شبكة باراندا - نساء أفغانيات يكتبن

3 ديسمبر، 2023
لكسر الصور النمطية التي تصور أن لا شيء يحدث في بلادهن سوى الحرب، تواصل مجموعة من النساء الأفغانيات الكتابة على الرغم من حكم طالبان.

 

ليلي رازفي

 

في العام 2019، اطلعت شقيقة مريم محجوبة على دعوة مفتوحة قادمة من مؤسسة اجتماعية في المملكة المتحدة تُدعى "روايات غير مروية"، تدعو الكاتبات الأفغانيات إلى تقديم أعمال أدبية قصيرة. جاء فيها: "لستَ بحاجة إلى أن تكون كاتبًا ذا خبرة، كل ما تحتاجه هو أن يكون لديك قصة لترويها". يمكن تقديم القصص بلغة الباشتو أو الدارية وسيتم النظر فيها كمشروع تجريبي لتربيط الكاتبات الأفغانيات بمحرري الأدب والمترجمين الدوليين. كانت مريم تفتقر إلى الثقة بقدراتها الكتابية، فقررت أختها أن تقدم إحدى قصصها نيابة عنها.

اعتادت مريم أن تكتب مذكراتها منذ أن كانت فتاة صغيرة. عندما كانت طفلة، كان كل شيء في حياتها يدور حول الحرب، لكنها وجدت نفسها في الكتابة. درست القانون في الجامعة، ولكن بسبب ضمور العضلات أصبحت مقيدة بالكرسي المتحرك بشكل متزايد، وغير قادرة على العمل. تقضي الكثير من وقتها في المنزل، تقرأ وتستمع إلى الموسيقى وتكتب مذكراتها. تعيش مع عائلتها، التي يدعم جميع أفرادها كتابتها، باستثناء والدها.

قبل ذلك بعامين، كانت لوسي هانا، مؤسِّسة "روايات غير مروية"، تعمل في أفغانستان مع كاتبات سيناريوهات على المسلسل الإذاعي الطويل  "منزل جديد، حياة جديدة".New Home, New Life عبَّرت الكتابات عن إحباطهن لأنهن لم يجدن من ينشر رواياتهن المكتوبة، وتحدثن عن التحديات المتمثلة في تطوير قاعدة قراء لكل منهن. نشرت إحداهن قصصًا قصيرة على الإنترنت، لكنها قالت: "لم أقابل قط ناشرًا محليًا يرغب في نشر كتاب من دون أن يطلب مالًا من كاتبه. من المستحيل العثور على ناشر أجنبي يرغب في قراءة كتب عن أي شيء باستثناء الحرب".

منذ بداية القرن العشرين، كانت أفغانستان غارقة تحت تأثير الحكام المتغيرين والغزوات والثورات والحروب. أدت هذه الخلفية السياسية غير المستقرة إلى تعطيل إنشاء بنية تحتية إبداعية محلية مستقرة في كثير من الأحيان. على الرغم من أن كابول كان بها العديد من الناشرين في وقت ما، إلا أنه كانت هناك دائمًا ندرة في المحررين ذوي الخبرة ومترجمي الأدب. الوضع صعب بشكل خاص بالنسبة للنساء. وحتى في كابول، الأماكن المتاحة للنساء للتواصل مع كتاب آخرين لمشاركة أعمالهن الإبداعية محدودة، ومن الصعب العثور على ناشر لقصصهن محليًا، بلغاتهن الخاصة، ناهيك عن الترجمة على المستوى العالمي.

تم تأسيس "روايات غير مروية" كاستجابة لهذه الحاجة، برنامج لتطوير الكتَّاب المهمشين بسبب الصراع أو المجتمع. كان أول مشاريع المؤسسة هو "اكتب أفغانستان"، وهو مشروع موجه إلى الكاتبات الأفغانيات للتعاون مع المحررين والمترجمين الدوليين باثنتين من لغاتهن المحلية. كان من الواضح أن كاتبات السيناريو الإذاعي لم يكن وحيدات في نضالهن ورغبتهن في نشر أعمالهن، فقد تم تلقي أكثر من 200 مشاركة استجابة لأول دعوة مفتوحة للكاتبات في جميع أنحاء أفغانستان. وكان العديد منها مكتوبًا بخط اليد، أو أرسل عبر الهاتف المحمول، أو من مقاهي الإنترنت. وكان نص مريم من بينها.

استكشفت القصص الحياة المنزلية والحقوق الاجتماعية والسياسية للمرأة، وتطرقت إلى موضوعات عالمية مثل الأسرة والصداقة والحب والخيانة. جميعها خيالية، والعديد منها مستوحى من الحياة الواقعية، والبعض الآخر كان عبارة عن نسخة حديثة من الحكايات الشعبية الأفغانية. تمت مراجعة أعمال المشاركات من قبل فريق من القراء والمترجمين الأفغان ذوي الخبرة، ومع دعوة مفتوحة ثانية بعد سنة، انضمت مجموعة من 25 كاتبة أفغانية إلى برنامج "اكتب أفغانستان".

ضمت المجموعة، إلى جانب مريم، طبيبًا وكاتبي سيناريو وأربعة مدرسين ومحاميًا وطبيبًا نفسيًا وعامل مصنع ومهندسًا وعمالًا في المنظمات غير الحكومية وطلابًا جامعيين. تتراوح أعمارهم بين 22 و 61 عامًا، كان البعض قد بدأ للتو دراسته في الجامعة، والبعض الآخر أمهات يربين أحفادًا. ويعيش أغلبهم في مناطق حضرية مثل كابول ومزار الشريف، لكن آخرين أتوا من مقاطعات نائية. معظمهم لم يلتقوا قط، ولكن وحدتهم رغبتهم في الكتابة.

لم يكن الاتصال بالإنترنت موثوقًا به، لذا نظمت المؤسسة لقاءً منتظمًا مع محررهم ومترجمهم الدولي عبر تطبيق واتساب، تم عقد ورش عمل جماعية ومكالمات فردية عبر ثلاث مناطق زمنية؛ الكتَّاب في أفغانستان، وأحد محرريهم في سريلانكا، والمترجمون في لندن. لقد كتبوا المسودات بلغتهم الأولى، الباشتو أو الدارية، ثم تُرجمت كل مسودة تالية إلى اللغة الإنجليزية ليقرأها المحررون، قبل المكالمة التحريرية التالية حيث يتم تفسير وشرح التعليقات، ثم يعيد الكتّاب الكتابة. كما اتصلوا ببعضهم البعض لتبادل الأفكار والخبرات والتقنيات. لم تعمل مريم محجوبة مع محرر، ولم تقم بإعادة كتابة أي من قصصها من قبل.

على الرغم من الوباء، استمرت عملية التحرير، وعلى الرغم من انقطاع التيار الكهربائي، وانقطاع الاتصال بالإنترنت في كثير من الأحيان، طورت محجوبة قصتها الأصلية، "شغل مكيف الهواء هذا، يا سيدي" وكتبت قصة أخرى بعنوان "رفيق"، وهي وصف مؤثر لجدة تشعر بالوحدة لأن أطفالها هاجروا.

كانت "شغل مكيف الهواء هذا، يا سيدي" "، أول ما نُشر لها باللغة الإنجليزية، نُشرت في مجلة "كلمات بلا حدود" في العام 2020. ثم واصلت نشر أعمالها باللغة الألمانية ، بعد أن تم اختيارها كواحدة من ثلاثة كتاب من قبل شريك "روايات غير مروية" الألماني Weiter Schreiben للمشاركة في تبادل للرسائل الأدبية. من خلال هذا المشروع ، تم تربيط محجوبة مع الكاتبة والناقدة والمترجمة المعروفة إلما راكوسا Ilma Rakusa ، تبادلا الحديث عن حياتيهما وخبراتهما ونشراها باللغة الألمانية في مجلة Weiter Schreiben الأدبية على الإنترنت. كما تم تكليف محجوبة بكتابة مقال لصحيفة دير شبيغل الألمانية.

في أغسطس 2021 ، انقلبت مجموعة الكتابة رأسًا على عقب، اجتاحت طالبان البلاد وسقطت كابول. وحاول العديد من الأفغان الفرار من بلادهم. في ذلك الوقت، كان الكتّاب، ومن بينهم محجوبة، مشغولين بتطوير قصصهم لتجهيز كتاب مختارات من قصصهم القصيرة لنشرها في المملكة المتحدة بواسطة دار نشر ماكليهوز MacLehose Press. لقد كانوا مصرين على رغبتهم في الاستمرار في المختارات على الرغم من المخاطر.

وبينما بدأ العديد من الكتاب رحلات صعبة إلى خارج البلاد كلاجئين، لم يتمكن آخرون من المغادرة أو اختاروا البقاء. كانت محجوبا تحاول المغادرة منذ ثلاث سنوات للحصول على الرعاية الطبية، لكن فرصها الآن أصبحت محدودة للغاية. ووجد آخرون في المجموعة ملاجئ في دول من بينها طاجيكستان وإيران وإيطاليا والسويد والولايات المتحدة وكندا وأستراليا. في فبراير 2022، نشرت دار ماكليهوز للنشر مختارات بعنوان قلمي جناح طائر: قصص جديدة لنساء أفغانيات ، وهي أول مجموعة قصص مترجمة لكاتبات أفغانيات. تبدأ المختارات بقصة مريم "رفيق" وتختتم بـ"قم بتشغيل مكيف الهواء هذا، يا سيدي". في العام 2023، نُشر الكتاب أيضًا في الولايات المتحدة واليابان وكوريا وأوكرانيا، وبيع منه أكثر من 13000 نسخة باللغة الإنجليزية، كما تم إدراجه في القائمة القصيرة لجائزة جان ميشالسكي للأدب العالمي لعام 2022.

وبدعم من مؤسسة KFW ، نمت المجموعة لتصبح شبكة باراندا، التي تعمل مع الكتاب الأفغان في الداخل وفي الشتات. يجتمع الكتاب والمترجمون والمحررون معًا عبر الحدود والمناطق الزمنية لكتابة روايات جديدة وصقلها ومشاركة الأفكار وتأمين العمولات في الترجمة. تطورت صداقات بين بعض الكتاب، كما أنهم يستمرون في تقديم الدعم والمشورة لبعضهم البعض.

تم تطوير "هايكو كابول" لمريم محجوبة من خلال شبكة باراندا، حيث ظلت هي وزملاؤها الكتاب عازمين على تقديم قصصهم إلى القراء في أجزاء أخرى من العالم. وعلى الرغم من العيش في ظل نظام طالبان القمعي، والاضطرابات والصدمة الناجمان عن الفرار من منازلهم، فإنهم يمسكون أقلامهم ويواصلون الكتابة.

 

ليلي رازفي هي منسقة مشروع "اكتب أفغانستان" في "روايات غير مروية" Untold Narratives ، حيث كانت تعمل كمحرر مساعد. كانت سابقا مساعدة إدارية وشبكات لمنظمة حقوق الإنسان REDRESS ، التي تسعى إلى تحقيق العدالة للناجين من التعذيب. كان رازفي منتجا مساعدا ومنسقا للأحداث الحية لمهرجان ويمبلدون للكتاب. باحث استقصائي في منظمة العمل ضد العنف المسلح؛ ومساعد إنتاج في New Black Films.

الكاتبات الأفغانياتأفغانستانمزار الشريفطالبان

1 تعليق

اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *