"ما هو أكثر فائدة من جسر لا يؤدي إلى أي مكان؟" يسأل يوسف الشمري، عن بناء الأمة الكويتية.
يوسف حمد الشمري
في أحد أيام ديسمبر الباردة من العام 2021، وصل ضباط الشرطة الكويتية مكان حادث سيارة تم الإبلاغ عنه على جسر الشيخ جابر الأحمد الصباح ، المعروف محليًا باسم جسر جابر. لم يحمل الأفق أمامنا سوى السماء مع مساحة زاحفة من الرمال مرئية من خلف أبراج الجسر وكابلاته المعدنية. تحتها، غطى لمعان رمادي من التلوث الزيتي مياه الخليج الزرقاء، كما هو الحال دائمًا، تبدو سفن المقصورات الفاخرة وسفن الشحن البعيدة كنقاط. عندما وصل الضباط، وجدوا سيارة واحدة متوقفة بالقرب من السور وشاب يطل بشكل محموم على الحواجز إلى خليج الكويت أدناه، بحثًا عن لمحة عن جثة صديقه، محمد الفضلي البالغ من العمر 25 عامًا. كان الصديقان عديمي الجنسية - المعروفين باسم "البدون" - وبسبب الإحباط من عدم استقرار مثل هذا الوجود، اتفقا اتفاقًا قاتلًا. عندما وصلا إلى منتصف الجسر البعيد، تردد الصديق. الفضلي لم يتردد، قفز إلى حتفه.
قبل شهرين من وفاة الفضلي، قفز مهاجر هندي من جسر جابر، وعندها فقط جاء قارب مدني لإنقاذه. وفي تموز/يوليو من هذا العام، حاولت امرأتان كويتيتان القيام بالشيء نفسه في غضون 24 ساعة. نجت واحدة فقط. أطلق عليه بعض السكان المحليين اسم "جسر الانتحار"، وأصبح هو المكان الذي يذهب إليه أولئك الذين يتحملون كل خطايا المدينة - انعدام الجنسية، وظروف العمل الشاقة، والتمييز بين الجنسين - لإنهاء معاناتهم.
تم بناء جسر جابر في الأصل كجزء من رؤية الكويت 2035 ، وهي مبادرة حكومية تهدف إلى تحويل البلاد إلى مركز إقليمي للتمويل والتجارة والثقافة. كما تم تمويل بناء الجسر من قبل مبادرة الحزام والطريق، وهي خطة الصين العالمية للقوة الناعمة للاستثمار في البنية التحتية للدول الأخرى. تم الإشادة به كواحد من أطول الجسور في العالم - يمتد على امتداد ما يقرب من 50000 متر - يُعد جسر جابر وصلة أصغر تربط مدينة الكويت، عاصمة ناطحات السحاب المحاطة بالمحافظات الحضرية التي تمتد على طول الساحل، بالدوحة، ليس عاصمة قطر ولكن منطقة حضرية أخرى قريبة. يربط الجسر المركزي، وهو ما أنفق عليه ما يقرب من 3 مليارات دولار، العاصمة بجزيرتين اصطناعيتين غير مكتملتين، ويندمج مع طريق غير مكتمل إلى بوبيان، أكبر جزرها الطبيعية، ويصل أخيرًا إلى الصبية، وهي محمية طبيعية من الأراضي الخالية من كل شيء باستثناء الرمال.
في الثمانينيات، بعد معاناتها من انهيار البورصة الضخم، وحل البرلمان، والتوتر الطائفي، الذي تضخم بسبب تمويل الكويت المفتوح للعراق ضد إيران في حرب استمرت ثماني سنوات، بدأت الكويت في تصور مستقبل مختلف مع مدينة جديدة لترسيخها. جلبت حرب الخليج الأولى المزيد من الوهن وجنون العظمة الناجم عن رد الفعل العنيف المتمثل في تمويل حرب صدام حسين السابقة، فقط لتعاني الكويت لاحقًا من الغزو، ما أدى إلى انحراف البلد عن طريق الوصول لذلك المستقبل إلى حد ما. لكن في العام 2017، صادقت الحكومة الكويتية أخيرًا على مسار للمضي قدمًا في رؤية 2035، ما عزز خطة "كويت جديدة" مقبلة. بعد ذلك بعامين، في 15 ديسمبر 2019، افتتح جسر جابر للجمهور واتضحت رؤية الكويت قليلًا - حتى أدرك الناس أن الجسر في الواقع لا يؤدي إلى أي مكان.
غالبا ما يصورها تصوير وسائل الإعلام للكويت على أنها دولة غنية بالنفط بحجم نيوجيرسي تقريبا. في حين أن الأول صحيح ، فإن المقارنة الجغرافية للأخير مفهومة للجمهور الأمريكي فقط. على الخريطة، تبدو الكويت وكأنها صورة ظلية لرأس صقر يشير إلى الشرق ومنقاره مفتوح، ويبتلع مياه الخليج. على منقاره السفلي ، الفك السفلي ، تقع مدينة الكويت ، وجسر جابر عبارة عن سلسلة من المعدن تمتد شمالا إلى الفك العلوي ، المنقار العلوي ، حيث لا يزال مكان الصبية ينتظر بناء مدينتها المستقبلية.
الصبية هي الموطن المتوقع لمدينة الحرير الكويتية - أو "مدينة الحرير"، di]t اسمها إلى استحضار الروعة والثروات التجارية التي اشتهر بها طريق الحرير القديم، على أمل أن تصبح المدينة الجديدة مركزها المالي المهم. يسبق مفهوم هذه المدينة مخططات كل من دبي الحالية، وفي الواقع، رؤية 2035 نفسها، على الرغم من اعتمادها لاحقًا كعنصر مركزي في المشروع. على الرغم من أن عناصرها التكميلية، مثل الجزر الاصطناعية المحيطة بها التي تم بناؤها لاستضافة مشاريع سياحية مستقبلية، قد تم تجميعها بالحد الأدنى، إلا أن مدينة الحرير تظل مجرد مفهوم، ولم يطرأ أي تغير على الأرض هناك. على هذا النحو، قدمت لنا رؤية 2035 حتى الآن جسرًا فحسب، متصلًا بلا شيء.
في اليوم الذي ألقى فيه الفضلي بنفسه إلى أدنى نقطة جغرافية في الكويت، كنت في أعلى نقطة اصطناعية. كنت مسؤول اتصالات مؤسسية بدوام كامل، على الأغلب أكتب بيانات صحفية لصالح تكتل بملايين الدولارات يقعفي الطابق 72 من أطول ناطحة سحاب في البلاد؛ برج الحمراء. عند الجلوس على الجانب الآخر من منظر بانورامي لمدينة الكويت مع جسر جابر في الأفق، لم يصدق أي منا حقًا الوعود المبهرة التي دُفعنا لنكتبها. قال لي مديري المباشر السابق ذات مرة: "تأكد من أن تذكر أن كل ما نقوم به يتماشى مع اليوم الذي لن يأتي أبدًا"، ما يثير عدم الثقة في وصول رؤية 2035. بصفتي صحفيًا غالبًا ما يغطي السياسة وكاتبًا حساسًا جدًا للجنون القادم من حولي، فإن بيع أفكار مدينة براقة مستقبلية أمر هيِّن مقارنة بالبحث عن قلب مدينة الكويت، مدينتي.
"خمسة عشر دقيقة من مدينة الكويت إلى مدينة الحرير" هي إحدى نقاط البيع المتكررة لرؤية 2035. تحدد خطط الدولة الرسمية سبع نقاط محورية لكويت جديدة، مع قائمة شاملة من الأهداف المتوقع تحقيقها، التي تتراوح من معدلات وفيات أفضل وتعليم أكثر تقدمًا من الناحية العلمية، إلى مبادرات صديقة للبيئة وخيرية. هذه الخطوة العظيمة بعيدًا عن النفط تعد أيضًا بإصلاحات أكبر قادمة، من تخفيف القبضة البيروقراطية على الشؤون الحكومية إلى رقابة أقل من الدولة التي تفرض رقابة على الفنون. وعلى الرغم من الغموض الكبير، إلا أن هذه الأهداف الرؤيوية التي ستنفذها الدولة ويمولها القطاع الخاص، تشير إلى مدينة حرير ناشئة من تواطؤ الحكومة والنخبة. على عكس التكوين العضوي نسبيًا لمدينة الكويت، تكشف الصفقات التي تم إبرامها لدعم رؤية 2035 عن نهج أكثر محسوبية: بناء مدينة أخرى تمحو المحرومين بشكل أكبر.
سقط عدد من الأشخاص، يقدر عددهم اليوم بمئات الآلاف، بسبب الهاوية بين القانونين، ما خلق لغزًا من انعدام الجنسية لا يزال بلا حل، بالإضافة إلى أساطير منتشرة عن الهوية الوطنية.
وربما لا أحد أكثر حرمانًا في الكويت من أولئك الذين يعيشون في البلاد ولكنهم لا يتمتعون بمزايا جنسيتها. تدور إحدى المناقشات المتكررة في الكويت حول السؤال التحريضي حول من هو الكويتي ومن هو غير الكويتي. ترتبط الإجابة عن ذلك ارتباطًا وثيقًا بالنمو التاريخي لمدينة الكويت وتطوير حواجز طبقية غير مرئية ولكنها ليست أقل عنفًا، وتحديد من يصل السلطة السياسية ومن يتم استبعاده من الوصول إليها. مهدت صناعة النفط الصاعدة في الكويت، إلى جانب التحرر من الحكم البريطاني، الطريق لحصن سابق كي ينمو متحولًا إلى مدينة، ثم كي تتحول المدينة إلى دولة/مدينة. تمتد على الساحل، وتمتد من خليج الكويت وحتى رقبة الصقر، أدى ظهور المشهد الحضري الإقليمي إلى تركيز قوة مدينة الكويت بشكل أكبر. بغض النظر عن خلفياتهم العرقية، توافد معظم السكان واستقروا ليكونوا أقرب إلى العاصمة.
في حين أن أعدادًا كبيرة من من يُتوقع أن يصبحوا مواطنين اقتربت من المدينة، ما ساعد على التحول إلى بلد حديث، لم يتم احتضان جميع مجموعات الناس في الدولة القومية الوليدة. وفقًا لرؤية 2035، من المفترض أن ينقل الفرع الأصغر لجسر جابر الركاب إلى ميناء عالمي مستقبلي خارج الدوحة. ولكن مرة أخرى، يعيش واقع أكثر كآبة وراء نقاط الحديث في رؤية 2035. لأن هذا الفرع من جسر جابر يأخذنا في الواقع إلى محافظة الجهراء، وهو نوع آخر من اللا مكان. أو على الأقل، مدينة لا تضم أحدًا وفقًا للتعريفات القانونية الكويتية، بالنظر إلى أن معظم سكان محافظة الجهراء ممنوعون من الحق في الجنسية.
والسبب في ذلك هو قانونان صدرا العام 1959 - قانون الجنسية وقانون الإقامة - وبهما مواد متناقضة. سقط عدد من الأشخاص، يقدر عددهم اليوم بمئات الآلاف، بسبب الهاوية بين القانونين، ما خلق لغزًا من انعدام الجنسية لا يزال بلا حل، بالإضافة إلى أساطير منتشرة عن الهوية الوطنية. تنص المادة الثانية من قانون الجنسية على أن أي شخص يًولد لأب كويتي، سواء داخل الكويت أو خارجها، هو مواطن. تنصالمادة 25 من قانون الإقامة على أن البدو وأفراد القبائل الذين يسافرون بانتظام من وإلى الكويت – ومعظمهم من البدون حاليًا – مستثنون من الحق في الإقامة. القانونان مطبقان في وقت واحد داخل حدود الكويت. وعلى الرغم من فعاليتهما، إلا أنهما لا يُطبقان إلا في حدود مدينة الكويت، ما يؤدي إلى تغريب الجهراء وسكانها. بينما كانت الأمة تمضي قدمًا في تشكيل مدينة مركزية، طورت أيضًا هوية مركزية: كلما اقتربت من المدينة، كانت جذورك أكثر أصالة.
كاليسكا هو اسم الرواية الثانية في ثلاثية الجهراء لناصر الظفيري، التي تجمع الأعمال الأكثر شعبية للمؤلف الراحل عديم الجنسية. يشير اسم الثلاثية إلى المنزل الذي يعيش فيه معظم سكان الكويت البدون، وكاليسكا، مثل الكثير من روايات الظفيري، تفصل الأعباء المركبة لانعدام الجنسية وتلقي ضوءًا شاحبًا على سياسات الهوية الكويتية. وتأكيدًا أيضًا على مكانته الخاصة كـ"كاتب كويتي كندي" بعد هجرة ناجحة، ولكن مأسوف عليها كثيرًا، غالبا ما تتألم شخصيات الظفيري بشكل مضاعف. تعبر أعماله عن رغبة ملحة في إدراج الجهراء ضمن الهوية الوطنية الكويتية، لكنها تقر في الوقت نفسه بأن الندوب الناجمة عن البتر التاريخي الذي هو انعدام الجنسية عميقة للغاية.
تروي كاليسكا قصة محمد العوض، وهو طفل متواضع من عائلة من البدون يحصل على الجنسية عندما يأخذ عمه الوصاية عليه بعد وفاة والدي محمد في حادث سيارة. كان محمد ليبقى مواطنًا لولا وقوعه لاحقًا في حب رشا العزاز وإشعال غضب شقيقها عبد الرحمن، عقيد أمن الدولة، الذي سيطر عليه شعور غاضب وسلطوي. رفض علاقتهما ولم يرغب في السماح لمكانة رشا العالية وانتمائها إلى طبقة التجار بأن يُلطخا بسبب الارتباط برجل أقل شأنًا. ينقب عبد الرحمن في ملفات محمد الحكومية، ويكتشف أنه كان بلا جنسية، فيتلاعب بملفاته ويعيد محمد إلى وضعه السابق.
"وطني هو إعاقتي الأبدية الوحيدة التي لن أشفى منها أبدًا" ، هكذا تبدأ رواية كاليسكا. هذا التوق إلى الوطن – حتى لو عاش المرء فيه – يسود الرواية بأكملها، ويسقط الظفيري الكثير من تجاربه الخاصة إلى شخصياته. مثل الظفيري، يتحمل محمد في نهاية المطاف هجرة قسرية إلى كندا حيث يتحول توقه إلى رشا والكويت على حد سواء إلى التفكير في معاني المدينة والدولة.
"لا يمكننا رؤية المدن بعد أن تبدأ علاقاتنا بها، لذا تبدو المقارنة بين مدينتك والمدينة التالية، حتى لو كانت أجمل، كما لو أنها مقارنة بين حبيبك وجميع نساء الأرض الأخريات"، يكتب الظفيري، في واحدة من أكثر لحظات محمد عاطفية. وعن لحظات محمد الأكثر مرارة، وهو يتذكر اعتقال عبد الرحمن له وتعذيبه الجسدي، يكتب الظفيري: "تعتقد الدولة أنها تملك الأمة وأولئك الذين يعيشون فيها. تمنح الجنسيته لشخص وتحرم آخر منها. عندما يمكنك فصل الدولة عن الأمة، يمكنك أن تطلب مني التفريق بينهما".
يتجاوز تأثير مجموعة أعمال الظفيري تصوير انعدام الجنسية. مع تزايد شعبية أدب البدون بين القراء الكويتيين بشكل عام - من شعر منى كريم ودخيل آل خليفة إلى روايات جهاد محمد وعبد الله الحسيني - يتم تقديم شيء نادر إلى جمهور أوسع: الروايات التي تمزق الجراح الجماعية. الدم الذي يتدفق من هذه التجارب الحية يتسرب عبر هياكل الطبقة وبناء الأمة على حد سواء. بالمعنى النقدي، تقدم هذه الروايات أطروحة مضادة حول سبب بناء مدينة الكويت، ولماذا ستكون مدينة الحرير ولماذا لم تكن الجهراء كذلك قط: للحفاظ على الحدود داخل الحدود.
إذا كانت حدود البلدان عنيفة بطبيعتها، فما مقدار الضرر الذي يمكن أن تحدثه الحدود غير المرئية داخلها؟ هذه دولة/مدينة وحيدة لأنها لا تسمح للناس بعبور حتى تلك الخطوط المرسومة في الوعي الجمعي.
عند قيادة السيارة عبر الدوحة وعبر الجهراء نفسها، تلتف الطرق حول المركز التجاري الذي كان مشهورًا في السابق متجهة إلى حصن ملكي تاريخي، ومراعي خضراء نادرًا ما توجد في الصحراء الحارقة. واليوم، تعكس هندسة الجهراء بقوة الانقسامات الطبقية للمجتمع الكويتي. مقابل جامعتين خاصتين، واحدة كندية وأخرى أمريكية، مع امتداد من الفيلات الخاصة التي تضم في الغالب أعضاء هيئة التدريس الغربيين، يقع شريط آخر من المنازل الكويتية النمطية. تم تصميم منزل تلو الآخر بخصوصية مهووسة، ما يجعل الأحياء التي تبدو وكأنها امتياز لصناديق العصير الخرسانية العملاقة. عبر هذه المنازل الفخمة والمؤسسات باهظة الثمن، تنتشر ألواح الصلب الصناعي في مدينة تيماء الفقيرة الخاصة بالبدون. على شكل أماكن معيشة مستطيلة، تؤوي الألواح الفولاذية شعبًا محرومًا من جميع الحقوق المدنية بشكل فعال.
كما أنه من المستحيل عدم رؤية تيماء ولكن من السهل تجاهله، تنطبق نفس القواعد على مدينة الكويت. في حين أن العاصمة تفتخر بالمباني الرديئة التي تضم العمال المهاجرين أكثر من ناطحات السحاب ومراكز التسوق الفاخرة، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل ستضم مدينة الحرير نفس الديناميكيات أم أنها ستكون موطنًا للجميع؟
مرة أخرى، قد تقدم لنا الرواية لمحة أوضح عن الواقع، وربما فكرة لتخيل طريقنا نحو واقع مختلف. رواية تشاينا ميفيل المدينة والمدينة هي قصة بوليسية في أغرب بيئة ثلاثية الأبعاد. تقع في دولتين/مدينتين توأمتين خياليتين في أوروبا الشرقية بيزيل و أوي كوما، يحظر على المواطنين من كلتا الدولتين الاعتراف ببعضهم البعض. في حين أن المدينتين تتداخلان جغرافيًا، وكلاهما موجود في نفس المساحة ولكن مع بعض المنازل أو المؤسسات المخصصة لبيزيل والبعض الآخر مخصص لأوي كوما، تحافظ المدينتان على الفصل فقط من خلال امتثال مواطنيها. يجب ألا يعترف مواطنو بيزيل أبدًا بمواطني أوي كوما والعكس صحيح؛ شكل من أشكال التفاعل مع الدولة المعارضة تعاقب عليه "الاختراق"، وهي هيئة شرطية سرية تحمل اسم الجريمة التي تعاقب عليها.
الشيء الوحيد الذي لا فائدة منه أكثر من الجسر الذي لا يؤدي إلى أي مكان هو الجسر الذي يؤدي إلى المربع الأول ، إلى مستقبل يستمر ببساطة في تكرار كل أخطاء الماضي.
لتجنب الاختراق، يجب على المواطنين ألا يروا أو يسمعوا أو يشعروا بكل شيء وأي شيء من الطرف الآخر، طوال الوقت. إذا خرج شخص من بيزيل من منزله فيرى أحد سكان أوي كوما يُحتضر في الشارع، مع أن طلب المساعدة قد ينقذ حياته، سيعد ذلك جريمة على مستويات متعددة. إلى جانب الدولتين/المدينتين التوأمتين، تعد أوركني مدينة ثالثة مفاهيمية تنبض بالحياة في أذهان أولئك الذين يؤمنون بها، ما يخلق نظامًا سياسيًا نفسيًا روحيًا من نوع ما يمكن لجميع المواطنين أن يكونوا فيه من دون اختراق. هناك، يتم استبدال هياكل المواطنة بهياكل الوعي. لا أحد في أوركني قد يقوم باختراق إذا كان الجميع متصلين في وقت واحد.
في الوقت الحالي، لا تقدم الكويت مكانًا ثالثًا لسكانها للتواصل. إن قيادة السيارة عبر جسر جابر، فقط للوصول إلى أي مكان كان من المفترض أن يكون مدينة الحرير، هو خرق لنسخة رؤية 2035 البراقة التي ترغب الدولة في أن يراها مواطنوها. في أواخر سبتمبر 2023، أعلنت الكويت عن نسخة محدثة من رؤية 2035، مع التركيز على خمس سنوات أخرى، وأطلقت عليها اسم رؤية 2024-2040. إذا كان الماضي هو ما يمكن من خلاله الحكم على المستقبل، فقد لا نرى مدينة الحرير على الإطلاق.
في "المدينة والمدينة"، يحل المحقق تايدور بورلو القضية المركزية للرواية ويكتشف أوركني، فقط ليتم إجباره من قبل "الاختراق" ليصبح أحد أفرادها. في كاليسكا، يقتل محمد عبد الرحمن في غابة كندية وسط الثلج، فقط لتعتقله السلطات بعد ذلك بوقت قصير. في تلك البيانات الصحفية التي كتبتها، تتماشى مصالح الشركات مع طموحات الدولة، فقط لنقل الخطط الوطنية التي تركز الأرباح على الناس. على جسر جابر، يتصل منقاري الصقر العلوي والسفلي، فقط ليؤديان إلى أرض فارغة وأرض أخرى أكثر عنفًا أسفل منها؛ حيث يموت المهمشون. في جميع الحالات، هناك بيروقراطية دولة صارمة تحد من الطموح وتذكر الناس بوضوح بمواقفهم وإمكانياتهم.
إذا أرادت الكويت تحقيق مدينة مماثلة لأوركني، ومستوى معين من الوعي الجماعي لجميع الأشخاص الذين من المفترض ألا نراهم، يجب على أولئك الذين يشرعون في طريق التقدم التفكير في وجهتهم النهائية. هل نتجه نحو مكان للبعض أم أنه مكان للجميع؟ هل نحن ببساطة نكرر دورات العنف، المرئية وغير المرئية على حد سواء؟ الشيء الوحيد الذي لا فائدة منه أكثر من الجسر الذي لا يؤدي إلى أي مكان هو الجسر الذي يؤدي إلى المربع الأول، إلى مستقبل يستمر ببساطة في تكرار كل أخطاء الماضي.
