مقتطف من كتاب هبة خليفة: عين النمرة

من كتاب «عين النمرة» لهبة خليفة.

هبة خليفة   By • 29 SEPTEMBER 2025

عن ما حدث أثناء الطفولة، تكتب هبة خليفة كتابًا مؤثرًا، من ناحية هو طريق لاستكشاف النفس ودواخلها، ومن ناحية أخرى هو محاولة للتعافي.

الطريق الوحيد للخارج يمر عبر الداخل

الجحيم، دانتي

من 6 سنين وأنا بنقل لبيت جديد لاقيت صورة من طفولتي ورا الدولاب، صورة مشخبطة عليها بألوان كتير، كأني بشوهها، وكاتبة على ظهرها إن «دا وشي الحقيقي»، شدتني لرحلة غير متوقعة، رجعتني للعيلة اللي فضلت سنين بحاول أسيبها ورايا، وكانت سبب إني بدأت مشروعي ده، اللي بعتبره رحلة علاج عبر أزمنة مختلفة، بوصّل بيها القصص ببعض، أنا حسيت بإيه وسطهم وليه جوايا كل الغضب ده؟
وأنا بتأمل في الغضب، اكتشفت إنه قفص أنا حابسه عيلتي جواه، وخايفة أفقده فأفقدهم، وكأن الغضب هو حلقة الربط الوحيدة بينا.
المغامرة الفنية شائكة، وبتكهرب!
رحلة من التناقضات بين الألم والرغبة في الشفاء، تصادم قصتنا المُتخيلة والواقعية، الصراع بين الحكاية اللي عيشناها والحكاية اللي بنفتكرها.

 

ماذا يُضيرنى إذا وقع الخراب إن كنزًا ملكيًا سيكون تحت الأنقاض؟
جلال الدين الرومي

(1)

كتاب «عين النمرة» من إصدارات وزيز. (الصورة لهاشم نصر)

العالم القديم بيختفي بالكامل.
أول مرة اختفى كان عندي خمس سنين، فاكرة السلالم والخروج من باب كبير جدًا ساعتها ببؤجة هدوم مش عارفة رايحة فين، بس اللي عارفاه إني مارجعتش تاني أبدًا من غير وداع.
تلاتين متر بيفصلو بين البيتين، بيت أمي وبيتنا (بيت أهل أبويا).
تلاتين سنة لحد ما عرفت أمشيهم تاني، كأني ماشية جوه النار.
المكان نفسه اتمحى من الوجود.
في عزا عمي لما سألت عن السطوح اللي كنت بشوف منه العمارة أم شبابيك خضراء، مرات عمي قالتلي: «الشقة كلها اتهدت عشان الترميم، مابقاش فيه دور فوق خلاص».
نفس الشبابيك الخضراء دي هي اللي عينيه كانت متعلقة بيها وأنا مفلوقة من العياط في بلكونة بيت أمي وبشاور عليها «عايزة أرَوَح».
عياط هستيري اتجمّد حواليَّ وخزِّنِّي جواه في جليد التبلد من غير مشاعر لسنين طوال.

أنا اللا منتمية من غير جاذبية، بسند ضهري على مخدة في سرير كبير بيبلعني الساعة تسعة ونص بالليل، وصوت موتور عربية نقل عالي جاي من الشباك في الأوضة الجوانية في دور أرضي، مخليني حرفيًا عايشة في الشارع.
من يومين دماغي كانت تقيلة جدًا وسخنة كأنها هتنفجر، وعرفت إن دي بداية نوبة الهلع إياها اللي بتجيلي كل فترة، مشاعر تقيلة عايزاني أحس بيها، فرح ورقاصة ومعازيم وخناقة مش قادرة أتنفس فيها.
التجنُّب صديقي القديم، لوحده ومن ورا وعيي بيقَفل على كل ده، بيفض الفرح بكرسي في الكلوب، ويشد سكينة الكهرباء، وألاقي نفسي مش فاهمة حاجة، مش حاسة غير بصداع، أغلب الوقت بينتهي بترجيع وجسمي يحصله «شات داون».

من كتاب «عين النمرة» لهبة خليفة.

حبيت أهل أبويا في السر عشان أمي بتكرههم، لما كنت بدافع عنهم كانت بتقول لي: «روحي شوفي عملوا فيكي إيه» دايمًا كنت بحس بالعار من الكلمة دي كإنها بتذلني، وبفتكر ابن عمتي المراهق وهو بيبص بين رجليّ، ذكرى بتنط في بالي أول ما أمي تقول الجملة دي، زي مشهد بيظهر فجأة من العدم.
رجعت البيت ببؤجة هدوم من غير ولا لعبة، ومن غير ما يكون ليَّ مكان وسط العيلة.
كان اسمي «وأنا وأنا» لأنهم ماكنوش منتبهين لوجودي، فكل حاجة أختي كانت بتطلبها كنت أقول «وأنا وأنا».
أمي عايرتني إن أهل أبويا خدوا اللعب والهدوم الجديدة ورجعوني من غير ولا حاجة، كل اللي كنت أملكه حكايات عن عرايس بحمِّيها وأسرّح لها شعرها، وخيال عن فساتين بتدور في الهوا.

وأنا عندي 35 سنة لما رجعت البيت اللي مشيت منه وأنا عندي خمس سنين، قابلتني ست بالحضن وقالت لى: «إنتي هبة؟ يااااه! ستك كانت معلّقة لعبك ع الحيطة كانت بتقول ماحدش يلمسهم، دول بتوع هبة».
افتكرت طقم فناجين الشاي الصغيرين جوه غلافهم البلاستيك اللي بيلمع، اتحسرت عليهم سنين وأنا صغيرة.

 

(2)

العار عمره ما اتشال عن جسمي، فضل موجود وبيكبر معايا.
لما بلغت كانت خالتي بتعايرني وتقولي «يا أم بزاز»، ووقت الدورة الشهرية كان اسمي «النجسة».
الشيخ في ميكروفون الجامع اللي جنبنا بيزعق كل مرة في خطبة الجمعة إن أهل النار أغلبهم ستات، وإن الستات هتتعلق من شعورهم ومن صدورهم.
لما اتجوزت تصورت إن العار ده ممكن يكون خلص، وإن أمي ارتاحت والمجتمع ارتاح، بس لاقيت العار قاعد في السرير بيبحلق فيَّ، وأنا حاسة بالإهانة، ودموعي مغرقة المخدة.
أمي وخالاتي كانوا دايمًا بيقولولي «يا أم عين نمرة»، شتيمة ماكنتش فاهمة معناها الحرفي، بس كان بيوصلني منهم إني بجحة جدًا وببص في عين اللي قدامي بغضب.
جزء مني ماكانش مصدّقها قوي، لحد ما أستاذ ثابت مدرّس الدراسات الإجتماعية في ابتدائي شاور عليَّ في الفصل وقال لأمي: «وبنتك أم عين نمرة دي عملت كذا وكذا…».
اتخضيت؛ ده طلع بجد؛ الناس كلها متفقين على كدا.

 

(3)

صوت أمي بيوجعني.
درجة صوتها اللي طالعة من الحنجرة، الصوت اللي محشور جوا الزور من غير أي كلام، لسنين طويلة كان الصوت ده بس كفيل يوقعني من طولي، أو يملاني إحساس بالذنب والعار.
ولما حد يسألني إيه اللي حصل معرفش أرد، وأقوله: «أصلها قالت لي كذا أو كذا».
إزاي نغمة صوت ممكن تعمل فيَّ كدا؟
ورد بنتي اللي عندها عشر سنين، بتستعمل صوت الكارتون كتير في كلامها، صوت مستعار بيقلل كسوفها ويخليها تستخبى جواه، كأنها جوا لعبة.
«ورد، كفاية صوت الكرتون» بتغيَّره بصعوبة، زي اللي خرج من الملاهي غصب عنه عشان ماما قالت ياللا.
في الحب سمعت درجة صوت مختلفة طالعة مني، عرَّفتني على نفسي من أول وجديد، وكأن الطاقة دي مامرتش عليَّ قبل كده، أو مرت في زحمة حياتي لدرجة إني عمري ما انتبهت لها.
بحس بحرمان شديد من نفسي لما بفقد الحب، بتحرم من درجة صوتي اللي بتتغيَّر لوحدها.
صوت بيكون أهدأ من خرير ميه عذب جاي من نافورة الجنينة اللي بره الباب.
صوت مش مستعجل عشان يقول حاجة، ولا ساكت بقرار.
صوت موجود وحاضر، كل مرة أسمعه يدهشني، ويوحشني قوي لما يغيب.

 

(4)

قبل ما أخويا يموت بيوم حضرت ورشة للعلاج بالصوت، ولأول مرة سمحت لنفسي إني أطلَّع صوت الندب المشروخ، طلَّعت صوت أمي من زوري، وطلَّعت صريخ محبوس بقاله سنين، شبه صوت العَدِيد، بس مش عَدِيد.
لغة تانية ماحدش قال لي عليها قبل كدا، من خمس سنين لما سمعت صوت الآلات اللي الشامان بيعزفوا عليها وأنا في التأمل، الصوت ده حرّك جوايا معرفة غامضة، فتح باب، أو شال حجاب بيني وبين نفسي، جالي إحساس زي اللي رجع من سفر طويل للبيت أخيرًا.
كنت بحب أنام على صوت القرآن، أو صوت جاي من إذاعة الأغاني لأغنية قديمة تبعد عني القلق الحاد، وأنام وأنا مستخبية جواها من روحي.
صفارة القطر كانت بتصحيني ساعات، ماحدش كان بيسمعها في البيت غيري، أو هكذا كنت أظن، رغم إن بينا وبين محطة مصر 100 متر.
عشان كده لما سمعت أغنية «شيء من بعيد ناداني» جسمي قشعر جدًا وأنا بملا مية من عند الجيران ليلة الوقفة بالبيجامة الجديدة، كنت يمكن في خامسة إبتدائي، دخلت أستنى الجردل يتملي في أوضة التلفزيون اللي جدتهم بتنام فيها على سرير ضخم في نص الأوضة، قعدت على طرف السرير وسمعت الأغنية لأول مرة مع مشهد لقطر كبير بيعدي بسرعة على القضبان، وكأن فعلًا ندهتني النداهة.
فاكرة صوت خالتي «سيدة» قبل ما تموت وهي بتناديني: «يا هبة.. يا هبة» بتنازع زي ما قالوا لي.
كنت بنام معاها في نفس الأوضة، مَرضِت مرض غريب، مش عارفة له اسم، بس عارفة إنه كان له علاقة بالرحم، وإن جالها استسقاء، ومابقتش تاكل ولا تشرب.
ليالي طويلة من الوهن، جسمها بيدبل، وريحة الأوضة بتتغير، فاكرة صوتها الضعيف وهي بتقولي: «خالك جاي يا هبة، أنا شايفة خالك»، نادت عليَّ كتير، وكأني ممكن أشوف اللي هي شايفاه.
«يا هبة» كانت آخر كلمة سمعتها منها.

 

(5)

الخوف كان مصاحب لعلاقتي بالرجالة.
التحرش اللي اتعرضت له في الطفولة، والخناقة الدائمة مع إخواتي الصبيان، خلت الرجالة مصدر تهديد، وبرغم خوفي الشديد، كل اللي عرفتهم كان خوفهم أكتر.
غالبًا وبلا وعي، كنت بختار دايمًا أكون في موقف قوة، عشان أتطمن وأقدر أقرَّب.
واحد منهم كان متضايق قوي إني بفكر كتير، قالي مرة: «حلمت بيكي في فرحنا وأنا بتكلم معاكي، وإنتي قُلتي لي محتاجين نفكر في الموضوع ده، ضربتِك على دماغك، وقُلت لك كفاية بقى، مش هنعيش نفكر طول عمرنا».
والتاني حلم إننا راكبين موتوسيكل سوا، وأنا اللي بسوق، فقرّر يوقّفني عشان يسوق هو، وفعلًا ساق وعمل حادثة كبيرة بينا إحنا الاتنين.
حلمت إني بشتغل في ميناء ضخم وبشيل صناديق، ومستنية بس الولد اللي بحبه يرضى عليَّ، وكل ما أروح له يقولي: «ناقص نخلّص ده بس وهنبقى سوا».
حلم تاني اتكرّر كتير عن حبيب دايمًا موجود وكل حاجة بتحصل عادي، بس عمره ما بيرد عليَّ لما بكلّمه، نظرة لوم مستمرة فضلت مصاحبة أحلامي سنين.
الولد اللي قال لي: «إنتي طالعة من المجلات» حلمت بيه مستنياه في أوضة واسعة على سرير خشب كبير، جدران الأوضة مكسيّة بورق حيطة منقوش وملون، وهو كل شوية يدخل الأوضة ويقولي: «معلش عندي حاجة بخلّصها، اِستني»، وأنا في الحلم بستنى بس، ومليون حِجة بيقولها مانعاه إنه يكون معايا، وأنا ولا مرة اتحركت أو مشيت من الأوضة دي.

من كتاب «عين النمرة» لهبة خليفة.

(6)

عاوزة أستعير صوت الكارتون بتاع ورد، واستخبى وراه، عشان أسمح لنفسي ألعب.
نفسي أرقص حالًا على لحن من الساوند كلاود، أغنية شعبية لست صوتها طالع من الرحم، وأنا ببدلة رقص غرقانة في الترتر، زي مشهد بالأبيض والأسود من الأفلام القديمة، بحرك جسمي ببطء وانغماس شديد في اللحن من غير حذر، بنسى الرقابة الذاتية واندمج في الحركة بحب واستمتاع، دراعاتي وحركة إيدي مع رجلي بيرسموا لوحة في خلفية المسرح المظلمة للنَّص.
إيه هو النَّص؟
والطاقة الأنثوية الواثقة من نفسها فضلت تجري ورايا العمر كله، وأنا بستخبى منها من كتر الخوف.
الخوف من الكتابة مع الرغبة فيها.
مقاومة رهيبة للحاضر اللي بيحوله فعل الكتابة لماضي فورًا، أول ما يظهر على الورق.
لما أقول «كنت خايفة» أسهل ما أقول «أنا خايفة».

 

(7)

اتمشيت لحد السوق لما الكوافيرة قالت لي: «إنتي تخنتي ولازم تلعبي رياضة.. لازم تخسي عشان ماتعجِّزيش».
ورد بتقولي: «أنتِ عجوز يا ماما» وتضحك، ولما أعمل نفسي زعلانة منها تكمل: «العجوز مش وِحش، مين اللي قال إنه وِحش؟»
في الطريق للسوق الجو ابتدا يحرَّر والسما كانت صافية، افتكرت إن مساحة الأمان الوحيدة ليَّ في بيت أهلي كانت حمام بيت ستي، حمام سقفه عالي وبلاطه بيج عاجي من بتاع زمان، كنا بنسخَّن المية في طشت عالي على باجور الجاز، حمام نوره كابي وضعيف بيغرق في البخار، بخار دافي بختفي جواه، وصوت وَش الباجور المنتظم بيعزلني بالكامل عن أي صوت برة.
ممكن أقعد ساعة كاملة على كرسي خشب قريب من الأرض، وقدامي طشت تاني واسع مدور، بزوّد فيه مايه ساقعة على مايه مغلية بالكوز الألومنيوم، اظبط درجة الحرارة، وعلى مهلي أدخل في غيمة جسمي.
كأني في كون تاني معزول، وأطراف صوابع رجلي لونها بيتغير في الميه كل شوية، والوَش المنتظم بياخد القلق بعيد.
ماعتقدش إني حسيت الإحساس ده تاني بعد كدا، كنت بقعد بالساعات وينادوا عليَّ بكلام مهين زي: «إنتي بتلعبي في نفسك في الحمام ولا بتعملي إيه؟» وعمري ما رديت.
لما دخلنا الكلية غيّروا الباجور، واشتروا سخان، وبقى عندنا دش ولمبة نيون باردة، وبقى الحمام عبارة عن عشر دقايق بسرعة.
كتير حاولت أعيد تركيب المشهد بإني أستعمل مية سخنة قوي، فالبخار يملا المكان، أو إني أولع شمع، ولا مرة استرديت الغيمة السحرية، أو صوت الباجور، أو حتى درجة الضوء.
أحلام اليقظة عن الجنس كان إنه بيحصل في الحمام دا.
حمام بيتي اللي اتجوّزت فيه كان صغير جدًا، ببانيو قدم ودش، اتصلّح بعد سنة كاملة لما ركبنا الماتور، لأن الميه ماكنتش بتطلع للدور الثامن.
كان نفسي قوي أدوق الحب في غيمة الحمام، مع صوت المية اللي بيرجعني طفلة وأنثى في نفس الوقت.
كان طلبي بيتقابل بالتريقة أو الرفض.
ومع الوقت اتحوّل الدش ده لأشواك صغيرة، بتلسع جسمي، اللي معُدتِش حاسة بيه خالص.

 

(8)

عند الدكتور، وأنا بفتح بُقي لأول مرة، وأتكلم عن علاقتي بتوأمتي، سمحت لنفسي أزور الطفلة الصغيرة وأسألها: «مالِك؟»
التنمر اللي اتعرضت له من إخواتي أول ما جيت عندهم خلاني أحس إني مليش حق، ولزقت جامد في غادة، أمي قالت لي: «إنتي مسؤولة عن أختك»، وعشت سنين مهمتي آخد بالي منها، وبعد ما نرجع من المدرسة هي تطلع البيت وأروح أنا أجيب العيش من الفرن البلدي في آخر الشارع، شعري منكوش بالمريلة البيج، وشنطة العيش البلاستيك المخرمة.
كل يوم أقف في طابور مابينتهيش، لأن الستات الكبار كانوا دايمًا يزقوني، وأنا غرقانة في عرقي وخايفة من الخنافس السودا اللي بتتحرك على أشولة الدقيق البيضا، ببص حواليا برعب مش بلاقي حد خايف غيري!
عمري ما عرفت أعترض، أو حتى أقول إن فرن العيش بيخوف، ولا إن شراء الجبنة من البقال بيخليني أتلفت حواليا من لمسات على جسمي مش عارفة هي جاية منين بتخلي وشي كله بيحمَّر، وأتكسف من نفسي، وأغضب غضب مكتوم، وأروح البيت بالجبنة من غير ما أنطق ولا كلمة.
عمري ما نطقت!
قلت كلام مجرؤتش أقوله قبل كده: «أختي كانت بنتي الأولانية، أنا عشت الأمومة في سن صغيرة جدًا، وإني أحمِّي غادة ده حِمل عشت بيه سنين».
فيه صوت جوايا بيقولي: «يا مفترية! أختك حبيبتك إزاي تقولي عليها كلام زي دا؟ دي كانت طفلة، عايزاها تعمل لك إيه يعني؟»، صوت بينسى إن أنا كمان كنت طفلة، وليَّ حق.
عمري ما حسيت إن ليَّ حق، إحساسي بحقي ضايع.
معظم الوقت كنت مركزة إني أدافع عن نفسي عشان أحس بالأمان في غابة قلق ضارية، كنت طفلة بتبلع مشاعر الغضب والخوف والإحساس بالإساءة، ببلعهم جوايا، وبفقد الذاكرة.
أزمنة كاملة مش فاكرة منها حاجة.
ولحد دلوقتي بجمع خيوط قصتي، كأني بركِّب بازل، فيه قطع كتير مفقودة، مش هترجع، بس أقدر أتخيلها من السياق.

هبة خليفة

هبة خليفة هبة خليفة، مواليد ١٩٧٧ في القاهرة، فنانة وسائط متعددة، ومصورة وثائقية، ورسامة، يمزج عملها بين التصوير الفوتوغرافي والرسم والكولاج لاستكشاف المشاعر الخفية. تتناول ممارستها الفنية بعمق مواضيع الأنوثة والأمومة، وعلاقتنا بالجسد، وثقل القيود الاجتماعية. بالنسبة لها، الفن رحلة شفاء وفعل مقاومة في آنٍ واحد؛ مساحة من الحرية تتشكل فيها المشاعر ويكسر الصمت. عملت كمصورة وثائقية صحفية لمدة ثماني سنوات مع صحيفة الشروق خلال سنوات الربيع العربي، ملتقطةً التغيرات السريعة في المجتمع المصري والسياسة والشوارع. في المشروع الفوتوغرافي «من الداخل» (٢٠١٤)، استذكرت تجربتها كأم عزباء حبيسة المنزل خلال الثورة المصرية عام ٢٠١١. وفي مشروع «صنع منزلي» (٢٠١٦)، تعاونت مع نساء لاستكشاف الروابط النفسية مع الجسد والأعراف الاجتماعية التي تسعى إلى إملاءها وتقييدها. في مشروعها الأخير الطويل الأمد «عين النمرة» (٢٠١٨-٢٠٢٤)، تغوص في صدمات الطفولة والتصالح معها من خلال عملية شفاء ذاتي عميقة. يتحدى العمل الصمت الأبوي حول الإساءة والأمومة والدين، مستخدمةً الأرشيفات البصرية ورواية القصص التجريبية لمواجهة المحرمات. كتابها «عين النمرة» صدر مؤخرًا عن دار وزيز بالقاهرة.

Join Our Community

TMR exists thanks to its readers and supporters. By sharing our stories and celebrating cultural pluralism, we aim to counter racism, xenophobia, and exclusion with knowledge, empathy, and artistic expression.

Learn more

مواضيع مشابهة

Arabic

مقتطف من كتاب هبة خليفة: عين النمرة

29 SEPTEMBER 2025 • By هبة خليفة
مقتطف من كتاب هبة خليفة: عين النمرة

اكتب تعليقًا

لن ننشر الإيميل الخاص بك، الرجاء ملء إضافة جميع المعلومات المطلوبة

thirteen + nineteen =

Scroll to Top