ماذا تركت وراءك؟ للكاتبة بشرى المقطري
ترجمه عن العربية سواد حسين
من إصدارات فيتزكارالدو، 2022
الترقيم الدولي 1804270016
صليحة حداد
إن مشاهدة الحرب تتكشف عن بُعد لأمر صعب ومؤلم، لكن اتخاذ قرار بتحمل خطر أكبر يتمثل في الانغماس في وسط حرب مستعرة، من أجل توثيق شهادات ضحاياها المدنيين، هو بالتأكيد إنجاز ليس لضعاف القلوب. ومع ذلك، هذا بالضبط ما فعلته الكاتبة والناشطة اليمنية بشرى المقطري عندما شرعت في كتابة ماذا تركت؟ ، وهو تقرير ميداني غير عادي مليء بالتاريخ الشفوي، ترجمته إلى الإنجليزية سواد حسين. إنه كتاب يبدو غير مهتم بالاستراتيجيات العسكرية للرجال في الحرب أو بالترسيم التاريخي لأي من الجانبين المتحاربين. وبدلًا من ذلك، تجمع المقطري بشق الأنفس سجلًا من الروايات المؤثرة والشخصية عن اليمنيين الذين يعيشون تحت النيران منذ أواخر العام 2014، عندما بدأت الحرب بين الحكومة المدعومة من التحالف العربي والحوثيين. الكتاب هو تكريم لذكريات الذين سقطوا وإحياء لذكرى الناجين الذين تُركوا لالتقاط بقايا الحطام.
ركزت رواية المقطري الأولى خلف الشمس، من إصدارات المركز الثقافي العربي (2012)، على حالات الاختفاء القسري في اليمن. جاء ذلك في أعقاب مشاركتها السياسية في ثورة اليمن العام 2011، حيث ساعدت في قيادة مسيرة احتجاجية من مدينتها تعز إلى صنعاء. وردًا على ما فعلت، أصدر رجال دين يمنيون فتوى ضدها ودعوا إلى نبذها في يناير/كانون الثاني 2012.
في تقرير صدر في نوفمبر/تشرين الثاني 2021 بعنوان تقييم أثر الحرب في اليمن، وجدت الأمم المتحدة أن ما يقدر بنحو 377,000 مدني فقدوا حياتهم منذ بدء حرب 2014. تخاطر المقطري بحياتها من أجل أولئك الذين نجوا من الموت، فقد ظلت لعامين تحاور مواطنيها من كلا الجانبين لتجمع أكثر من 400 شهادة.
مستوحاة من كتاب الحائزة على جائزة نوبل سفيتلانا أليكسيفيتش الوجه غير النسائي للحرب، الذي تجمع فيه الكاتبة ذكريات المقاتلات السوفيتيات عن الحرب العالمية الثانية، ترتدي المقطري ملابس بغرض التنكر، وتتنقل بين ضحايا ميليشيا الحوثي وضحايا التحالف العربي الذي تقوده السعودية، لتبرز بحيادية لا تتزعزع قصص اليمنيين غير المقاتلين الذين يتذكرون الفظائع المباشرة وغير المباشرة التي شهدوها ونجوا منها، لتخرج إلى عالم يستمر في نسيانهم. الكتاب، كما تشرح في مقدمتها، هو شهادة "للتحسن ضد النسيان، ضد التظاهر بالجهل، ضد الجهل".
تصف الشهادات الموجزة الرعب الذي شهده وعاشه الرجال والنساء، صغارًا وكبارًا، في حرب لم يكن لهم يد فيها أو سيطرة عليها، وحيث كان مصير الناجين من القصف أن يتعرضوا لصدمة أبدية، تطاردهم كوابيس وذكريات الموتى التي لا يستطيعون أن يحزنوا عليهم بشكل سليم وهم يطاردون مظاهر الأمن في ظل حياة طبيعية لكنها غير مستقرة.
عنوان أولى شهادات الكتاب "لكنها سقطت"، حيث لا يزال أحمد حميد سيف مطاردًا بالقصف على منزل شقيقه الذي أودى بحياة زوجته وثلاثة من أطفاله الصغار. كما أودى بحياة جيرانه وطفليهما.
أخي لا يزال يُعذَّب. لا يستطيع النوم، لا يستطيع أن ينسى. إنه مشغول بإيجاد العلاج لابنه المصاب. أحمل أحزان أخي على ظهري، أدخل المنزل وتعود الذكريات مسرعة. أتذكر أطفال أخي وزوجته، ضحكاتهم، الضجيج الذي كانوا يحدثونه، حياتنا الجميلة معًا. اللعنة على التحالف وكل من جاء معهم إلى بلادنا، اللعنة على كل طرف قتل الشعب اليمني.
والآن بعد أن توقفت معظم عمليات القتل، يتعين على الناجين أن يتعاملوا مع حاضر قاتم يعيش فيه الكثيرون في ظروف غير إنسانية، بعد أن فقدوا ليس فقط وظائفهم، ولكن أيضًا بيوتهم في بلد لا يزال يواجه المجاعة ونقص المياه والعنف الذي لا ينتهي. في مقال نشر العام 2015 بعنوان عن المأساة الّتي تخلّفها الحرب في اليمن، حذرت المقطري من مجتمع مدني مهدد بالفناء.
"لا أحد يأتي إلى حينا. لا منظمات إغاثة ولا صحفيون، كلهم يخشون القذائف ورصاص القناصة. لم يعودوا يهتمون بما يحدث لنا"، تقول الحاجة نظيرة وهي تحكي عن الحياة في منطقة الحرب في حي الزهراء في تعز، الذي كان ذات يوم العاصمة الثقافية لليمن. كانت قد فقدت زوجها عندما لم يُسمح للعائلة بنقله إلى المستشفى لتلقي العلاج.
بعد نشر كتاب ماذا تركت وراءك؟ حصلت المقطري على جائزة يوهان فيليب بالم لحرية التعبير والصحافة. الكتاب مهم وإن كانت قراءته صعبة، لكن كتاباتها والشهادات التي جمعتها تجبر القارئ على الاستماع إلى أصوات اليمنيين، وهي أصوات تذكرنا بحجم المأساة الإنسانية وراء عناوين أحد أقل الصراعات التي يتم نقاشها في العالم.
أريد أن أكتب أطروحة عن هذه الرواية. هذه واحدة من أكثر الشخصيات تأثيرا في أدب ما بعد الحرب في بلد من بلدان العالم الثالث ...
يعرض المقطري الظروف والحياة المؤلمة للشعب اليمني.