحن ملزمون بأن نكون ممتازين لأنه بخلاف ذلك لن يوجد مكان لنا.

تشيمام: وما علاقتك بثقافة والديك؟ هل تذهبين إلى الجزائر كثيرًا؟ هل تتحدثين العربية؟

جين: إنها لغتي الأم! أنا أتحدث بها كل يوم. أنا قريبة جدًا من ثقافتي الأصلية. وأنا أقترب منها أكثر فأكثر مع تقدمي في السن لأن لديَّ أطفال. أنجبت ابنتي الأولى في سن 25 عامًا، في وقت مبكر جدًا من حياتي. وهكذا كان هناك في وقت مبكر جدًا ضرورة نقل ما أريد نقله، اللغة جزء منه، وثقافة والدي أيضًا. وهذا ما تفسره أيضًا حقيقة أننا ذهبنا إلى الجزائر كثيرًا عندما كنت صغيرة. وكنت مقتنعة بأننا سنعود إلى الجزائر يومًا ما: والدي وأنا وأخي وأختي. أعتقد أن تاريخ والدي يلعب دورًا. وُلد والدي في العام 1934، وأمي في العام 1949. لذلك، لديَّ مشاكل أتت من الجيل السابق، بسبب الفجوة الهائلة بين الأجيال بيني وبين والدي (وُلدت في العام 1985).

تشيمام: أنت تتحدثين كثيرًا عن عائلتك في كتبك، ودائمًا تتحدثين بالكثير من الحب والاحترام، وحتى الإعجاب، على الرغم من كل هذه الصدمات. وإذا كنا صادقين، فعلينا أن نقول إن هناك ربما تجارة بالصدمات في عالم الأدب، خاصة عندما نتحدث عن البلدان التي أنهت استعمارها، مثل نيجيريا أو الجزائر. لكن هناك في كتبك، قبل كل شيء، حب. هل هذا بسبب الرغبة في أن تكوني أصيلة؟ أم أن الأمر يأتي إليك فحسب؟

جين: أنا حتى لا أفكر بهذا. مرة أخرى، الشيء الوحيد الذي أقوله لنفسي عندما أكتب هو أنني أريد أن تكون شخصياتي حقيقية، وأن تكون صادقة، أن أكتبها بإخلاص. بعد ذلك، أدركت ذلك بعد التحليل وردود الأفعال التي حصلت عليها من القراء. والأمر كذلك مع كل كتاب. بعد نشر Kiffe Kiffe demain ، قيل لي: "أنت تقدمين أخيرًا رؤية إيجابية للضواحي". لكن [...] رويت بأمانة ما كنت أعرفه وفقًا لتجربتي الخاصة. ومع هذا الكتاب الأخير، يتكرر الأمر نفسه. لم أحاول القيام بشيء ثوري من خلال التعامل مع شخصيات كانت رجالًا عربًا لطيفين. إنهم في الواقع موجودون! هذا ما هو فظيع في الأمر: أنت لا ترينهم قط في الأدب أو على شاشة التلفزيون. مع النقص المعتاد والتحريف، عندما تحاولين أن تكوني عادلة بعض الشيء، يُنظر إلى الأمر على أنه شيء غير عادي.

إنها أيضًا طريقتي الخاصة لرؤية هذه القصة، هذا ما يثيرني. إمكانية تغيير النظرة إلى هذه البيئة قليلًا، لتكون نظرة متسامحة قليلًا. أستطيع أن أتحدث على سبيل المثال عن شخصية مليكة في روايتي الأخيرة، التي تتزوج في سن 17 لأن والديها يساعدانها ويرتبان هذا الارتباط. يفعلان ما كانا ليفعلانه في القرية لأنهما لا يعرفان كيف يفعلان ذلك بطريقة أخرى، لأن هذه هي الطريقة التي تم بها ذلك في القرية. وهذا منطقي بالنسبة إليها. توافق على الزواج بهذه الطريقة، على سبيل المجاملة تقريبًا. ليس لديها شيء ضدها، إنها خجولة جدًا. يمكن للآخرين أن يتحدثوا عن الزواج القسري. في فرنسا، في ثمانينيات القرن العشرين، كان هناك العديد من المناقشات حول هذا الموضوع. إذا نظرنا إلى الوراء، أجد أن الأمر عنصري وأبوي بشكل لا يصدق، حيث اقترح السياسيون الفرنسيون إنقاذ كل هؤلاء الفتيات العربيات الصغيرات، من دون معرفة ما هو الأفضل لهن.

تشيمام: هل رآهما الناس غريبين؟ وهل كان عنف ما يسمى الواقع الاجتماعي الفرنسي في الضواحي هو المسؤول عن ثقافة الوالدين؟

جين: طبعًا. أشرح هذا في رواياتي، من خلال رغبة الآباء الشديدة للاحتفاظ بالقليل الذي جلبوه معهم، أي ثقافتهم وتقاليدهم وتاريخهم وطريقتهم في فعل الأشياء. الأمر وحشي للغاية عندما تنتزعين نفسك، لأن هؤلاء المهاجرين والمنفيين كان لديهم ألف حسرة عندما غادروا. حسرة على التقاليد، حسرة على الدين، حسرة على اللغة. إنه أمر مؤلم للغاية. ربما كان الذين كانوا محافظين للغاية على هذا النحو لأنهم أرادوا الاحتفاظ بما شكَّلهم ونقله إلى أطفالهم. لذلك بالطبع كان بعضهم أخرقَ في بعض الأحيان، البعض الآخر كان عنيفًا، والبعض الآخر وحشيًا بالتأكيد، لكنني أحب أن أعتقد أنني سأتعمق قليلًا في هذه المنطقة لأفهم. هذا يجعلنا نتسامح، ولهذا السبب أحب شخصية مليكة، لأن هناك نوعًا من اللطف عندها في فكرة القول: "والديَّ، لقد فعلا ما في وسعهما".

 


 

تشيمام: بعد الكتابة عن شخصيات ليس لها مثيل من قبل في أول رواية لك، هل كان من الصعب كتابة الروايات التالية؟

جين: لا، وعلاوة على ذلك، أريد أن أقول إنه كانت هناك روايات أخرى من هذا القبيل قبل روايتي، وعدة موجات، عدة أجيال من المؤلفين الذين كتبوا عن هذا الموضوع قبلي. أشير إلى تلك الروايات كلما استطعت. هناك مؤلفون آخرون من أصل مغاربي في فرنسا ظهروا في أوقات مختلفة. في جيلي، خاصة كفتاة، يمكن للمرء أن يقول إنني كنت رائدة صغيرة. ولكن قبل ذلك، في الجيل السابق، كان هناك مؤلفون مثل تساديت إيماش Tassadit Imache ، على سبيل المثال، مؤلفة كتاب Une fille sans histoire، الذي نُشر في العام 1989. ذلك زمن آخر، لكن تلك الروايات تؤكد أن هناك أشخاصًا كتبوا.

لسوء الحظ، يميل عالم الأدب إلى إخفات النجاح بالسرعة التي يهندسه بها، ونحن نتعامل مع هؤلاء المؤلفين كظاهرة اجتماعية. أيضًا، لأن الشهرة يمكن أن تكون قصيرة الأجل، في كثير من الأحيان لا يعرف الجيل الجديد أي شيء عن الكتاب السابقين. لكنني غالبًا ما أفكر في هؤلاء الكتاب، في أشخاص مثل مهدي شرف. لقد فعلوا الكثير للأجيال السابقة وكتبوا لنا أيضًا. المشكلة هي أننا لا نقتبس منهم، نحن لا نتحدث عنهم. لكنني لست أول من كتب، هذا ليس صحيحًا. كان هناك أيضًا رشيد جيداني، فعل ذلك برواية بومكور. إنهما عالمان مختلفان، لكننا في نفس المكان، مكان ما بين أطفال المهاجرين الذين يحكون عن لحظات من حياتهم. [راجع Les Savauges و 404 بواسطة صبري لوطة ، المحرر.]

تشيمام: وهؤلاء هم المؤلفون الذين اكتشفتهم بصعوبة؟

جين: لقد اكتشفتهم بعد فوات الأوان، نعم، متأخرًا جدًا، بينما كان يجب أن أجدهم بسهولة أكبر لأنني كنت أبحث عنهم. لقد نشأت في فرنسا، حيث تم تجاهلهم إلى حد كبير، فكيف يمكنني أن أسمع عنهم؟ أتمنى لو كنت قد سمعت عنهم وادعيت أني أنتمي إليهم عندما بدأت الكتابة والنشر.

تشيمام: في فرنسا، غالبًا ما نتوقع من المؤلفين أن يكونوا أساتذة في الأدب، وأن يدعوا أن لديهم انتماء مؤسسي من نوع ما، لكن لم يكن لديك شيء من هذا القبيل، أليس كذلك؟

جين: بالضبط. ونتيجة لذلك، حُرمت من شرعية معينة. ولكن لم يكن هناك سوى كتاب واحد في منزلي، وهو القرآن. وهذا ما قادني إلى إقامة علاقة مقدسة مع الكتب. الطريقة التي تعاملت بها أمي معه [فيزيائيًا] تركت لديَّ انطباعًا. من ناحية أخرى، كان لدينا الآلاف من القصص الشفوية، وهذا سمح لي بتقدير ثقافتنا. في الثقافة المزدوجة، لا ينبغي أن تقدَّر إحدى الثقافتين من دون تقدير الأخرى.

تشيمام: هل تشعرين أن الفرنسيين يميلون إلى التقليل من قيمة ثقافات شمال أفريقيا؟

جين: نعم. يرتبط ذلك الشعور بالاستياء من المجد المفقود. عندما يروننا يفكرون في عظمتهم المفقودة وإمبراطوريتهم. بالنسبة إلى جيلنا، لا تزال هناك أساطير استعمارية، حتى عن حملة البنادق السنغاليين أو الجزائريين الذين أحبوا الإمبراطورية الفرنسية كثيرًا لدرجة أنهم أرادوا الدفاع عنها، لكن في الواقع لم يكن لدى هؤلاء الفقراء خيار. في العام 2022، مع الذكرى الستين لاستقلال الجزائر، شهدنا احتكارًا للكلمة من قبل الفرنسيين والأقدام السوداء (الأوربيون الذين ولدوا وعاشوا في الجزائر أثناء الاحتلال الفرنسي) وأحفادهم. يتم وضع جميع القصص على نفس المستوى. نحن، الجزائريين، حصلنا أخيرًا على مساحة صغيرة لإيصال قصصنا وأصواتنا، لكن السردية السائدة لا تزال تستعمر هذه المساحات. كما لو أن أحفاد المستعمرين يفعلون نفس الشيء معنا، بطريقة رمزية. بالنسبة إليَّ، هذا لا يُطاق. إنه أمر غير لائق لأنه لا يمكنك مقارنة معاناة المستعمرين والمستعمرَين. ناهيك عن الاستيلاء الثقافي، هناك الفرنسيون الذين ينتجون أفلامًا وثائقية عن الموسيقى الجزائرية، بلا ذكر لأي جزائري. بالنسبة إليَّ، هذا يديم الاستيلاء الاستعماري.

تشيمام: هل هذا ما دفعك للكتابة عن قصة أوسكين (شاب فرنسي من أصل جزائري قُتل العام 1986 على يد الشرطة في باريس) وأجزاء أخرى أكثر صعوبة في التاريخ الفرنسي الجزائري، مثل 17 أكتوبر 1961؟

جين: كان فيلمي الوثائقي الصغير عن 17 أكتوبر 1961 في الواقع أول مشروع لي، حتى قبل روايتي الأولى. التقيت أحد مؤرخي تلك الفترة، جان لوك إينودي، على سبيل المثال، ولم أسمح لنفسي بالوقوع في شرك النقاد الذين يخبروننا أننا قريبون جدًا من الموضوع. لم أسمح لنفسي أن يثنيني "المثقفون" أو السياسيون أو المؤرخون عن الحديث. من حسن حظي أن أكون شخصًا علم نفسه بنفسه. أنا أتحدث فقط من وجهة نظري الحميمية، كابنة عامل جزائري فقير.

غالبًا ما تم استبعاد العديد من الجزائريين والفرنسيين من أصل جزائري من مشاريع سرد القصص والكتب والبودكاست وما إلى ذلك. فجأة، أصبح من الرائع أن تكون مغربيًا أو مصدومًا. مع أوسكين، أردنا أن نروي القصة من وجهة نظر الأسرة وعملنا معهم، أن نكون أقرب ما يمكننا إلى تجربتهم. لقد نجحنا في حكي قصة فريدة من نوعها، ليست القصة الكاملة لعنف الشرطة، بل قصة مالك أوسكين فقط. لم نرغب في وضع سردية ما، ولكن لإعطاء الأسرة الفرصة للتعبير عن نفسها. في الحلقة الأولى، قارنا أساليب الشرطة في ثمانينيات القرن العشرين بأساليب الحقبة الاستعمارية و 17 أكتوبر. كانت أساليب مكافحة التمرد الفرنسية ثابتة في خمسينيات القرن العشرين، خلال حرب الهند الصينية، والحرب الجزائرية، وتشبه إلى حد بعيد أساليب الشرطة في فرنسا نفسها في ثمانينيات و تسعينيات القرن العشرين. هذا النوع من العنف الاستعماري في المدينة جعل المجتمع المسلم يشعر بالفصل العنصري، بل وعزز الإرهاب.

تشيمام: هل تعبرين عن هذا في رواياتك أيضًا؟

جين: نعم، إنها تعبر عن استحالة نقل معاناتنا، ونقل حقيقة العنف الاستعماري، من دون الاتهام بلعب دور بالضحية. كثيرًا ما يُقال لي إنني مهووسة. لكن لديَّ انطباع بأنني بالكاد أُسمع. مع ذلك، فإن الروايات الأمريكية أو الروايات الغربية العظيمة، عندما تكرر نفس الموضوعات، تُوصف بأنها عميقة.

تشيمام: روايتك الأخيرة أقل خفة وأقل كوميدية. هل حان الوقت لمثل هذا العمل؟

جين: سمحت لنفسي بأن أتوسع أكثر، وأن أكتب لأهلي، وأن أكتب ما هو أقرب إلى سيرة ذاتية أخبرتني بها أمي. لكنني اكتشفت أيضًا أشياء أخرى من خلال مطالبتها بالتحدث عن ذكريات طفولتها. على سبيل المثال، عندما أخبرتني أن جنديًا فرنسيًا هدد عائلتها بتوجيه بندقيته إلى شقيقها الرضيع، هذه ليست ذكريات تافهة، إنها صدمات أخرى. لطالما أقلقني تأثير الكلمة غير المنطوقة، في حياتي، كما في أدبي. ما هو صعب هو الربط بين كيف يكون المرء، وكيف يعيش، والأسرة العظيمة والروايات السياسية. هذه الرواية هي خطوة صغيرة على هذا الطريق.

 

اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *