
تعبيرًا عن حياة شغلها الترحال والتنقل من بلد إلى آخر، تكتب ندى الشبراوي قصائد عن الغربة والوحدة والسأم من العالم. صدر ديوان «خطأ ٤٠٤» عن دار وزيز بالقاهرة.
ندى الشبراوي
ألف
1
تخيلي
كل الظروف دي اتغيرت
والوقت ده عدا
اللي بعدوا، اختفوا
واللي فضلوا، اختلفوا
واللي وقفوا على الحياد
خسروا السياق
وفقدوا الرؤية
والمعنى
والمادة
2
بدلتي اللغات
وبدلتي الهدوم
وبدلتي البلد
والدواير
والخصوم
واتبقى بعد الغربلة
والخرتأة
ومحاولات الخروج لبرة الشرنقة
والهروب للقصيدة الواسعة
من دنيا دوشة وضيقة
إنسان في غربة ربنا موهوم
3
أخطاء أقترِفَت بالقوة
ومعاني اقترنت بالشدة
ومشاعر فحواها اتفرفت
واتفرق جوا بيوت عدة
ومفارق فاصلة تلات قارات
وخرايط ناقصة ٢٠٠ حتة
أطفال نامت
أطفال ملاحمها ما تشبهنيش
ومدن تاهت
آخر أيامها بتتسرسب
وبتفلت خِلسة من التفتيش
ومعارك خاضها جيوش مش جيش
أشبه بحروب درء الردة
4
العنف مش بسلاح
والدم مش باللون
ومية الوضوء مش دليل الطهارة
والسكوت مش رضا
والصمت كفاح
والولادة مش بداية كل شيء
غير الخسارة
وتراجيديا العالم
وسخريّته
خلت، حتى الشعر على قلته
بيفترض الأدوار
ويلغيها
ويكنسلها
ويرجع يوافق عليها
ويبدلها
ويزايد عليها
طول الوقت
وباستمرار
وبشكل يمنع أي تشكل حتمية
ويأجل للأبد مجاز الانتصار
ويلغي – في نفس الوقت – مجاز الأبدية
وضرورة الشعرية
ويقضي على أمل الوجود والاستنارة
5
الجثة دي حرمتها منهوبة
والمدينة ضلمة وحزينة ومنكوبة
وهروبك لخارج الأسوار تم بصعوبة
بس فيه ألفين جاسوس خلفِك
حُملتِ
أم حَملتِ
مش فارقة
الحمل فاق قصدك
وفاق ذنبك
وضميرك اللي تبعتيه ضد العالم
شخصيًا
بيخالفك
الدفن واجب
والحقوق لله
والصراع لا يحتمل تأويل
والجثة دي هتنام في حضن الأرض
حتى لو هيكون، يا أنتيجون، ده آخر ليل
حتى لو هتحاربي كل الكون
حتى لو تمن الإيمان الكفر
تخيلي
بعد الظروف ما اتغيرت
والوقت ده عدّا
سلمتي روحك للقدر
ورجعتي صفر

خطأ 404
مفيش أماكن طيبة ومفيش
في الغربة حل لأي داء معروف
بدلت خوفي الاعتيادي بنوع جديد مـ الخوف
بدلت ضعفي بضعف طازة ومبتكر
وحدفت روحي في حتة تانية وغيرت الظروف
وقللت التواصل مع كل البشر
وجيت هنا
كتبت زيهم:
اسمي الأولاني بعد اسمي الأخير
وبقيت بقولهم:
بونچور
بدل ما كنت بتلخبط لما بشوفهم عـ السلم
وبقول صباح الخير
وإمعانًا في التغيير
بقيت بميل لاختياراتهم الباردة في التعبير
وبقيت بتدرب عليهم لوحدي قدام المراية
وصبرت على سحر الغواية
وقدرت أبطّل
عشوائيتي اللي كنت بحبها
والشعر أصبح تفصيل ثانوي
ومجرد هواية
مع إني لما واجهت نفسي بالقصيدة كتبتها
2
أنجزت ما أنجزت
واترميت عـ السرير البارد المفروش
بطاطين الدنيا بحالها ما دفتهوش
مش هيدفيه غير حضن ونيس
والاكتئاب
هو نفسه الاكتئاب
في حر قاهرة المعز أو في برد باريس
والأيام
لا زالت أيام صِعاب
حتى بعد الويكند ما بقى
بيبدأ مـ الجمعة مش مـ الخميس
القهوة فتحت آه، بس فيها ماليش صُحاب
كل الحاجات غاليين مع إن طلبي رخيص
3
خلّصت كل المهام
خلّصتها وخلِصت
الحزن طابع عام
إلا الفرح بالقسط
يا منفذ الأحكام
ما كفاية قطمة وِسط
هات حاجة مـ الأحلام
سيب حاجة مـ الماضي
ابعت في مرة هدية
أو أي شيء عادي
إن شالله حتى قعدة في البينيلو مع شادي
إنشالله تمشية حلوة
في أدغال المعادي
إن شالله ليلة أنام بدون كوابيس
4
خلصت كل المهام
أديت ديوني
وديون كمان حُملتها عافية
خلصتني كلي
وبردو جهودي بحالها مش كافية
ولا نابني غير الأسئلة من غير ردود شافية
والاعتياد عمومًا بيبوخ الأحزان
معرفش سبت الدنيا ولا اتسبت
تتقل عليا، اتقل عليا كمان
تظهر آلام أسبوعي يوم السبت
تظهر آلام الشعر في الأوزان
تتقل على النص
يِتكسر ميت شطر
وأفضل ألمه السطر بعد السطر
والقطر يجري، ملعون أبوك يا قطر
هذا ما نابني من كتابة الشعر
هذا ما ناب الشعر مـ الإنسان
5
هذا،
والبحث دايم والصراع محسوم
والدنيا ما بتسمحش لأي حاجة تدوم
مفيهاش أماكن طيبة ومفيش
ولا فرصة تطلع منها مش مهزوم
ما خلقت هذا باطل
من سريري الصغير في أوضة أمي
لسرير دورين في أوضة مشتركة
لأوضة ليا لوحدي في أبعد ركن في الشقة
لمدينة تانية
طلعت في الآخر مش فارقة
لقارة عجوزة
ووحدة تامة ومستحقة
لسؤال الذات
والكف عن سؤال الخلق والخلان
لسؤال وجودي عن أزمة الإنسان
وإجابة عدمية
أنا خدت إيه منهم أنتمي أنا ليه؟
أنا عندي إيه مني، ينتمي ليا؟
كراتين معبية
كراكيب تلات بلدان
واحدة جيت منها
وواحدة رايحة لها
وواحدة موجودة فيها هنا والآن
فيهم..
شوية ورق
وشوية كتب
وكام شهادة
وكام سوفونير صغير من غادة
وصورة لحمزة بلبس البحر
بحبها علشان ضحكته
وتيشرت بابا وسبحته
وشوية هدوم
وشوية هموم
متقسمين باليوم
والموقف
والساعة
وكاميرا صغيرة
وكذا شاحن
وسماعة
وجواز مختوم
إيه ممكن منهم يربط بيني وبين بيتنا؟
وإيه منهم يقدر يربط بيني وبين الناس؟
الوطن مش أرض
الوطن إحساس
وأنا حاسة طول الوقت بالغربة
والقاهرة الواسعة جدًا
ورغم ذلك
أضيق من التُربة
والأهل مش بيطمنوا، بالعكس
والصحاب اللي اتسكنوا
في المحلة وضواحيها
وفي اسكندرية من محطة الرمل لغاية الماكس
وفي دول العالم الأول والتاني
والتالت والتجمع الخامس
كلهم..
كلهم زايلين
فأنا مش عارفة أعوز حاجة
ولا حاضنة حتى في بالي أي بني آدمين
أنا نفسي بس حمزة يفضل عمره ست سنين
وريحته ماتخفش من جوايا
وما تختفيش
ونفسي ألاقي في باريس بياعين الفل في الميادين
وأدي لهم فلوس
فأضمن إن ذكرى بابا تعيش
وبآمل ألاقي هناك إحساس بالسما الواسعة
والأرض الجديدة
ونظرة تحسسني
حتى لثانية..
بالفرص التانية
وبالأفق البعيدة
وعايزة حضن يكون وطن
وعايزة حب يكون إيمان
وعايزة شعر يكون ملاذ من أي جور
مش شرط يتحط في ديوان
وعايزة ما أشتاقش لزمان
وعايزة أكون زي الشجر جزع وجذور
أتغدى نور
وأطرح ورق
ومش عايزة عمري اللي اتسرق
لو محتاجاه، خليه
كل اللي مات له حبيب بيبكي عليه
بس اللي ماتت حتة منه بيكتفي بالندب
وأنا واحدة عادية جدًا من جموع الشعب
مش حمل شد وجذب
مش حمل حرب وشجب
مش حمل تسويات
مش بنت كلب
ولكن بنت راجل محترم عاش في حاله ومات
ما رفضش حاجة من الحاجات
وصدق جميع الأنبيا والمعجزات
ما آذاش حد بس هو اتأذى
يمكن لذلك لم بكيت في العزا
ولا جبت سيرة حاجة ف حكي ولا في شعر
وأنا زيه بردو
حبيت في العلن واتأذيت في السر
انتظرت في كل موقف معجزة
وماجتش
وخسرت على أرضي في ألفين ماتش ..
وانتصرت أكيد بعدها
لكن، انتصار باهت مالوش قيمة
زي القصيدة دي ما بتحكي عن قصة قديمة
من كتر ما سمعناها بطلنا نتأثر
وعشان كده الدموع لو بانت
مش هتتقدر
والوجع لو ساد، هيبقى مرير
وأنا هضطر أرضخ لمطالب كل الناس
وأعمل ثيرابي
وهضطر أكذب بعدها
وأحكي عن التأثير الإيجابي والتغيير
وساعتها أنا مش هكتب علشان
مفيش كذابة بتكتب شعر
ومفيش قصيدة بتتولد مـ الزور
ونقطة النور
اللي كنت هموت عليها
هيبقى طز فيها بأوامر الدكتور
وهتطلع الأرض الجديدة
زي الأرض القديمة
هي هي بإختلاف الإسم
واختلاف شكل الشوارع والبيوت
وطريقة الحزن على الناس ساعة ما تموت
وطريقة أرقى للتعامل مع المواطنين في القسم
وطريقة أروش للتعبير عن نفس الشتيمة
وطرق أحن للتكفير عن نفس الإثم
ولغات مختلفة لترجمة الأفلام في السيما
ودرجات متعددة لسمار أو بياض الجسم
واختلاف طفيف في كيفية توهتي
وكيفية رجوعي
وحقيقة إن هناك المطر
ممكن يداري على دموعي
بينما وأنا هنا، ببلع دموعي وبماطل
الكون بشع جدًا
ربنا، ميرسي بجد،
ما خلقت هذا باطل
