مقتطف من كتاب أبناء نوت لمحمد أ. جمال

3 March, 2025
أتوم وعابب، من الرسومات الداخلية للكتاب. (الرسم لوجدان توفيق).
بطريقة مشوقة ومحفزة على القراءة، يكتب محمد أ. جمال عن الأساطير المصرية القديمة، حيث يعيد حكي ما نعرفه بأسلوب درامي خفيف الظل، بعيدًا عن الأسلوب الأكاديمي الذي ارتبط دائمًا بهذا النوع من النصوص.

 

محمد أ. جمال

 

١

«كنت وحيدًا في نون».

هذا ما سيقوله أتوم لاحقًا عن لحظات الخلق الأولى تلك في لحظة ما من المستقبل البعيد، ربما في جلسة بين أبنائه وأحفاده من الآلهة وملوك البشر في رحلة شمس ليلية، يستعيد لهم فيها أمجاد لحظة الخلق الأولى، أو ربما في محادثة خاصة مع دحوتي بغرض تسجيل أولى اللحظات، أو مناجاةً لنفسه ساعة حنين للماضي في هرمه، لم تخلُ من آذان متلصصة وأقلام مدونة، خاصة أن مستقبل العالم الذي صممه بنفسه لن يسمح له بلحظة خصوصية واحدة بعد ذلك.

«كنت وحيدًا، لم أكن قد خلقت الآلهة والناس بعد، ولا خلقت أنُّو، ولا رفعت السماء وأرسيت الأرض وأجريت حابي، ولا أنبتُّ النباتات وجعلت الحيوانات. كنت وحيدًا، ولا أجد مكانًا أقيم فيه».

من هنا نستطيع أن نتفهم قصد أتوم ونشعر به، فحتى وهو أبو الآلهة خالق أنُّو وملك الملوك وصاحب قرص الشمس، وغيرها من آلاف الألقاب، نتفهم مع ذلك رغبته في أن يجد لنفسه مكانًا يقيم فيه وأشخاصًا يحدثهم. في النهاية قصة كل واحد منا، حتى خالق الكون الأسطوري المصري، هي قصة البحث عن بيت؛ هكذا بدأ الكون (ولأن القصة المكملة لكل واحد منا، حتى خالق الكون الأسطوري المصري، هي قصة الهروب من البيت؛ هكذا سينتهي الكون. لكن لا يزال الحديث عن ذلك مبكرًا… جدًّا).

ذلك كان أول ما دار في خَلَد أتوم لحظة انبثق وعيه، وهو لا يزال تلًّا طينيًّا يُدعى بنبن في غور نون: كنت وحيدًا.

طيب، أعلم أن هذا غريب، ربما يساعدنا إرساء بعض السياق؟

 

٢

أبناء نوت من إصدارات تكوين.

نون هو المحيط الأولي، السرمدي. نون هو المكان الذي كان ولا يزال وسيظل. في البدء -أو للدقة من قبل البدء- كان نون، مياهًا لا نهائية، ساكنة تمامًا، لا موج فيها ولا تيار، لا سطح لها ولا قاع، لا تعلوها سماء ولا تحتها أرض. نون مظلم، قاتم. بل إن كلمة «مظلم» لا تفي بالغرض، فالظلمة التي نَعرِفها نُعرِّفها بمقارنتها بالنور، بمدى انعدام القدرة على الرؤية. لكن ظلمة نون تتجاوز هذا التعبير، تتجاوز أي ظلمة عرفها أحدنا في حياتنا المحدودة بالحواس. إنها عدم تام يتجاوز قدرة اللغة على الوصف.

ولعل نون أيضًا ليس مياهًا، البعض يقول إنه طمي، وكلا الرأيين له ما يبرهن عليه من الأدلة[1]. كيف لنا أن نعرف؟

إن نون خاوٍ. خاوٍ مثلما نعتبر غرفة ما خاوية لأنها عارية من الأثاث والسكان والأشياء، متجاهلين أنها تحوي هواء وذرات غبار وحياة ميكروبية لا تُرى ومليارات التفاصيل التي لا تُرى بالعين المجردة. هكذا يمكن أن نعد نون خاويًا طوال الوقت لأنه في أشد لحظات اكتظاظه، لا يتعدى مجمل ما فيه ذرات غبار في غرفة خاوية.

ومع أننا لا نلقي للغبار بالًا في الظروف العادية، فإننا هنا لا يعنينا إلا هذا الغبار، فنحن هذا الغبار.

لا شيء إذن في تلك اللحظة التي تسبق البداية غير نون، وغير ذرات تستجمع نفسها رويدًا رويدًا، ذرات من طاقة وجود، طاقة خلق. ثمة وجود آخر غامض مبهم يوازيها، لكنه ليس محل تركيزنا الآن. المهم هو طاقة الخلق تلك، ذرات مفتتة من الحياة في أرجاء نون اللانهائية، تنجذب إلى بعضها في نقطة بعينها مثل برادة حديد إلى مغناطيس.

وفي لحظة ما… لنتفق على شيء؛ استخدام ألفاظ مثل: «لحظة، وقت، فترة، الآن… إلخ» هنا هو استخدام اعتباطي، فلا وجود للزمن في ذلك الوقت. الزمن مثله مثل الكون كله لم يُخلق بعد، وكل ما حدث حينها لا سبيل لقياسه، فربما حدث فيما يوازي مليارات من السنين التي نعرفها الآن، وربما استغرق أجزاء من الثانية. ذلك كان خارج نطاق الزمن، ولا نستخدم مصطلحاته إلا لتبسيط الحكي.

أقول في لحظة ما، تجمعت طاقة الخلق تلك كلها في أول وجود مادي، في تل طيني يُدعى بنبن، في غور نون.

وفي لحظة لاحقة، استيقظ وعي بنبن، اكتمل نضوج طاقة الخلق فيه ليتحول من جماد إلى حياة، إلى إله، إلى أبي الآلهة وخالق الوجود القادم. صار بنبن أتوم، وفكر أتوم أول ما فكر: أنا وحيد.

كل شيء هو أتوم وأتوم هو كل شيء، هو أنا وأنت وكل من وما نعرف. أتوم هو المادي والمجرد، هو السماء والأرض، هو النبات والأفكار والمشاعر والذرات والإلكترونات. كل شيء عدا نون (وعدا الوجود الآخر المبهم) سيأتي من أتوم، الذي لا يزال حتى الآن بنبنًا وحيدًا.

أول ما أدركه أتوم بوعيه المستحدث كان موجة عاتية مباغتة من العداء والكراهية والحقد غمرته داخل نون، موجة أدرك أنها لم توجد من قبل، وإنما تولدت الآن فقط، عندما استيقظ وعي أتوم. مصدرها كان الوجود الآخر الموازي له في قلب نون، ليس قريبًا منه بأي حال من الأحوال، لكنه واضح وجلي على خارطة إدراكه: إنه عابب[2].

اندهش أتوم لما وجد اسم عابب في وعيه، ووجد كذلك صورة ذهنية في داخله لهذا العابب: ثعبان هائل جبار، يبلغ من الضخامة ما يصعب حتى على وعي أتوم أن يحتويه. يلتف هذا الثعبان حول نفسه ويعض ذيله، في أسى. أسى؟ يفترض به أن يكون هائل القوى لكنه واهن، جريح، ثمة ما أصابه فجعله لا يقدر على شيء، إلا رمي الإله حديث العهد بالوجود بكل تلك المشاعر العدائية.

وتعجب أكثر لما وجد تلك المعرفة المباغتة كلها يصاحبها شعور بالـ… ألفة. كل هذا مألوف ألفة مربكة. كيف يألف المرء شيئًا وهو لم يوجد قبل الآن؟ وكيف والكون برمته لم يُخلق بعد؟

غير أنه تجاوز هذا العجب بسرعة، وتجاوز حتى عدائية عابب ورغبته العاتية في تدمير أتوم (التي يبدو أنه عاجز عن تحقيقها لضعفه)، لما وجد أن مسألة خلق الكون هذه تلح عليه بشدة، مع أنها لم تخطر له إلا الآن. إنها طاقة الخلق الهائلة تفور في داخله، ولا تنسَ أنه أيضًا وحيد.

ها هو أتوم، أو بنبن، يتأهب لخلق الوجود.

على أي أساس قرر أن يخلق؟ هل كان ما خلقه أول فكرة خطرت له؟ نزوة؟ طاقة منفجرة عفوية؟ مسودة أولية من نص غير محرر؟ أم أنه تأمَّل وتدبَّر، وأعمل التفكير في شتى أشكال العوالم والكائنات؟ لا علم لي للأسف بالإجابة عن هذا السؤال، ولا يسعني حتى التخمين. فالعالم الذي خلقه أتوم يبدو حينًا محكمًا دقيقًا لا تفوته فائتة، وحينًا عشوائيًّا طائشًا بلا دليل استخدام.

على كلٍّ، بدأ أتوم الخلق، وأول ما خلق كان نفسه.

وهذا منطقي، فمن غير المقبول أن يستمر خالق الكون بهيئة تل طيني. كيف سيحترمه الآخرون؟ وإلا على أي هيئة سينصبون التماثيل ويرسمون اللوحات إذن؟ ماذا سيكون شكله وسط ملوك آلهة الحضارات الأخرى العظام؟ هكذا خلق التل بنبن لنفسه جسدًا في هيئة حسنة، جسد أتوم الشاب رب الأرباب. نحن الآن نربط هيئته تلك بهيئة الذكور من البشر، لكن ذكور البشر هم من خُلقوا على هيئة رب الأرباب وليس العكس. لا يعني ذلك أن أتوم كان بالضرورة ذكرًا، فأتوم يسبق ثنائية الذكر والأنثى، وإنما الذكورة بالنسبة له ليست إلا وسيلة للوصول إلى غايته، الغاية التي لم يعد مناص من ذكرها مهما حاولت المماطلة لتأجيلها. هكذا خلق أتوم العالم بحسب السجلات ولا دخل لي بذلك: بالاستمناء.

بعض الروايات المستحية تحاول اقتراح أنه خلق العالم بالبصق، وهو شيء يناسب أن تحكيه لأبنائك مثلًا أو على مائدة عشاء عائلية انفتح فيها لسبب ما موضوع الرؤية المصرية لخلق الكون. لكن لا مناص من الاعتراف بخلو هذا من المنطق، لم ينجح رجل سعى إلى الأبوة بالبصاق قط، على الأقل بحسب علمي. كان وسيظل مصدر الحياة عند الذكر، إلهًا كان أو بشر، هو ماء الرجل.

فعلها أتوم مرددًا كلمات سحرية معينة لا علم لفانٍ بها، وتدفق ماء الحياة داخل مياه العدم.

أول ما خرج من ماء أتوم كان أبناؤه الثلاثة: شو، وتفنوت، وماعت.

شو كان ذكرًا، كان الهواء. امتد شو فور ولادته في فقاعة غازية ضخمة، أحاطت بنبن وتجاوزته مزيحة ماء المحيط السرمدي عنه. تلك الفقاعة الهوائية الخاوية ستكون منصة المسرح التي سيتشكل عالم أتوم القادم عليها.

وتفنوت كانت أنثى. كانت الماء، إنها الرطوبة والنداوة في الهواء، إنها المطر والأنهار، الماء العذب الذي لا غنى للحياة عنه. شو وتفنوت شقيقان، توأمان، لهما نفس الكا والبا (شقَّي الروح). سيتزوج شو من تفنوت، الآن أو لاحقًا، وذريتهما ستكون جب ونوت، ولاحقًا أبناء نوت الأربعة الذين سيعيثون في الكون فسادًا. لكن تلك حكاية أخرى لا تزال في مستقبل بعيد.

أما ماعت فهي الشقيقة الثالثة لشو وتفنوت، لكنها ليست توأمًا لهما، بل هي أيضًا من أقل الآلهة ظهورًا وفاعلية (ظاهرية) في الحكايات التالية، لكنها في الواقع من الأكثر تأثيرًا على الكل بشكل غير مباشر. إن ماعت هي النظام، هي العدالة والحق ونظام الكون، إنها قوانين الفيزياء وقواعد الأخلاق. ماعت أيضًا غذاء الآلهة؛ بشكل ما، لا حياة للآلهة من دون ماعت، هي ماؤهم وهواؤهم وخبزهم ولحمهم.

إذن أول ما خلق أتوم كان المجرد والمادي في آنٍ واحد، رمى أساس حياة البشر والآلهة قبل خلق البشر والآلهة. مثلما سيتنفس البشر شو ويشربون تفنوت، ستقتات الآلهة على ماعت، ومع ذلك لا يفنى شو ولا تفنوت ولا ماعت.

على أعمدة الوجود الثلاثة تلك تابع أتوم خلق العالم والآلهة والكائنات، من مائه الأولي المترع بالحياة. كون عظيم ذلك الذي انبثق من أتوم داخل فقاعة شو الهوائية التي تحمي العالم النضر من ماء نون.

بيد أنه غير كامل. شعر أتوم أن ثمة شيئًا ما يحتاج إلى خلقه الآن. نعم لا يزال هناك الكثير بلا شك مما ينقص هذا العالم، لا تزال هناك العديد من الآلهة التي لم تُخلق، وهو كذلك لم يخلق البشر بعد، وفي خياله حيوانات من كل شكل ونوع سيتسلى بخلقها تباعًا، بل إنه حتى ينوي خلق إله مهمته التصميم والنحت والتشكيل، يكتفي بشرح رؤيته له ويترك له مهمة البناء. كل هذه أشياء رائعة وبديعة لكنها مكملة للوجود، ليست مؤسسة له، لن يسقط العالم من دونها. ثمة شيء يفوقهم أهمية، شيء يكاد يبلغ أهمية أتوم ذاته. لا يعلمه ولا يدرك ماهيته، لكنه يدرك أنه لو لم يأتِ به فورًا، ويحققه ويرفعه فوق العالم الهش الجديد، سيتداعى عالمه قبل أن يبدأ ويتلاشى كل شيء، فتتحقق رغبة الثعبان البغيض الذي لا يني يرميه بالحقد والبغضاء من مكانه من دون أن يتحرك.

ود حينها أن يستشير أحدًا، تمنى أن يكون له مستشار خاص حكيم وداهية يفكر بدلًا منه، وفورًا ظهر في خياله اسم وهيئة دحوتي، الوزير الأمين. هل خلق دحوتي وسط ما خلق أم لم يخلقه بعد؟ نظر حوله بحثًا عنه، فلم يره، لم ير أحدًا أو شيئًا في تلك الظلمة المطلقة التي تطغى على العالم، حتى يبدو للناظر وكأن مخلوقًا ما خُلِق وكأن كونًا ما كان. اللعنة على تلك الظلمة… تلك الظلمة! بالطبع! كيف لم يفكر في هذا من البداية؟ إنه يحتاج إلى ما يبدد الظلمة، تبدو له الإجابة الآن واضحة، واضحة وضوح الشمس، إنها الشمس ذاتها.

فور ورود تلك الفكرة إلى ذهنه، انبثقت من مياه نون بيضة[3] هائلة، ودخلت في نطاق هواء شو وسماء العالم الوليد، وانشقت، وبزغ منها القرص الأصفر المستعر، ليعمي بوهجه عين خالقه ومخلوقاته. نهض رب الأرباب ووقف منتصبًا، ومد يده والتقط قرص الشمس، وثبته في عينه، ليصبح أتوم-رع[4].

 

٣

وقف أتوم-رع، على تله الأولي الذي صار مركز الكون، وتأمل خلقه بعينه الشمسية المتألقة. وكان ذلك رائعًا… وغريبًا.

نعم هو من تخيل وحلم وخطط وصمم ونفذ هذا العالم، لكنه يظل مع ذلك مربكًا غريبًا تحت عينه التي تشع كل نور وحرارة وطاقة في الكون[5]. يبدو العالم أكبر مما حسبه، لا يكاد بصره الشمسي يبلغ آخره، يحتاج للذهاب بنفسه إلى الأطراف البعيدة المظلمة لينيرها ويراها. بل الأغرب أنه خاوٍ على ما يبدو. أين ما خلق من الكائنات والآلهة؟ يبدو أنه لم يراعِ سعة العالم وهو يصنعه، فنثر مخلوقاته كما اتفق في كل مكان، ولا بد أنهم الآن على وشك الاستيقاظ. قد يمر وقت طويل قبل أن يجدوا بعضهم بعضًا. لكن لا بأس، يبدو العالم مكانًا لطيفًا على كل حال. استنشق أتوم الهواء المنعش الطازج (أحسنت صنعًا يا شو يا بني)، وتأمل السماء البيضاء الناصعة، المرفوعة على أربعة أعمدة في أركان الأرض الأربعة، وتأمل الأراضي الخضراء الممتدة حتى يبلغ البصر أقصاه، تعجُّ بكل أنواع الغابات والحدائق والأشجار التي تتدفق بينها الجداول والأنهار والبحيرات. وانظر إلى هذا النهر الطويل الجبار الذي يجري تحت السماء ويشقُّ الأرض شقًّا؟ آه، إنه حابي، النهر الذي أراد به أتوم-رع أن يكون أعظم الأنهار ودرة جمال هذا العالم. ينبع حابي من نون مباشرة بحسب ما خطط له، لكنه لا يشبه نون في شيء؛ مياهه صافية جارية تتلألأ بنور الشمس، تكاد تنطق وتقول أنا الحياة.

دار رأس الإله الجديد بمزيج من السعادة، والتأثر، والإنهاك الذي يتبع خلق العوالم عادة، لا سيما تلك التي تُخلق بمثل طريقته في الخلق. واتته رغبة عاتية غير مبررة في البكاء، فبكى. ذرفت عينه غير الشمسية دموعًا غزيرة وكأنها غيث عارم، ما إن تلمس قطرة من دموع خالق الكون طين الأرض الأسود حتى تتحول إلى كائن يشبه في تكوينه كبير الآلهة، لكنه ضئيل هش واهن، مرتبك مذعور ملتاع، ما إن ينهض ويرى أتوم فوقه عظيمًا جبارًا، حتى يركض برجليه النحيلتين هلعًا إلى أن يختفي في كهف أو خلف شجرة أو في حفرة أو في حضن كائن آخر من دموع أتوم. ضحك أتوم طويلًا من سلوك تلك الكائنات الجديدة. وهكذا خلق البشر.

أما عين الشمس، فلم تذرف إلا دمعة واحدة، قطرة من الذهب النحاسي السائل اللامع، نزلت محملة بحب جارف من أتوم يفوق حبه لكل ما خلق أضعافًا، وكأنها دمعة من القلب لا العين. تحولت تلك القطرة قبل أن تبلغ الأرض إلى ربة أنثى أجمل وأبهى وأرق من باقي الآلهة، من باقي البشر، من كل الكائنات، ما خُلق منها وما لم يُخلق بعد. إنها حوت-حرو[6]، قرة عين أبيها، ربة الجمال والحب من قبل حتى أن تُعيَّن للآلهة أدوار.

كان أتوم-رع ينحني ليغترف من حابي بعض الماء كي يمسح على وجه الابنة الأحب إلى قلبه، عندما أصابته اللطمة الخاطفة من ذيل الثعبان الأسود، ورمته في الهواء.

[1] أي ذُكِر في أحد النصوص القديمة. وهذا هو نهجنا هنا؛ مجرد ذكر شيء في نص قديم برهان على صحته.

[2]  يُعرف بالتسمية اليونانية الشائعة: أبوفيس.

[3] وفي رواية أخرى نبتت من النهر زهرة لوتس عظيمة وتفتحت وخرجت الشمس من بين بتلاتها. لا يمكننا للأسف التأكد من صحة أي من الروايتين، فلم يكن هناك من يصور الخلق بالكاميرات.

[4] اسم أتوم يرجع للجذر «إتم»، ويعني التمام والكمال. واسم رع كان يستخدم أيضًا في اللغة المصرية بمعنى الشمس، وبمعنى النهار. أيهما سبق الآخر؟ هل سبق اسم الشمس تسمية الإله؟ أم سُميت الشمس على اسم الإله؟ كالعادة لن نعرف أبدًا.

[5] وهذا الشعور سيرثه منه كل مبدع بعده من الآلهة والبشر، يتأمل صنيعة يده بعد انتهائه منها، ويراوده مزيج الحيرة والألفة والتعجب والخوف، لا يكاد يصدق أن هذا وُلد منه وحده.

[6] وسيسميها اليونانيون لاحقًا «حتحور».

محمد أ. جمال، كاتب ومترجم مصري، نُشر له «طيران – 2021»، «كتاب خيبة الأمل – 2018». وعدد من الأعمال المترجمة من الإنجليزية إلى العربية، منها: «البطل بألف وجه – جوزيف كامبل» و«إفطار الأبطال – كورت فونيجت» و«سباحة في بركة تحت المطر – جورج سوندرز». حاز جائزة «أخبار الأدب» في الرواية 2017، ومنحة آفاق في الكتابة الإبداعية 2022.

أبنا نوتأساطير مصرية قديمةمحمد أ. جمال

Leave a comment

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Become a Member