يتناول الكتاب الفخم ممارسة البناء المستدام، من تأليف المهندس المعماري الأردني عمار خماش.
عمار خماش: ملاحظات حول التشكيل، تحرير رأفت مجذوب
Dongola Limited Editions 2023
الترقيم الدولي 9789953970073
ميشا جيراكوليس
في الكتاب الأول في سلسلة دنقلا الجديدة حول الهندسة المعمارية، ملاحظات حول التشكيل، يدرس رأفت مجذوب أغراض وتقنيات المهندس المعماري وعالم الأنثروبولوجيا والفنان الأردني الشهير عمار خماش. حصل خماش على الجائزة العالمية للهندسة المعمارية المستدامة للعام 2019 ، ولديه الكثير ليقدمه لكوكب منكوب بالفوضى المناخية من خلال مشاريعه، مثل مركز برية الأردن والأكاديمية الملكية لحماية الطبيعة، من بين العديد من المشاريع الأخرى. مجذوب، وهو نفسه مهندس معماري ورئيس تحرير إصدارات دنقلا المحدودة، يستعير من كتابات خماش المبكرة عن المساكن الريفية الأردنية، ملاحظات حول عمارة القرى في الأردن، لصياغة العنوان الذي يضع "التكوين" في قلب نظرية وممارسة خماش المعمارية.
بدلًا من الدعوة إلى أسلوب معين، ينصب تركيز مجذوب على الطرق والوسائل التي ظهرت بها المباني في العالم العربي. وبينما يتم إعطاء الأولوية للعمل على المنتج النهائي، فإن تصميمات وهياكل خماش المكتملة جوهرية بالنسبة إلى هذا الخطاب.
الهندسة المعمارية للمنطقة هي بالضرورة ذات تخصصات متعددة ومتقاطعة. حتى أكثر المناظر الطبيعية ومناظر المدينة المعاصرة على اتصال وتواصل مع التاريخ والتراث القديم. لا تخدم المباني هنا الاحتياجات الحالية فحسب، بل هي تعديلات طويلة الأجل ذات تأثيرات قابلة للقياس على المناظر الطبيعية والتاريخ. يظهر موضوع بسرعة، ما يشير إلى أنه لكي ينجح أي مسعى معماري، فإن المناخ والتضاريس والأنظمة الاجتماعية والاقتصادية والعوالم الطبيعية والروحية هي اعتبارات أساسية.
المناقشات حول التكوين هي بالتأكيد مناقشات حول المعلوماتوالشكل والوظيفة. ومع ذلك، فإن خماش يذعن أولًا للطبيعة كمرشد له ونقطة مرجعية. التكوين ليس حسابًا خطيًا. تولد السياقات الأكبر والعناصر الموجودة داخله نوعًا من الاتصال والاستجابة التي تتطلب جمع المعلومات من خلال التخصصات، لاكتساب رؤية أكثر شمولية لما هو ممكن، والأهم من ذلك ما هو مفيد.
درس خماش الهندسة المعمارية وعلم الآثار العرقية، كما يتطلع إلى الأرض والعلوم الاجتماعية لتقييم مدى تحقيق الانسجام بين المنشأ والأرض التي بُني عليها وأولئك الذين يستخدمونه. أحد الأمثلة على ذلك هوالمساهمة في البحث عن "الراوند الفلسطيني"، وعن نظام الري الذاتي الخاص بهذا النبات. باستخدام برنامج النمذجة ثلاثية الأبعاد، ساعد عمل خماش على إثبات قدرة الراوند على التقاط وتكثيف الماء من الهواء ثم توجيهه إلى الجذر. بالنسبة للبناة في الصحراء على كوكب تزداد حرارته بشكل متزايد، مليء بالجفاف والفيضانات، فإن أنظمة الري الذاتي مثل تلك الخاصة بالراوند الفلسطيني لا تقدر بثمن بالنسبة إلى المناقشات حول التنمية المستدامة.
كتب مجذوب أن خماش يعارض أن يوضع - أو توضع أعماله - تحت أي تصنيف. في وقت مبكر من حياته المهنية، اتخذ خماش خيارًا حكيمًا، حافظ على عمله المعماري منفصلًا عن أعماله الفنية. ربما بسبب خبرته كساكن في الأماكن التي يعمل فيها، يصر على أن يكون "حريصًا جدًا على عدم تجاوز الخط... الهندسة المعمارية هي إيجاد حلول للمشكلات. الفن هو صنع المشكلات".
يشير الحوار بين مجذوب وخماش إلى استخدام "استراتيجيات التفكير التصميمي". يتطلب التفكير التصميمي، المستوحى من الاحتياجات المجتمعية والبيئية، ملاحظة شديدة وفهمًا للتجارب الحية، والتي في بعض الحالات تتحدى حتمًا المعايير. يؤكد مركز العمارة وحقوق الإنسان (CAHR) أن هذا هو بالضبط ما يجب أن يحققه التصميم والتطوير الشاملان. وفقًا للمركز الكندي لحقوق الإنسان، فإن التهجير الناجم عن التنمية لا يقل أهمية عن النزاع وتغير المناخ في إجبار الناس على ترك منازلهم، وبالتالي يوصي باتباع نهج بناء قائم على الحقوق.
اعتاد خماش أن يأخذ تجارب عملائه الشخصية ومخاوفهم واحتياجاتهم في الاعتبار قبل الشروع في تصميم المشاريع، وعلى هذا يمكن أن يُوصف بأنه يتبع استراتيجية بعينها للتفكير التصميمي، وبأنه مصمم يهتم بالحقوق، حتى لو تجنب هذه الأوصاف. وسواء كان خماش يتبع بوعي توجيهات الهيئة أو ببساطة رؤيته الحساسة الخاصة، ينظر المهندس المعماري الأردني إلى آثار البناء "من حيث العدالة الاجتماعية والعمل" قبل الالتزام بالمشروع.
عند العمل على مشاريع الحفاظ على التراث في القرى التقليدية، فإنه يستشير ويوظف السكان المحليين. يذكرنا بباولو فريري الذي بدأ كتابه الرائد "تربية المضطهدين" Pedagogy of the Oppressed بالمجتمعات الريفية في البرازيل، ويبدو أن خماش يشارك فراير اعتقاده بأن كل شخص لديه القدرة على أن يكون معلمًا ومثقفًا في نفس الوقت. غالبًا ما تخلق مشاريع خماش في الأردن فرصًا لتبادل المعرفة مع شيوخ القرى، وفرصًا لدمج وتكييف الأساليب التي استمرت أجيالًا مع التصاميم الحديثة والتقنيات الهندسية.
ويُعد استخدامه للمواد المستصلحة والهياكل المعاد استخدامها في كنيسة الرسل في مادبا التي تعود للقرن السادس الميلادي مثالاً واضحًا على ذلك. من خلال مزج التقنيات المعقدة والبسيطة، قدم البناء البيزنطي الأصلي الدعم الأساسي لتجديداته. وكما يوضح مجذوب، فإن هذا الأسلوب في الهندسة المعمارية يعمل كسلسلة متصلة، حيث ينقل الماضي إلى المستقبل.
أثناء أعمال الترميمات التي نفذها خماش في استراحة بيلا في طبقة الفحل، صدرت تعليمات للعمال بالبناء "بالطريقة التي استخدمها أجدادهم... لمكافحة "التراث المزيف"، هو بناء كان يهدف إلى جذب السياح إلى القرى النائية بالإضافة إلى تدميرها... متجاهلين نسبها" إن ترميم المواقع القديمة بالوسائل التقليدية يمنع طمس المعرفة المحلية. إن دمج التقاليد والحداثة يخدم في الواقع أهدافًا متعددة؛ على سبيل المثال، أصبح قرار استخدام الخيزران في بناء أقبية بيلا استثمارًا في الاقتصاد المحلي، من خلال شراء الخيزران من القرى المجاورة.
تم تصوير مشروع آخر قادم من الماضي إلى المستقبل؛ صورة من الثمانينيات تظهر رجلًا يقوم بتجصيص مبنى بالطين مستخدمًا يديه فحسب. تعكس هذه الصورة التي تمثل عشرة آلاف سنة من التقنية البشرية أيضًا العودة إلى الحكمة القديمة للمساعدة في إصلاح الضرر الذي سببته قرون من الاستعمار والتصنيع.
الهدف من سلسلة دنقلا هو الاحتفاء بالمهندسين المعماريين الرائدين في العالم العربي؛ يدعم هذا الكتاب الأول كل من التفكير التصميمي والتنمية القائمة على الحقوق. إن اهتمام خماش بالبناء الذي يلتزم بالمعايير الدولية لحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية والبيئية والعمالية واضح، ويستحق التكريم.
من المسلم به أنه، عند القراءة الأولى، يتضح أن "ملاحظات حول التشكيل" يمدح خماش بشكل واضح. ولهذا سبب وجيه، حيث أن التحليل الدقيق لاهتمامات خماش بتكوين وتطور الطبيعة والقبائل والإبداعات في العالم العربي يتكشف في نهاية المطاف وكأنه خريطة طريق للحلول. ومع ذلك، فإن وصف مجذوب لنهج خماش بأنه "لا يتطلب مجهودًا"، حتى بالنسبة للمهندس المعماري الحائز على جوائز، يبدو وصفًا مبالغًا فيه. على الأرجح، بعد سنوات من الانغماس في هذا المجال - وربما درجات من التجربة والخطأ والتكرار - طوَّر خماش إيقاعه وتدفقه الخاص، ما أعطى نهجه مظهرًا خارجيًا يتسم بالسهولة.
مع الأخذ في الاعتبار أن مجذوب نفسه فنان ومعماري وكاتب - بالإضافة إلى عمله كمحرر للكتاب - فإن كتاباته المنمقة تدحض الافتراضات القائلة بأن النص المعماري يجب أن يكون جافًا أو تقنيًا. غني بالاقتباسات الفلسفية، والصور الرائعة، والمواد الأرشيفية النادرة، ينصف تقديم مجذوب روح خمش الرائدة والشعرية، ويمتع القراء بفن رواية القصص العربي. مع التوجيه الفني لمصمم الجرافيك الإيراني الحائز على جوائز رضا عابديني، يجسد الكتاب الفخم التشكيل. إنه عرض تقديمي دقيق عن البناء والوظيفة والجمال، بالإضافة إلى مسرد ختامي يؤكد القيمة التعليمية والجمالية للنص.
يؤكد كتاب "ملاحظات حول التشكيل" على أن الهندسة المعمارية في العالم العربي تهدف في نهاية المطاف إلى إثارة الأسئلة، وتغيير القواعد، وإقامة روابط أقوى بين الماضي والحاضر. ومن خلال وضع الهندسة المعمارية كقوة تأديبية للتغيير في المنطقة، فإنها توفر، وفقًا لمجذوب: "طريقة تدريس عامة تشتد الحاجة إليها". إن إنشاء مساحات بلدية جديدة مع الحفاظ في الوقت نفسه على مواقع التراث الثقافي يفتح إمكانيات لإجراء محادثات نقدية حول التعاون والنقل الثقافي والعلاقات الإنسانية مع البيئة والمناخات المتغيرة والمجتمعات داخل وخارج منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وجنوب غرب آسيا.
* عمار خماش: ملاحظات حول التشكيل، تحرير رأفت مجذوب، هو جزء من سلسلة كتب دنقلا نصف السنوية. في عامي 2022 و 2023 ، أطلقت دنقلا ثلاثة مشاريع: زرادشت لرضا عابديني في غاليري تانيت في بيروت. مجلة "أمبيت في محطة" في بيروت بالتعاون مع المجلس الثقافي البريطاني في لبنان؛ و"داس 01" في دارة الفنون في عمان.
