حوار مجلة المركز – ليلى أبو العلا تكتب عن السودان

29 مايو، 2023

ليلى أبو العلا كاتبة سودانية حائزة على جوائز، نشرت ست روايات ومجموعتين قصصيتين. نشأت في الخرطوم - السودان، وانتقلت إلى أبردين - اسكتلندا عندما كانت في عقدها الثالث. تشمل رواياتها روح النهر (River Spirit) الصادرة حديثًا من Saqi Books في لندن، بالإضافة إلى "استحضار الطيور" و"مئذنة" و"المترجم" - واحد من أبرز مئة كتاب طبقًا لنيويورك تايمز هذا العام - و"لطف الأعداء"، و"زقاق كلمات الأغاني"، الرواية الحائزة على جائزة الكتاب الاسكتلندي. أبو العلا هي أيضًا أول فائزة بجائزة كين للكتابة الأفريقية. ترجمت أعمالها التي نالت استحسان النقاد من الإنجليزية إلى 15 لغة.

أجرت ياسمين مطاوع حوارًا مع ليلى أبو العلا عن العملية الإبداعية الخاصة بها، والكتابة كمسلمة، وسرد تاريخ السودان من خلال الأدب.

 

 

ياسمين مطاوع: كيف تتم عملية الكتابة الإبداعية الخاصة بك؟ أعلم أنك غيرتِ الفترة التاريخية التي كنت تخططين للتركيز عليها في رواية "روح النهر" (2023) بعد التفاعلات الجماعية التي أجريتها أثناء إقامتك في مركز بيلاجيو، حيث بدأت كتابة الرواية، ولأنك  "وجدت" إحدى الشخصيات الرئيسية في أرشيف جامعة دورهام.

ليلى أبو العلا: كانت إقامة روكفلر في بيلاجيو تجربة فريدة من نوعها لأنني عندما ذهبت إلى هناك كنت في بداية بحثي بخصوص الرواية. إنها سمة من سمات الإقامة الأدبية، حيث نشارك عملنا ونتبادل الأفكار. من خلال مشاركة مخطط روايتي مع الزملاء الآخرين، واجهت تحديًا لتغيير الفترة من ما بعد الغزو البريطاني (وقت السلام وإعادة البناء) إلى السنوات المشحونة التي سبقته، والتي كانت مليئة بالحروب وأدت إلى السقوط الدرامي للخرطوم. كما تم تشجيعي على كتابة المزيد عن النساء، وكانت هذه نصيحة هامة. السجلات التاريخية الموجودة كلها متحيزة للرجال، ويمكن للخيال أن يعطي صوتًا لأولئك الذين تم تهميشهم أو مجرد ذكرهم كحواشٍ أسفل الصفحة.

يمر وقت طويل قبل بدء العمل في مشروع. أحب أن أفكر فيه، وأن أتركه لينضج، حتى أشعر بالاستعداد للكتابة. أنا لا أحتفظ بدفتر أفكار ولذا أميل إلى أن يكون لديَّ الكثير من الأفكار التي سرعان ما تتبخر. أنا أعتبر تبخرها دليلًا على أنها لم تكن مهمة أو رائعة بما فيه الكفاية. إذا كنت لا أتذكر ما أدهشني كفكرة رائعة بالأمس، فهذا يعني أنها لم تكن فكرة رائعة حقًا بعد كل شيء! يجب أن أكون مهووسة بصورة أو شخصية أو فكرة معينة لفترة طويلة من الزمن من أجل الالتزام بالكتابة.

الشخصية التي "وجدتها" في أرشيف السودان في جامعة دورهام كانت موجودة في فاتورة بيع امرأة مستعبدة. كنت أعرف أن العبودية كانت موجودة في السودان في القرن التاسع عشر، مع ذلك صُدمت عند رؤية الفاتورة الفعلية التي حوت سعر البيع واسمي كل من المشتري والبائع. كما عثرت على عريضة تفصِّل حالة امرأة مستعبدة تدعى "زمزم"، هربت وسرقت قطعة ملابس من سيدتها. عادت إلى سيدها السابق، ثم صدرت العريضة ضده. لقد وجدت هذا الموقف مثيرًا للاهتمام ومعقدًا بما يكفي بالنسبة إليَّ إلى درجة الرغبة في سد الفجوات بالخيال. بدأت البحث عن العبودية في شرق إفريقيا؛ مداها، وكيف تختلف عن عبودية الساحل الغربي عبر المحيط الأطلسي، وكيف كان السودان في القرن التاسع عشر بوابة لأسواق الرقيق المربحة في القاهرة واسطنبول.

مطاوع: صدر كتابك قبل أقل من شهر من بدء الأزمة الحالية في السودان، وعلى الرغم من أنه يغطي الفترة ما بين 1877 و1898، وهي السنوات التي سبقت تمرد المهدي حتى حصار الخرطوم، فمن المستحيل عدم قراءته على أنه أكثر من أدب، كوسيلة لفهم جزء من تاريخ الناس الذين يحدث لهم هذا اليوم. أنت تعرفين نفسك على أنك سودانية تعيش في المملكة المتحدة، وأمك مصرية! هذه حقًا قصة يصعب سردها بالنظر إلى الأدوار التي لعبتها كل تلك البلدان في السودان في أواخر القرن الثامن عشر.

أبو العلا: الأزمة الحالية التي بدأت في 15 أبريل كانت صادمة في تأثيرها المدمر على مواطني الخرطوم. كانت الخرطوم مدينة مسالمة منذ عقود. يمكن للتاريخ أن يساعدنا بالفعل في وضع الحاضر في سياقه. هناك أصداء، لكن الأزمة الحالية لها تعقيداتها المعاصرة. أثناء كتابة روح النهر  كنت أعيد النظر في مثلث السودان ومصر وبريطانيا، وهو ما قمت به من قبل في زقاق كلمات الأغاني، حيث تدور الاحداث في خمسينيات القرن العشرين. لكن في الواقع، لأن هذه الأماكن الثلاثة شكلت هويتي، كنت مفتونة بالديناميكيات فيما بينها، وأصبحت رواية هذه القصة أكثر سهولة.

هناك أيضًا، في قصة الحركة الثورية المهدية، أصداء وأوجه تشابه مع الحركات الإسلامية المسلحة في العصر الحديث. إن الشعور الشديد بالظلم يجعل الثوار المسلمين ينتفضون ضد حكامهم ويدينونهم باعتبارهم كفارًا. هذا اتهام متطرف ولا أساس له في الشريعة الإسلامية، كما أنه خطير لأنه يعطي مثل هذه الجماعات الضوء الأخضر لشن حرب أهلية وتعطيل المجتمع. كما أجد أنه من اللافت للنظر أن العلماء في الخرطوم والأزهر في القاهرة كانوا واضحين وصلبين عندما أصروا على أن محمد أحمد عبد الله لم يكن المهدي المنتظر الحقيقي. ولأن هذه الأصوات تمثل المؤسسة الدينية، فمن السهل على أعدائها أن يرفضوها باعتبارهم دمى في يد الحكومة و"يجتمعون بالسلطان". ومع ذلك، فإن حججهم، الصارمة والمثيرة للإعجاب على حد سواء، تستند بالكامل إلى التقاليد الإسلامية، وليست ردًا غير محسوب على التهديدات الموجهة إلى استقلالية الحكومة. لقد تأثرت بنفس القدر بالروايات عن كيفية اضطهادهم والتغلب عليهم.

مطاوع: أرى بعض أوجه التشابه بين صالحة في رواية روح النهر وآنا في رواية  "لطف الأعداء" (2015). كلاهما امرأتان حكيمتان أسرتهما الحرب. وكلاهما تتصرفان بكرامة وقوة، وتتمكنان من حماية أطفالهما. كما أنهما تعيشان خلف خطوط العدو وتفهمان وجهة نظره. هل سبق أن سئلت عما إذا كانا مصابتين بمتلازمة ستوكهولم؟ يبدو لي هذا وثيق الصلة بالموضوع، بالنظر إلى أن روح النهر تتعمق بشجاعة في تعقيد السياسة الجنسية المحيطة بالأشخاص المستعبدين وأسرى الحرب.

أبو العلا: الفرق الكبير بين آنا في  "لطف الأعداء"  وصالحة في "روح النهر"  هو أن أعداء صالحة سودانيون مثلها. ينتهي الأمر بصالحة مع عائلة خضعت لحكم المهدي على الرغم من أن زوجها وعمها كانا يعارضانه تمامًا. لا أعتقد أن تسميات مثل "متلازمة ستوكهولم" مفيدة تمامًا في عكس تجارب نساء القرن التاسع عشر المحتجزات كأسرى حرب. المصطلح محمل بالرفض والازدراء والإصرار على أن التجربة هي حالة تتطلب علاجًا. جسم الإنسان مصمم للشفاء والتكيف، عندما تجد النساء أنفسهن في هذه المواقف، فإن الاستجابة للطف وقبول ظروفهن الجديدة هي آلية تكيف تضمن بقائهن على قيد الحياة. وبمجرد أن يلدن أطفالًا يصبح آباؤهم هم الخاطفون، يزيد هذا من تعقيد الوضع ويحصِّن النساء بشكل أعمق في مجتمع العدو.

مطاوع: أنت تعرفين نفسك علنًا كمسلمة متدينة، تضم رواياتك مسلمين متدينين يسترشدون بعقيدتهم أثناء اتخاذ القرارات الصعبة. كيف تكتبين عن الإيمان اليوم؟ يميل الناس إلى التوتر والخجل عندما يسمعون عن كاتب مسيحي أو مسلم يعرف نفسه على هذا النحو. على الرغم من أنك قد تكونين حرة في الكتابة، إلا أن الناس أحرار في تجاهلك، وعدم نشر ما تكتبين، وتهميشك، ومناصرتك. الذين كتبوا من قبلك بطريقة منحتك الإذن بالكتابة كما تريدين عن الموضوعات التي تكتبين عنها؛ بشكل غير اعتذاري وغير عاطفي تمامًا؟

أبو العلا: انتقلت إلى الكتابة بعد أن فشلت في الحصول على درجة الدكتوراه في الإحصاء. أثناء التقييم الأكاديمي الذي تم اتخاذ هذا القرار على أساسه، أخبرني الأستاذ الممتحِن أنه كان يجب عليَّ قراءة كتاب بعنوان كيفية الحصول على درجة الدكتوراه. كان هذا مثيرًا للسخرية لأنني في الواقع قرأت الكتاب. ما تعلمته منه هو أنه يجب عليك مراجعة الأدبيات في الموضوع الذي اخترته ثم استحضار أو إضافة شيء جديد. على الرغم من أنني فشلت بشكل واضح في القيام بذلك في الإحصاء، إلا أنني حملت الفكرة معي عندما بدأت في كتابة الروايات. لقد عقدت العزم على إضافة الإسلام إلى الأدب المكتوب باللغة الإنجليزية لأحطم الحدود، لأن الإيمان لم يكن موجودًا في هذا الأدب، على الأقل ليس بشكل صريح. بهذه الطريقة، سأقدم شيئًا جديدًا للأدب الإنجليزي. لذلك شرعت في الكتابة ضمن تقليد الأدب الأفريقي لما بعد الاستعمار، مع التركيز على التجربة الإسلامية. لقد ألهمني الكتاب الذين وُلدوا في أجزاء مختلفة من العالم والذين جاءوا إلى بريطانيا، مثل الطيب صالح، وبن أوكري، وأهداف سويف، ودوريس ليسينغ، وبوتشي إميشيتا، وجان ريس، وأنيتا ديساي، وعبد الرزاق قرنح.

هناك تحدٍّ في أن أكتب كشخص مؤمن. أتذكر أن الطيب صالح أخبرني، بعد أن قرأ "المترجم" أن أفراد جيله يخجلون من تضمين مثل هذه الأمور في عملهم. قد يكون من "الموتر والمخجل" التحدث عن الإيمان وهناك تحدٍ يتمثل في الوصول إلى القراء الذين من المحتمل جدًا أن يكونوا متشككين في أي شيء "روحاني". أعتقد أن الكلمات التي تعبر عن الإيمان يجب أن تنبثق بشكل طبيعي من الشخصية ولا يمكن إقحامها في النص. أحرص أيضًا على إظهار الشخصيات ذات العلاقات المختلفة بالإيمان أو الذين لا تربطهم به علاقة على الإطلاق. أنا دائمًا آخذ الدين على محمل الجد، أنا لا أرفض أبدًا. أكتب عن الشخصيات المعيبة، وليس الشخصيات المثالية. أنا أيضًا حريصة جدًا على ألا أعظ.

"بشكل غير اعتذاري وغير عاطفي" يعكس موقفي الشخصي. يجب أن أقول أيضًا أنني حصلت على الدعم الكامل من الناشرين. لم تمثل العناصر الإيمانية في عملي مشكلة قط. لقد استمررت في العمل مع نفس الوكيل ونفس الناشر الأمريكي، لذلك كنت محظوظة جدًا.

مطاوع: كتابتك توفر للشخص المسلم الناطق باللغة الإنجليزية مرآة يرى فيها نفسه. نحن نعترف بعملك ككتابة بريطانية تكتبين عن أفريقيا لأنك فزت أيضًا بجائزة كين. من هم قراؤك؟

أبو العلا: عندما صدرت رواية أهداف سويف "في عين الشمس" في العام 1992، كانت رواية رائدة. في الآونة الأخيرة، مهدت شيماماندا نغوزي أديتشي وإليف شافاق الطريق لمزيد من الكتاب المتنوعين ليدخلوا تيار الكتابة السائدة. يمكن أن ينمو عدد القراء، ولكن إذا واصلنا استهداف نفس الأشخاص بأشياء أحبوها من قبل فإننا لا نحاول تنمية السوق. نحن بحاجة إلى تأكيد أنفسنا أكثر. تنتشر كتبي بشكل جيد للغاية بين القراء المهتمين بشكل خاص بالموضوعات التي أكتب عنها. أجد استجابة دافئة لعملي بين السودانيين وعموم الأفارقة والعرب في الشتات، في اسكتلندا والإمارات العربية المتحدة وباكستان. في المملكة المتحدة، حيث أعيش، يُنظر إلى كتبي على أنها أجنبية إلى حد ما، ما يعني أنها تنافس الكتب المترجمة التي تمثل 5.63 في المائة من إجمالي سوق الكتب في المملكة المتحدة. علاوة على ذلك، تهيمن الكتب الاسكندنافية واليابانية والإسبانية على سوق الكتب المترجمة في الوقت الحالي. كانت روايتي "مئذنة" هي التي وصلت إلى العديد من قراء التيار السائد. تم الترحيب بكتبي الأخرى بشكل أكبر من قبل القراء المتخصصين، تنتمي هذه المجموعات إلى مجموعة سكانية أصغر سنًا ومتنامية، لذلك هذا أمر مثير. إنه لمن دواعي سروري دائمًا أن ألتقي بالقراء الذين نشأوا وهم يقرأون رواياتي، والذين كانوا صغارًا جدًا عندما نشرت رواية "المترجم" أول مرة في العام 1999. يدخل المزيد من الكتَّاب الملونين إلى عالم الكتب الآن، وهناك أيضًا ردود متنوعة، لذلك تحسنت الأمور بالفعل بشكل كبير.

 

ياسمين مطاوع، حاصلة على درجة الدكتوراه، باحثة ومترجمة ومعلمة وناقدة ومستشارة ومحررة، لها منشورات عديدة في أدب الطفل باللغة العربية. عملت في لجنة تحكيم جائزة بولونيا راجازي للعام 2021، ولجنة تحكيم جائزة هانز كريستيان أندرسن لعامي 2016 و 2018، ولجنة تحكيم جائزة اتصالات لأدب الأطفال العربي للعام 2017، وفي لجنة الاختيار العربية لنادي كتاب أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة (2019-2020). حصلت على منحة ما بعد الدكتوراه من مؤسسة أندرو ميلون في العام 2018. نشرت كتاب "السكون ما بين الأمواج : كتب الأطفال المصورة والمجتمع المصري المعاصر" في العام 2021. وفي العام 2022 حصلت على جائزة التميز في البحث والمساعي الإبداعية من الجامعة الأمريكية بالقاهرة لسجلها المتميز في الأبحاث المرئية على الصعيدين المحلي والدولي.

الكاتبات العربياتمصرروائيإسلامالخرطومرواياتالسودان

تعليقان

اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *