أحد طلاب رفعت العرعير، كاتب غزة المحبوب، يكتب رثاءً له

18 ديسمبر، 2023
في 6 ديسمبر، اغتيل الشاعر والكاتب والأستاذ الفلسطيني رفعت العرعير في غزة بضربة "دقيقة" استهدفت على وجه التحديد أرضية المبنى الصغير الذي لجأ إليه هو وعائلة أخته. كما قتل سبعة أشخاص آخرين، بينهم أربعة أطفال، في التفجير، وجرح ثلاثة آخرون. تكريمًا لهذه الشخصية الفكرية الرائدة من غزة، ننشر نصًا لأحد طلابه السابقين. لا تزال روح رفعت وحبه للكلمات حية ...

 

قال رفعت إنه لكي يحافظ الفلسطينيون على ذكراهم وقضيتهم حية، عليهم الاستمرار في سرد الحكاية من وجهة نظرهم.

يوسف محمد الجمل

 

من الصعب الكتابة عن رفعت العرعير، الشخص الذي غرس فيَّ والعديد من الشباب الآخرين في غزة حب الكلمة المكتوبة.

الآن بعد أن وجدتني أكتب مقال الوداع هذا من أجله، راحت مني الكلمات. الغريب أني لا أشعر أنه رحل. من الصعب تصديق أنه مجرد ذكرى الآن، ومن الصعب أن أقبل أنه لن يظهر مرة أخرى في فصله الدراسي، مظهرًا ذكاءه وروح الدعابة التي اشتهر بها.

بالنسبة إلينا، الذين تعرفوا عليه على مر السنين، رفعت شخصية خالدة، إنه فكرة والأفكار لا تموت. رفعت كلمة وقصة، رفعت قلم وتورية. رفعت هو شاعرنا وراوي القصص ومعلمنا.

وُلد رفعت في العام 1979، وهو ابن حي الشجاعية في مدينة غزة – كان يحب أن يقدم نفسه بهذه الطريقة – وكان مصدر إلهام لجيل كامل من الفلسطينيين الذين بلغوا سن الرشد تحت الحصار في غزة، الشباب الذين قادهم ودعمهم ليصبحوا رواة قصص.

كان رفعت نشيطًا للغاية، ويمنح الكثير من وقته للآخرين، لدرجة أنه بدا بين الحين والآخر أنه يمكن أن يتواجد في مكانين منفصلين في نفس الوقت.

كان عالميًا في تعليمه، حيث عرَّفنا على مالكولم إكس وجون دون وشكسبير وإدغار آلان بو، إلى جانب أعمال المؤلفين الفلسطينيين مثل إدوارد سعيد وسوزان أبو الهوى وإبراهيم نصر الله ومريد البرغوثي وغيرهم.

أخبرنا رفعت أن جدته كاملة هي التي زرعت فيه حب رواية القصص. كان جده يرشوه بالهدايا ليبقى معه، لكن رفعت كان يختار دائمًا قصص جدته.

في كلمة تيدإكس ألقاها في العام 2015، اقتبس رفعت عن أحد السكان الأصليين في كندا يسأل المستعمرين: "إذا كانت هذه أرضك، فأين قصتك؟" كانت القصة التي عرفها عن فلسطين وغزة طريقة رفعت لإثبات ارتباطه بأرض أجداده.

في وقت مبكر من حياته، أصيب رفعت بثلاث رصاصات. نجا وخرج أقوى.

"لم يتم القبض عليَّ قط في حياتي. أصبت ثلاث مرات بالرصاص المعدني المغلف بالمطاط، ولم أتعرض للضرب إلا عندما اقتحم الجنود منزلنا".

قتلت القوات الإسرائيلية عم رفعت، تيسير العريير، بينما كان يعمل في أرضه في العام 2001 شرق الشجاعية، كما قتلت إسرائيل شقيقه حمادة في العام 2014.

وفي الوقت نفسه تقريبا، دُمر منزل عائلة رفعت أيضًا. عندما يدمر الإسرائيليون منزلًا، يعود شاغلوه بعد فترة لجمع الأشياء الثمينة مثل المجوهرات أو الإرث العائلي والصور. حفر رفعت في ركام الخرسانة والحديد بحثًا عن كتابات طلابه.

يتم نشر غزة تكتب مرة أخرى من قبل Just World Books.

كان لدى رفعت حب كبير للأدب، لدرجة أن أحد زملائنا في الفصل قال مازحًا ذات مرة إنه يحتفظ بنسخة من هاملت تحت وسادته عندما ينام. ضحك رفعت عندما سمع النكتة. تواضعه وأسلوبه السهل يعني أن العديد من طلابه أصبحوا أصدقاء مقربين له. يمكن أن يكون قاسيًا عندما يصحح الامتحانات ويضع الدرجات، لكننا ما زلنا نحبه لأننا نعلم أن تأثير الدرجات التي نحصل عليها بصعوبة سيستمر لفترة أطول.

لم تقتصر علاقة رفعت بطلابه على حدود الفصل الدراسي. وكثيرًا ما كان يدعونا إلى دروس في الهواء الطلق أو بالقرب من الشاطئ، الذي يخضع الآن لاحتلال القوات الإسرائيلية. كان يدعونا لتناول القهوة ويطمئن علينا دائمًا وعلى عائلاتنا.

قام رفعت بتحرير مختارات في العام 2014 جمع فيها بعضًا من أفضل الكتابات التي قرأها. بإلهام من كتاب "الإمبراطورية تكتب مرة أخرى"، اختار رفعت كتاب "غزة تكتب مرة أخرى: قصص قصيرة من الكتاب الشباب في غزة" عنوانًا له. أراد أن يكون صوت غزة للعالم. بعد فترة وجيزة من انتهاء الحرب الإسرائيلية على غزة في عامي 2008-2009، طلب من طلابه، بمن فيهم أنا، كتابة قصص قصيرة كجزء من واجبنا المدرسي، واختار بعض هذه القصص ونشرها.

أراد رفعت بواسطة هذا الكتاب فضح الادعاءات حول الفلسطينيين في غزة من خلال الأدب، لأنه كان يعتقد أن الأدب عالمي وخالد، ويمكن قراءته في أي وقت في المستقبل كما لو أنه مكتوب الآن. ترجم كتاب غزة تكتب مرة أخرى إلى لغة الملايو والتركية والإيطالية والبنغالية.

يعتقد رفعت أن القصص لديها قوة هائلة في تجاوز الأفكار والأشخاص. اعتاد أن يخبرنا أن الحركة الصهيونية لم تستعمر فلسطين بحركة واحدة، بل عمل الصهاينة لعقود لبناء رواية تبرر احتلال فلسطين. خلقت الصهيونية أولًا وطنًا خياليًا في أذهان أتباعها من خلال الأساطير والقصص.

وقال رفعت إنه لكي يحافظ الفلسطينيون على ذكراهم وقضيتهم حية، عليهم الاستمرار في سرد الحكاية من وجهة نظرهم. اعتاد أن يذكرنا أننا إذا توقفنا عن سرد القصص، فسوف نخون أسلافنا.

في العام 2014، سافرت مع رفعت العرعير وروان ياغي، وهي إحدى من نشر لهن في مختاراته، إلى الولايات المتحدة للحديث عن غزة وثقافة قص القصص في فلسطين.

ترك رفعت دائمًا تأثيرًا كبيرًا على الأشخاص الذين التقى بهم. قمنا بجولة في سبع ولايات معًا، وتحدثنا في الكنائس والنقابات والمراكز المجتمعية والمدارس، واستخدم رفعت معرفته وروح دعابته لسرد قصة غزة بشكل فعال.

كانت زوجة رفعت وأطفاله في مكان آخر عندما قُتل. كان يتحدث دائمًا عن أطفاله وما يعنون بالنسبة إليه.

تمتع رفعت بحس الدعابة السوداء، وكانت اللغة هي لعبته. اعتاد أن يلقي النكات بسرعة، وكان ماهرًا في التلاعب بالكلمات والترفيه عن من حوله. كان لديه مهارات متعددة وكان نشيطًا على وسائل التواصل الاجتماعي، وغرد كثيرًا عن غزة باللغة الإنجليزية.

ذات مرة، كلف طلابه بمهمة إنشاء حساب تويتر / X والتغريد باللغة الإنجليزية لزرع بذور سرد القصص فيهم. عرف العديد من الناس على مستوى العالم رفعت بسبب استخدامه لوسائل التواصل الاجتماعي.

تصادف أنني كنت على نفس الرحلة مع رفعت في العام 2013. كلانا كان مسافرًا إلى ماليزيا للدراسات العليا، سافر رفعت ليحصل على درجة الدكتوراه وأنا لأحصل على درجة الماجستير. سألني إذا كان لديَّ مكان للإقامة فأجبت بالنفي. دعاني للبقاء معه حتى أجد سكنًا. لقد كان لطيفًا جدًا معي، لكن روح الدعابة السوداء كانت موجودة دائمًا. بعد أن غادرت بيته، تناولت العشاء في مكان صديق آخر، ونشرت على الانترنت أنه يمكنني أخيرًا أن أقول إنني تناولت العشاء. بعدها نعتني بأنني "جاحد"، وطلب مني أن أشتري بطيخة، وأن أزوره لأبدي ندمي على نشرت، وقد فعلت.

كان رفعت يشكل تهديدًا للسردية الإسرائيلية ولهذا السبب اتصلت به المخابرات الإسرائيلية وأخبروه أنهم سيقبضون عليه، وأنهم يعرفون أنه يحتمي في مدرسة. اختار رفعت مغادرة المدرسة وتوجه إلى منزل شقيقته حيث قُتل في غارة جوية إسرائيلية الساعة 6:00 مساء يوم 6 ديسمبر/كانون الأول.

في مقدمته لكتاب "غزة تكتب مرة أخرى"، اقتبس رفعت من تشينوا أتشيبي، الذي كتب: "رواة القصص يشكلون تهديدًا. إنهم يهددون جميع المهووسين بالسيطرة. إنهم يخيفون مغتصبي الحق في حرية الروح البشرية".

"ثمة فلسطين داخلنا جميعًا، فلسطين تحتاج إلى إنقاذ حيث يمكن لجميع الناس بغض النظر عن اللون والعرق والدين أن يتعايشوا... فلسطين على مرمى شهيد، على مرمى صاروخ، على مرمى دمعة أو أهة، فلسطين على مرمى قصة".

لطالما قربتنا قصص رفعت من وطننا، نتذكر رفعت وهو يحمل كتابًا في يده ويسرع إلى موعد آخر، دائمًا ما يقوم بمهام متعددة. كما أراد رفعت منا أن نفعل في قصيدة بعنوان "إذا كان يجب أن أموت"، كتبها في العام 2011، ولكن وضعت على صفحته في نوفمبر 2023، سنحول قصتك إلى حكاية.

إذا كان لا بد أن أموت
رفعت العرعير

إذا كان لا بدّ أن أموت
‏فلا بد أن تعيش أنت
‏لتروي حكايتي
‏لتبيع أشيائي
‏وتشتري قطعة قماش
‏وخيوطاً
‏(فلتكن بيضاء وبذيلٍ طويل)
‏كي يُبصر طفلٌ في مكان ما من غزّة
‏وهو يحدّق في السماء
‏منتظراً أباه الذي رحل فجأة
‏دون أن يودّع أحداً
‏ولا حتى لحمه
‏أو ذاته
‏يبصر الطائرة الورقية
‏طائرتي الورقية التي صنعتَها أنت
‏تحلّق في الأعالي
‏ويظنّ للحظة أن هناك ملاكاً
‏يعيد الحب
‏إذا كان لا بد أن أموت
‏فليأتِ موتي بالأمل
‏فليصبح حكاية

أخبر رفعت صديقا مقربا قبل يوم من مقتله أنه شعر بالتعب بعد 60 يومًا من الحرب، لأنه كان يعتني بعشرات الأشخاص الذين يحتاجون إلى الغذاء والدواء للبقاء على قيد الحياة.

كل يوم، كان يمشي أميالًا ليصل إلى الإنترنت للإبلاغ عما كان يحدث في غزة. كتب لي يوم الأحد أنه رأى دمارًا في غرب مدينة غزة يشبه الدمار الناتج عن الحرب العالمية الثانية.

وكما أراد رفعت أن يكون مقتله أملًا للفلسطينيين، يجب على الناس في جميع أنحاء العالم أن يفعلوا ذلك أيضًا. إن رؤية كل هذه الترجمات لقصائده وصوره في عشرات الاحتجاجات والوقفات الاحتجاجية في جميع أنحاء العالم هو ما أراده رفعت، أن تصل رسالته إلى أكبر عدد ممكن من الناس. رفعت لم يمت، بل تضاعف، كما تقول الكاتبة الفلسطينية سوزان أبو الهوى، لأن رفعت فكرة والأفكار لا تموت.

 

نُشرت نسخة مبكرة من هذا المقال في TRT World.

يوسف محمد الجمل حاصل على درجة الدكتوراه في دراسات الشرق الأوسط ومؤلف ومترجم عدد من الكتب. شارك في تأليف كتاب "نضال مشترك: قصص المضربين عن الطعام الفلسطينيين والأيرلنديينA Shared Struggle: Stories of Palestinian and Irish Hunger Strikers، من إصدارات An Fhuiseog (تموز/يوليو 2021).

حرب غزةحياة وموتفلسطيني

1 تعليق

  1. https://www.youtube.com/watch?v=tpW4dm29SnM

    https://www.youtube.com/@TraditionalFutures/videos

    يا له من تكريم جميل لرجل غير عادي في كتابتك ، ومثل هذا التكريم الشخصي المتوازن بشكل رائع ، عزيزي يوسف! شكرا.

    الأفكار تدعمنا وهي خالدة بالفعل.

    لقد دفعني موته إلى العمل وأنا الآن أصبغ حياتي بالأغاني والقصص الاسكتلندية التقليدية. كان ردي على قصيدته الورقية ، التي أجبت عليها ، هو الجرأة على إنشاء أول مشاركة على قناتي الجديدة على YouTube. شكرا لردكم. لقد كان المحفز. شيء صغير ، لكنني سأبقيه في أفكاري لأنني لا تزال أمتلك موهبة الحياة. وهذا أقل ما يمكنني فعله.

    بركات على رصيدك الرائع. لأنه ، تماما مثل طائرته الورقية - يحمل الأمل. 🥰

اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *