كل يوم تقريبًا - مقتطف من رواية محمد عبد النبي

3 ديسمبر، 2023،
في هذا المقتطف الحصري من رواية محمد عبد النبي التي تحمل نفس الاسم، يقرر فؤاد فتح صفحة جديدة وهو على وشك بلوغ الأربعين، متخليًا عن رذائله من أجل التحرر من الماضي...

 

محمد عبد النبي

ترجمته عن العربية ندى فارس

 

بدأ الأمر قبل أيام قليلة من رأس السنة الجديدة، السنة نفسها التي ستشهد بلوغه الأربعين، عندما فكَّر في التَّخلُّص مِن دفاتر يومياته القديمة، بحرقها أو بتمزيقها وتحويلها إلى قصاصات صغيرة للغاية، أصغر من أن يستطيع أي شخص تخمين ما كان مُدوَّنًا فيها، أصغر من أن يستطيع أي مخلوق تصوُّر الحياة التي كانت تحاول إخفاءها في داخلها. لعلَّها كانت مجرَّد رغبة في التخلُّص مِن كراكيب لم يَعُد لها قيمة عنده، أو التماس المزيد من الفراغ، بما يسمح لهواءٍ جديد نظيف بالدخول إلى حياته. لكنَّ قلبه لم يطاوعه، فَلم يستطع أن يمزِّقها، هكذا، بدمٍ بارد، مِن غير وداعٍ أخير، فأرجأ موعدَ التنفيذ وتمهَّل وأخذ يتصفَّحها حتَّى ذابَ فيها شيئًا فشيئًا.

مع نَوبات التَّصفُّح المتكرِّرة ظهرت بذرة هذا المشروع الذي نعمل عليه الآن، إذ قرَّر صاحبنا أن يستثني مِن المحرقة بعض الفقرات؛ يستثني أي لحظةٍ ثمينة تخبره بشيءٍ جدير بالإنقاذ. عليه إذًا أن يلعب دورَ القاضي والجلاد، أن يحكم بالهلاك على جزءٍ ويمنحَ فرصةً ثانية لجزءٍ آخَر منه. وسرعان ما تبين أنَّ المهمة ليست سهلة بالمرة، فكأنَّ عليه أن يعيد كتابة فيلم حياته نفسها.

ظلَّ شهورًا يقدِّم رِجلًا ويؤخِّر رِجلًا، يُرجِئ ويؤجِّل، يضيِّع الوقت كالعادة. ثم حاولَ أن ينتقي بعض الفقرات، ويضيف إليها أحيانًا تعليقات خارجية، في أوراق وصفحات منفصلة عن الدفاتر، بعضها مكتوب على اللاب توب وبعضها بخط اليد. وسرعان ما بدأت المواد تتكاثَر، ثمَّ شعرَ بالصَّحراء تمتدُّ مِن حوله، بدلًا مِن أن تنكمش، ولم يَعُد يعرف سبيلًا للخروج من المتاهة.

وهكذا ظلَّ يتلكَّأ ويتردَّد حتَّى مرَّ عيد ميلاد بعد آخَر، سنوات انقطعَ فيها عمله على مشروع القَصِّ واللصق هذا لأكثر من مرَّة، لصالح مشاريع ومشاغل أخرى، ولم يُسفِر تعبه كله إلا عن ملء المزيد مِن الدفاتر الصغيرة الجديدة والملاحظات المتفرِّقة والأوراق السائبة والملفات المتناثرة هنا وهناك على اللاب توب. فَكأنَّ رَغبته المُعلنة في التنظيف والتنظيم وإزاحة كراكيب الأمس جانبًا وإفراغ مساحة لدخول الغد حُرًّا خفيفًا لم تكن صادقة تمامًا، بل أخفت في داخلها الرغبة الحقيقية المنطوية على نفسها كأفعى نائمة، وهي أن يظلَّ مُسترخيًا في وَخم الماضي، لاهيًا وسط غُرفه، ومُطالعًا صفحاته مرةً بعد أخرى لما لا نهاية، هو المؤمن المتشدِّد باللحظة الحاضِرة والكافر بالحنين إلى أي أمس.

عندئذٍ كان لا بدَّ لَنا مِن التدخُّل السريع لإنقاذ الموقف، قبلَ أن يزداد صاحبنا ضياعًا على ضياعه. عرضَ علينا، وليكن اسمنا فَيلقًا، أن نتسلَّم منه زمامَ الأمور ونحاول أن نستخرجَ من هذا الركام الهُلاميِّ شكلًا ما. قرَّرنا معًا الموافقة، حتَّى وإن سبقنا إلى تمزيق بعض المواد ومحو ذكرياتٍ مُدوَّنة أو غير مُدوَّنة، بقصد أو بنسيان أصبح طبيعةً ثانية فيه. لكننا لا نعرف اليأس أو الاستسلام، ولا شيء أحبُّ إلينا مِن مساعدة صديق طلبَ نجدتنا، صديق سمحَ لنا أن نتَّخذ مِنه مسكنًا نحو أربعين عامًا. ثمَّ بدأنا نجتمعُ بانتظام في أماكن عامة، بعيدًا عنه وفي غفلةٍ منه؛ لي ننسِّق حركتنا ونوزِّع المهام بيننا.

في نفس الفترة تقريبًا اتَّخذ فؤاد قرارًا آخَر، غر موضوع الدفاتر، وهو قرار قديم متجدِّد بالإقلاع عن التدخين والكحوليات. كرَّر المحاولة بعزيمة ثابتة ونِيَّة راسخة، وقد نجحَ لعدة أيام، قبل أن يتبين له أنها نوبة عابرة لا تختلف شيئًا عن أخواتها السابقات، على سبيل هدهدة الأمل في التغيير المنشود.

كانت كل نوبة تستمر من أسبوع إلى شهر، بل امتدَّت ذات مرة إلى أكثر من شهرين، ثم يأتي الانهيار فيستسلم، تدريجيًّا بحَجر شيشة عى مقهى صغير غير بعيد عن البيت، بسيجارة يأخذها من أحدهم، إلى شراء علبة كاملة، إلى موعد مع صديق عى زجاجة بيرة في بار أليف، إلى أن يبدأ الانزلاق النهائي، حتَّى يجد نفسه قرب الفجر في مكان غريب ومُقرِف ينفق بجنون ولا يدري مَن معه أو كم شرب. هذا تلخيص مُخِلٌّ لدورة الإقلاع والرجوع بالطبع، وثمة تنويعات عديدة لا تبتعد كثيرًا عن هذه النغمة الأساسية للَّحن الحزين.

في تلك المرَّة أيضًا أتى الانهيار المفاجئ، وقبلَ ليلة رأس السنة نفسها بيومٍ واحد فقط، عندما لبَّى نداء الخروج مِن قوقعته، أي من الغرفة التي في الشقة التي في البيت الذي في القرية التي في المحافظة التي تفصلها مسافةُ ساعة ونصف تقريبًا بالمواصلات عن العاصمة وعن شوارع الليل التي يعرفها أفضل وهو سَكران. في ذلك اليوم، كما هي العادة، خرجَ مدفوعًا برغبة حارقة في النزول للقاهرة، في مقابلة الناس والصحاب، كان مُشتاقًا حتَّى إلى كل ما يَنفُر منه غالبًا: التلوُّث، والزحام، وضجيج المواصلات. كان ضَجِرًا حدَّ الاختناق مِن الروتين والتكرار والأفق الضيق للغرفة التي في البيت الذي في القرية.

وكان لا يخجل مِن مخادعة ذاته، متظاهرًا بأنه قادر على التحدِّي، قادر على أن يحلِّق ويدنو مِن ألسنة اللهب مِن غير أن يحتضن النار ويحرق بها، أي أن يتجنَّب التدخين والكحول طيلة الوقت الذي سيقضيه بعيدًا عن البيت. ظلَّ صامدًا وسعيدًا بهذا الصمود لساعة ثم ساعة ثم ساعة، وكُلما طال به الوقت خارت قواه وضعفت إرادته واقترب مِن المحظور حتَّى زلَّت قدمه مِن جديد، فَطلبَ سيجارة ثم وجدَ نفسه بعد قليلٍ متجهًا نحو أماكن الشرب والعربدة، يطوف بها واحدًا بعد آخَر، كأنه في حَجٍّ مِن نوع شيطاني، كأنه يودِّع حياة الليل والصخب والعربدة، للمرة الأخيرة.

لا بدَّ أن تكون هذه المرة هي الأخيرة، آخِر سهرة مِن هذا النوع، آخِر زجاجة بيرة، آخِر سيجارة، لن يضيِّع نفسه مرةً أخرى، لن يضيِّع النقود التي يشقى للحصول عليها ويمكنه أن يُنفقها في ألف شيء له معنى غير هذا، لن يُضيِّع ولن يَضيع. ويحاول أن يهوِّن الأمرَ مُدَّعيًا أنه في كل مرَّة يكتسب خبرةً جديدة، مِن كل محاولة مُخفقة يضيف لترسانته سلاحًا صغيرًا في مواجهة الزلات ولحظات الضعف والغواية، يتعلَّم مِن كل نكوص وارتداد أكثر ما يتعلَّم مِن الفلاح والنجاح والالتزام بالنظام.

قال لنا: "أصبح الأمر كوميديًّا، خلاص. مها حاولت، فلن أعرف أبدًا كم عدد السجائر التي قررتُ أن تكون هي سيجارتي الأخيرة، وطبعًا زجاجات البيرة أو كؤوس الخمر. ربما يشاركني هذا الصراع جميع المدخي ن الطامحين للإقلاع، لكنني خلافًا لهم، وبإعمال الخيال، صنعتُ منه شيئًا آخَر، يخصُّني وحدي، شيئًا يبدو كبيرًا وفريدًا من نوعه، وإن بدا للأعين الغريبة، أو من بعيد، عاديًّا وشائعًا وتافهًا. صنعتُ منه دِراما إغريقية مؤثِّرة، فكأنَّ التدخين ليس مجرد عادة سيئة، تدمر الصحة وتؤدي للوفاة، بل هو أقرب إلى رمز، عَلامة لشيء أكبر مِن مجرد سَحب الدُّخان للرئتين شوقًا لضبط نِسبة النيكوتين في الجسم. تلعب السيجارة دور ملاك الفَناء المخيف، شارة بصرية عى جميع ألعاب الفناء وتدمير الذات الأخرى، مندوبٍ عديم الشأن وافد من مملكة الهلاك، كأنَّها العَتبة الأولى لمملكة الهلاك والمهرجانات؛ مهرجانات السَّهر والسُّكر والفَلَس والضياع".

أمَّا ما يحدث هنالك، على الجانب المظلم من القمر، ما يحدث له أو معه فغالبًا يتبدَّد كأن لم يكن، ولا يستطيع أن يمسك منه إلا نتفًا ومزقًا منفلتة بلا سياق مؤكَّد. حتَّى أيامه الصاحية الواعية، على الجانب المضيء من القمر، كانت تغور في رمل النسيان الناعم بانتظام، ولا يمسك منها إلا ما تحفظه له صفحات هذه الدفاتر، مواصلًا النَّبش عن مَعنى لها، كأنَّه يعيشُ حُلمًا شفَّافًا مستديمًا، يحاول أن يجد له تأويلًا معقولًا قبل أن يوقظه منه الموت.

لكن أي هؤلاء فؤاد؟ مَن يُريد أن يخرج ويسكر وألا يعود إلى البيت أبدًا ولو ظلَّ متنقِّلًا مِن حانة إلى أخرى حتَّى طلوع الشمس؟ أم مَن يريد أن يبقى في بيته بالأيام والأسابيع، مُقدِّسًا روتينه اليوميَّ الصارم، ومعتنيًا بالبيت والمطبخ والزرع والقطط، وعاكفًا عى مشاريع الكتابة والترجمة وخلافه، ومكتفيًا بالتواصل مع العالَم والأصدقاء والمعارف عبر الشاشات؟ مَن يريدُ أن يُتركَ لحاله وأن يُنسى تمامًا، أم مَن يريد أن يُرَى ويُسمَع؟ مَن يحاول أن يتكتَّم وأن يُخفي جروحه وأزماته وهو خَجِلٌ منها ومِن تفاهتها، أم مَن يريد أن يصرخ ويصيح ويصدِّع الرؤوس بالشكوى كُلما استطاعَ ووجدَ أذنًا وعاونته الخَمر؟ لَيته كان اثنين فقط، أو لَيتنا كنا اثنين فقط، فما بين هذين الوجهين الكبيرين تُوجدُ أقنعةٌ متنوِّعة الألوان والأطياف والأشكال، أو نوجدُ نحن، لن نبالِغ فنقول لا يحيط بنا حَر، لكن ما جدوى الوقوف عى عددٍ محدد لنا؟ كا أننا نزيد وننقص، نختفي ونظهر، يذوي أحدنا ويبزغ نجمُ آخَر. كل ما نعرفه أنَّ السَّيِّد المسيح عندما سألنا عن اسمنا، وهو يخاطبنا، ذات يومٍ بعيد، ليطردنا جسمُ مسكينٍ آخَر كنَّا نسكنه آنذاك، أجبناه: "اسمي فَيلَقٌ؛ لأننا كثيرون". نحن فيلقُ فؤاد، ولم نزل نسكنه، وقد تعاقدنا معه عى ذلك منذ زمن بعيد.


نَعم.. أي هؤلاء فؤاد؟ أليس من المُستحسَن أن نرسم له صورةً مبدئية؟ فَهو شخصيتنا الرئيسية، وربما شخصيتنا الوحيدة، وقد شرعنا نتحدَّث عنه هكذا، ب ا مقدِّمات، وكأننا متفقون حول مَن يكون. أليس من الضروري أن نضع له تاريخًا مختصرًا حتَّى ننطلق من شيء ملموس؟

لمثل تلك الأسئلة، لم يكن مِن السهل الوصول إلى إجابة نتفق عليها جميعًا. طال نقاشنا وتحوَّل جدلًا عقيمًا، ولم نعد نذكر أعداد أقداح الشاي وفناجين القهوة وغيرها التي حطَّت على مائدتنا ممتلئةً ثُمَّ رُفِعَت فارغة، ولا عدد أعقاب السجائر التي طَفَحت بها المنافض، ولا عدد أحجار الشيشة التي أخذت تتبدَّل تلقائيًّا، بِفعل أيدٍ خَفية لأشخاص غير مرئيين تقريبًا، يحيطون بنا ويخدمون في صمتٍ وإجلال، كأنهم على دراية بطبيعة مَهمَّتنا العسرة. لا نكاد نراهم أو نسمع أصواتهم أو ننتبه لحركاتهم؛ فهم كائنات خيالية بالنسبة إلينا، على عكس فؤاد الذي لا يشغلنا الآن سواه، هو الوَهم الذي نريد أن نشكِّل له صورة تبدو حقيقية، وأن تكون مُرضية لنا جميعًا، قبل أن نبدأ في الانكباب على العمل الشاق وفرز الدفاتر والأوراق، والاستغناء عما لا أهمية له والإبقاء على كل ما هو ضروري أو جميل، ثم صياغته في قوام متماسك.

لا مفرَّ هنا مِن الإشارة إلى معلومة بَديهية وإن غابت أحيانًا عن كثيرين، وهي أنَّ فؤاد ليس شخصًا حقيقيًّا، هكذا بكل بساطة. وعى الرغم مِن هذا، فسوف نبذل، من جانبنا، غايةَ جهدنا، ليبدو حقيقيًّا، وموجودًا بالفعل في مكان وزمان مُحدَّديْن خارج مَصفوفة هذه السطور حيث يلتقي أشباح الكُتَّاب بأشباح القرَّاء.

فؤاد شخصية مُلفَّقة مِن الألف إلى الياء، اخترعناه معًا مِثل مَن يصنعُ مِرآةً ليهربَ مِن الوَحدة، مِثل مَن يقف أمامَ مِرآةٍ مرآة ليتكاثر، مِثل مَن يرسم صورة ذاتية لنفسه بالاعتماد على انعكاسه على سطح مِرآة. اخترعناه لِنتسلى معه؛ لكي يأخذ كلُّ واحدٍ منَّا هُدنة مِن نفسه، يأخذ مسافة منها ليراها كأنه يتخيَّلها على هيئة أخرى، يضع جانبًا جسده وحياته وحكاياته ليعيد خلقها في ذاتٍ لا تكتمل أبدًا، ذات هي نصف وجودٍ ونصف عَدم، هي ممكنٌ ومُحتَمل، فِكرة بلا صياغة، باختصار طيف أو شبح.

ربما لهذا اعتبرنا أنفسنا أشباحًا تسكنه، وتسكنُ إليه، تتَّخذ منه بيتًا وتؤثِّثه وتُزيِّنه بحكاياتها وذكرياتها، نُتفة من هنا ومِزقة من هناك، جاهدين ألا تتنافر كل تلك العناصر عند دمجها معًا فتصنع نشازًا لا يُطاق أو حيلة زائفة لا تنطلي على أحد؛ إذ على صانع الجَمال أن يكون صادقًا حتَّى وهو يكذب، وأن يكون جميل الصوت حتَّى وهو يصرخ، ولَعْنته ألا يعرفَ أبدًا هل ما يصنعه جميلٌ حقًّا أم غير ذلك، وأن يبقى مسكونًا بالريبة والظنون مهما امتدحه الآخرون. علينا أن نتصرف وكأننا صانع واحد، ولسنا صُنَّاعًا عديدين في ورشة هذا الجسد، وإذا كُتبَ لنا النجاح في مَهمَّتنا فلا فضل لأحدٍ منَّا على آخَر، وإذا لم نوفَّق فالذنب لا يقع على أحدٍ منَّا دون الآخَر.

سبق أن استعملناه في تجارب سابقة لهذا الشخص المتخيَّل عينه. لكنَّ مُشكلة الهوية لا تُحَلُّ بمجرد الاتفاق عى اسم شخصيةٍ ما، بل لعلَّها تبدأ به؛ إذ يجب استكمال بقية البيانات الواردة في الاستمارة الرسمية الشهيرة في القِسم الخاص برَسم وتكوين الشخصيات والذي يشغل طابقًا كاملًا مِن مُجمَّع خَدَمات البناء الروائي. تلك الاستمارة لا تأتي بقياس موحَّد، بل لها أحجامٌ وأشكالٌ كثيرة جدًّا، وفقًا لأحلام كل كاتب وكل نَصٍّ، فقد تتكوَّن مِن صفحة واحدة فقط أو عشرات أو مئات الصفحات، وقد لا تنتهي إلا بانتهاء النَّصِّ نفسه أو بانقضاء حياة أحدها: الكاتب أو الشخصية.

هل علينا إذًا لِننفخ روحَ الحياة في طين فؤاد أن نقول إنه ذَكر مصري، عربي، مُسلم؟ أو بترتيب آخر: ذَكر عربي، مسلم، مصري؟ أو...؟ لكن ماذا سنقصد تحديدًا بتلك الكلمات؟ أهي أشياء مُتَّفَق عليها بحيث يفهم مَن يقرؤها ويسمعها نفس
ما يقصده كاتبها وقائلها تمامًا؟ في نهاية الأمر، وبعدَ أخذٍ ورَدٍّ ووَجع دماغ، سلَّمنا بأن الأمر غير ذلك، واتفقنا أيضًا أنه لا مجال لمُساءلة تلك الاصطلاحات والتعريفات، وأننا لو فتحنا ذلك الباب وطرحنا الأسئلة عن معنى كون شخصيتنا ذَكرًا أو عربيًّا أو...، لأدخلنا أنفسنا في متاهات قد لا نخرج منها أبدًا ونكرِّر مأساة صاحبنا مع مشروعه. وَكَم مِن مشكلات عويصة يمكن حلُّها بشيءٍ مِن التواطؤ والتسامُح مع اللغة والأفكار، شرطَ أن نتجنَّب النظر في أع ن بعضنا البعض؛ لكي لا تفضحنا نظراتنا؛ تفضح عجزنا وهواننا وقِلَّة حيلتنا.

قد نفعل أي شيء لنُنهي يومَ عملٍ آخَر، ونفُضَّ الاجتماع وقد توصَّلنا إلى شيءٍ ما. ولم ننسَ أن نختار اللحظة الأنسب لنبدأ منها المشروع، وهي لحظة موت الأب، بما فيها من حيوية وجلال. ثم لا بدَّ لنا أن ننهض إلى حياتنا الحقيقية في موعد معقول؛ حتَّى لا يفوت بعضنا المترو الأخير إلى بيته البعيد، أو لأنَّ "البرد بدأ يشتدُّ هذه الأيام"، أو لأنَّ "المدام تطاردني بالاتصالات والرسائل"، أو لأنَّ "البار القريب أدفأ وأهدأ مِن هذا المقهى"، أو لأنَّ "عندي عَمل مهم في الصباح الباكر". صحيح، فَحتَّى الأشباح المجتمعة هنا، والكاتبة لهذه السطور، لديها بيوت والتزامات ومواعيد، تمامًا مِثل الأشباح التي ستأتي، منفردة، لتقرأ هذه السطور بعدَ حين.

 

محمد عبد النبي وُلدَ في الدقهلية، مصر في العام 1977، تخرج في كلية اللغات والترجمة بجامعة الأزهر العام 2002، نشر العديد من الروايات والمجموعات القصصية، منها: بعد أن يخرج الأمير للصيد (ميريت، 2008)، رجوع الشيخ (روافد، 2011)، في غرفة العنكبوت (العين، 2016)، كان يا ما كان (العين، 2018)، كل يوم تقريبًا (المحروسة، 2023).
أشرف عبد النبي على عدد من ورش الكتابة في مصر، وصدر له كتابان عن تجربته في الكتابة؛ في غرفة الكتابة (الكرمة، 2021)، الحكاية وما فيها (الكرمة، 2023).
بالإضافة إلى الكتابة، ترجم عبد النبي العديد من الروايات والكتب غير الروائية من الإنجليزية إلى العربية، منها: فلسطين (التنوير، 2013)، في بلد الرجال (الشروق، 2016)، النورس جوناثان ليفنجستون (الكرمة، 2016)، قلق السعي إلى المكانة (التنوير، 2018)، الدامابادا (الكرمة، 2018)، مليون نافذة (الكرمة، 2019).

ندى فارس كاتبة ومدربة معتمدة للمبدعين. في العام 2018، حصلت على جائزة المرأة العربية من Harper's Bazaar Arabia لتأثيرها على المبدعين في الكويت. وهي زميلة فخرية في الكتابة في برنامج الكتابة الدولي بجامعة أيوا (IWP) خريف 2013. وخريجة برنامج القيادة الدولية للزوار (IVLP) أبريل 2018: تمكين الشباب من خلال الفنون المسرحية. فارس حاصلة على ماجستير في الكتابة الإبداعية (الشعر والترجمة الأدبية) من جامعة كولومبيا. علاوة على ذلك، نشرت كتبًا متعددة في أنواع مختلفة. ظهرت أعمالها القصيرة في كل من The Norton Anthology for Hint Fiction, Gulf Coast Journal, Indianapolis Review, Nimrod, Tribes, One Jacar, The American Journal of Poetry وغيرها الكثير. "تائهة في مكة " لبثينة العيسى ( الأصل العربي "خرائط التيه") هي أول ترجمة أدبية لها.

الذكاء الاصطناعيالأدب العربيشخصيات القاهرةخيالالكتاب المصريين

اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *